علم نفس النمو هو فرع علم النفس الذى يهتم بدراسة التغيرات التي تطرأ على السلوك الأنسانى من المهد – بل وقبلة – إلى اللحد .
وهذة التغيرات شاملة بمعنى إنها تحدث للكائن في كل الجوانب , وأن كانت لا تحدث بسرعة واحدة أو بمعدل واحد فى كل جانب من جوانب شخصية الفرد .
1- التغير فى الحجم أو فى الكم :
ويعنى أن التغير يشمل حجم الأعضاء أو كم الوحدات , ففى الجانب الجسمى نجد أن حجم الجسم ككل يزيد ويكبر , كما أن حجم كل عضو على حدة يزيد أيضا , ينطبق هذا على الأعضاء الخارجية , كما ينطبق على الأعضاء الداخلية كالقلب والمعدة والبنكرياس. كذلك يظهر هذا النوع من التغير فى زيارد عدد الوحدات فى بعض الجوانب مثل عدد الخطوات التى يستطيع الوليد أن يمشيها قبل أن يقع على الأرض عند تعلمة المشى , وعدد الكلمات الصحيحة التى ينطقها عند تعلمة الكلام .
2- التغبر فى النسب :
لا يقتصر التغير فى النمو على الحجم أو كم الوحدات وإنما يشمل أيضا النسبة التى يحدث بها التغير , فالتغير لا يحدث بنسبة واحدة فى كل الأعضاء , بل يحدث تغير فى النسب بمعنى أن أجزاء فى الجسم مثلا تنمو بنسبة أكبر مما تنمو أجزاء أخرى , فالنسب الموجودة بين أعضاء جسم الطفل عند الميلاد لا تبقى كما هى مع النمو , فالطفل يولد ورأسة تقارب ربع طول جسمة , ولكنها عند الرشد لا تزيد عن الثمن
3- التغير من العام إلى الخاص:
التغيرات تسير أحيانا من العام الى الخاص ومن المجمل الى المفصل . كما تسير فى الاتجاة المضاد أحيانا أخرى , فالتغيرات تتجة من العام الى الخاص عندما يستجيب الكائن الحى للمواقف استجابة عامة بكليتة , ثم تبدأ أعضاء معينة أو وظائف خاصة فى العمل , فالطفل يحاول ان يميل بجسمة كلة ليلتقط شيئا امامة ثم يتعلم بعد ذلك كيف يحرك يدية فقط , ويكون مشى الطفل فى البداية حركة غير منتظمة لكل أجزاء جسمة وبعدها يأخذ شكلا متسقا لحركة اليدين والرجلين . والنمو لا يتجة من العام الى الخاص فقط بل أن هناك حركة عكسية فى الاتجاة المضاد تشملها عملية النمو . وهى تكوين وحدات اكبر أو سلوك أعم من الاستجابات الجزئية النوعية أو المتخصصة , ويحدث ذلك عند تعميم استجابة الخوف من مثيرات معينة الى كل المثيرات التى ترتبط بالمثيرات الاصلية .
4- التغير كأختفاء خصائص قديمة وظهور خصائص جديدة :
التغير فى النمو لا يقتصر على التغير فى الحجم أو فى النسبة ولكنة يشمل أيضا إختفاء خصائص قديمة وظهور خصائص جديدة , ويحدث هذا عندما ينتقل الطفل من مرحلة من مراحل النمو الى المرحلة التى تليها , وتكون هذة الخاصية القديمة من خضائص المرحلة الى إنتقل منها الطفل , ولذا تميل الى التناقص حتى تختفى , بينما تبدأ الخصائص الجديدة والتى تنتمى الى المرحلة الجديدة التى إنتقل إليها وتأخذ فى الظهور. مثال ذلك , ما يحدث عند إنتقال الطفل من مرحلة الطفولة المتأخرة الى مرحلة المراهقة , ويبدو ذلك فى ضمور الغدتين التيموسية والصنوبرية , فى آواخر مرحلة الطفولة المتأخرة , وفى الوقت نفسة تبدأ الخصائص الجديدة فى الظهور ممثلة فى نضج الغدد الجنسية وبدئها للإفراز. ويعتبر بداية إفراز الغدد الجنسية , وهو ظاهرة البلوغ الجنسى , بداية مرحلة المراهقة .
النموالإنسانى ارض مشتركة لعدد من العلوم الإنسانية الإجتماعية والبيولوجية الفيزيائية, وتشمل علم النف وعلم الأجتماع والانثروبولوجية وعلم الأجنة وعلم الوراثة وعلم الطب , إلا أن علم النفس يقف بين هذة العلوم بتميزة الواضح فى تناول هذة الظاهرة وأنشأ فرعا منة يختص بدراستها هو علم نفس النمو .
ولقد ظهر هذا العلم فى أواخر القرن التاسع عشر , وكان تركيزة على فترات عمرية خاصة وظل على هذا النحو لعقود طويلة متتابعة وكانت الاهتمامات المبكرة مقتصرة على أطفال المدارس , ثم أمتد الاهتمام الى سنوات ما قبل المدرسة , وبعد ذلك الى سن المهد ( الوليد والرضيع ) , فإلى مرحلة الجنين ( مرحلة ما قبل الولادة ) .
وبعد الحرب العالمية الأولى بقليل بدأت البحوث حول المراهقة فى الظهور والذيوع , وخلال فترة ما بين الحربين ظهرت بعض الدراسات حول الرشد المبكر , إلا أنها لم تتناول النمو فى هذة المرحلة بالمعنى المعتاد , بل ركزت على قضايا معينة مثل ذكاء الراشدين وسمات شخصياتهم .
ومنذ الحرب العالمية الثانية ازداد الاهتمام التدريجى بالرشد , وخاصة مع زيادة الاهتمام بحركة تعليم الكبار , أما الاهتمام بالمسنين فلم يظهر بشكل واضح الا منذ مطلع الستينات من هذا القرن , وكان السبب فى ذلك الزيادة السريعة فى عددهم ونسبتهم فى الاحصاءات السكانية العامة , وما تتطلب ذلك من دراسة لمشكلاتهم وتحديد أنواع الخدمات التى يجب أن توجة إليهم
ومن الدوافع الهامة التى وجهت البحث فى علم نفس النمو الضرورات العملية , والرغبة فى حل المشكلات التى يعانى منها الافراد فى مرحلة عمرية معينة , , ومن ذلك أن بحوث الطفولة بدأت فى أصلها للتغلب على الصعوبات التربوية والتعليمية لتلاميذ المدارس الابتدائية ثم توجهت الى المشكلات المرتبطة بطرف تنشئة الاطفال على وجة العموم , ووجة البحث فى مرحلة المهد الرغبة فى معرفة ما يتوافر لدى الوليد من استعدادات يولد مزوداً بها , أما البحث فى مرحلة الرشد فقد وجهه الدافع الى دراسة المشكلات العملية المتصلة بالتوافق الزواجى وأثر تهدم الأسرة على الطفل , ثم بعد ذلك وجهه البحوث الى مجال الشيخوخة .
يمكن القول أن لسيكولوجية النمو هدفين أساسين : أولهما الوصف الكامل والدقيق قدر الامكان للعمليات النفسية عند الناس فى مختلف اعمارهم واكتشاف خصائص التغير الذى يطرأ على هذة العمليات فى كل عمر , وثانيهما : تفسير التغيرات العمرية ( الزمنية ) فى السلوك أى أكتشاف العوامل والقوى والتغيرات التى تحدد هذة التغيرات , ثم أضيفت أهداف أخرى تتصل بالرعاية والنعاونة والتحكم والتنبؤ , أو باختصار التدخل فى التغيرات السلوكية .
1- وصف التغيرات السلوكية :
على الرغم من ان هدف الوصف هو أبسط أهداف العلم إلا أنة أكثرها أساسية , فبدونة يعجز العلم عن التقدم الى اهدافة الاخرى , والوصف مهمتة الجوهرية ان يحقق الباحث فهما افضل للظاهرة موضع البحث , ولذلك فالباحث فى علم نفس النمو علية ان يجيب أولاً على أسئلة هامة مثل : متى تبأ عملية نفسية معينة فى الظهور ؟ وما هى الخطوات التى تسير فيها سواء نحو التحسن أو التدهور؟ وكيف تؤلف مع غيرها من العمليات النفسية الأخرى أنماطا معينة من النمو ؟ مثال ذلك اننا جميعا نلاحظ تعلق الرضيع بامة وان الام تبادل طفلها هذا الشعور , والسؤال هنا : متى يبدأ شعور التعلق فى الظهور ؟ وما هى مراحل تطورة ؟ وهل الطفل المتعلق بأمة تعلقا آمنا يكون أكثر قدرة على الاتصال بالغرباء أم أن هذة القدرة تكون أكبر لدى الطفل الأقل تعلقا بأمة ؟ هذة وغيرها اسئلة من النوع الوصفى .
