إليكم و حصرياً طلبة السنة الثانية قسم اللغة العربية نموذج امتحان السداسي الرابع في مقياس النثرالمعاصر
نظام ل.م.د
ليوم الإثنين24 ماي 2022
جامعة حسيبة بن بوعلي – كلية الآداب و اللغات – الشلف
اسم الملف | نوع الملف | حجم الملف | التحميل | مرات التحميل |
جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف.doc | 29.5 كيلوبايت | المشاهدات 56 |
شكراااااااااااااااااااا لك اختي و اريد ان اسألك عن التخصص في السنة الثالثة قالونا انه متوفر في جامعة الاغواط الدراسات اللغوية و الدراسات الادبية ما رأيك؟
اسم الملف | نوع الملف | حجم الملف | التحميل | مرات التحميل |
جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف.doc | 29.5 كيلوبايت | المشاهدات 56 |
منطق البطلان في الفكر القانوني المعاصر
مقدمة: في الأساس التاريخي واللغوي
ما بُني على باطل فهو باطل، مَقولة تبنتها الشرائع القديمة التي تَضمنت مباديء عامة ، ولَطفت من آثارها الشرائع الحديثة الحَية مراعيَةً في ذلك روح العَصر والأفكار الإجتماعية النـَيرة الحديثة ، وكان للشريعة الاسلامية الغـَراء السَبق التاريخي في تعديل مضمون هذه القاعدة الحَدية بحسب الاصل وتلطيف مفعول اثارها، ومع ذلك فانها ما برحت متداولة في الوسط القانوني والقضائي والعام ،على صورتها القديمة .
تـَرجع الجذور الفكرية لهذه المَقولة ، من الناحية التاريخية ، الى علم المَنطق ، وهي نتيجة من نتائجه ِ، إذ يقتضي التفكير المنطقي السليم المُجرد ، ان يكون أساس التصرفات الفعلية والقوْلية صحيحا حتى تُنتج آثارها الشرعية او القانونية ، والاساس هو القاعدة التي تُبنى عليها الاشياء المادية والمعنوية ، فان شاب ذلك الاساس عَيب او عدم مشروعية، كان باطلا ، ومُنعدِم شرعا وقانونا ، ولا أثر له ولا يـُفيد حُكماً ، ويَقتضي منطق البطلان إعادة الحال الى ماكانت عليه اصلا وإزالة كل ما بني على ذلك من تصرفات ومحو أثارها إن كان ذلك ممكناً .
الا ان منطق البُطلان اليوم يختلف عن امْسهِ البعيد بعد ان لَحِقه تحوير فـُرضته قـيَم العدالة وطبيعة الحياة المعاصرة التي لا تقبل القعود على حال واحد متكرر، ولإيضاح هذه الفكرة لابد من الاشارة الى تطور منطق البُطلان ومصدره .
البطـلان لغَة ً ، فساد الشىء وسقوط حُكمه . واصطلاحاً ،هو، حَسب المُشرع العراقي،ما لايصُح اصلاً بإعتبار ذاته او وصفاً باعتبار بعض اوصافه الخارجية .
اما بعد فان الباطل نقيضُ الحق ، قال تعالى ( وَلاَ تَلبِسُواْ الحَقَّ بِالبَاطِل ) وقال تعالى (لِيُحِقَّ الْحَقَّ ويُبطِلَ اَلْباطِل ولَو كَرِه اَلُْمجْرِمُون ).(1)
ومدى البُطلان واسع وكلما وُجِد حقٌ فمن الممكن ان يقابله باطل ، وعلى هذا الحال فقد يرد البطلان على التصرفات القانونية القولية كالعقد والارادة المنفردة والقرار الاداري والعقد الاداري ، وقد يَرد على تصرفات او اعمال المكلفين شرعاً كبطلان الزواج او الصلاة او الوضوء ، ومن الناحية الاخلاقية فان خيانة الامانة في العمل والرأي والمشورة أو الكذب اوالغش اوالنفاق … باطل. (2)
الفرع الاول
البُطلان في الشرائع الوضعية
البطلان حسب الشرائع الوضعية الحديثة اما مرتبة واحدة كما هو عند غالبية الفقه الاسلامي والمشرع المدني العراقي ، او مرتبتان ، هما البطلان المُطلق والبطلان النسبي كما هو حال المشرع الفرنسي والمصري والانكليزي.
ومن الناحية التاريخية ،لم يضع الرومان نظرية عامة في البطلان ، ولم يميزوا بين البطلان المطلق والبطلان النسبي فلم يَعرف القانون الروماني الا مرتبة واحدة من البطلان ، فالعقد في نظرهم اما عقد صحيح يُرتب آثاره كاملة، وإما عقد باطل لا تترتب عليه أية آثار، الا ان أسباب البطلان متعددة فيه، وهي اما ترجع الى تَخلف الشكلية المطلوبة قانوناً او عرفاً ، او انها تـَرجع الى تَخلف رُكن من اركان العقد او تحقق عيب من عيوب الارادة، وقد شاع هذا النوع من البطلان في العقود الرضائية في العصر العلمي للقانون الروماني بعد أن تحرر هذا القانون من معظم شكلياته .
واركان العقد عند الرومان، التي يؤدي تخلفها الى بطلان العقد ،هي الرضا ومنه الاهلية والمَحل والشكلية ، اما السبب بمختلف معانيه فلم يَشترط الرومان وجوده في العقد، و جاء في مدونة (جستنيان) اشارة الى السبب تمثلت بمقولة ( الباعث الكاذب لا اثر له في قيام العقد ) .
الا ان القانون الروماني لم يُساير منطق البطلان الى نهايته ، الذي يقضي بإعادة الحال الى ماكانت عليه قبل ابْرام التصرف ، فالقاعدة في القانون الروماني هي انه اذا سَلمَ احد العاقدين للآخر شيئاً تنفيذاً للعقد غير المشروع ، ليس له ان يسترده، الا اذا كان عدم المشروعية غير آت من جهته، اما اذا كان شريكاً في عدم المشروعية، اي كانت يده مُلوثة بالعمل غير المشروع ، فليس له ان يسترد ما سلمه .
فاذا اتفقَ شخص مع آخر ان يَدفع له مبلغاً من المال مقابل ان يكُف عن ايذائه ، كان الاتفاق باطلاً وله ان يسترد ما دفعه من مال لانه لم يفعل ما يؤاخذ عليه فقد كان بصدد تجنـُب الاذى، اما اذا دفع شخص رشوة لموظف نظير قيام الاخير بعمل او امتناع عن عمل ، كان التصرف باطلاً ، لكن ليس له ان يسترد ما دفعه لان عدم المشروعية آت من الطرفين . وكذلك الحكم في الامور المُشينة اخلاقياً كما لو اتفق احدهم مع امرأة بأن يدفع لها مبلغاً من المال مقابل أن يتصل بها اتصالاً غير مشروع .
ويُستثنى من ذلك حالة وقوع ضَرر أحْدثه طالب الاسترداد بالطرف الاخر، ويعد هذا تعويضا عن الضرر يقدر بقدره .
والحال ان الحُكم المتقدم لاينسجم مع اثر البطلان ومَنطقه، لان التصرف الباطل هو والعَدم سَواء، ويعتبر كإن لم يكن، مما يقتضي اعادة الحال الى ماكانت عليه قبل التعاقد، اما التعويض عن الضرر، ان كان هناك مقتضى، فيتم وفقا لقواعد المسؤولية التقصيرية، لان العقد الباطل يعتبر واقعة مادية لا تَصَرُف قانوني، وقد سُمي عقداً من باب المَجاز لا من باب الحقيقة.
وقد التزم القضاء الفرنسي والمصري بالقاعدة الرومانية القديمة رَدحاً من الزمن وأخذ بالتفرقة التي قالت بها في احوال الضرر .
وفي العصور الحديثة مَيزَت النظرية التقليدية بين ثلاث مراتب من البطلان ، هي حالة انعدام التصرف كما لو تخلف ركن من اركان العقد او انه لم يستوف ِالشكلية الواجبة المقررة قانونا . وحالة البطلان المطلق كما لو وجدت جميع اركان العقد ولكن تخلف شرط من شروط احد الاركان ، كإن يكون سبب العقد مخالفاً للنظام العام اوالاداب .
واخيراً حالة البطلان النسبي، ويتحقق في حالة ان استوفى العقد أركانه وكان رضا المتعاقدين موجودا الا انه لم يستوف شروط صحته ، كإن شابَ الارداة عيب كالغلط او التدليس او ان العقد صَدر من صبي مميز، ويتحقق البطلان النسبي بنـَص القانون ايضا بالنسبة لبعض التصرفات.
اما النظرية الحديثة في البطلان فتجعل من الانعدام والبطلان المطلق في مرتبة واحدة ، تسميها البطلان المطلق، اما البطلان النسبي فقد ابْقتهُ في مرتبته التي كان عليها ، وقد تَبنى المُشرِع المصري هذه النظرية، فالبطلان عنده مرتبتين، البطلان المطلق ، والبطلان النسبي، وعَبر عنه بما أسماه ( قابلية العقد للإبطال)
ويتحقق البطلان المطلق بالنسبة لكل اتفاق او تصرف يتعارض مع الدستور أو القانون أو النظام العام والاداب العامة.
كما لو اتفق مهرب مع آخر على أن يكون شريكه في عملية التهريب على ان يحصل على نصف الارباح مقابل اخفائه للبضائع المهربة لحين تصريفها ، فان أ َخـَل المُهرب بوعده بعد ذلك فلا يحِق للشريك مقاضاته لتنفيذ هذا الاتفاق لأن مثل هذا الاتفاق يكون باطلاً بطلاناً مطلقاً لمخالفته للنظام العام .
