تطمئن القلوب من خوفها فتسكن إلى موعود ربها مع الثقة به، وحسن التوكل عليه، وصدق اللجوء إليه.
وتطمئن من حزنها فتجد الأمن من كل غم وهم وحزن، فتعيش راضية مرضية؛ لأنها بربها ومولاها راضية.
وتطمئن من قلقها فتستقر بعد التذبذب، وتهدأ بعد التمزق، وتثبت بعد الاضطراب.
وتطمئن من الشتات فيجتمع شملها، ويتحد توجهها، ويلم شعثها، وتنجو من شتات أمرها.
وتطمئن من كيد شيطانها، وغلبة هواها، وتحرش أعدائها، وكيد خصومها، وشرور أضدادها.
فليس للقلب دواء أنفع من ذكر الله، فمهما حصل القلب على مطلوبه ورغباته بدون ذكر الله فإن مصيره القلق
والتمزق والفرق والخوف والغم والهم والحزن والكدر والاضطراب.
أبى الله أن يؤِّمن من عصاه وأن يؤنس من خالفه، واتبع هواه وكيف يطمئن من بينه وبين الله وحشة،
وبينه وبين خالقه قطيعة، وكيف يأنس من نسي مولاه وأعرض عن كتابه، وأهمل أوامره، وتعدى حدوده.
إن طمأنينة القلب هي السعادة التي يسعى لها الكل، ويبحث عنها الجميع، فمنهم من خطبها عن طريق المال
فجمع وأوعى، وحصل وكنز، فإذا المال بلا إيمان شقاء وإذا الحطام بلا طاعة وباء،
ومنهم من طلب السعادة عن طريق المنصب فصب من أجله دمعه وعرقه ودمه،
فلما تولاه بلا إيمان كان فيه حتفه وهلاكه وخيبته، ومنهم من طلبها عن طريق اللهو من غناء وشعر وهواية
فما حصل عليها ولا نالها؛ لأنه عزلها عن عبودية ربّه عز وجل.
فيا من تكاتفت سحب همومه اذكر الله لتسعد، ويا من أحاط به حزنه وأقلقه همه اذكر الله لتأنس،
ويا من طوقه كربه وزلزله خطبه اذكر الله لتأمن، ويا من تشتت قلبه وذهب لبه اذكر الله لتهدأ،
ذكر الله دواء وشفاء وهناء، وذكر غيره داء ووباء وشقاء، ويكفي الذكر فضلاً أن الله يذكر من ذكره
ويكفي الذكر شرفاً أنه العلم الوحيد الذي يبقى مع أهل الجنة، ويكفي الذكر أجراً أنه أفضل عمل،
الذكر حياة ولكن المبنّج لا يحس، والمخدر لا يشعر، والميت لا يتألم، والذكر سعادة ولكن المعرض مخذول،
والناسي خائب، والمضطجع خاسر، والذكر أمن وسكينة ولكن العاصي مفرط، والفاجر هالك.
وفي كلمة (( تَطْمَئِنُّ )) رخاء ونداء وطلاوة، فكأن القلوب كالأرض، فما سهل منها فهو المطمئن،
وما صعب وشق فهو القاسي الموحش المقفر، فليت سحب الرضوان وغمام الرحمن تترك غيث
الوحي على القلوب لتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها من الذكر والشكر والإنابة والمحبة
والرهبة والرغبة: ((أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ)).
فليكثر الدعاء في الرخاء: أي في حال الرفاهية والأمن والعافية؛ لأن من سمة المؤمن الشاكر الحازم،
أن يريش السهم قبل الرمي، ويلتجئ إلى الله قبل الاضطرار، بخلاف الكافر الشقي والمؤمن الغبي
((وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا)).
فتعين على من يريد النجاة من ورطات الشدائد والعموم، أن لا يغفل بقلبه ولسانه عن التوجه
إلى حضرة الحق – تقدس – بالحمد والابتهال إليه والثناء عليه، إذ المراد بالدعاء في الرخاء
-كما قاله الإمام الحليمي – دعاء الثناء والشكر والاعتراف بالمنن، وسؤال التوفيق والمعونة والتأييد،
والاستغفار لعوارض التقصير، فإن العبد -وإن جهد- لم يوف ما عليه من حقوق الله بتمامها،
ومن غفل عن ذلك، ولم يلاحظه في زمن صحته وفراغه وأمنه، فقد صدق عليه قوله تعالى:
((فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ))
عن د/عائض القرني
شكرا اخي .موضوع جيد.
العفو اختي الكريمة اسعدني عبورك بصفحتي
شكرااااااااا جزيلا
بارك الله فيك
مواضيعك الرائعة وقيمة