ويجاب عن هذة الاسئلة بالبحث العلمى الذى يعتمد على الملاحظة , أى من خلال مشاهدة الاطفال والاستماع اليهم , وتسجيل ملاحظاتنا بدقة وموضوعية . ولا شك أن مما يعيننا على مزيد من الفهم أن ملاحظاتنا الوصفية تتخذ فى الاغلب صورة النمط أو المتوالية , وحالما يستطيع الباحث أن يصف اتجاهات نمائية معينة ويحدد موضع الطفل أو المراهق أو الراشد فيها فأنة يمكنة الوصول الى الاحكام الصحيحة حول معدل نموة , وهكذا نجد أن هدف الوصف فى علم نفس النمو يمر بمرحلتين أساسيتين : أولاهما الوصف المفصل للحقائق النمائية , وثانيهما ترتيب هذة الحقائق فى اتجاهات أو انماط وصفية , وهذة الأنماط قد تكون متآنية فى مرحلة معينة , أو متتابعة عبر المراحل العمرية المختلفة .
2- تفسير التغيرات السلوكية :
الهدف الثانى لعلم نفس النمو هو التعمق فيما وراء الانماط السلوكية التى تقبل الملاحظة , والبحث عن اسباب حدوثها أى هدف التفسير , والتفسير يعين الباحث على تعليل الظواهر موضع البحث من خلال الاجابة على سؤال لماذا ؟ بينما الوصف يجيب على الشؤال : ماذا ؟ وكيف؟
ومن الاسئلة التفسيرية : لماذا يتخلف الطفل فى المشى أو يكون أكثر طلاقة فى الكلام , أو أكثر قدرة على حل المشكلات المعقدة بتقدمة فى العمر ؟ والى أى حد ترجع هذة التغيرات الى " الفطرة " التى تشمل فيما تشمل الخصائص البيولوجية والعوامل الوراثية ونضج الجهاز العصبى , أو الى " الخبرة " أى التعلم واستثارة البيئة .
فمثلا اذا كان الاطفال المتقدمون فى الكلام فى عمر معين يختلفون وراثيا عن المتخلفين نسبيا فية نستنتج من هذا أن معدل التغير فى اليسر اللغوى يعتمد ولو جزئيا على الوراثة , أما اذا كشفت البحوث عن أن الاطفال المتقدمين فى الكلام يلقون تشجيعا أكثر على انجازهم اللغوى ويمارسون الكلام اكثر من غيرهم فاننا نستنتج أن التحسن فى القدرة اللغوية الحادث مع التقدم فى العمر يمكن ان يرجع جزئيا على الأقل الى الزيادة فى الاستثارة البيئية .
وفى الأغلب نجد ان من الواجب علينا لتفسير ظواهر النمو أن نستخدم المغارف المتراكمة فى ميادين كثيرة أخرى من علم النفس وغيرة من العلوم مثل نتائج البحوث فى مجالات التعلم والادراك والدافعية وعلم النفس الاجتماعى والوراثة وعلم وظائف الاعضاء والانثروبولوجيا .
3- التدخل فى التغيرات السلوكية :
الهدف الثالث من اهداف الدراسة العلمية لنمو السلوك النسانى هو التدخل فى التغيرات السلوكية سعيا للتحكم فيها حتى يمكن ضبطها وتوجيهها والتنبؤ بها .
ولا يمكن ان يصل العلم إلى تحقيق هذا الهدف إلا بعد وصف جيد لظواهرة وتفسير دقيق صحيح لها من خلال تحديد العوامل المؤثرة فيها , لنفرض أن البحث العلمى أكد لنا ان التاريخ التربوى الخاطىء للطفل يؤدى بة إلى أن يصبح بطيئا فى عملة المدرسى , ثائرا متمردا فى علاقاتة مع الافراد , أن هذا التفسير يفيد فى اغراض العلاج من خلال تصحيح نتائج الخبرات الخاطئة , والتدريب على مهارات التعامل مع الآخرين , وقد يتخذ ذلك صوراً عديدة لعل أهمها التربية التعويضية , والتعلم العلاجى .
-يتبع-
حتى يتوجة فهمنا لطبيعة النمو الانسانى وجهه صحيحة نعرض فيما يلى الخصائص الجوهرية لهذة العملية الهامة :
1- النمو عملية تغير :
كل نمو فى جوهرة تغير , ولكن ليس كل تغير يعد نمواً حقيقيا , وعموما يمكن القول أن علم نفس النمو يهتم بالتغيرات السلوكية التى ترتبط ارتباطا منتظما بالعمر الزمنى . فإذا كانت هذة التغيرات تطرأ على النواحى البيولوجية والفسيولوجية وتحدث فى بنية الجسم الانسانى ووظائف اعضاءة نتيجة للعوامل الوراثية ( الفطرة ) فى اغلب الأحيان , فان هذة التغيرات تسمى نضجا Maturation . اما إذا كانت هذة التغيرات ترجع فى جوهرها الى آثار الظروف البيئية ( الخبرة ) تسمى تعلماً Learing . وفى كلتا الحالتين , النضج والتعلم قد تدل التغيرات على تحسن أو تدهور , وعادة ما يكون التدهور فى الحالتين فى المراحل المتأخرة من العمر .
أما التغيرات غير النمائية فانها على العكس تعد نوعا من حالة الانتقال التى لا تتطلب ثورة أو تطوراً , فالشخص قد يغير ملابسة إلا أن ذلك لا يعنى نمواً , فتتابع الاحداث فى هذا المثال لا يتضمن وجود علاقة بين الحالة الراهنة للشخص وحالتة السابقة , ومن السخف بل ومن العبث , أن نفترض مثلاً أن ملابس الشخص التى كان يرتديها فى العام الماضى نمت بالتطور أو الثورة إلى ما يرتدية الآن .
وهناك خاصية أخيرة فى التغيرات النمائية أنها شبة دائمة باعتبارها نتاج كل من التعلم والنضج , وفى هذا تختلف عن التغيرات المؤقتة أو العارضة أو الطارئة مثل حالات التعب أو النوم أو الوقوع تحت تأثير مخدر , فكلها ألوان من التغير المؤقت فى السلوك ولكنها ليست نموا لأن هذة التغيرات جميعا تزول بزوال العوامل المؤثرة فيها وتعود الأحوال إلى ما كانت علية من قبل .
2- النمو عملية منتظمة :
توجد أدلة تجريبية على ان تغيرات النمو تحدث بطريقة منتظمة , على الأقل فى الظروف البيئية العادية , ومن هذة الأدلة ما يتوافر من دراسة الاطفال المبتسرين ( الذين يولدون بعد فترة حمل تقل عن 38 أسبوعا ) والذين يوضع الواحد منهم فى محضن يتشابة مع بيئة الرحم لاكتمال نموة كجنين , فقد لوحظ انهم ينمون بيولوجيا وفسيولوجيا وعصبيا بنفس معدل نمو الأجنة الذين يبقون فى الرحم نفس الفترة الزمنية .
وتحدث تغيرات منتظمة مماثلة بعد الولادة , وأشهر الأدلة على ذلك جاء من بحوث جيزل وزملائة الذين درسوا النمو الحركى للأطفال فى السنوات الاولى من حياتهم , فقد لاحظوا الاطفال فى فترات منتظمة وفى ظروف مقننة ووصفوا سلوكهم وصفا دقيقاً ووجدوا نمطا تتابعيا للنمو الحركى , ومن أمثلة ذلك , الاتجاة من اعلى الى أسفل , والاتجاة من الوسط الى الأطراف , كما تظهر خصائص الانتظام فى سلوك الحبو والوقوف والمشى واستخدام الايدى والاصابع والكلام , هذة الالوان من السلوك تظهر فى معظم الاطفال بترتيب وتتابع يكاد يكون واحداً , ففى نضج المهارات الحركية عند الاطفال نجد أن الجلوس يسبق الحبو , والحبو يسبق الوقوف , والوقوف يسبق المشى وهكذا , فكل مرحلة تمهد الطريق للمرحلة التالية , وتتتابع المراحل على نحو موحد .
3- النمو عملية كلية :
إذا كان النمو عملية كلية فالعلاقات الموجودة بين جوانب النمو تسير فى اتجاة واحد سواء فى طور البناء أم فى طور الهدم , وهو ما يمكننا من التنبؤ بمعدل النمو فى احد الجوانب إذا عرفنا معدلة فى جانب آخر لأن هناك تلازما فى معدل سرعة النمو فى الدورات المختلفة سرعة أو بطأ , فإذا كان هناك طفل ينمو ذكاؤة بمعدل أعلى من المتوسط فيمكن التوقع بأن نموة الجسمى سيكون أعلى من المتوسط أيضاً , والعكس صحيح أيضاً فقد يكون التأخر فى أحد المهارات الحركية كالمشى مثلا دليل على التأخر فى الذكاء .