وقد يبدو غريباً ان يُطالب شخص من آخر امام القضاء بحقه الناشيء عن سبب غير مشروع، الا ان ذلك كثير الوقوع في الحياة العملية وخاصة في نطاق الاوراق التجارية ، كالصك ، حيث تصرف الاموال الملوثة عن طريقها عادة حيث لا يُلزم قانوناً ان يذكر فيها سبب الالتزام، فان تبَين للقاضي ان سبب الصك غير مشروع يَحكم ببطلان الالتزام الصرفي الناشيء عنه، ويُحيل الدعوى الى محكمة التحقيق .
كذلك الحال اذا اتفق شخص مع إمرأه بان يباشرها دون زواج مقابل مبلغ محدد من المال فان أخل بتعهده فليس لها مقاضاته لأن العقد باطل بطلاناً مطلقاً ذلك ان سببه غير مشروع كونه يتنافى مع الآداب العامة والنظام العام.
والبطلان المطلق لا يمكن تصحيحه بأي شكل من الأشكال.
أما البطلان النسبي فهو ذلك البطلان الذي يُمكن تصحيحه بأجازةِ مَن لهُ حق اجازتهِ ، وهو يتحقق إذا كان الرضا موجودا فعلا لكنه مُعيب، كالعقد الذي يعقده الصبي المميز، وكما في حالات الغلط والتدليس والاكراه والاستغلال .
وللطرف الذي تَعيَبت ارادته ان يُجيزه خلال مدة مُعينة صراحة او ضمناً. ويتم صراحة بالتنازل عن البطلان، وضمناً بتنفيذ العقد أو فوات المدة التي تجيز له إقامة دعوى بطلان ، فان لم يجزه خلال تلك المدة انقلب باطلاً .
وقد أخذ القانون الانجليزي بمثل ذلك ، حيث صنف البطلان إلى نوعين، الأول هو البطلان المطلق، ويدخل فيه العقد المنعدم ، والثاني هو البطلان النسبي.
الا انه تبنى حكم نوع اخر من العقود المعيبة هي العقود الموقوفة، وهي تلك العقود التي لا تَحميها دعوى قضائية لعدم إمكان إثباتها كتابة ً وهي لازمة لمثل هذه العقود، الا انه اذا قام المدين بتنفيذ التزامه بارادته كان تنفيذه صحيحاً ، وليسَ له ان يطالب باسترداد ما دفعه تنفيذاً للعقد المُعيب ، الا ان الدائن لايستطيع إجبار مَدينَه على التنفيذ ، وهذه صور من صور الالتزام الطبيعي في حقيقته ومعناه المعروف في القوانين اللاتينية .(3)
الفرع الثاني
موقف المشرع العراقي من البطلان واثاره
نَصت المادة (33) من القانون المدني العراقي على انه ( 1ـ العقد الصحيح هو العقد المشروع ذاتاً ووصفاً بأن يكون صادراً من أهله مُضافاً الى محل قابل لحُكمه ، وله سبب مشروع ، وأوصافه سالمة من الخلل . 2 ـ واذا لم يكن العقد موقوفاً افادَ الحُكم في الحال .)
ونصت المادة (138) منه على انه ( 1ـ العقد الباطل لا ينعقد ولايفيد الحكم اصلاً. 2ـ فإذا بَطـُل العقد يُعاد المتعاقدان الى الحالة التي كانا عليها قبل العقد.فإذا كان هذا مستحيلاَ جاز الحكم بتعويض معادل.3ـ ومع ذلك لايلزم ناقص الاهلية إذا أبطل العقد لنقص اهليته أن يَرد غير ما عاد عليه من منفعة بسبب تنفيذ العقد )
يتضح من النصوص المتقدمة، ان العقد في القانون العراقي ،وكذلك عند جمهور فقهاء الشريعة ، قسمان، صحيح وباطل ، وينقسم العقد الصحيح الى موقوف ونافذ. وان المُشرِع العراقي لم يأخذ بفكرة العقد الفاسد الذي كان مقرراً في مجلة الاحكام العَدلية ، فألْحقَ بعض صور العقد الفاسد بالعقد الصحيح الموقوف بينما الحقَ الصور المتبقية بالعقد الباطل .
والعقد الباطل من وجهة نظر المشرع العراقي هو الذي لايصُح اصلاً، اي بالنظر الى ذاته ، او لايصح وصفاً، اي بالنظر الى اوصافه الخارجية، فأسباب البطلان شيئان، اما خلل في ذات العقد ومُقوماته اي في رُكنه ، مثل ان يصدر الايجاب او القبول مِمن ليس اهلاً للتعاقد ، او ان يكون محل العقد او سببه غير موجود او غير مشروع ، وإما خلل في اوصافه الخارجة عن ذاته ومقوماته ، كأن يكون المعْقود عليه مجهولاً جَهالة فاحشة ، او الا يستوفي الشكل الذي فرضه القانون .
والعقد الباطل منعدم قانوناً فلا يَنتج اثراً وليس من اللازم صدور حُكم لتقرير هذا البطلان ولمن كان طرفاً فيه ان يُرتب اموره على اساس ان العقد غير موجود ، اما اذا كان قد تم تسليم المعقود عليه وامتنع المشتري عن رده رضاءاً فلا مَندوحة عندئذ من اقامة دعوى البطلان لإسترداد ما تَم تسليمهُ بمقتضى العقد الباطل .
ويمكن ان يتمسك بالبطلان كل من كسب حقاً في محل العقد يؤثر فيه صحة العقد او بطلانه ، سواء قد كسب الحق قبل صدور العقد او بعده ، فيتمسك به كل من الطرفين وخلفها العام والخاص(4) . فيتمسك به المتعاقدان ودائِنوهُما وورثتهما ، وكل من كسب حقاً عينياً على العين المبيعة كمشترٍ ثان او صاحب حق انتفاع او ارتفاق او دائن مُرتهن .
وعلى المحكمة ان تحكم ببُطلان العقد من تلقاء نفسها ولو رُفِعت الدعوى من وجه آخر غير البطلان ، ولو لم يطلب المدعي الحكم بالبطلان ، اذ ليس للمحكمة ان تعتبر ما هو معدوم قانوناً ذا وجود . والعقود الباطلة لا تلحقها الاجازة لأن المعدوم لا ينقلب موجوداً بالاجازة ، والبطلان لايزول بالتقادم ، وكذلك بالنسبة للدفع بالبطلان فهو لا يسقط اصلاً بالتقادم لأن الدفوع لا تتقادم .
والقول بإبطال العقد الباطل هو من باب المجَاز، لاننا لو اخذنا القول من باب الحقيقة فان ذلك يعني جعل التصرف باطلا بعد أن بدأ صحيحا، والحال انه اذا بدأ باطلا لا يَقبل إبطالا، لأن الباطل لا يُبطل فهو منعدم اصلاً .
واثر الحكم بالبطلان ،انه اذا بطل العقد وجب اعادة كل شيء الى اصله ، فيعاد المتعاقدان الى الحالة التي كانا عليها قبل العقد ، فإذا كان احد المتعاقدين قد سلم شيئاً للآخر تنفيذاً للعقد ، جاز له استرداده كاملاً . وإذا استحال ذلك بسبب الهلاك مثلاً ، جاز الحكم بتعويض معادل .
يتضح مما تقدم ان البطلان في القانون المدني العراقي ليس مراتب متدرجة ، بل هو بطلان واحد ، يناظر ماتسميه بعض التشريعات بالبطلان المطلق ، اما البطلان النسبي ، كما يقول الاستاذ (عبد المجيد الحكيم )، فيطرحه المشرع العراقي ، لان مَنطقهُ لا ينسجم مع صَنعة الفقه الاسلامي مصدرُ إلهام مشرعنا في هذا المجال ، لان العقد الباطل بطلاناً نسبياً ، هو عقد صحيح نافذ الاثر، وإذا كان كذلك فلا يصح وَصفه بالبطلان ولو كان نسبياً لكونه قائماً ومنتجاً لآثاره ، ومثله لا يتصور كيف يحتاج الى الإجازة وهو نافذ لا يَعتريه عيب تُصَحِحه هذه الاجازة .
الفرع الثالث
تلطيف مفعول البطلان
أخذت التشريعات الحديثة ، وخاصة بعد أفول نجم مدرسة الشرح على المتون، بتلطيف مفعول قاعدة ما بني على باطل فهو باطل ، بالنظر للآثار الاجتماعية السيئة التي خلفها منطق هذه القاعدة، فهي وان كانت تساير حكم العقل ومقتضيات المنطق ، الا انها لا تساير منطق الرحمة والانصاف في الحالات التي تقتضي العدالة الحقة العناية بها بشكل خاص ، كما ان تطبيقها الثابت منقطع النظير قد يتعارض مع مبدأ استقرار المعاملات ، وهكذا بدأ الفقه والقضاء بالبحث عن حلول منصفة تُلطف من مفعول هذه القاعدة ، فظهرت في علم القانون نظريات جديدة في البطلان سرعان ما وجدت طريقها الى التشريعات الحديثة ، المدنية والادارية وقواعد القانون الدولي العام والخاص .
في اطار القانون المدني والتجاري تبنت التشريعات الحديثة نظرية انتقاص العقد ونظرية تحول العقد ، وبموجبهما تترتب بعض الاثار العرضية على العقد الباطل .
اولاً: نظرية انتقاص العقد
مفاد هذه النظرية ، ان التصرف او العقد اذا تضمن عدة امور وكان صحيحاً بالنظر الى بعضها وباطلاً بالنظرالى البعض الاخر فإن العقد لا يبطل في الجميع ، بل يبطل منه ما لايكون صحيحاً ، ويبقى عقداً صحيحاً مستقلاً بالنظر الى ما كان صحيحاً فيه ، فكأنه جاء من الابتداء عقداً مستقلاً به .
فالعقد إذاً لا يبطل كلية ً بل ينتقص ، الا انه إذا تبين ان الشِق الباطل الذي طرح منه هو عنصر منظور اليه لم يكن ليتم العقد بدونه وقع العقد باطلاً في الجميع لعدم إمكان الفصل بينهما .
