* *ولد الشاعر باوية في المغير سنة 1930 درس الطب بعد الاستقلال وتحصل على الشهادة في بلغراد وشهادة الاختصاص من الجزائر سنة 1979 ، اهتم بالشعر فقرضه وكان متميزا من أوائل الجزائريين الذين كتبوا القصيدة الحرة.
* *من دواوينه أغنيات نضالية الذي تغنى فيه بالقضايا الوطنية والقومية منها قضية الثورة الجزائرية التي يعالجها في هذا النص
تحليل النص:
الحقل المعجمي الذي ينتمي إلى حقل القيم:
القيم الإنسانية:* السلام الحب ، الحياة الابتسام، الشوق، الإنسان
القيم التاريخية: وحدنا المصير التاريخ ، بطولات شهيد ، أنا حدث ثر، الطواغيت ُ الثورة
الحقل الدلالي
الأبكار: ج بكر العذراء* *
البِكر: أول مولود لأبويه ، أو أول كل شيء
البكور:الاستعجال في الاستيقاظ باكرا
البَكَر: التعجيل والإسراع
اكتشاف معطيات النص:
-* يوجه الشاعر القصيدة إلى كل مسكون بالثورة الجزائرية والقضية العربية بصفة عامة في موقف تاريخي لما أعلنت تجربة الوحدة المصرية السورية في قمة تأجج الثورة الجزائرية وكانت تحقق أكبر الانتصارات الداخلية والخارجية* سنة 1958 مما كان يثير اعتزاز كل الشعوب العربية.
-* فالشاعر يفتخر بما يحققه العرب آنذاك -في زمن الانتصارات- على الأعداء وخاصة الوحدة المصرية السورية التي كانت أمنية الشعوب العربية في تحقيق الوحدة العربية بعد طرد المستعمر الغربي منها فرمز للعربي المنتصر بقيمه الإنسانية بالإنسان الكبير وهي البنية الدلالية التي يحملها العنوان*
-* النص(شعر حر)* من الشعر السياسي التحرري لأنه يتغنى بقضايا سياسية جمع فيه بين الإشادة ببطولات الشعب الجزائري والوحدة العربية اللتين كانتا الشغل الشاغل في زمن نظم القصيدة .
– فضاء النص ينطلق من حقائق واقعية كأحداث الثورة والوحدة : وحدنا المصير من خطى طفل يحمل المدفع في أرض الجزائر، بطولات شهيد.
كما ينطلق من قاموس الشاعر في المخيال مثل الاستعارات والرموز التي يوظفها في التعبير وهي أغلب النص
مناقشة معطيات النص:
-* معجم الشاعر عكس طبيعة الثورة الجزائرية التي استلهمت القيم الإنسانية في مواجهة المستعمر من حب وتسامح وعدالة والتفاؤل بغد مشرق ، لأنها ليست ثورة خبز فحسب وإنما الطموح لاسترجاع كرامة الإنسان* – ولهذا ليس من الصدفة أن يمثل الشاعر ويستلهم هذه المبادئ في النص فيجمع بين قيم السلم والحرب .
– ففي رأيه أن الثورة علمته قيما سامية جميلة أصبح بفضلها كغيره ممن تعلم منها إنسانا كبيرا.
تحديد بناء النص
– اللغة أدت وظيفة جمالية كبيرة بانزياحاتها ورموزها، وهو خروج جميل عن المألوف في التعبير عن الأفكار لإثارة الذهن والمتلقي.
– كما أن لغة النص سايرت مضمونه المتحدث عن الثورة بما لازمها من حدة في الفعل فكانت لغة النص مزدوجة بين اللين والقوة حسب سياق الفكرة.
-* كما اعتمد النص على التكرار للإلحاح على فكرة معينة في مواقف كثيرة مثل (قال شعبي ، يا جراحي ، أوقفي التاريخ، إنسان كبير) وهذه المعطيات المتكررة هي الرسائل التي يحملها الشاعر بإلحاح إلى القارئ المتلقي.
– في النص صور كثيرة تعكس طابع الحرب: مثل في دمي كنز السنابل ، من ضلوعي من دمي عبر الجزائر ، طفل يحمل المدفع )
-* الرموز الواردة في النص تحيل إلى ثلاثة فضاءات
* * فضاء المستعمر: أساطيل عتيقة، أصنام غبية، …
* * فضاء الثورة: قلب بركان* ثورة بكر* حزمة مصلوبة…
* فضاء المستقبل والاستقلال: صوت المناجل، شوقا إلى قبلة طفلي وزغاريد ..