4- النمو عملية فردية :
يتسم النمو الانسانى بأن كل فرد ينمو بطريقتة وبمعدلة , ومع ذلك فإن الموضوع يخضع للدراسة العلمية المنظمة , فمن المعروف أن البحث العلمى يتناول حالات فردية من أى ظاهرة فيزيائية أو نفسية , ثم يعمم من هذة الحالات الى الظواهر المماثلة , إلا أن شرط التعميم العلمى الصحيح أن يكون عدد هذة الحالات عينة ممثلة للأصل الاحصائى الذى تنتسب الية , وبالطبع فان هذا التعميم فى العلوم الانسانية يتم بدرجة من الثقة أقل منة فى العلوم الطبيعية وذلك بسبب طبيعة السلوك الانسانى الذى وهو موضوع البحث فى الفئة الاولى من هذة العلوم .
والنمو الانسانى على وجه الخصوص خبرة فريدة , ولهذا فإن ما يسمى القوانين السلوكية قد لا تطبق على كل فرد بسبب تعقد سلوك الانسان , وتعقد البيئة التى يعيش فيها , وتعقد التفاعل بينهما , ومن المعلوم فى فلسفة العلم أن التعميم لا يقدم المعنى الكلى للقانون اذا لم يتضمن معالجة مفصلة لكل حالة من الحالات التى يصدق عليها , ومعنى هذا أن علم نفس النمو لة الحق فى الوصول الى قوانينة وتعميماتة , إلا أننا يبقى معنا الحق دائماً فى التعامل مع الانسان موضع البحث فية على انة كائن فريد , ولعلنا بذلك نحقق التوازن بين المنحى العام والمنحى الفردى , وهو ما لا يكاد يحققة أى فرع آخر من فروع علم النفس .
5- النمو عملية فارقة :
على الرغم من أن كثيراً من المعلومات التى تتناولها بحوث النمو تشتق مما يسمى المعيير السلوكية , إلا أننا يجب أن نحذر دائماً من تحويل هذة المعايير الى قيود . وهذا التفظ ضرورى وإلا وقع الناس فى خطأ فادح يتمثل فى اجبار أنفسهم واجبار الآخرين على الالتزام بما تحددة هذة المعايير , ويدركونة بالطبع على أنة النمط ( المثالى ) للنمو . ومعنى ذلك أن ما يؤدية الناس على انة السلوك المعتاد أو المتوسط , أو ما يؤدى بالفعل ( وهو جوهر المفهوم الأساسى للمعيار) يتحول فى هذة الحالة ليصبح ما يجب أن يؤدى , ولعل هذا هو سبب ما يشيع بين الناس من الاعتقاد فى وجود أوقات ومواعيد " ملائمة " لكل سلوك . وهكذا يصبح المعيار العمرى البسيط تقليداً اجتماعيا , ويقع الناس أسرى الساعة الاجتماعية , بها يحكمون على كل نشاط من الأنشطة العظمى فى حياتهم بأنة فى وقتة تماما أو أنة مبكر أو متأخر عنة , يصدق هذا على دخول المدرسة أو أنهاء الدراسة أو الالتحاق بالعمل أو الزواج أو التقاعد مادام لكل ذلك معاييرة , فحينما ينتهى الفرد من تعليمة الجامعى مثلا فى سن الثلاثين فإنة يتصف بالتأخر حسب الساعة الإجتماعية , بينما انجازة فى سن السابعة عشرة يجعلة مبكراً .
وتوجد بالطبع أسباب صحيحة لكثير من قيود العمر , فمن المنطقى مثلا أن ينصح طبيب الولادة سيدة فى منتصف العمر بعدم الحمل , كما ان من العبث أن نتوقع من طفل فى العاشرة من عمرة أن يقود السيارة , إلا أن هناك الكثير من قيود العمر التى ليس لها معنى على الإطلاق فيما عدا أنها تمثل ما تعود الناس علية , كأن تعتبرالعشرينات أنسب عمر للزواج فى المعيار الامريكى , وهذة المجموعة الأخيرة من القيود هى التى نحذر منها حتى لا يقع النمو الإنسانى فى شرك " القولبة " والجمود بينما هو فى جوهرة مرن على أساس مسلمة الفروق الفردية التى تؤكد التنوع والأختلاف بين البشر .
6- النمو عملية مستمرة :
بمعنى أن التغيرات التى تحدث للفرد فى مختلف جوانبة العضوية والعقلية لا تتوقف طوال حياتة , ويغلب على هذة التغيرات طابع البناء فى المراحل الأولى من العمر. بينما يغلب عليها طابع الهدم فى المراحل الأخيرة منة , والنمو بهذا المعنى سلسلة من الحلقات يؤدى اكتساب حلقة منها الى ظهور الحلقة التالية , فاذا اخذنا النمو الحركى مثلا فاننا نجد أن الطفل يمر بالتطورات الآتية : إنتصاب الرأس ثم الجلوس فالحبو فالوقوف فالمشى والقفز والتسلق , ولا بد أن تتم هذة العمليات بنفس الترتيب , فلا يمكن أن يمشى الطفل قبل أن يقف , ولا يمكن ان يجرى ويقفز قبل أن يتعلم المشى هكذا , وإذا كان النمو مجموعة من الحلقات فهى حلقات متصلة فى سلسلة واحدة , وهى سلسلة النمو أو دورة النمو .
النماذج النظرية للنمو الأنسانى
النموذج النظرى هو أداة منهجية يستخدم لشرح وتفسير الظواهر والعلاقات القائمة بينها , ويمدنا النموذج فى سبيل الشرح والتفسير بمصطلحات معينة وبالأساس الذى يمكن تصنيف الظواهر على أساسة وبالمبدأ التفسيرى الذى يوضح طبيعة العلاقة بين الظواهر أو المتغيرات , أن النموذج النظرى هو الوسيلة التى يمكننا من اخضاع ظواهر عالمنا للدراسة العملية , عن طريق ترجمة هذة الظواهر الى متغيرات محددة يمكن التحقق منه ودراسة العلاقات بينها .
ويميل بعض الباحثين الى تصنيف النماذج النظرية السائدة فى مجال علم نفس النمو الى مجموعات أو فئات حسب أسس معينة يرونها جديرة بالاعتبار , لأنها تزيد من الفهم لظاهرة التغير النمائى , فالبعض يصنف النماذج النظرية حسب السعة أو الشمول , فيكون لدينا النماذج الشاملة التى تحاول أن تشرح أو تفسر كل مظاهر السلوك تقريبا مثل نظرية التحليل النفسى , وهناك النماذج الأقل شمولا وتركز على بعض الجوانب الأساسية فى السلوك مثل نظرية بياجية وتهتم بتفسير الجوانب المعرفية للسلوك أيضا نظرية اريكسون والتى تهتم بتفسير الجوانب الأجتماعية للسلوك .
نظرية التحليل النفسى ( فرويد ):
نظرية التحليل النفسى كما وضع أسسها وصاغها سيجموند فرويد , نظرية يغلب عليها الطابع البيولوجى . فالطفل يولد وهو مزود بطاقة غريزية قوامها الجنس والعدوان , وهى ما أطلق عليها فرويد أسم " اللبيدو" Libido بمعنى الطاقة , وهذة الطاقة تدخل فى صدام محتم مع المجتمع , وعلى أساس شكل الصدام ونتيجتة تتحدد صورة الشخصية فى المستقبل .
ويذهب فرويد إلى أن الطاقة الغريزية التى يولد الطفل مزوداً بها تمر بأدوار محددة فى حياتة , والنضج البيولوجى هو الذى ينقل الطفل من دور الى آخر أو من مرحلة الى آخرى ولكن نوع وطبيعة المواقف التى يمر بها هى التى تحدد النتاج السيكولوجى لهذة المراحل , كما أنها هى التى تحدد مدى إنتظام سير الطاقة فى خطها المرسوم سلفا أو تعثرها فى السير وتخلفها أو تخلف معظمها فى مراحل معينة , هذا التخلف الذى يطلق علية فرويد" التثبيت" .
ويرى فرويد أن التثبيت يعود بجانب العوامل الجبلية ( الوراثية ) الى عوامل ذات طبيعة تربوية إجتماعية وعلى رأس هذة العوامل الإشباع المسرف فى سنى المهد والطفولة المبكرة , والذى يجعل الطفل لا يريد أن يترك هذا المستوى الذى ينعم فية بالاشباع والمتعة . ولكن النمو يتابع سيرة الى المرحلة التالية , ولكن بعد أن يكون قد تخلف قدر كبير من الطاقة اللبيدية فى المرحلة التى حدث فيها التثبيت , ومن عوامل التثبيت أيضا الاحباط الشديد الذى يجعل الطفل يجد صعوبة فى تخطى هذا المستوى الى المستوى التالى طلبا للاشباع الذى كان من المفروض أن يتلقاة فى هذة المرحلة , كما أن التثبيت قد يحدث فى ظل الاشباع المسرف والاحباط الشديد لأنة كثيراً ما يكون التناوب بين الاشباع المسرف والاحباط الشديد هو العامل الحاسم وراء التثبيت .