ومن ذلك ان المحاكم كانت تقضي ببطلان العقد الذي يتضمن اتفاقاً على سعر فائدة اكثر مما هو مقرر قانوناً ، ولكن حينما بدأت بتطبيق نظرية انتقاص العقد فان العقد لايبطل كلية وانما يُخفض سعر الفائدة الى الحد الذي يجيزه القانون .
وكذلك الحال بالنسبة الى الهبة المقترِِنة بشرط مخالف للنظام العام او الاداب، كأن يَهب احدهم لأخر عقاراً او منقولا ويشترط عليه ان لا يتصرف فيه بالبيع ومثل هذا الشرط باطل لانه يتعارض مع طبيعة وخصائص حق الملكية الذي يتيح للمالك التصرف بملكه بكافة انواع التصرفات الجائزة ، او ان بيعاً ورد على مال مملوك ومال لايجوز بيعه كاموال الوقف او الاموال العامة ، او ان البيع ورد على عدة منقولات وقع العاقد في غلط جوهري بشأن شيء منها . فإنه لا يصيب البطلان إلا الشق الذي قام فيه سبب البطلان ، ويبقى العقد صحيحاً في الباقي ، الا إذا تبين ان هذا الشق عنصر جوهري في العقد فيقع البطلان في الجميع .
وقد اخذ المشرع العراقي بالحكم الذي اسسته نظرية انتقاص العقود ، حيث نصت المادة (139) من القانون المدني العراقي على انه ( اذا كان العقد في شق منه باطلاً فهذا الشق وحده هو الذي يبطل . اما الباقي من العقد فيظل صحيحاً باعتباره عقداً مستقلاً إلا اذا تبين أن العقد ما كان ليتم بغير الشق الذي وقع باطلاً ) .
اما بعد ، فان انتقاص العقد ما هو الا تفسير لارادة المتعاقدين ، حيث يفترض حسب مبدأ حسن النية في العقود ان يكون قصد المتعاقدين قد اتجه الى انشاء محل مشروع للالتزام يتمثل في الشق الصحيح من العقد .
ثانياً: نظرية تحول العقد
نظرية تحول العقد نظرية المانية المنشأ وضعها فقهاء القانون الالمان في القرن التاسع عشر وتبناها المشرع الالماني في تقنينه المدني في المادة (140) منه . ويأخذ بها القضاء الفرنسي دونما نص خاص يقررها تطبيقاً لنظرية التكييف .
مفاد هذه النظرية ان العقد اذا كان باطلاً ، الا انه توافرت فيه اركان عقد اخر ، فإنه يتحول الى ذلك العقد الاخر إذا تبين من ظروف التعاقد ان نية المتعاقدين ستنصرف الى هذا العقد لو كانا يعلمان ببطلان العقد الذي ابرماه ابتداءاً .
وهذا يعني ان العقد الباطل قد انقلب صحيحاً ولكنه ليس العقد الذي قصده المتعاقدان ابتداءاً ، لكن من النوع الذي توافرت فيه اركانه .
ولكي يتحول العقد الباطل الى صحيح ، يجب ان يكون العقد باطلاً فإذا كان صحيحاً ثبت غير متحول . وان تتوافر فيه عناصر العقد الجديد الذي يقم مقام الأصل . واخيراً ان يقوم الدليل على ان نية المتعاقدين كانت ستنصرف الى الارتباط بالعقد الجديد لو انهما تبينا ما بالعقد الاصلي من اسباب البطلان .
ومن ذلك ان المحاكم كانت تقضي ببطلان السند الرسمي الذي يفقد صفة الرسمية لتوثيقه من موظف غير مختص بتوثيق مثل هذا السند ، او ان الموظف مختص من الناحية النوعية بتوثيق مثل هذا السند الا انه غير مختص مكانياً بتوثيقه ، وهكذا يفقد الدائن وصاحب الحق اهم دليل اثبات في الدعوى ومن ثم يخسر دعواه اذا انكر المدين الدين ، رغم انه قد احتاط مسبقاً ، الا انه بتطبيق نظرية تحول العقد فان السند لا يبطل كلية بل يتحول الى سند عادي ما دام موقعاً من الطرفين .
وقد اخذ المشرع العراقي بالحكم الذي اسسته نظرية تحول العقود ، حيث نصت المادة (140) من القانون المدني العراقي على انه ( إذا كان العقد باطلاً وتوافرت فيه أركان عقد آخر فإن العقد يكون صحيحاً باعتباره العقد الذي توافرت اركانه إذا تبين ان المتعاقدين كانت نيتهما تنصرف الى ابرام هذا العقد ).
ويرى بعض الفقهاء ان نظرية تحول العقد لا تعدو عن كونها تطبيقاً لنظرية التكييف في مجال العقد ، ذلك ان تكييف العقد واعطاءه الاسم الصحيح هو من عمل قاضي العقد ، وبما ان التكييف مسألة قانونية وعلمية فان القاضي لا يعتد بالتكييف او الاسم الذي يختاره المتعاقدان للعقد الذي يبرمانه ، فإذا نقل شخص ملكية شيء الى شخص اخر دون مقابل فإن هذا العقد يعتبر هبة ولو سماه المتعاقدان بيعاً ، ويطبق القاضي عليه احكام الهبة لا احكام البيع .
الفرع الثالث
صلة البطلان بالنظام العام والاداب العامة
تتبنى جميع التشريعات مبدءاً عاماً يشمل بحكمه كل فروع القانون ، مفاده ان كل ما يخالف النظام العام والاداب العامة يعتبر باطل . فما هو المقصود بالنظام العام والاداب العامة ؟
النظام العام معيار كلي مرن ونسبي ، قوامه حماية المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية العليا السائدة في المجتمع، ولذلك هو فكرة سياسية في الاصل لانه يُعين على تحقيق الهدف الذي يبتغيه كل نظام قانوني ، لا الوسائل الفنية كالجزاءات التي اعدها القانون للوصول الى ذلك الهدف ، وهو معيار نسبي لأن مضمونه يتغير بتغير الزمان والمكان ، ثم انه معيار مرن يدرجه المشرع في التشريعات المختلفة ولايتناوله بالضبط والتحديد ولهذا اعتبر فكرة على بياض يتولى القاضي ملء مضمونها وفقاً للأفكار السياسية والاجتماعية السائدة وقت نظر النزاع ووفقاً لما يقتضيه حسن سير الحياة الاجتماعية .
أما الاداب العامة ،فهي مجموعة القيم والقواعد والمعايير الخلقية التي يقوم عليها النظام الاجتماعي في زمان ومكان معينين .
وهي الاخرى معيار كلي مرن ونسبي، قوامه الاخلاق العامة التي تُمثل الضمير العام للجماعة ، فهي اذن فكرة اخلاقية نفذت الى الفكر القانوني فأكتسبت طابعاً عملياً ومن ثم ليست هي الاخلاق المثالية التي ينادي بها الفلاسفة ورجال الدين ، بل هي الاخلاق العملية المتوسطة التي تشمل ما يتصل بالناموس الادبي والمعيار الاخلاقي الذي تحرص الجماعة عليه في العلاقات بين الافراد فقط . وكلما اقترب المجتمع من التحضر اكثر ارتفع المعيار الخلقي وزاد التشدد فيه .
وبما ان نطاق القانون يختلف عن نطاق الاخلاق ، فأن الغرض الذي يستهدفه المشرع من تبنيه لفكرة الاداب العامة ليس الرغبة في الارتفاع بالجماعة الى مستوى الكمال الخلقي ، وانما يقصد بذلك الا يمنح حمايته للتصرفات التي تكون مخالفة للأداب .
وتعد فكرة النظام العام والاداب العامة المنفذ الذي تنفذ منه العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والخلقية الى النظام القانوني لتلائم بينه وبين التطور الذي يمر به المجتمع في وقت معين .
واذا كانت فكرة النظام العام والاداب العامة فكرة مرنة معيارية تعطي القاضي سلطة واسعة في تحديد مضمونها نظراً لعدم ثبات هذا المضمون وتغيره في الزمان والمكان ، الا ان القاضي لا يملك ان يحل اراءه او معتقداته الشخصية محل معتقدات وقيم الجماعة نفسها ، ويعتبر تحديد مضمون النظام العام والاداب العامة مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمة التمييز ، وفي ذلك ضمانة مهمة تَضمُن إقامة هذا التحديد على اسس موضوعية لا ذاتية .
ويَرد معيارا النظام العام والاداب العامة من حيث الصياغة في التشريع دون ضَبط وقد قصد بهما ان يكونا على هذا النحو من الغموض حتى يكملا ما فات القانون من نقص وقصور ، ويعطيا معايير واسعة لكل ما يجب اعتباره غير مشروع وباطل ولو لم يرد نص بتحريمه .
الفرع الرابع
تطبيقات حديثة لاثار البطلان
اولاً:البطلان ونظرية الموظف الفعلي
في نطاق القانون الاداري ، يُعد القرار الاداري المَعيب بِعَيب جسيم باطلاً بطلاناً مطلقاً ومنعدم ، لا اثر له قانوناً ويمكن لصاحب العلاقة بل عليه عدم طاعته او الالتزام به بل له ان يقاوم تنفيذه، والادارة من جانبها وهي تحاول تنفيذه تنفيذا مباشرا انما ترتكب بذلك اعتداءاً مادياً ،ومن ذلك صدور القرار من فرد عادي او بعبارة اخرى من مغتصب ومن ثم تكون قراراته منعدمة ولا اثر لها .
اما اذا كان مغتصب الوظيفة مما يصدق عليه وصف الموظف الفعلي فانه بالامكان تصحيح تلك النتائج لتجنب الاثار الجانبية التي تمس حقوق الغير حسني النية عند اقرار بطلان تصرفات مغتصب الوظيفة، ذلك ان تطبيق قاعدة ما بني على باطل فهو باطل في مثل هذه الاحوال قد يؤدي الى سقوط عدد لا يحصى من المراكز القانونية بما يتعارض مع مبدأ امن واستقرار المعاملات .