تفحص الاتساق والانسجام:
– وردت في النص أفعال الأمر وهي ذات دلالة نفسية تتمثل في انفعال الشاعر مع الأحداث(بطولات الثورة) وافتخاره بها .
– ولهذا فالنص ممزوج بين النمط الانفعالي(الجملة الإنشائية المتكررة) والنمط السردي سرد الأحداث لأن النص أشبه بقصة رمزية ( مر بك خصائصهما)
للطبيعة حضور متنوع* قوي وربما هو انعكاس لتأثر الشاعر بطبيعة وطنه المتنوعة بين الشمس السخية، الربى، الزهر، هنا بحر وأمطار..
– لغة الشعر في العادة تتراوح بين اللغة الجاهزة وهي التقليد في التعابير السابقة وبين التجديد في التجربة الشعرية بخلق صور جديدة من التراكيب والتعابير وهو دأب الشاعر في هذا النص الذي أنشأ فيه معجما
اللغــــة العربــية وآدابـــــــــــــها
الموضوع:
مفاهيم في الخطاب والخطاب الأدبي من منظور النقد العربي الحديث:
تمهيد:
شهد العالم العربي حركة واسعة في محاولة تحديد دلالة الخطاب الأدبي وسماتة وقد عرفت هذه الحركة انتشاراً واسعا في أوساط النقادة العرب كل يدلي بدلوه في هذا المجال ويعطي حجته نظرياً وتطبيقاً.بيد أن تلك المفاهيم والطروحات رغم علائقيتها بالموروث العربي الإسلامي،إلا أنها لم تخل من تأثر بالمناهج النقدية لسانية أو أسلوبية.
– نظرة النقاد العرب لمفهوم الخطاب:
من بين النقاد العرب الذين حددوا مفهوم الخطاب الأدبي (انطوان مقدسي،عبد السلام المسدي،سعد مصلوح،محمد مفتاح،عبد المالك مرتاض…).
ويعرف انطوان مقدسي الخطاب الأدبي على أنه"جملة علائقية إحالية مكتفية بذاتها،وهي مكتفية بذاتها أي أنها مكانا وزمانا وجودا ومقاييس لا تحتاج إلى غيرها…)1.
فالخطاب من منظور "مقدسي" مهماكان حجمه يشكل جملة واحدة تجمع بين أعضائه علاقات إحالية،ولا يمكن أن تكتفي حدوده بذاتها وإنما هي نسيج عضوي يحيل بعضه إلى بعض،ليشكل جملة واحدة…مكتفية بذاتها دون حاجة أو تأثر بالعوامل الخارجية، ويبدو تأثر مقدسي بالنظرية البنيوية واضحاً في تعريفه للخطاب الأدبي على أنه بنية مغلقة مكتفية بذاتها.كما يدعو إلى دراسته بمعزل عن العوامل الخارجية أي يدرس في ذاته ولذاته.
ولا يكاد يختلف مفهوم "المسدي" للخطاب عن مفهوم المقدسي،إذ يعرف الخطاب على أنه بنية يجب أن يدرس في ذاته ولذاته. يقول" إن ما يميز الخطاب هو انقطاع وظيفته المرجعية لأنه لا يرجعنا إلى شيء ولا يبلغنا أمرا خارجياً إنما هو يبلغ ذاته وذاته هي المرجع والمنقول في نفس الوقت…"2.
فانقطاع الوظيفة المرجعية للخطاب تجعله يشكل علاقات إحالية تكتفي بذاتها وغياب هذه المرجعية – حسب نور الدين السد – تجعل الخطاب متميزاً لا نظير له في الواقع لأن الخطاب لا يعني تسجيل الأحداث كما هي على صورتها في الواقع بلغة متميزة تخلق الأحداث كما هي على صورتها في الواقع،وإنما تصوير الواقع بلغة متميزة تخلق عالماً لغوياً منمازاً عن العالم الواقعي باستخدام تقنيات أسلوبية،جمالية.