وإذا لم يحدث تثبيت للطاقة اللبيدية فى أية مرحلة وواصلت سيرها , فأن الطفل ينتقل من مرحلة سيكولوجية الى التى تليها , ويستمد الطفل إشباعة لطاقتة الغريزية فى كل مرحلة خلال عضو معين من أعضاء جسمة , ويسمى فرويد المراحل النفسية بأسم العضو الذى يستمد منة الطفل الإشباع فى مرحلة معينة .
مراحل النمو النفسى :
المرحلة الفمية المصية :
وتشمل العام الأول من حياة الطفل . وتتركز حياة الطفل فى هذة السن حول فمة , ويأخذ لذتة من المص , حيث يعمد الى وضع أصبعة أو جزءً من يدية فى فمة ومصة , ويتمثل الاشباغ النموذجى فى هذة المرحلة فى مص ثدى الأم , وحينما يغيب الثدى عنة يضع أصبعة فى فمة كبديل للثدى , ويؤكد فرويد على أن هذة المرحلة هى مرحلة الإدماج القائمة على الأخذ.
المرحلة الفمية العضية :
وتشمل العام الثانى. ويتركز النشاط الغريزى حول الفم أيضا , ولكن اللذة يحصل عليها هذة المرة من خلال العض وليس المص , وذلك بسبب التوتر الناتج عن عملية التسنين , فيحاول الطفل أن يعض كل ما يصل إلية , وهنا يشير فرويد الى أول عملية احباط تحدث للفرد فى حياتة , وذلك حينما يعمد الطفل الى عض ثدى الأم , وما يترتب على ذلك من سحب الأم للثدى من فمة , أو عقابة , مما يوقعة فى الصراع لأول مرة , فهو يقف حائراً بين ميلة الى اشباع رغبتة فى العض وبين خوفة من عقاب الأم وغضبها والذى يتمثل لدية فى سحبها للثدى من فمة , وهذة المرحلة هى مرحلة ادماج أيضا تقوم على الأخذ والإحتفاظ , والطفل فى هذة المرحلة ثنائى العاطفة يحب ويكرة الموضوع ( الشخص ) الواحد فى نفس الوقت , حسب ما ينالة من اشباع أو احباط على يد هذا الموضوع ( الشخص ) .
المرحلة الأستية :
وتشمل العام الثالث , حيث تنتقل منطقة الأشباع الشهوى من الفم الى الشرج , ويأخذ الطفل لذتة من تهيج الغشاء الداخلى لفتحة الشرج عند عملية الاخراج , ويمكن أن يعبر الطفل عن موقفة أو اتجاهه إزاء الأخرين بالإحتفاظ بالبراز أو تفريغة فى الوقت أو المكان غير المناسبين , والطابع السائد للسلوك فى هذة المرحلة هو العطاء , ويغلب على مشاعر الطفل المشاعر الثنائية أيضا , كما فى المرحلة السابقة .
المرحلة القضيبية :
وتشمل العامين الرابع والخامس , وفيها ينتقل مركز الاشباع من الشرج الى الأعضاء التناسلية , ويحصل الطفل على لذتة من اللعب فى أعضائة التناسلية , ويمر الطفل فى هذة المرحلة بالمركب الأوديبى الشهير وهو ميل الطفل الذكر الى أمة , والنظر الى أبية كمنافس لة فى حب الأم , وميل الطفلة الأنثى الى الوالد وشعورها بالغيرة من الأم .
وفى الظروف الطبيعية للنمو ينتهى الموقف الأوديبى بتوحد الطفل مع والدة من نفس الجنس . والتوحد مفهوم يشير الى أن الفرد يسلك أحيانا , وكأن سلوك شخص آخر هو سلوكة هو , ويتضمن التوحد إعجاب المتوحد بالمتوحَد . واتخاذة نموذجا يتحد بة , وتتم عملية التوحد على المستوى اللاشعورى . فيبدأ الطفل فى تشرب قيم الوالد الثقافية , وهى القيم السائدة فى المجتمع , كما تبدأ البنت فى التحول بعواطفها نحو الأم , وإذا حدث ما يؤثر على سير النمو , كما يحدث خلال ظاهرة التثبيت , فأن علاقة الطفل بأمة تظل قوية , وتتعطل عملية التوحد مع الوالد , كما تستمر روابط الطفلة العاطفية بوالدها, أو تضطرب علاقة الطفل بوالدية معا . ويترتب على ذلك إصطرابات فى الشخصية والسلوك فيما يعد .
مرحلة الكمون :
وبتصفية المركب الأوديبى , والتوحد مع الوالد مع نفس الجنس يدخل الطفل فى مرحلة ينصرف فيها عن ذاتة الى الأنشغال بمن حولة وبما حولة . ويحدث تقدم كبير فى النمو العقلى والانفعالى والاجتماعى فى هذة المرحلة التى تمتد من سن السادسة حتى حدوث البلوغ الجنسى فى الثانية عشر للبنات والثالثة عشر للبنين , ويكون الطفل حريصا فى هذة المرحلة على طاعة الكبار والإمتثال لأوامرهم ونواهيهم وراغبا فى الحصول على رضائهم وتقديرهم . ولذا فهذة المرحلة مرحلة هدوء من الناحية الإنفعالية .
المرحلة الجنسية الراشدة :
وفى هذا المستوى تأخذ الميول الجنسية الشكل النهائى لها . وهو الشكل الذى سيستمر فى النضج . ويحصل الفرد السوى على لذتة من الاتصال الجنسى الطبيعى مع فرد راشد من أفراد الجنس الآخر . حيث تتكامل فى هذا السلوك الميول الفمية والشرجية , وتشارك فى بلورة الجنسية السوية الراشدة .
وعلية فإن الفرد السوى هو من يحصل على إشباع مناسب فى كل مرحلة نمائية , أما إذا تعطلت مسيرة النمو كما يحدث فى بعض الحالات فأنة قد يترتب علية حدوث ما أسماة فرويد " عملية التثبيت " ويكون الفرد أميل الى النكوص الى المرحلة التى حدث فيها التثبيت , والنكوص الى مرحلة معينة يعنى إتيان أساليب سلوكية تتناسب مع هذة المرحلة .
-يتبع-
نظرية التحليل النفسى الأجتماعى ( اريكسون ) :
نمو الشخصية سلسلة من التحولات يوصف كل تحول بنقطتين متقابلتين تمثل أحداهما خاصية مرغوب فيها وتمثل الأخرى المخاطر التى يتعرض لها الفرد , ولا يعنى اريكسون أن الخصائص الموجبة هى التى ينبغى أن تبزغ وأن أى مظهر خطر يحتمل حدوثة غير مرغوب فية . وإنما يؤكد على أننا ينبغى أن نسعى لكى تكون السيطرة للجوانب الايجابية . وحين تزيد الخاصية السلبية على الخاصية الايجابية تظهر صعوبات النمو .
مراحل النمو النفسى الاجتماعى :
مرحلة الثقة مقابل عدم الثقة ( منذ الميلاد حتى السنة الثانية ) :
ان الاتجاة النفسى الاجتماعى الذى على الوليد تعلمة هو انة يستطيع ان يثق فى العالم . وينمى هذة الثقة الاتساق فى الخبرة والاستمرارية والمماثلة فى اشباع حاجاتة الاساسية عن طريق الوالدين , فإذا اشبعت هذة الحاجلت واذا عبر الوالدان نحوة عن عاطفة حقيقية وحب فان الطفل يعتقد ان عالمة آمن يمكن الوثوق بة , أما اذا كانت الرعاية الوالدية قاصرة وغير متسقة أو سلبية فإن الاطفال سوف يتعاملون مع العالم بخزف وشك .
مرحلة الاستقلال مقابل الشك ( 3 سنوات ) :
وبعد أن يتعلم الاطفال أن يثقوا فى الوالدين ( أو لا يثقون فيهما ) , ينبغى ان يحققوا قدراً من الاستقلال , فإذا أتيح لهم الحبو وشجعوا على ان يعملوا ما يقدرون علية بمعدلهم وبطريقتهم مع اشراف حانى من الوالدين والمربين فانهم ينمون احساسا بالاستقلال الذاتى , أما إذا لم يصبر الوالدان , وقاما بكثير من الاعمال نيابة عن طفل الثالثة فانهما يشككان فى قدرتة على التعامل مع بيئتة , وفضلا عن ذلك , فانة ينبغى أن يتجنب الوالدان إخجال الطفل عن السلوك غير المقبول إذ يحتمل أن يسهم هذا فى تنمية مشاعر تشككة فى نفسة .
مرحلة المبادأة مقابل الخجل ( 4 -5 سنوات ) :
ان قدرة الطفل على المشاركة فى كثير من الانشطة الجسمية وفى استخدام اللغة يعد المسرح للمبادأة والتى تضيف الى الاستقلال الذاتى خاصية القيام بالفعل والتخطيط والمعالجة ذلك أن الطفل يكون نشطا ومتحركا , واذا اتيح لطفل الرابعة والخامسة الحرية للاكتشاف والارتياد والتجريب واذا اجاب الوالدان والمعلمون عن اسئلة الطفل فانهم يشجعون اتجاهاتة نحو المبادأة , أما أذا قيد الأطفال فى هذا العمر وأشعروا بأن أنشطتهم وأسئلتهم لا معنى لها ومضايقة فإنهم سوف يشعرون بالإثم فيما يفعلون على نحو مستقل .