ومن ذلك، لو ان قاضياً وثق عقود الالاف من المتزوجين والدائنين او ان عميد كلية وقع الالاف من شهادات تخرج الطلبة وتبين بعد ردح من الزمن يطول او يقصر ان قرار تعيين كل منهم كان باطلاً او ان شهادتهم العلمية كانت مزورة وانهم كانوا مغتصبين للوظيفة ، فان تطبيق منطق قاعدة البطلان محل بحثنا حرفياً يؤدي الى سقوط جميع ما صدر منهم من تصرفات ومنها ما تم توثيقه على ايديهم من سندات ، وهكذا تجد الزوجات والدائنين والخريجين بين ايديهم فجأة سنداً لا قيمة له من الناحية القانونية ، لان ما بُني على باطل فهو باطل . ( 5)
ولتجاوز الاثارالجانبية الضارة التي تترتب على منطق البطلان ، فقد اوجد الفقه والقضاء نظرية الموظف الفعلي . فالموظف الفعلي او الواقعي في الظروف العادية هو ذلك الشخص غير المختص الذي لم يُقـَلد الوظيفة العامة اصلا اوكان قرار تقليده للوظيفة العامة معيباً من الناحية القانونية او كان موظفا وزالت عنه صفته الوظيفية لاي سبب كان ، والموظف الفعلي في الظروف الاستثنائية هو من يباشر الوظيفة العامة تحت ضغط ظروف استثنائية او دوافع سياسية او اجتماعية او بدافع المصلحة الوطنية وبهدف عدم توقف المرافق العامة الحيوية وخاصة في اوقات الحروب وغياب السلطات العامة او انحسارها ، والاصل اعتبار قراراته التي يتخذها منعدمة وباطلة قانونا لانها صادرة من غير مُختص الا ان الفقه والقضاء ولإعتبارات تتعلق باستقرار المراكز القانونية وضرورة سير المرافق العامة بصفة منتظمة اعترف بصحة هذه القرارات ضمن شروط معينة وتتخلص هذه الشروط في قيام فكرة الظاهر بأن تكون عملية تَقلد هذا الشخص للوظيفة مُتسِمة بمَظهر المعقولية وهذا يعنى ان من يتولى وظيفة معينة على اساس من عمل منعدم وهو القرار المتسم بالمخالفة الجسيمة والواضحة كل الوضوح لا يمكن ان يكون موظفاً فعلياً ومن ثم تكون قراراته منعدمة .
ثانياً: البطلان في القانون الدولي الخاص
في اطار تنازع القوانين ، يُطبق القاضي الوطني قانوناً اجنبياً على العلاقات القانونية المَشوبة بعنصر اجنبي التي ينظمها القانون الخاص كالقانون المدني والقانون التجاري و قانون الاحوال الشخصية .
فلو تنازع زوجان ايطاليان بشأن عقد زواجهما وكانا يقيمان في العراق واقام احدهما الدعوى امام محكمة عراقية ، فإن القاضي يطبق بشأن ذلك النزاع قانونهما الشخصي اي قانون الاحوال الشخصية الايطالي (6) ، ولكن قد يحصل ان التصرف القانوني الذي يقره القانون الاجنبي يعتبر باطلاً في قوانين دولة القاضي الوطني الذي ينظر في النزاع لمخالفته للنظام العام ، وعلى هذا الحال كانت المحاكم الوطنية تقضي ببطلان مثل هذه التصرفات ولا تُرتب عليها اية حقوق للاجنبي .
وعلى سبيل المثال ، فقد استقرت احكام القضاء الانجليزي سابقاً على عدم الاعتراف بنظام تعدد الزوجات وكان يصفه بانه زواج مُزيف غير شرعي من ثم لا يُعترف بأية حقوق للزوجة الثانية وابنائها كالبنوة للأب والميراث .
الا ان هذا الوضع ، وخاصة بعد ازدياد عدد الاجانب ومنهم المسلمين في انكلترا وفي غيرها من الدول الغربية ، فقد اخذ الفقه والقضاء بالبحث عن حلول تنسجم مع روح العدالة ولو تعارضت نسبياً مع منطق البطلان ، وهكذا ظهرت عدة نظريات فقهية تبنت حلولا مختلفة ، والاتجاه السائد حالياً يذهب الى احلال الاحكام الموضوعية لقانون القاضي محل الاحكام الموضوعية للقانون الاجنبي الذي تعتبر باطلة في نظر قانون القاضي الذي ينظر في النزاع ويقتصر عدم تطبيق القانون الاجنبي على تلك الاحكام التي تتعارض مع النظام العام لدولة القاضي .
وهكذا بدأ القضاء الانجليزي يميز بين دور النظام العام ومايرتبه من بطلان عند انشاء الحق في بلد خارج انكلترا ودور النظام العام عند التمسك بآثار ذلك الحق في انكلترا ، فقرر احترام اثار الحق المكتسب في الخارج االناشيء بمقتضى القانون الاجنبي المختص حتى لو كان القانون الانكليزي لا يسمح بإنشاء مثل هذا الحق ، وتطبيقاً لذلك اخذ القضاء الانكليزي بالتمييز بين الحق في الزواج بأكثر من واحدة وهذا غير جائز في انكلترا ،وبين إثار ذلك الزواج فاعترفوا بآثاره كلما نشأ خارج انكلترا وبمقتضى نظام يجيز تعدد الزوجات ، وهكذا اعترف بحقوق الزوجة الثانية وحق ابنائها في ارث والدهم .
الا ان الاعتراف بالحقوق المكتسبة ماهو الا تلطيف لمفعول النظام العام ، ولا يعني بأية حال من الاحوال استبعاداً كلياً لفكرة الدفع بالبطلان في جميع الاحوال بالنسبة لاية حقوق مكتسبة في الخارج ، فاذا كان التعارض مع النظام العام مفرطاً بحيث يظهر بحد ذاته متضمناً اعتداءاً على النظام العام في دولة القاضي فلا يمكن والحالة هذه احترام الحق المكتسب في الخارج .
فلو نشأ نزاع عن زواج شاذ بين مثلييَن ، الذي تعترف به بعض القوانين ، وعرض النزاع امام محكمة عراقية ، فإن القاضي العراقي يرد الدعوى، حيث لا يمكن له ان يعترف بمثل هذا الزواج ويعتبره باطلاُ ولا يلطف مفعول بطلانه بأية صورة من الصور لتعارضه مع احكام الشريعة الاسلامية والنظام العام والاداب العامة في العراق بشكل مفرط .
الفرع الرابع
الشريعة الإسلامية والبطلان
تنظم الشريعة الإسلامية أحكام العقيدة والعبادات والمعاملات، وفي اطار العقيدة والعبادات ، فان الباطل من الناحية الشرعية ، هو الضلال الذي يقابل الحق والهدى، ويترتب على ذلك ان كل ما عدا الحق والهدى فهو باطل وضلال، كما قال تعالى (فذلكم الله ربكم الحق، فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون..) .(7)
وكذلك قوله تعالى (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق…. ) .(8)
الا ان الشريعة الاسلامية الغـَراء تميزت بين جميع الشرائع ، بقصب السبق، في انها رفعت البطلان وحكمه الشرعي عند توفر اسباب معينة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وضع عن هذه الامة ستة : الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه ، وما لا يعلمون ، وما لا يطيقون ، وما اضطروا عليه . )
وعن ابن ظبيان قال، أتي عمر رضي الله عنه بامرأة مجنونة قد فـَجرت، فأمر برجمها، فمروا بها على علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال: ما هذه ؟ قالوا: مجنونة فجرت فأمر بها عمر أن ترجم ; قال: لا تعجلوا، فأتى عمر فقال له: أما علمت أن القلم رفع عن ثلاث: عن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ ؟ . فوافقه عمر رضي الله عنه على ذلك.
في نطاق المعاملات:
يعتبر فقهاء الشريعة الاسلامة عامة من الرواد الذين تبنوا ، تلطيف مفعول اثر البطلان ،وهو العدم ، استنباطا ًمن الآيات الكريمة واقوال الرسول صلى الله عليه وسلم ، لاسباب شرعية تتعلق بمراعاة الظروف الانسانية المقهورة والأخذ باسباب الرحمة والظروف القاهرة التي احاطت باطراف البطلان او ماخلفته هذه الظروف من وقائع تتطلب حلولا خاصة ، وفي ضوء ذلك رتبوا اثارا عرضية على بعض التصرفات الباطلة .
فقد تبنى فقهاء الشريعة مايعرف في الفقه القانوني المعاصر بنظرية انتقاص العقد
من ذلك ان عقد الزواج غير الصحيح في الشريعة الاسلامية لاينتج اثار الزواج الصحيح ، كوجوب النفقة وحق التمتع والتوارث ، ولكن فقهاء الشريعة الغراء رتبوا عليه اثارا عرضية، خلافا لمنطق البطلان الجامد، كوجوب العِدة نتيجة الدخول ووجوب المهر كتعويض عن الدخول وسقوط الحد (العقوبة) للشُبهة ، والبنوة رعاية للولد . واذا سمي للمهر مايحل وما يحرم ، فلا يبطل كله ، وانما الجزء الذي وقع فيه البطلان ، كأن تزوجها على عشرة دراهم ودِن من الخمر ، فلها العشرة وبَطـُل الخمر ، ولو اوصى لأجنبي ووارثهِ فللأجنبي نصفها وبطلت بالنسبة للوارث . وإذا جمع في البيع وقف وملك لا يسري الفساد الى الملك ، وإذا شرط الخيار في البيع اكثر من ثلاثة ايام فإنه يصح في الثلاثة ويبطل فيما زاد .