ويشترط "سعد مصلوح" في الخطاب الشفرة اللغوية المشتركة بين الباث والمتلقي باعتبار الخطاب"رسالة موجهة من المنشئ للمتلقي تستخدم فيها نفس الشفرة اللغوية المشتركة بينهما،ويقتضي ذالك أن يكون كلاهما على علم بمجموع الأنماط والعلاقات الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية التي تكون نظام اللغة أي(الشفرة)3.
فتحقيق الوظيفة التواصلية بين الباث والمتلقي- من منظور سعد مصلوح- يشترط علم الطرفين بمجموع الأنماط الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية،بيد أن هذا الشرط لا يمكن الأخذ به كقاعدة مطلقة لكل خطاب،فقد يتوفر هذا الشرط في الحديث العادي بين الطرفين كأن يكون واحدا أجنبي والآخر عربي عندئذ تنعدم الوظيفة التواصلية بينهما،إن جهل أحدهما لغة الآخر وهو ماذهب إليه "نور الدين السد" فهو يرى أن تعريف سعد مصلوح "ينطبق على مستويات من الخطابات ولا ينطبق على مستويات أخرى…"4.
ويتجاهل سعد مصلوح الوظائف الأخرى التي يحققها الخطاب كالشعرية والتعبيرية على خلاف الباحث " محمد مفتاح" الذي يمنح الخطاب وظائف عديدة كالتواصيلة والتفاعلية…ويعتبر محمد مفتاح الخطاب "مدونة كلامية" أي انه "مؤلف من كلام وليس صورة فوتوغرافية أو رسماً أو عمارة أو زيا…وإن كان الدارس يستعين برسم الكتابة وفضائلها وهندستها في التحليل…"5.فالخطاب عنده يتميز بأنه :
1- " تواصلي: يهدف إلى توصيل معلومات ومعارف ونقل تجاربه إلى المتلقي
ب- تفاعلي: على أن الوظيفة التواصلية في اللغة ليست هي كل شيء، فهناك وظائف أخرى للخطاب اللغوي،اهمها الوظيفة التفاعلية التي تقيم علاقات اجتماعية بين أفراد المجتمع وتحافظ عليه"6.
والخطاب عند "محمد مفتاح" حدث بمعنى انه مرتبط بزمان ومكان محدد وقع فيه وهو على خلاف الحدث التاريخي لا يمكن أن يعاد ويتميز الخطاب كذالك – من منظور مفتاح- بالانغلاق أي له بداية ونهاية رغم تداوليته بمعنى انه وليد أحداث تاريخية واجتماعية ولغوية وتتوالد منه احداث أخرى، وما يتميز به الخطاب عما هو ليس بخطاب كون الخطاب يمتاز بالاتساق والانسجام،ومن يميزه هو متكلم اللغة المتخصص،فهو بإمكانه عند تلقي مقطعاً لغوياً أن يحكم عليه بأمرين: إما أنه يعتبره وحدة كاملة وبالتالي فهو خطاب،وإما أنه مجرد جمل غير مترابطة مما يعني أنه ليس خطابا،فوجود وسائل الاتساق أو غيابها تحدد خطابية المقطع أو عدميتها.7
وإذا كان متخصص اللغة له دور في تمييز الخطاب من غيره فإن متلقي الخطاب يجعل من هذا الأخير امتدادً له،فالخطاب ليس جامداً بل هو متغير ومتحول تبعاً لكل قارئ وهو متواصل مع قارئه لاحتوائه خصائص نفسية واجتماعية وحضارية،وهو ما يجعله يقول مافيه،ومستغن بنفسه عن غيره كما يقول"منذر عياشي"8.لذالك لايعقل ان نقبل عليه ونحن محملين بأفكار مسبقة أو انماط جاهزة للبحث عن مثيلاتها في محتواه،لأن الخطاب يتضمن فكرة، رؤية يمكن الوصول إليها من خلال قراءات متنوعة أسلوبية،سيميائية،…تكشف جوانب متعددة من الخطاب.
وفي تعريف المسدي للخطاب وأدبيته يرى أنه" …ينتمي لصاحبه من حيث هو كلام مبثوث، أما أدبيته فهي أساسا وليدة تركيبته الألسنية"9. لكن هذه الأدبية لا تتواجد في أجزاء منه فقط وإنما تتجلى في الخطاب كاملا لأنها – على حد تعبير منذر عياشي- "قوة إيحائية مكثفة تسكن النص وتمتد على كل أطرافه حتى تضيق مساحة التصريح"10
وتمتد أدبية الخطاب بمقدار انزياحه وخروجه عن مألوف القول في تركيبته البنيوية والدلالية،لأن أدبيته لا تكمن في أسلوبه فحسب،بل في دلالته التعبيرية والرمزية.