الاجتهاد مقابل النقص ( 6 -12 سنة ) :
يلتحق الطفل بالمدرسة فى مرحلة من نموة ويسيطر على سلوكة حب الأستطلاع والأداء , إنة يتعلم الآن كيف يحصل على التقدير يصنع الأشياء بحيث ينمى احساسا بالجد والاجتهاد . والخطر فى هذة المرحلة أن يخبر الطفل مشاعر النقص والدونية وإذا شجع الطفل على صنع الأشياء وإتمام الأعمال , وأثنى علية لمحاولاتة يشعر بالأجتهاد والأنجاز . وإذا باءت جهود الطفل بالأخفاق أو إذا عوملت على أنها مضايقة ومقلقة , يشعر بالنقص والقصور .
الهوية مقابل تميع الهوية ( 12 – 18 سنة ) :
ان الشباب يتقدم نحو الاستقلال عن الوالدين وتحقيق النضج الجسمى , وهم يهتمون بنوع الأشخاص الذين يصيرون إلية . أن الهدف فى هذة المرحلة هو تنمية هوية الذات , أى أن الفرد يثق فى أستمرارية شخصيتة واستقرارها وتماثلها , والخطر الذى يتعرض لة الشاب فى هذة المرحلة هو الخلط فى الدور , وخاصة التشكك فى هويتة الجنسية والمهنية . وإذا نجح المراهقون , كما ينعكس ذلك فى استجابات الاخرين , فى تحقيق تكامل فى ادوارهم فى المواقف المختلفة بحيث يخبرون الاستمرارية فى ادراك الذات , فإن الهوية تنمو . وإذا عجزوا عن تحقيق احساس بالاستقرار فى الجونب المختلفة من حياتهم ينتج عن ذلك الخلط والارتباك .
مرحلة الألفة مقابل العزلة ( 18 – 35 سنة ) :
لكى يخبر الفرد نموا مشبعا ومرضيا فى هذة المرحلة فإنة يحتاج إلى تكوين علاقة حميمة بشخص آخر , والأخفاق فى عمل هذا يؤدى الى احساس بالعزلة .
مرحلة الأنتاج مقابل الركود ( 35 -60 سنة ) :
أى أن يهتم الفرد بارشاد وتوجية الجيل القادم وترسيخ اقدامة , والذين يعجزون عن الاندماج فى عملية التوجية يصبحون ضحايا الانغماس فى الذات والركود .
مرحلة التكامل مقابل اليأس ( 60 سنة الى الموت ) :
التكامل هو تقبل الفرد لدورة حياتة , باعتبارها هى الدورة المناسبة لة بالضرورة ولم يكن لها بديل . واليأس تعبير عن أن الزمن الآن قصير لا يسمح بالبدء فى حياة جديدة وتجريب طرق بديلة لتحقيق التكامل .
نظرية النمو المعرفى ( جان بياجية ) :
يرث الأنسان ميلين أساسين :
التنظيم : أى الميل الى ان يرتب ويؤلف بين العمليات فى أنساق أو نظم مترابطة
التكيف: وهو الميل الى التوافق مع البيئة
وكما يحول الهضم الطعام الى صيغة يستطيع ان يستخدمها الجسم , فأن العمليات العقلية تحول الخبرات الى صيغة يستطيع ان يستخدمها الطفل فى تناولة للمواقف الجديدة , وكما ان العمليات البيولوجية ينبغى ان تبقى فى حالة اتزان وأن تستعيد توازنها كلما حدث لهذا الاتزان خلل كذلك تسعى العمليات العقلية الى الاتزان عن طريق عملية استعادة التوازن واستعادة التوازن صيغة من صيغ تنظيم الذات التى يستخدمه الاطفال لتحقيق التماسك والاستقرار فى تصورهم للعالم وفهمهم لعدم الاتساق فى الخبرة .
والتكيف هو ميل الفرد للتوافق مع بيئتة ويتضمن عمليتين تكمل إحداهما الأخرى : الاستيعاب والملائمة ولكى نفهم هاتين العمليتين من الضرورى اولا ان نلم بمفهوم آخر اساسى عند بياجية وهو الخطط , والخطط هى أنماط منظمة من التفكير أو السلوك يصوغها الاطفال وهم تيفاعلون مع بيئتهم وآبائهم ومدرسيهم ومن فى سنهم , وقد تكون الخطط سلوكية ( مثال : كيف ترمى الكرة ) أو معرفية ( ادراك أن هناك انواعا كثيرة مختلفة من الكرات ) . وكلما قابل طفل خبرة جديدة لا يمكن بسهولة ان تلائم خطة موجودة فان الملائمة تكون ضرورية , وقد يتكيف الطفل إما بتفسير الخبرة بحيث تلائم خطة موجودة ( استيعاب ) أو بتغيير الخطو الموجودة لتلائم الفكرة الجديدة , ولو تصورت طفلا التحق برياض الاطفال وتعامل مع مربية ودودة داعمة تتيح لة اكبر قدر من توجية الذات . ثم التحق بالصف الأول الابتدائى وتعامل مع مدرس يؤمن بالاشراف الدقيق والتعليم النظامى عندئذ تحدث الملائمة , وقد يربط الطفل بعض جوانب روتين الصف الاول ( مثال ذلك ان يقف فى صف للحصول على مواد تعليمية) مع ملامح مشابهة لروتين خبرة من قبل فى رياض الاطفال , ويحتمل ان يعدل الطفل خططا أخرى فيغير خطتة التصورية عن المدرس مثلا بحيث تشمل خصائص مدرس الصف الاول الذى يختلف اختلافا اساسيا عن مربية رياض الاطفال .
وطفل المدرسة الابتدائية الجديد الذى يخبر المدرسة لأول مرة والذى يطلب منة تعلم كثير من الأشياء الجديدة , يعدل وينقح خططة التصورية ويكملها, بل أن طالب الجامعة الناضج والذى درس أكثر من عشر سنوات بالتعليم الابتدائى والثانوى ينغمس فى عملية الملائمة والتوفيق هذة , وإذا كنت تريد أن تحقق استبصارات جديدة فى النمو المعرفى والسلوك ينبغى أن تحقق الملائمة بتنقيح ومراجعة تصوراتك ومفاهيمك الحالية عن التفكير بحيث تستوعب أفكار بياجية .
مراحل النمو المعرفى :
انتهى بياجية بعد دراستة لكثير من الاطفال الى وجود مراحل نمو معرفى متمايزة . وان هذة المراحل تتبع نمطا يتسم بالاستمرار , وأن الاطفال لا يقفزون فجأة من مرحلة الى مرحلة تالية . وأن النمو المعرفى يتبع تسلسلا أة تتابعا محددا , ولكن الاطفال قد يستخدمون أحيانا نوعا أكثر تقدما من التفكير أو يعودون الى شكل اكثر بدائية ويختلف معدل تقدم الطفل خلال هذة المراحل , ولكن التتابع واحد بالنسبة لجميع الاطفال وفيما يأتى عرض لأربع مراحل أساسية :
المرحلة الحسية الحركية :
يكتسب الوليد أو الطفل الصغير حتى سن الثانية الفهم أساسا عن طريق الانطباعات الحسية والانشطة الحركية , ولما كان الوليد لا يستطيع الحركة كثيرا معتمدا على نفسة خلال الشهور الاولى بعد مولدة , فأنة ينمى خططا تصورية أساسا باكتشاف جسمة وحوسة , وبعد أن يتعلم المشى وتناول الاشياء بتفاعلة مع كل شىء يكون حصيلة كبيرة من الخطط التى تتضمن الاشياء الخارجية والمواقف , وقبل سن العمين يستطيع معظم الاطفال ان يستخدموا خططا اكتسبوها لكى يندمجوا فى سلوك المحاولة والخطأ العقلى والجسمى .
مرحلة ما قبل العمليات :
يتركز تفكير الاطفال فى سنى ما قبل المدرسة على اكتساب الرموز ( الكلمات ) التى تتيح لهم الافادة من الخبرة الماضية بدرجة أكبر, وتستق كثير من الرموز من التقليد العقلى وتتضمن صورا بصرية وإحساسات جسمية وعلى الرغم من ان تفكيرهم أكثر تقدما من تفكير الاطفال فى السنة الاولى أو الثانية من أعمارهم , إلا أن أطفال سنى ما قبل المدرسة يميلون الى تركيز انتباهم على خاصية واحدة فى الوقت الواحد , وهم غير قادرين على قلب أو عكس الافعال عقليا , ولأنهم لم ينغمسوا بعد فى التفكير الاجرائى أو العمليات سميت المرحلة ما قبل الإجرائية ( أو العملياتية ) وتشير الى تفكير الاطفال الذى تبلغ اعمارهم ما بين عامين وسبعة اعوام .