ومن جانب اخر تبنى فقهاء الشريعة الاسلامية مايعرف في الفقه القانوني المعاصر بنظرية تحول العقد ، ومن امثلة ما قرره فقهاء الشريعة انه اذا اعاره شيئاً واشترط عليه العوض صح وانقلب العقد الى قرض فيملكه بالقبض، وإذا قال خذ هذا المال مضاربة والربح لك كان قرضاً وإذا اجره الأرض بثلث ما يخرج منها كان اجارة باطلة وتحول العقد الى مزارعة .
وعلى هذا الحال فان نظريتا انتقاص العقد و تحول العقد اللتان تبناهما الفقه الغربي في العصور الحديثة تعودان بأصلهما الى فقه الشريعة الاسلامية الغراء .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ ــ
(1) البقرة ـ الاية 42 ، الانفال ـ الاية 8.
(2) ـ يعتبر تقديم المشورة القانونية او العلمية لمن يطلبها امانة ثقيلة ، والكذب والتزوير فيها خيانة للأمانة ، لما يترتب على هذه الخيانة من سقوط لضحايا ولحقوق للناس، فكانت عقوبتها الاخروية شديدة واشارت اليها النصوص القرآنية والاحاديث النبوية الشريفة . قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (الأنفال:27-28)…. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( المستشار مؤتمن، فإن شاء أشار، وإن شاء سكت، فإن شاء فليشر بما لو نزل به فعله( وقال (من استشاره أخوه فأشار عليه بغير رشد فقد خانه ).
(3) ـ الالتزام الطبيعي : الاصل ان يجتمع عنصرا المديونية والمسؤلية في كل التزام . ويسمى الالتزام عندئذ بالالتزام المدني . ويبدو عنصر المديونية في صورة قيام المدين بتنفيذ التزامه . فإذا قام المدين بالوفاء انقضى التزامه . اما اذا لم يقم بالوفاء ، فإن عنصر المسؤولية ينهض عندئذ وتجبره السلطة العامة على الوفاء بما التزم . اما اذا تخلف عنصر المسؤلية ، اعتبر الالتزام ناقصا وسمي بالالتزام الطبيعي وفيه يبرز عنصر المديونية الذي يقتضي من المدين الوفاء بأرادته ، اما اذا امتنع عن الوفاء فلا يمكن اجباره على الوفاء لتخلف عنصر المسؤلية في هذا النوع من الالتزام ، ويتحول الالتزام المدني الى التزام طبيعي لاسباب قانونية متنوعة منها الالتزامات الطبيعية الناشئة عن دفع المدين بانقضاء الالتزام بالتقادم او بقوة اليمين الحاسمةً او بحجية الشيء المقضي فيه .
(4) ـ الخلف العام والخلف الخاص : الخلف العام هو من يخلف غيره في ذمته المالية كلها او في جزء شائع منها ، كالثلث والربع والنصف . فيشمل ذلك الوارث والموصى له بجزء شائع من التركة كالثلث . والخلف العام يخلف سلفه بمقتضى أحكام الميراث والوصية ، فمن الطبيعي أن يتأثر بالعقود التي ابرمها سلفه .
أما الخلف الخاص فهو من يتلقى من غيره ملكية شيء معين بالذات او حقاً عينياً على هذا الشيء . فالمشتري يعتبر خلفاً خاصاً للبائع والموهوب له يعتبر خلفاً خاصاً للواهب والمرتهن يعتبر خلفاً خاصاً للراهن . ومن الطبيعي ان لايتأثر الخلف الخاص بكل تصرفات سلفه ، بل يتأثر بالتصرفات الصادرة من سلفه والتي تتعلق بالشيء الذي انتقل اليه منه ، كما يجب ان يكون التصرف صادراً من سلفه قبل انتقال الشيء اليه . مثال ذلك ما اذا رهن شخص داره عند المصرف العقاري ثم باعها ، فالدار تنتقل الى المشتري وهي مرهونة .
(5) ـ ومن الوقائع التي مرت بنا ،ان ادارة كلية القانون اكتشفت اثناء ادخال المعلومات في الحاسوب ان طالباً في مرحلة الماجستير كان مكملاً في احد الدروس في المرحلة الثالثة وبسبب خطأ في نقل الدرجات في حينها ابلغ انه من الناجحين وهكذا انتقل للمرحلة الرابعة وتخرج بتفوق ومن ثم قـُبلَ في الدراسات العليا . وثار جدل عميق بين اساتذة الكلية حول الاجراء الذي ينبغي اتخاذه ، وتبنى البعض مقولة ما بني على باطل فهو باطل ومن ثم ينبغي ان يلغى امر تخرجه ويعاد للمرحلة للثالثة ليكمل دراسته من جديد ، الا ان استاذنا الفاضل الدكتور (عصام البرزنجي) تصدى لهذا الرأي بحزم وسأل اصحاب الرأي المتزمت ابتداءاً سؤالا احرجهم قائلاً ، ماذا لو كان هذا الطالب ابن احدكم ؟ هل كنتم تعاملتم معه بهذه القسوة ؟ وهنا لم ينتظر استاذنا اجابة من احد واستدرك قائلاً انا اقترح ان نطبق ما ندرسه لطلبتنا وهو موضوع تلطيف مفعول البطلان بأن يكلف الطالب المقصود باداء امتحان الدرس الذي اكمل فيه في المرحلة الثالثة فان نجح فيه يستمر في دراسته العليا . وقد أيد هذا الرأي اغلب الاساتذة وفعلا ادى الطالب الامتحان ونجح فيه ومن ثم تابع مشوراه العلمي في الدراسات العليا حتى تخرجه .
(6) ـ نصت المادة (19) مدني عراقي على انه ( 1ـ يرجع في الشروط الموضوعية لصحة الزواج الى قانون كل من الزوجين ،اما من حيث الشكل فيعتبر صحيحاً الزواج ما بين اجنبيين او ما بين اجنبي وعراقي اذا عقد وفقاً للشكل المقرر في قانون البلد الذي تم فيه ، او اذا روعيت فيه الاشكال التي قررها قانون كل من الزوجين ) .
(7) ـ يونس ـ الاية 32.
(8) ـ الأنبياء ـ الاية 18. وقال البيضاوي في قوله : ( فيدمغه ) أي فيمحقه وإنما استعار لذلك القذف وهو الرمي البعيد المستلزم لصلابة المرمي ، والدمغ الذي هو كسر الدماغ بحيث يشق غشاؤه المؤدي إلى زهوق الروح تصويرا لابطاله ، ومبالغة فيه ( فإذا هو زاهق ) هالك ، والزهوق : ذهاب الروح ، وذكره لترشيح المجاز .
منقول للامانة العلمية
ارفع الصور من مركز تحميل البوابة
إليكم هذا الكتاب بعنوان
النظم السياسية في العالم المعاصر….سعاد الشرقاوي
منقووووووووووول للفائدة
هذا الرابط يقودنا ال – موضوع جديد. ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
مشكوووووووووووووووووووووووور
شكرااااااااااااااااااا
شكرا جزيلا.و جزاك الله خيرا
شكرا جزيلا ودمتم
التعرف على صاحـب الـنـص
ولد بحلب في 1927.يحمل شهادة الإجازة في الآداب. ودبلوم التربية من جامعة دمشق، وشهادة الماجستير من معهد الدراسات العربية العالية بالقاهرة، وشهادة الدكتوراه من جامعة عين شمس بمصر.عمل مدرساً للأدب العربي في المدارس الثانوية، ثم مفتشاً اختصاصياً للعربية وآدابها بوزارة التربية، ثم أستاذاً للأدب العربي الحديث في جامعة حلب، وعميداً لكلية الآداب. من الأعضاء المؤسسين لاتحاد الكتاب العرب عام 1969، وانتخب عضواً في مجلس اتحاد الكتاب العرب المركزي، ورأس فرع اتحاد الكتاب العرب بحلب
خلال الأعوام:
1976-1980- ومن – 1983-1993.ترأس تحرير مجلة(عاديات حلب) 1975 الصادرة عن معهد التراث العلمي العربي، وشارك في تحرير مجلة"بحوث جامعة حلب"، وكان عضواً في لجنة النثر بالمجلس الأعلى للفنون والآداب.عضو جمعية النقد الأدبي.من مؤلفاته:1-الاتجاه القومي في الشعر المعاصر-مصادر التراث العربي-القروي: الشاعر الثائر-فنون الأدب المعاصر في سورية
**كل المشاكل الاجتماعية والسياسية والثقافية…..
** عندما كتب الطاهر وطار روايته "الشمعة والدهاليز" كتبها وكأنه استشرف واقع الجزائر في العشرية السوداء فموضوع الرواية على صلة مباشرة بالأسئلة التي أفرزها الواقع المحلي والدولي. وهي الأسئلة التي ظلت تعصف بالواقع الجزائري."ما الذي حدث؟."من المسؤول عن زرع الرعب والموت؟", " من يقتل من ؟," وهذا ما نجده في الرواية,
**مفدي زكرياء……
**كانت علاقة منطلقها الإطار الفردي الضيق و أصبحت اليوم أكثر شمولية
** في العصر الحديث تنبّهت الشّعوب العربية لحقوقها،فعرفت أنّ للـشّعـوب في أوروبا مهابة يترضاها الحكام،فتأثر الشّعراء بهذه النّهضة،و بتلك النزعة،و أخذوا يفصحون عن مشكلات الشّعوب العربيّة من علل تعوق ركب النّهضة و تقدّم الـشّعوب،و كـان مـن أهـمّ هذه المشكلات؛تحالف الجهل و الفقر و المرض على الطّبقة الدّنيا من الشّعب،كما أنّ المدنية الحديثة المستوردة من أوروبا قد أفسدت كثيرًا الشّباب،و أخذوا يلتقطون رذائلها،ففشت نقائص كثيرة،أخذ يئنّ منها المجتمع العربيّ، لذلك تبلور الأدب الاجتماعي،و أخذ صوته يعلو تجاوبًـا مع الجماهير العربيّة،فتناول الشّعراء القضايا ذات الطّابع الاجتماعيّ بدافع الإصلاح فذهبوا يصفون الدّاء و يشخصونه،ويحثون أولي الأمر على العناية بالشّعب،وحلّ مشكلاته،وينصحون أبناء الأمّة بالبعد عن الآفات الاجتماعيّة التي تقوّض دعائم نهضتهم.