أما في البحث النقدي فإن الخطاب هو" فعل النطق، أو فاعلية تقول وتصوغ في نظام مايريد المتحدث قوله فهو كتلة نطقية " لها طابع الفوضى وحرارة النفس ورغبة النطق بشيء ليس هو تماما الجملة ولا هو تماما النص بل هو فعل يريد أن يقول."11
فإن كانت الجملة غير النص والنص غير الخطاب فبالتالي الجملة ليست هي الخطاب،فالخطاب يرتبط في البحث النقدي بعلاقته مع النطق، وهو يحمل معنى الاستمرارية والحركة والتواصل دون محددات سيرورة وصيرورة، فالخطاب كتلة نطقية يؤدي رسالة التواصل بين الناطقين به.
ويعرف الأستاذ نور الدين السد الخطاب في كتابه " تحليل الخطاب السردي"على أنه "خلق لغة من لغة" فوسم الخطاب على انه لغة تنماز بالتحول والتجدد، فهي لغة لم تنشأ من عدم، بل هي وليدة لغة أخرى هي لغة الحياة،المعنى،الموقف…فلا وجود لللغة أولى دون اللغة الثانية وهي لغة ثابتة على خلاف الاولى(لغة/خطاب) فالحياة الجاهلية برحلاتها وأيامها وفروسية عنترة.. غزله وحبه هي حياة معنى او موقف اختزل في لغة أخرى متحولة هي " معلقة عنترة" ووسم هذا الخطاب تبعاً لتركيبته" بالخطاب الشعري" ولنقل مثل ذالك عن الثورة الجزائرية بزمانها ومكانها وشعبها …كل هذا جسده مفدي زكرياء في " إلياذة الجزائر" فوسمت بالخطاب.
وعليه فإن الخطاب هو قراءة لثلاثية تكاملية هي ( الزمان والمكان والإنسان) لذالك فهو غير الجملة وغير أي كلام فهو الجديد الذي يحصل من خلال فاعلية تقول، إذ لا يمكن أن نعتبر كل كلام خطاب،فالخطاب نسيج وحده له سمة خاصة من التموسق فهو تمام الانسجام والتناسق والتناغم،وشبهة نور الدين السد بالكيان العضوي"إذ يتمشكل عضوياً جزء فجزء، ثم يقع الترابط والانسجام والمواءمة بين كل المكونات الخطابية مبنى ومعنى،حتى إذا بلغت مبلغاً معيناً وسمت بمفهوم ،فنقول هذا خطاب شعري وذاك خطاب نثري، فالخطاب إفرازة بيانية منفردة بذاتها…لغة تحمل جوهرا هو المضمـــــــــــــون.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
(1) أنطوان مقدسي،الحداثة والادب،مجلة الموقف الأدبي،ع9/دمشق نقلا عن :نورالدين السد،الأسلوبية وتحليل الخطاب ،ص:67
(2)عبد السلام المسدي،الأسلوب والأسلوبية،الدار العربية للكتاب ،ط/3ص:116
(3)ينظر،نور الدين السد،الاسلوبية وتحليل الخطاب،ج 2،ص:68
(4)المرجع نفسه،ص:74
(5)المرجع نفسه،الصفحة نفسها
(6)محمد مفتاح،تحليل الخطاب الشعري،ص:120
(7)ينظر نور الدين السد، الأسلوبية وتحليل الخطاب،ص:96-75
(8)المرجع نفسه،ص:13
(9)المرجع نفسه،ص:88
(10)المرجع نفسه،ص:92
(11)رابح بوحوش،الخطاب والخطاب الأدبي وثورته اللغوية…مجلة اللغة والأدب،ع/12،ص:177
إنهم يعتبرون الأدب، والفن، أمراً ثانوياً، وعبثاً، وتضييعاً للوقت، بل إن بعضهم يمضي إلى ما هو أبعد من ذلك، فيرى في الآداب والفنون بوابات للفساد ومزالق تقود إلى حافات المروق والضلال.