مرحلة العمليات العيانية :
إن الاطفال التى تزيد اعمارهم عن سبع سنوات يقدرون عادة على قلب الافعال عقليا , ولكن تفكيرهم العملياتى محدود بالاشياء الماثلة فعلا فى الحاضر والتى يخبرونها على نحو عيانى ومباشر ولذلك يطلق على هذة المرحلة مرحلة العمليات العيانية , وطبيعة هذة المرحلة يمكن توضيحها باكتساب الطفل للأنواع المختلفة من المحافظة أو البقاء .
وما أن يبلغ معظم الاطفال السابعة من اعمارهم إلا ويستطيعوا أن يشرحوا على نحو صحيح ان الماء الذى يصب فى اناء زجاجى قصير وتخين الى اناء طويل ورفيع يبقى مقدارة واحدا , والقدرة على حل مشكلة صب الماء لا تضمن بالضرورة ان طفل السابعة سوف يقدر على حل مشكلة مشابهه تتضمن كرتين من الصلصال فالطفال الذى شرح لماذا يحتوى الاناء الرفيع الطويل على نفس القدر من الماء الذى يحتوية الإناء القصير التخين قد يصر بعد دقائق قليلة على ان تغير كرة الصلصال المساوية لكرة اخرى بحيث تتخذ شكل مستطيل يجعلها اكبر من نظيرتها ويميل الاطفال فى صفوف المرحلة الابتدائية الأولى الى الاستجابة الى كل موقف على اساس الخبرات العيانية ولا يتحقق الاتجاة الى حل المشكلات بالتعميم من موقف الى موقف آخر مشابة وليس مماثلا بأى درجة من الاتساق حتى يبلغ الطفل نهاية سنوات المدرسة الابتدائية , وفضلا عن ذلك إذا طلب منة أن يتناول مشكلة افتراضية , فأنة فيما يحتمل يتعرص للاحراج , ولا يحتمل أن يقدر الاطفال فى سن السابعة على حل المشكلات المجردو بالاندماج فى استكشافات عقلية , أنهم فى حاجة الى تناول اشياء عيانية فيزيقيا , أو استرجاع خبرات ماضية محددة, لكى يفسروا الاشياء لأنفسهم وللأخرين .
مرحلة العمليات الشكلية :
حين يبلغ الاطفال النقطة التى يقدرون فيها على التعميم وعلى الاندماج فى التفكير , المحاولة والخطأ والى فرض الفروض واختبارها بعقولهم فإنهم فى نظر بياجية قد بلغوا مرحلة العمليات الشكلية أو الصورية , وكلمة شكل تعنى نمو وتطور شكل التفكير أو بنيتة , وعلى الرغم من أن الاطفال فى الثانية عشرة من اعمارهم يستطيعون ان يعالجوا التجريدات العقلية التى تمثل الاشياء العيانية , فإنهم يحتما ان يندمجوا فى سلوك المحاولة والخطأ حين يطلب منهم حل مشكلة . ولكن الأغلب أن يعالج المراهقون حل المشكلة بتكوين فروض وغربلة الحلول الممكنة لها وباختيار أكثر هذة الفروض رجاحة على نحو نسقى حين يبلغون نهاية المرحلة الثانوية .
البحث فى علم نفس النمو هو عمل علمى ينتمى الى فئة العلم التجريبى ( الامبريقى ) . والباحثون فى هذا النوع من المعرف يلتزمون بنظام قيمى يسمى الطريقة العلمية يوجة محاولاتهم للوصف ( الفهم ) والتفسير ( التعليل ) والتحكم ( التوجية والتطبيق ) وهى أهداف العلم التقليدية .
الطريقة العلمية فى البحث اذن هى لون من الاتجاة أو القيمة , وهذا الاتجاة العلمة أو القيمة العلمية يتطلب من الباحث الاقتناع والالتزام بمجموعة من القضايا هى : –
1- الملاحظة هى جوهر العلم التجريبى , وعلم النفس ينتمى بالطبع الى فئة هذة العلوم . والمقصود هنا الملاحظة المنظمة لا الملاحظة العارضة أو العابرة .
2- تتمثل أهمية الملاحظة فى العلم فى أنها تنتج أهم عناصرة وهى مادتة الخام أى المعطيات Data والمعلومات أو البيانات Information .
3- لا بد للمعطيات أو المعلومات أو البيانات التى يجمعها الباحث العلمى بالملاحظة أن تتسم بالموضوعية Objectivity . والموضوعية فى جوهرها هى اتفاق الملاحظين فى تسجيلاتهم لبياناتهم وتقديراتهم وأحكامهم اتفاقا مستقلا .
4- تتطلب الموضوعية أن يقوم بعمليات التسجيل والتقدير والحكم ( وهى المكونات الجوهرية للملاحظة العلمية ) أكثر من ملاحظ واحد , على أن يكونوا مستقلين بعضهم عن بعض , وهذا يتضمن قابلية البحث العلمى للاستعادة والتكرار Replicability .
5- المعطيات والمعلومات والبيانا التى يجمعها الباحثون بالملاحظة العلمية هى وحدها الشواهد والادلة التى تقرر صحة الفروض أو النظرية . وعلى الباحث ان يتخلى عن فرضة العلمى أو نظريتة اذا لم تتوافر ادلة وشواهد كافية على صحتها .
الملاحظة الطبيعية :
من طرق البحث التى يفضلها علماء النفس ما يسمى الملاحظة الطبيعية , أى ملاحظة الانسان فى محيطة الطبيعى اليومى المعتاد . ويعنى هذا بالنسبة للاطفال مثلا ملاحظتهم فى المنزل أو المدرسة أو الحديقة العامة أو فناء الملعب , ثم تسجيل ما يحدث , ويصنف رايت Wright,1960 طرق الملاحظة الطبيعية الى نوعين : أحدهما يسمية الملاحظة المفتوحة وهى التى يجريها الباحث دون ان يكون لدية فرض معين يسعى لاختبارة , وكل ما يهدف الية هو الحصول على فهم أفضل لمجموعة من الظواهر النفسية التى تستحق مزيدا من البحث اللاحق . أما النوع الثانى فيسمية رايت الملاحظة المقيدة وهى تلك التى يسعى فيها الباحث الى اختبار فرض معين , وبالتالى يقرر مقدما ماذا يلاحظ ومتى .
طرق الملاحظة المفتوحة :
دراسة الفرد : وتشمل مجموعة من الطرق منها المقابلة الشخصية ودراسة الحالة وتسجيل اليوميات والطريقة الإكلينيكية . وفى هذة الطرق يسجل الباحث المعلومات عن كل فرد من الافراد موضوع الدراسة بهدف اعداد وصف مفصل لة دون أن تكون لدية خطة ثابتة تبين أى المعلومات لة أهمية أكثر من غيرة . وقد يلجأ الفاحص الى تسجيل هذة المعلومات فى يومياتة فى صورة " سجلات قصصية " , وقد يطلب من المفحوص أن يروى عن فترة معينة من حياتة فى موقف تفاعل مباشر بينة وبين الفاحص ( المقابلة الشخصية ) , وقد تمتد هذة الطريقة لتصبح سجلا للفرد أو الحالة يستخدم فية الباحث مصادر عديدة للمعلومات مثل ظروف المفحوص الاسرية , والوضع الاقتصادى والاجتماعى , ودرجة التعليم ونوع المهنة وسجلة الصحى وبعض التقارير الذاتية عن الاحداث الهامة فى حياة الفرد , وأدائة فى الاختبارات النفسية , وكثير من المعلومات التى تتطلبها دراسة الحالة تتطلب اجراء مقابلات شخصية مع الفرد , وعادة ما تتسم هذة المقابلات بانها غير مقننة أى تختلف الاسئلة التى تطرح فيها من فرد لآخر .
وتعد من قبيل دراسة الحالة وتسجيل اليوميات سير الاطفال التى كتبها الآباء من الفلاسفة والادباء والعلماء عن ابنائهم , والتراجم التى كتبت عن بعض العباقرة والمبدعين , والسير الذاتية التى كتبوها عن انفسهم , كما يعد من قبيل الطريقة الكلينيكية اسلوب الاستجواب الذى استخدمة جان بياجية وتلاميذة فى بحوثهم الشهيرة فى النمو , وعلى الرغم من ان هذة الطريقة , باعتبارها من نوع الملاحظة المفتوحة , فيها ثراء المعرفة وخصوبة المعلومات وحيوية الوصف الا ان فيها مجموعة من النقائص نذكر منه :
1- تعتبر هذة الطريقة من جانب الفاحص مصدرا ذاتيا وغير منظم للمعلومات , أما من جانب المفحوص فانى الى جانب الطابع الذاتى لتقاريرة قد تعوز المعلومات التى يسجلها الدقة اللازمة , وخاصة حين يكون علية استدعاء احداث هامة وقعت لة منذ سنوات طويلة .