** الدّعوة إلى تعليم الفتاة : كقول حافظ إبراهيم
الأمّ مـدرسـة إذا أعــدّدتـــهـا أعدّدت شعبا طـيّـب الأعـراق
اكتشاف معطيات النـص
ـ التّنديد بوضع المرأة : يقول جميل صدقي الزّهاوي:
أمّا العراق ففيه الأمر يختلــف فـقـد ألـمّ بـنـصف الأمّـة الــشّلـل
كم قد تزوّج ذو السّتين يانعـة و الشّيب في رأسه كالنّار يشتعل
مناقـشة معطيات النـص
**الفقر قسمة المقسم لكن وجب على الغني الالتفات إلى تلك الفئة وإلا ما فائدة ركن الزكاة
**مجتمعنا ليس ملائكيا طاهرا اخترقته المفاسد من الغرب بل لنا مفاسدنا التي زادتها مفاسد الغرب بلة
**المباشر طبعا الدّعوة إلى نشر التّعليم: كقول أحمد شوقيّ :
ترك النّفوس بلا علم ولا أدب ترك المريـض بلا طبّ و لا آس
الاستخلاص والتسجيل
الكتاب المدرسي ص 136
اقدم لكم اليوم تمارين في المحاسبة من كتاب : المعاصر في التسير المحاسبي و المالي التحضير لبكالوريا تسيير و محاسبة 2022
تمارين محلولة في أعمال نهاية السنة
التحميل من هنـــــا
شكرا بارك الله فيك…
جزاكم الله خيرا
بارك الله فيكم و جعل هذا العمل في ميزان حسناتكم
بارك الله فيكم وجعل هذا العمل في ميزان حسناتكم
بارك الله فيكم وجعل هذا العمل في ميزان حسناتكم
جزاكم الله خيرا
مشكووووووووووووووور اخي
مشكووووووووووووووور اخي
شكرا ربي يبارك فيكم
مشكوررررررررررررررررررررر اخي
العفو ربينا يخليك
مشكوووووووووووور جزاك الله خيرا
تاريخ الجـزائر المعاصر الجزء الأول الفصـــــل الاول
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تقـــــديم
قال أبو حاتم الرازي المتوفى سنة 277هـ: "إذا كتبت فقمش، وإذ حدثت ففتش". وعندما نرجع إلى طرق البحث المعاصرة نستسمحه لإضافة "وإذا ألفت فهمش". لأن الخائض في علم التاريخ مطالب أكثر من غيره بتقديم الدليل القاطع على صحة ما يورده من معلومات، والإتيان بالحجة الدامغة لتبرير ما يطرحه من أفكار وآراء وما ينشره من قضايا أساسية حول موضوعات قد تتعدد فيها الروايات وتتكاثر الأقلام لقرع أبوابها بحثاً عن الحقيقة أو عملاً على تغييبها لسبب من الأسباب وما أكثرها كما سنرى فيما بعد. وإذا كان التاريخ علماً في تحريه الحقيقة والعمل على تسليط الأضواء عليها وتقديمها، كما هي، فإن الباحث في هذا العلم، مطالب، إضافة إلى تمكنه من العلوم الموصلة، بإعطاء قيمة بالغة الأهمية للأصول التي هي صلته الوحيدة بالموضوع المزمع دراسته والتي هي جميع الآثار التي خلفتها عقول السلف أو أيديهم، وإذا ضاعت ضاع التاريخ معها وفقاً لنص القاعدة العامة. وفي أثناء الاهتمام بتلك الأصول وهو ما يسميه المؤرخون بمرحلة التقميش، فإن الباحث لا يمكنه إلا أن يستفيد من الاسترشاد بما جاء في مقدمة المقدمة حيث يؤكد مؤسس علم التاريخ وموجد علم الاجتماع إن الكتابة في التاريخ تحتاج إلى "مآخذ متعددة ومعارف متنوعة وحسن نظر وتثبيت يفضيان بصاحبهما إلى الحق وينكبان به عن المزلات والمغالط، لأن الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل ولم تحكم أصول العادة وقواعد السياسة وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني، ولا قيس الغائب منها بالشاهد والحاضر بالذاهب، فربما لم يؤمن فيها من العثور ومزلة القدم والحيد عن جادة الصدق، وكثيراً ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل من المغالط في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثاً أو سميناً، ولم يعرضوها على أصولها ولا قاسوها بأشباهها، ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات وتحكيم النظر والبصيرة في الأخبار، فضلوا عن الحق وتاهوا في بيداء الوهم والغلط. انطلاقاً من هذا التقديم المقتضب واقتناعاً بقول موسى بن سعيد الأندلسي: ما كل ما قيل كما قيل….. فقد باشر الناس الأباطيل رحت أقرأ تاريخ الجزائر في جميع مراحله قراءة متأنية فاحصة، ولكن أدهشني وأفجعني ما وقفت عليه من تخطيط تضليلي تفنن في إحكامه مؤسسو المدرسة الاستعمارية للتاريخ والمشرفون عليها طيلة الليل المظلم الذي داهم الجزائر سنة 1830 وظل، إلى يومنا هذا، يحجب عنها الحقيقة العارية خاصة بالنسبة للعهد العثماني والحركة الوطنية وثورة نوفمبر 1954. ففيما يخص القرون الثلاثة التي تمثل واحداً من أمجد عصورنا من حيث التعمير والإنشاء وتنظيم المدن وتخطيط شوارعها ومن حيث الحفاظ على الأمن والاستقرار وتوطيدهما والعناية الفائقة بالعلم والعلماء، إن الكتابات الاستعمارية قد تمكنت، بأساليب مختلفة، من ترسيخها في أذهان الجزائريين أنفسهم، بما في ذلك الأغلبية الساحقة ممن ينعتون بالمثقفين والسياسيين، على أنها عهد الاحتلال وسيطرة تركية وحكم أجنبي، ضاربين عرض الحائط التعليل الحقيقي للحدث التاريخي ومغفلين النظام الهيكلي للدولة الإسلامية ومتجاهلين الإنجازات العظيمة التي حققتها البلاد في تلك الفترة والتي يمكن الاستدلال عليها، بكل بساطة، من خلال المعاهدات السبعين التي أبرمت بين الجزائر وفرنسا فيما بين 1535و 1830، والتي تتعلق خاصة بما قامت به الأولى نحو الثانية من إنجازات عسكرية بحرية وإسعافات مالية واقتصادية واستراتيجية ومساعدات غذائية، كما أننا نجد دليلاً على عظمة الجزائر، يومها، في ذات الرسائل التي كانت توجه إلى حكامها من طرف ملوك فرنسا وأباطرتها حيث نقرأ في مستهل أغلبها: "إلى السيد الأمجد الأعظم الأفخم Illustre et magnifique seigneur de la ville et du royaume dalger وعلى سبيل المثال نورد فقرة من رسالة نابليون بونابرت إلى مصطفى باشا بتاريخ 20/07/1800. Illustre et Magnifique seigneur, "LEtat de guerre survenu entre la Rèpublique Francaise et la règence dAlger ne prit point sa source dans les rapports directs des deux Etats. Il est aujourdhui sans motif" Contraire aux intèrets des deux peuples, il le fut toujours aux inclinations du gouvernement Francais, persuadè quil lest pareillement aux votres, je nhèsite point a donner au citoyen du bois Thainvill les relations politiques et commerciales des deux ètats sur le meme pied lordre de se rendre près de vous avec des pleins pouvoirs pour rètablir elles ètaient avant la rupture. jai la confiance que vous fairez ace nègociateur le meme accueil que jaurais fait a celui de vos sujets que vous auriez auriez chargè dune semblable mission près de moi." فبدلاً من دراسة المعاهدات وغيرها كثير مما أبرم مع إنكلترا وأمريكا وهولندا وروسيا وإلى آخر القائمة، وبدلاً من معالجة تاريخ هذه الحقبة بالموضوعية التي يستعملونها شعاراً لتنويمنا وبالحياد الإيجابي الذي هو مفتاح الباب المؤدية إلى الحقيقة في التاريخ، فإن المؤرخين والقياديين الفرنسيين قد وظفوا كل مالهم من عبقرية لتسوية تاريخ الجزائر وتصويرها- في جميع عصورها- خصوصاً في العصر العثماني- بأقبح الصور في الكتب التي تدرس في المكاتب الفرنسية وتدرس -يا للبلية ويا للحسرة- لأبنائنا على حد تعبير الإمام الشيخ عبد الحميد بن باديس في عدد الشهاب الصادر بتاريخ سبتمبر سنة 1937 إن المؤرخين والساسة الفرنسيين لم يكتفوا بإهمال الأصول المذكورة والتنكر لمحتوياتها، بل تجاوزوا ذلك إلى تلفيق الروايات من أجل تثبيت الإلغاء المطلق لوجود الجزائر شعباً ودولة قبل "الفتح الفرنسي المنقذ من الظلام". فهذا GAUTIER يجزم في كتابه "ماضي شمال إفريقيا "ص9و 10 إن التضاريس تتحكم في التاريخ وهي التي يعود إليها عجز المغرب على تكوين دولة دائمة وعلى التوصل إلى إقامة وحدة سياسية. "ويرى شارل أندري جوليان في تاريخ شمال إفريقيا "ص 14: أن