وهم ينظرون بدهشة إلى كل أولئك الذين يبدون اهتماماً بالقصة والرواية والمسرح، والفنون السمعية والبصرية عموماً، ويحكمون عليهم بأنهم قد اختاروا الأدنى وفرطوا بأولويات التعامل المعرفي التي تحتّم على المسلم ألاّ يقرأ أو يدرس إلا العلوم الشرعية التي تفقّهه في أمور دينه وتزيده قرباً من الله سبحانه.. وهكذا يصير النشاط الأدبي والفني في نظرهم أحبولة يمدها الشيطان؛ لإبعادهم عن هذه المطالب وإيقاعهم في شرَك الغواية والضلال.
وزادهم اقتناعاً برؤيتهم هذه أنهم يجدون مساحات واسعة من الآداب والفنون يشغلها ويمتطيها محترفو الإفساد والتخريب الفكري والنفسي والأخلاقي في العصر الحديث، وأن معطياتها تعكس أقصى حالات التفكك والرذيلة والخراب.
هذا حق.. وحق أيضاً أن الأدب والفن هي في أساسها تقنيات حيادية يمكن توظيفها لخدمة هذا المذهب أو ذاك، وأن الخطاب الأدبي والفني يظل واحداً من أكثر الصيغ قدرة على الإثارة والإقناع والتأثير، وصوتاً يملك إمكانية اختراق سمع الإنسان المعاصر وعقله ووجدانه، والوصول إلى عمقه الفكري والذوقي والروحي لتقديم قناعاته وتصوراته.
لقد أفاد (الآخر) من هذه الفرصة المفتوحة، ووظفها إلى الحد الأقصى من قدراتها المتاحة، ومارس بواسطتها دوراً مزدوجاً، فأكد بمعطياتها ذاته وموقفه وفلسفته وتصوراته ومنظوره للحياة والإنسان والعالم.. وهاجم في الوقت نفسه رؤى الآخرين وتصوراتهم وقناعاتهم، فعرّضها لسلسلة متواصلة من الهزات والأعاصير، مستهدفاً تدمير ثقة الخصم بقيمه وخصوصيته، ووضعه في منطقة الفراغ أو الانخفاض الجوي، وتجريده من سلاحه، وقطع جذوره بعقيدته وتراثه وتاريخه، وجعله في نهاية الأمر يتقبل كل ما تأتي به رياح التشريق والتغريب.
وشبابنا لا يزال يتجادل في الظاهرة الأدبية والفنية: هل هي حلال أم حرام؟ وإذا كانت حلالاً فهل الأجدر أن تستنزف جهودنا وأوقاتنا على حساب القراءات والمطالب الشرعية؟ ألا يعد ذلك نوعاً من البذر الذي يتحتم أن نتجاوزه، من أجل ألا يبعدنا عن الضرورات الأشد إلحاحاً؟
تركنا لهم المساحات فصالوا وجالوا، وفرّطنا بهذه الفرصة القيمة التي كان يمكن أن تمنحنا وسائل وتقنيات فاعلة مؤثرة في تقريبنا من الأهداف وأعانتنا عليها. وكلّنا يعرف كيف أن الغرب اعتمد هذه الأداة في غزوه الفكري، وراح هذا الاعتماد يزداد اتساعاً في الكم والنوع، ويمثل بمرور الوقت ضغطاً متزايداً على عقل المسلم المعاصر ووجدانه وذوقه، بل على حريته واختياره.. إنهم يشدّدون حصارهم أكثر فأكثر، يعينهم على ذلك.. هذا التقدم الأسطوري في تقنيات الخطاب الأدبي والفني، وبخاصة السينما والمسرح والتلفزيون والكاسيت والفيديو والأقمار الصناعية، فضلاً عن التفنن في إخراج الكلمة المكتوبة والفكرة المصورة، عبر الكتب والمجلات والدوريات، في عالم متقارب يزداد التصاقاً يوماً بعد يوم، ويغدو قرية صغيرة لا يستطيع أحد أن يهرب من مرئياتها وخبراتها ومسموعاتها التي تطرق على رأس الإنسان المعاصر وسمعه وبصره صباح مساء.
إليكم هذه الدراسة التي قام بها الدكتور حسن مصطفى سحلول في
" نظريات القراءة والتأويل الأدبي وقضاياها "