2- المعلومات التى نحصل عليها بهذة الطريقة من فردين أو أكثر قد لا تكون قابلة للمقارنة مباشرة , وخاصة اذا كانت الاسئلة التى توجة الى كل منهما مختلفة . صحيح أنة فى بعض الطرق الكلينيكية قد تكون الاسئلة مقننة فى المراحل الاولى من المقابلة إلا ان اجابات المفحوصين على كل سؤال قد تحدد نوع الاسئلة التى تطرح على المفحوص الفرد فيما بعد , يصدق هذا على طريقة الاستجواب عند بياجية وعلى بعض المقابلات المقننة .
3- النتائج التى نستخلصها من خبرات افراد بذواتهم تمت دراستهم بهذة الطريقة قد تستعصى على التعميم , أى قد لا تصدق على معظم الناس .
4- التحيزات النظرية القبلية للباحث قد تؤثر فى الاسئلة التى يطرحها والتفسيرات التى يستخلصها .
الوصف على سبيل المثال : فى هذة الطريقة يحاول الباحث أن يسجل بإسهاب وتفصيل كل ما يحدث فى وقت معين على نحو يجعلة أقرب إلى آلة التسجيل . ولعل هذا ما دفع الباحثين الذين يستخدمون هذة الطريقة الى الاستعانة بالتكنولوجيا المتقدمة فى هذا الصدد . فباستخدام آلات التصوير وكاميرات الفيديو , وأجهزة التسجيل السمعى يمكن للباحث أن يصل الى التسجيل الدقيق الكامل لما يحدث , وهذة الطريقة فى الملاحظة المفتوحة اكثر دقة وموضوعية ونظاما من الطريقة السابقة , إلا أن المشكلة الجوهرية هنا هى أننا بطريقة وصف العينة نحصل على معلومات كثيرة للغاية اذا استمر التسجيل لفترة طويلة . مثلا لقد تطلب تسجيل كل ما يفعلة ويقولة طفل عمرة 8 سنوات فى يوم واحد أن يصدر فى كتاب ضخم مؤلف فى 435 صفحة .
-يتبع-
طرق الملاحظة المقيدة :
تعتمد هذة الطريقة على استراتيجية اختيار بعض جوانب السلوك فقط لتسجيلها , وبالطبع فان هذا التقييد يفقد الملاحظة خصوبة التفاصيل التى تتوافر بالطرق السابقة , الا ان ما تفقدة فى جانب الخصوبة تكسبة فى جانب الدقة والضبط , ولعل اعظم جوانب الكسب ان الباحث يستطيع ان يختبر بسهولة بعض فروضة العلمية باستخدام البيانات التى يحصل عليها بهذة الطريقة . وهو ما يعجز عنة تماما اذا استخدم الاوصاف القصصية التى يحصل عليها بالطرق الحرة السابقة .
عينة السلوك : وفى هذة الطريقة يكون على الباحث ان يسجل انماطا معينة من السلوك فى كل مرة يصدر فيها عن المفحوص , كأن يسجل مرات الصراخ التى تصدر عن مجموعة من الاطفال سن ما قبل المدرسة . أو مرات العدوان بين اطفال المرحلة الابتدائية . وقد يسجل الباحث معلومات وصفية اضافية ايضا . ففى السلوك العدوانى قد يلاحظ الباحث ايضا عدد الاطفال المشاركين فى العدوان وجنس الطفل , ومن يبدأ العدوان , ومن يستمر فية الى النهاية , وما اذا كانت نهاية العدوانية تلقائية أم تتطلب تدخل الكبار , وهكذا , ويحتاج هذا الى وقت طويل بالطبع . وتزداد مشكلة الوقت حدة اذا كان على الباحث ان يلاحظ عدة مفحوصين فى وقت واحد , فمثلا اذا كان الباحث مهتما بالسلوك العدوانى الذى يصدر عن ستة اطفال خلال فترة لعب طولها 60 دقيقة فان علية ان يلاحظ كل طفل منهم بكل دقة لخمس فترات طول كل منها دقيقتان طوال الزمن المخصص للملاحظة . ويسجل كل ما يصدر عن الطفل مما يمكن ان ينتمى الى السلوك العدوانى .
وقد يسهل علية الامر اذا لجأ الى التسجيل الشخصى المباشر , ان يستخدم نوعا من الحكم والتقدير للسلوكم الذى يلاحظة , وتفيدة فى هذا الصدد مقاييس التقدير التى تتضمن نوعا من الحكم على مقدار حدوث السلوك موضع البحث ومن ذلك ان يحكم على السلوك العدوانى للطفل بانة :
يحدث دائما – يحدث كثيرا – يحدث قليلا – نادرا ما يحدث – لا يحدث على الاطلاق . وعلية ان يحدد بدقة معنى ( دائما – كثيرا – قليلا – نادرا – لا يحدث ) حتى لا ينشأ غموض فى فهم معانيها , وخاصة اذا كان من الضرورى وجود ملاحظ آخر لنفس السلوك يسجل تقديراتة مستقلا تحقيقا لموضوعية الملاحظة .
عينة الوقت : فى هذة الطريقة يتركز اهتمام الباحث بمدى حدوث انماط معينة من السلوك فى فترات معينة يخصصها للملاحظة ويتم تحديد اوقاتها مقدما , والمنطق الرئيسى وراء هذة الطريقة ان الانسان يستمر فى اصدار نفس السلوك لفترات طويلة نسبيا من الزمن , وعلى هذا يمكننا الحصول على وصف صحيح لهذا السلوك وحكم صحيح علية اذا لاحظناة بشكل متقطع فى بعد الزمن . وتختلف الفترات الزمنية التى يختارها الباحثون لهذا الغرض ابتداء من ثوان قليلة لملاحظة بعض انواع السلوك , الى دقائق أو ساعات عديدة لبعض الانواع الاخرى , وفى جميع الاحوال يجب ان يكون المدى الزمنى للملاحظة واحدا تبعا لخطة معدة مقدما . وخلال هذة الفترات يسجل الباحث عدد مرات السلوك وموضه الاهتمام , ومن امثلة ذلك ان يختار الباحث حصة فى اول النهار وحصة في آخرة مرتين في الأسبوع على مدار العام الدراسي لبحث بعض جوانب سلوك تلميذ المدرسة الابتدائية واذا عدنا لمثال السلوك العدوانى قد يقرر الباحث ملاحظة سلوك العدوان عند الاطفال خلال الدقائق العشر الاولى من كل ساعة من اربع ساعات متصلة خلال مرحلة .
ومن مزايا هذة الطريقة انها تسمح بالمقارنة الباشرة بين المفحوصين مادام الوقت الذى تجرى فية الملاحظة والزمن الذى تستغرقة واحدا .
وحدات السلوك : فى هذة الطريقة يلاحظ الباحث خلال فترة زمنية معينة وحدات معينة من السلوك وليس عينة سلوك أو عينة وقت . ومعنى ذلك ان تتم ملاحظة احدى جزئيات السلوك بدلا من ملاحظتة ككتلة مركبة غير متجانسة , وتبدأ وحدة السلوك فى الحدوث فى اى وقت يطرأ فية اى تغير على استجابات المفحوص وما قد يصاحبة من تغير فى بيئتة , فمثلا اذا لاحظنا ان الطفل وهو يلعب برمال الشاطىء تحول فجأة الى وضع كمية من الرمل فى شعر طفل آخر فاننا نسجل فى هذة الحالة حدوث ذلك , باعتبارة وحدة سلوك تختلف عما كان يحدث من قبل حين كان الطفلان يتبادلان الابتسام مثلا فأصبحا يتبادلان الهجوم , ويسجل الباحث ما طرأ على بيئة الطفلين من تغير فى هاتين الحالتين حين كان الطفل الاول يمسك فى المرة الاولى كرة يلعب بها وحدة . فجاء ابوة واخذها منة لبعطيها للطفل الثانى الذى كان يلح فى طلبها , وهكذا يكون على الباحث فى كل مرة ان يسجل حدوث وحدة السلوك على انها تغير فى استجابات الطفل وفى بيئتة , وحين تنتهى فترة الملاحظة يقوم الباحث بفحص وحدات السلوك التى تم تجميعها ثم تحليلها , ويتطلب ذلك بالطبع تصنيفها فى فئات .
تعليق عام على طرق الملاحظة الطبيعية :
من مشكلات طرق الملاحظة الطبيعية ان الملاحظ قد يتجاوز حدود مهمتة ايضا اذا تدخل فى عملية التسجيل التى يقوم عليها الوصف الدقيق للظواهر وحولها الى مستوى التفسير , ولذلك فان كثيرا من تقارير الملاحظة لا يعتد بها اذا تضمنت الكثير من آراء الباحث وطرقة فى فهم الاحداث بدلا من ان يتضمن وصفا دقيقا للاحداث ذاتها , واحدى طرق زيادة الدقة فى هذا الصدد تحديد انواع الانشطة التى تعد امثلة للسلوك موضوع الملاحظة , وتكون هذة الانشطة تعريفا اجرائيا لهذا السلوك .