الدولة المغاربية مثل الفقاع: ينبت في ليلة ويتعفن في صبيحة "وفي مكان آخر يؤكد أن "إفريقيا الشمالية الفرنسية التي تشمل المغرب والجزائر وتونس ليست لها حالة مدنية دقيقة "أما موريس توراز وادقارفور وشارل ديغول فإنهم لم يخجلوا حتى من كتابات أسلافهم واعترافاتهم وراح كل منهم، بطريقته الخاصة، يرفع صوته عالياً ومدوياً يقولون للرأي العام العالمي، في أوقات مختلفة، إن الجزائر لم تكن أبداً أمة ولا دولة في التاريخ". وتبنت دائرة المعارف العالمية الفرنسية هذه المزاعم التي لا أساس لها من الصحة وكتبت في مادة الجزائر: "إن هذا الاسم فرنسي ويرجع تاريخه إلى سنة 1831، ومن البداية يطرح السؤال المتعلق بالتاريخ الذي وجدت فيه هذه الأرض الصحراوية بالنسبة لتسعة أعشارها "وفيما يتعلق بالحركة الوطنية، فإن التزييف لصيق بالحديث عن ميلادها إذ بذل المؤرخون الفرنسيون كل ما في وسعهم لإقناعنا بأن ظهورها يرجع إلى ما بعد الحرب الإمبريالية الأولى ثم ربطوا ذلك بحركة الأمير خالد، وهم في ذلك يطبقون على تاريخنا المقاييس المعتمدة في الغرب الاستعماري الذي لا علاقة لواقعه بواقعنا. إن الموسوعات العلمية في الغرب الاستعماري نفسه تعرف الحركة الوطنية بما ينفي مزاعم المؤرخين الفرنسيين ومن حذا حذوهم من الجزائريين. إنها كما جاء في الموسوعات: "حركة الأشخاص الذين يدركون ضرورة تكوين مجموعة أساسها الروابط العرقية واللغوية والثقافية وغيرها. وهي تنطلق من إيديولوجية ترمي إلى تمكين الأمة من حق ممارسة سياسة لا تأخذ في الاعتبار سوى قدراتها الخاصة وترفض كل ما من شأنه الحد من حريتها في العمل". ونحن نعتقد أن هذا التعريف يجعلنا نجزم أن الحركة الوطنية الجزائرية ولدت مع لحظات الغزو الأولى عندما تحركت جحافل الشعب الجزائري وطلائعه تتصدى لقوات الاحتلال بجميع الوسائل والإمكانيات. إن الأمثلة على تشويه المفاهيم والمصطلحات كثيرة، لكن التزييف لم يقتصر عليها بل امتد إلى الوثيقة نفسها أي إلى الأصل الذي يتحكم في معالجة الموضوع، وعلى سبيل المثال فقط نتوقف عند معاهدتي دي ميشال والتافنة. فالمعاهدة الأولى تحمل اسم الجنرال دي ميشال الذي كان قد جاء بقوة عسكرية هائلة لفك الحصار المضروب على وهران من طرف الجيش المحمدي، ولما يئس من تحقيق ذلك جنح إلى السلم ولجأ إلى كثير من الحيل للتوصل إليه. إن هذه الوثيقة موجودة بين أيدينا في الكتابات الرسمية التي تبنتها الدولة الجزائرية بعد استرجاع الاستقلال وهي، مع ذلك، وثيقة مزيفة لأنها لا تحمل توقيع الأمير عبد القادر ولم تعرض عليه في شكلها النهائي، بل إن الأمير عبد القادر قد صادق ووقع على المعاهدة المكونة من جزأين مستقلين أحدهما عن الآخر واللذين جاءت صياغتهما كالآتي: أ- جزء مكتوب بلغة ضعيفة وهو من إعداد الجانب الفرنسي ومقبول من قبل الأمير الذي وقع عليه بخطه، وهو مكون من ست نقاط جاءت على النحو التالي: أولاً : إن العداوة من هذا اليوم، تبطل بين الفرانساوية والعرب. ثانياً : إن الفرانساوية تلتزم بتكريم ديانة الإسلام مع عوائدهم. ثالثاً : إن العرب تلتزم برد الأسرى الفرانساوية. رابعاً : أن تكون السوق حرة. خامساً : إن العرب تلتزم برد من يهرب من الفرانساوية إليهم. سادساً : من أراد السفر في الداخلية من الفرانساوية يجب أن يكون بيده رخصة مختومة من قنصل الأمير ومن قنصل الجنرال. </ ب- جزء مكتوب بلغة أرقى وهو من إعداد الأمير عبد القادر وموقع عليه من طرف الجنرال دي مشال قبل تسلمه الجزء الأول، ويتكون هذا الجزء من أربع نقاط فقط جاءت كمايلي: أولاً ، يكون للعرب الحرية في أن يبيعوا ويشتروا كل ما يتعلق بالحرب. ثانياً ، يكون متجر مراسي أرزيو تحت ولاية الأمير، كما كان قبلاً، بحيث لا يصح شحن شيئ إلا منه وأما وهران ومستغانم فلا يرسل لهما سوى البضائع اللازمة لأهلها. ثالثاً ، يلتزم الجنرال بترجيع كل من يهرب إليه من العرب مقيداً، مع أنه لا تكون له سلطة على المسلمين الذين يحضرون عنده برضاء رؤسائهم. رابعاً ، لا يمنع مسلم عن الرجوع إلى بيته متى أراد. وهكذا، فإن الذي يقرأ الجزأين يلاحظ بكل سهولة أنهما متكاملان، وما الغموض الذي أحيط بمعاهدة دي مشال وكل ما نسج حولها من مزاعم وإدعاءات، سوى أكاذيب من صنع المؤرخين الفرنسيين الذين أرادوا أن يجدوا للسلطات الفرنسية منفذاً يخول لها التحلل، بنوع من الشرف، من عهد ضرب باسم الأمة الفرنسية جمعاء وليس نكث العهد أمراً جديداً بالنسبة لحكام فرنسا. أن المتفق عليه بالنسبة لهذه المعاهدة والذي يمكن استخلاصه من دراسة وبحوث كل المؤرخين هو أنها كانت نتيجة لرغبة الطرفين في إقامة سلم مؤقت، وخلق جو يساعد على التأمل والتخطيط، قبل مواصلة السير بالنسبة للأمير عبد القادر، وعلى كسب الرأي العام في فرنسا وتدعيم وضعه الاستقلالي عن القيادة العليا في الجزائر بالنسبة لدي ميشال. ولقد عمل كل من الجانبين لتكون بنود المعاهدة لصالحه دون الجانب الآخر. وذلك بالإضافة إلى أن المفاوضات كانت، في أساسها مغشوشة بسبب تدخل اليهود المحتوم، وعملهم على استغلالها للحصول على الاحتكارات التجارية ولتحقيق الفوائد والأرباح الطائلة. ونقول تدخلاً محتوماً لأن المتفاوضين كانوا في حاجة ماسة إلى من ينقل أفكار هذا لذاك لتبحث وتناقش. وكان مردوخي وبوشناق الوحيدين اللذين يستطيعان ذلك في المنطقة، خاصة وأن سلك المترجمين الذي كان نابليون قد سهر على تكوينه أثناء حملته المشهورة على مصر قد زال ولم يعد له أثر في أوساط الجيش الفرنسي، كما أن الأمير لم يهتم بهذا الجانب عندما أنشأ حكومته نظراً لتركيز جهوده على الكفاح المسلح. والمتفق عليه كذلك، هو أن الصحافة الفرنسية في ذلك الحين، قد رحبت بالمعاهدة نيابة عن الرأي العام بمختلف اتجاهاته ومشاربه، واعتبرتها نصراً حققه ميشال لصالح الأمة الفرنسية التي لم تكن موافقة على إرسال أبنائها: يموتون، ويعطبون من أجل قضية لا ناقة لها فيها ولا جمل، وفي أرض يفصلها عنها كل شيء. لكن أعداء دي ميشال ودعاة الاستمرار في استعمال الجزائر سرعان ما تمكنوا من تحويل ذلك الترحيب وتلك المساندة إلى موجة من السخط والاستنكار، ساعد على نشرها ما يلي: 1) أن دي ميشال لم يطلع حكومته على الجزء الثاني من المعاهدة والمتضمن الشروط الجزائرية، بل أكثر من ذلك، فإنه استعطف الأمير وطلب منه أن يتظاهر بتعيين وكيل له في مدينة أرزيو يكون هو الحاكم الحقيقي كما جاء في الشرط الثاني ولكنه يبدو للعموم في نفس وضع الوكلاء الجزائريين بوهران ومستغانم والعاصمة. ولقد تعهد دي ميشال لوزير الخارجية ابن عراش أنه يسهر بنفسه على تسهيل مهمة الوكيل المذكور، ويمنع الجيش الفرنسي من التدخل في شؤونه مهما كانت الظروف. وحينما استجاب عبد القادر لذلك وعين أحد أعوانه البارزين وكيلا في أرزيو، وبدأ هذا الأخير ينشط وفقاً للشرط الثاني كما ذكرنا، استاء التجار الفرنسيون في كل من مستغانم ووهران وأيدهم شركاؤهم وزملاؤهم على الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط ورفعت الشكاوى إلى وزارة الحرب التي اعتبرت ذلك تعدياً من حكومة الأمير وذلك لأنها لم تكن على علم بشروط عبد القادر التي وقع عليها دي ميشال. وسارت الصحافة في نفس التيار. وتألب الرأي العام الذي اعتبر صمت دي ميشال نوعاً من الخيانة لوطنه. 2) إن النص الموحد الذي نقله دي ميشال إلى حكومته كان مزيفاً في نقطة أساسية من بنده الأول. ذلك، أن وزارة الحرب الفرنسية كانت أمرت [أن يصرح في المعاهدة عن تبعية الأمير للدولة الفرنسية، وعن تعيينه بايا بنفس الشروط المعروفة قبل الغزو. ونظراً إلى أن دي ميشال كان متؤكداً من رفض الأمير لذلك، فإنه لم يعرض عليه الفكرة إطلاقاً، وتعمد تزييف النص الذي جاء كالآتي: إن قائد الجيش الفرنساوي، المقيم في وهران، الجنرال دي ميشال، والأمير عبد القادر بن محيي الدين اعتمدا واتفقا على ما يأتي ذكره من الأمور: الأول: منذ يوم تحريره يصير ترك الحروب والخصومات بين الفرنساويين والعرب، وكل من الجنرال دي ميشال والأمير عبد القادر يجتهد في إلقاء الألفة بين شعبين اقتضت الإرادة الإلهية أن يكونا تحت سلطة واحدة. إن الجملة الأخيرة تعد نوعاً من الاعتراف بخضوع الشعب الجزائري لفرنسا وهو ما لا يمكن أن يوافق عليه الأمير عبد القادر. وبالفعل فإن كتاب تحفة الزائر يوردها، على العكس من ذلك، بكيفية تدل على اعتراف الجنرال دي ميشال، ومن خلاله فرنسا، باستقلال الحكومة الجزائرية، إذ تقول الجملة: "وكل من الجنرال دي ميشال والأمير عبد القادر يجتهد في إلقاء الألفة بين شعبين اقتضت الإرادة الإلهية، لا يكونا تحت سلطة واحدة. 3) إن دي ميشال قد أخفى على حكومته توقيعه على شروط الأمير عبد القادر القاضية بإعطاء الاحتكار التجاري لممثلي الحكومة الجزائرية دون غيرهم، ويحصر النشاط التجاري كله في ميناء أرزيو الذي يدخل، وفقاً للشروط، تحت ولاية الأمير وحده. 4) إن دي ميشال لم يخف الحقيقة عن حكومته فحسب، بل إنه كتب إلى الأمير في شهر ذي الحجة سنة أربعين ومائتين وألف يخبره بأن ملك الفرنسيين لويس فليب قد أطلع على جزأي المعاهدة وصادق عليها. ومن ثمة فإنه لم يعد هناك ما يمكن أن يعرقل حسن سير تنفيذ المعاهدة. وعلى الرغم من ذلك الغموض كله، ومن المناورات الدنيئة، والمشاكل والصعوبات، فإن معاهدة دي ميشال قد دخلت حيز التنفيذ في الوقت المحدد لها، وحسب الشروط المنصوص عليها في الجزائر، ومن واجبنا، كباحثين أن نؤكد هنا، أن الجنرال دي ميشال قد بذل كل ما في وسعه لكي يرضى في آن واحد الجانب الجزائري الذي وعده بالوفاء، ووزراء الحرب الفرنسية الذين وعدهم بأن يكون السلم لصالح الأمة الفرنسية. وحينما تكاثرت الضغوط على السلطات الرسمية في فرنسا وفي الجزائر، وجد دي ميشال نفسه المدافع الوحيد عن المعاهدة التي لم يبرمها في الواقع إلا بإذن وتشجيع من وزير الحرب آنذاك. أما المعاهدة الثانية فهي معاهدة التافنة التي لا يمكن قبول نصها الموجود بين أيدينا كعمل أصلي وذلك لأسباب عديدة أهمها مايلي: </ 1- إن الوثيقة العربية المتداولة والمجمع على أنها معاهدة التافنة والتي تبنتها وزارة الإعلام والثقافة في الجزائر بدون نقاش، ونشرتها ضمن وثائقها الرسمية لتكون واحداً من المصادر الرئيسية في كتابة تاريخ تلك الفترة، هي مزيفة لأنها جاءت مكتوبة على صفحتين كاملتين بلا ختم ولا توقيع، في حين أننا نعرف أن المعاهدة الحقيقية كتبت باللغتين على الصفحة الواحدة بحيث يقرأ على اليمين نصها العربي وعلى اليسار نصها الفرنسي، ثم إن كلا من الأمير عبد القادر والجنرال بيجو قد وضع ختمه وتوقيعه في نهاية النص المعد بلغته. 2- إن الأمير عبد القادر كان قد خابر بيجو وأعلمه أن المسلمين لا يرضون أن يكونوا تحت حكم الأفرنج، ولذلك فمن المستحيل أن يوقع على وثيقة ينص شطرها الأول على الاعتراف "بحكم سلطنة فرنسا في إفريقيا". 3- إن الوثيقة مكتوبة بلغة عامية لا يرضى الأمير عبد القادر ونحن نعرف بأنه الطويل في مجال العلم والمعرفة، أن تصدر باسمه، ولا أن يوقع عليها، خاصة وأنه كان يعلم أنها ستوجه للاطلاع عليها إلى ملك فرنسا وإلى فطاحل العلماء. 4- إن المعاهدة مشتركة، ومع ذلك فإنها لا تحمل التاريخ الميلادي الموافق للتاريخ الهجري. هذا بالإضافة إلى أنه لم يذكر، في نهاية النص، أسماء وصفات المتفقين على الشروط. 5- إن الورق المستعمل لكتابة المعاهدة غير رسمي كما أن ذكر الأمير عبد القادر الوارد في مستهل النص بدون صفة أمير المؤمنين وبدون ذكر اسم والده كما تعودنا أن نرى ذلك في كل مكتوب داخلي أو خارجي، يدل دلالة قاطعة على أن الوثيقة التي بين أيدينا ليست هي الأصلية التي صادق عليها الطرفان. أما عن تاريخنا المعاصر وعن ثورة نوفمبر بالذات فإن عمليات التشويه والتزييف والتحريف فيه قد اتخذت أشكالاً وأنواعاً متعددة حتى إننا أصبحنا مكتوفي الأيدي أمام كثرة ما نشر بلغات متعددة وحسب نظريات مختلفة. وإذا كان من الصعب حصر كل المجالات وكل الموضوعات التي تعرضت للتشويه في هذه العجالة، فإننا لا نجد مفراً من ذكر بعض المحاور التي ركز عليها قادة الاستعمار ومؤرخوه ووظفوا كل إمكانياتهم الاعلامية والتربوية والثقافية لتعميمها وإضفاء طابع المصداقية عليها. هكذا، إذن، فإن المدرسة الاستعمارية للتاريخ قد استعملت كل الأساليب لتشويه التاريخ الجزائري وإفراغه من محتوياته الإيجابية وذلك لتتمكن السلطات الفرنسية، في مرحلة أولى، من فصل المجتمع الجزائري عن قاعدته المتينة التي يرتكز عليها والمتمثلة في ثقافتنا الوطنية وما تشتمل عليه من ثروات هائلة هي دروع واقية وأسلحة فتاكة عندما يحين الأوان، ولتتوصل في مرحلة ثانية، إلى فرض حلولها الكثيرة التي من بينها الاندماج المزيف والمسخ والتذويب. ففي هذا الإطار هدمت الأوابد وأزيلت الآثار، وضاعت الوثائق الأصلية لتحل محها كتابات تتماشى مع أفعال وتصرفات المستعمر وتخدم في نفس الوقت، أغراضه وأهدافه. وفي هذا الإطار أيضاً، جُرِّد تاريخنا من أبطاله ومآثره النبيلة الخالدة، مما كان حافلاً به من بطولات ومكارم وأخلاق، وإسهامات حضارية ومواقف إنسانية تشهد كلها على العظمة والعز والقدرة الفائقة على الأخذ والعطاء اللذين هما مقياس البقاء والخلود. وبعد هذا وذاك، جاء الاستعمار بالمرحلة الثالثة التي مازلنا نعاني منها إلى يومنا هذا، وتمتاز تلك المرحلة بظهور من يوصفون ظلماً وبهتاناً، بالتحرر والتقدمية: مؤرخون ومفكرون من الدرجة الأولى، ما في ذلك شك، ولكنهم غير مجردين من عواطفهم الوطنية فاشرفوا على دراسة العديد من أبناء الجزائر الذين بهرتهم التعابير الرنانة الجوفاء، وخدعتهم المفاهيم السطحية والمصطلحات الشكلية والسلوكات المظهرية إلى درجة أن معلومات الأساتذة صارت قرآناً لا تقبل شكاً ولا تكذيباً. وانطلاقاً من هذه المعطيات أصبح الجزائريون يزيفون تاريخهم بأنفسهم أو يحافظون على واقعه المشوه ويعملون ما لا يستطيع المستعمر فعله لإقناع المواطنين البسطاء بموضوعية ذلك الواقع، بل أكثر، لقد اتخذوا من أساتذة الاستعمار أئمة وأغلقوا، بأيديهم أبواب الاجتهاد فلم تعد ذهنياتهم قابلة للثورة على الجمود والرجوع إلى الشك في كل شيء للتوصل إلى الحقيقة الضائعة. ولأجل ذلك كله، فإن المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر، بالطريقة التي وجد عليها والرعاية التي يحظى بها خاصة من معالي وزير المجاهدين، إنما يعتبر فتحاً مبيناً وخطوة ثاتبة في الطريق المؤدية إلى تكوين المدرسة الجزائرية للتاريخ، تلكم المدرسة التي نأمل أن تستقطب جميع الطاقات الوطنية المؤهلة لإعادة كتابة تاريخ الجزائر بعد تخليصه علمياً وأكاديمياً، ومن كل ما علق به من تشويه وتحريف وتزييف؛ وإنما تشكل لمهمة شاقة لا تكتفي بصبر الباحثين وإرادة السياسيين ولكنها تتطلب فوق كل شيء وزيادة على الثقة في النفس، إيماناً صادقاً بالمسؤولية وقدرة فائقة على كسر الحواجز الوهمية التي أقامها المستعمر بيننا وبين ماضينا التليد الذي ما أحوجنا إلى توظيف جوانبه الإيجابية والسلبية على حد سواء. وبهذه المناسبة أستسمحكم لحظة واحدة للترحم على روح صديقنا الباحث العلامة مولود قاسم الذي نفض الغبار عن شخصية الجزائر الدولية وهيبتها العالمية قبل سنة 1830م.
|
رد: تاريخ الجـزائر المعاصر الجزء الأول الفصـــــل الاول
موضوع جد قيم أخي الكريم
خاصة لطلبة الثانوي جازاك الله خيرا تحياتي . . .
| كتاب تاريخ العرب المعاصر لــــ رأفت الشيخ
|