وتتضمن المشكلة السابقة قضية الموضوعية فى الملاحظة , فاذا لم تكن ملاحظتنا الا محض تفسيرتنا وتأويلاتنا وفهمنا للاحداث فبالطبع لن يحدث بيننا الاتفاق المستقل فى الوصف , لأنها سمجت بأن تلعب جوانبنا الذاتية دورا فى ملاحظتنا . ومن الشروط التى يجب ان نتحقق منه فى طريق الملاحظة شرط الثبات , وهو هنا ثبات الملاحظين , ويتطلب ذلك ان يقوم بملاحظة نفس الافراد فى نفس السلوك موضع البحث اكثر من ملاحظ واحد على ان يكونوا مستقلين تماما بعضهم عن بعض , ثم تتم المقارنة بين الملاحظين , فاذا كان بينهم قدر من الاتفاق المستقل فيما يسجلون أمكننا الحكم على الملاحظة بالدقة والثبات , والا كانت نتائج الملاحظة موضع شك . وبالطبع فان هذا الثبات يزداد فى طرق الملاحظة المقيدة عنة فى طرق الملاحظة المفتوحة .
وتحتاج طرق الملاحظة الطبيعية الى التدريب على رؤية أو سماع ما يجب رؤيتة أو سماعة وتسجيلة . وتدلنا خبرة رجال القضاء ان شهادة شهود العيان فى كثير من الحالات تكون غير دقيقة , لأنهم بالطبع غير مدربين على الملاحظة . وما لم يتدرب الملاحظ تدريبا جيدا على الملاحظة فان تقاريرة لن تتجاوز حدود الوصف الذاتى المحض , وهى بهذا تكون عديمة الجدوى فى اغراض البحث العلمى , وفى كثير من مشروعات البحوث يتم تدريب الملاحظين قبل البدء فى الدراسة الميدانية حتى يصلوا فى دقة الملاحظة الى درجة الاتفاق شبة الكامل بينهم ( بنسبة اتفاق لا تقل عن 90 % ) .
ومن المشكلات الأخرى فى طرق الملاحظة الطبيعية ان محض وجود ملاحظ غير مألوف بين المفحوصين يؤثر فى سلوكهم ويؤدى الى أنتفاء التلقائية والطبيعية فى اللعب والعمل أو غير ذلك من المواقف موضع الملاحظة . وقد بذلت جهود كثير للتغلب على هذة المشكلة , ومن ذلك تزويد معامل علم النفس بالغرف التى تسمح حيطانها الزجاجية بالرؤية من جانب واحد ( هو فى العادة الجانب الذى يوجد فية الفاحص ) . وفى هذة الحالة يمكن لفاحص ان يكون خارج الموقف ويلاحظ سلوك الشخص وهو يتم بتلقائية , ومنها ايضا استخدام آلات التصوير بالفيديو أو السينما , وآلات التسجيل السمعى بشرط ان توضع فى اماكن خفية لا ينتبة اليها المفحوصين , أو توضع فى اماكن مرئية لهم على ان تظل فى مكانها لفترة طويلة نسبيا من الزمن قبل استخدامها حتى يتعود على وجودها المفحوصين . وقد يلجأ بعض الباحثين للتغلب على هذة المشكلة الى الاندماج مع المفحوصين فى محيطهم الطبيعى قبل الاجراء الفعلى بحيث يصبح وجودهم جزءا من البيئة الاجتماعية للبحث , وهذة الطريقة تسمى الملاحظة بالمشاركة .
وبالطبع كلما اجريت الملاحظة فى ظروف مقننة ومضبوطة زودتنا بمعلومات اكثر قابلية للتعميم , فمثلا عند دراسة نمو القدرة على القبض على الاشياء ومعالجتها قد يتطلب الامر ملاحظات دقيقة وتفصيلية للاطفال من مختلف الاعمار , كل منهم يقوم بمعالجة نفس الشىء فى موقف مقنن أو موحد . وحتى نوضح ذلك فقد نختبر اختبارا فرديا 40 طفلا كل عشرة منهم فى مجموعة عمرية معينة ولتكن 20 اسبوعا , 30 اسبوعا , 40 اسبوعا , 50 اسبوعا بينما هم جالسون جلسة معتدلة فى مقعد مرتفع , ثم نضع مكعبا على لوح خشيى امام كل طفل , وفى هذة الحالة يمكننا ان نلاحظ ونسجل بالتفصيل جهود الطفل للقبض على المكعب الخشبى ومعالجتة .
وبالطبع فان التصوير السينمائى لاستجابات الاطفال يعطى تسجيلا موضوعيا وكاملا ويمكننا ان نحللة بدقة ونعود الية اذا اختلفنا فى ملاحظة اساليب الطفل فى القبض على الاشياء ( مثلا استخدام الذراع أو الرسخ أو اليد أو الاصابع ) . وتعطينا المقارنة بين سجلات الاطفال من مختلف الاعمار اساسا لوصف اتجاهات النمو فى القدرة على معالحة الاشياء .
وأخيرا فان الملاحظة الطبيعية فيها كل خصائص التعقد والتركيب لمواقف الحياة الطبيعية التى تتحرر منها قدر الامكان المواقف المعملية . الا ان هذا ليس عيبا فى الطريقة وانما هو احد حدودها , فالواقع اننا فى حاجة الى البحوث التى تعتمد على وصف دراسة السلوك الانسانى فى سياقة الطبيعى والمعتاد والتى قد تقودنا الى بحوث آخرى تعتمد على طرق أخرى تستند فى جوهرها على منطق العلية , توجها الى التفسير والتنبؤ والتوجية والتحكم فى هذا السلوك .
الطريقة التجريبية :
الطريقة التجريبية أساس التقدم العلمى فى مجالات المعرفة البشرية لأنها تنتهى الى الكشف عن اسباب الظواهر والعوامل المؤثرة فيها , ولذا تعد هذة الطريقة , الطريقة الرئيسية فى ابحاث العلوم الطبيعية , وتقترب العلوم الانسانية من دقة وموضوعية تلك العلوم بمقدار استخدامها لتلك الطريقة فى ابحاثها المختلفة .
وهى تحقق كل الاهداف الثلاثة الاساسية للبحث العلمى وهى : التنبؤ , والفهم , والتحكم . ولا تكاد ترقى اغلب الطرق الآخرى الى ما ترقى الية التجربة , لأن تلك الطرق غالبا ما تنتهى عند هدف الفهم ولا ترقى الى هدف التحكم .
المتغير المستقل والمتغير التابع :
المتغير المستقل : هو العامل الذى يظهر أو يختفى أو يتغير تبعا لظهور أو اختفاء أو تغير المتغير الذى يتحكم فية الباحث ويعالجة تجريبيا فيظهرة أو يخفية أو يزيدة أو ينقصة فى محاولتة لتحديد علاقتة بظاهرة تلاحظ , وغالبا ما يرمز لة بالرمز " م " أى المثير أو متغير الاستثارة .
المتغير التابع : ويرمز لة بالرمز " س " أى الاستجابة أو متغير الاستجابة والباحث لا يتحكم فيما يحدث للمتغير التابع , وما علية إلا أن يسجل ما يحدث لهذا المتغير نتيجة لتحكمة هو فى المتغير المستقل , وذلك لأن ما يحدث للمتغير التابع هو فى الحقيقة نتيجة لما حدث أو يحدث للمتغير المستقل .
الجماعة التجريبية والجماعة الضابطة : الجماعة التجريبية هى الجماعة التى يتعرض افرادها للمتغير المستقل , والجماعة الضابطة هى الجماعة التى يناظر افرادها افراد الجماعة التجريبية ولا يتعرضون للمتغير المستقل .
فاذا كان الهدف مثلا هو قياس أثر وجود الجماعة على انتاج الفرد فان الجماعة التجريبية فى هذة الحالة يمكن ان تكون من مجموعة من الافراد بحيث يعمل كل فرد من افرادها فى مواجهه جماعة من الناس وتصبح المتغيرات التابعة فى الجماعة التجريبية انتاج الافراد فى الاعمال التى يقومون بها .
وتتكون الجماعة الضابطة من مجموعة من الافراد , بحيث يناظر افرادها الجماعة التجريبية ويعمل كل فرد من افرادها بمعزل عن جماعة المواجهه التى يتعرض لها افراد الجماعة التجريبية . وبذلك لا يتعرض افراد مثل هذة الجماعة للمتغير المستقل . وتصبح المتغيرات التابعة ايضا هى انتاج افراد الجماعة الضابطة أو استجاباتهم .
التصميم التجريبى : يدل التصميم التجريبى فى معناة العام على خطة التجربة التى تشتمل على اختيار الافراد . وترتيب الاجراءات . ونوع المعالجة التجريبية . وطريقة تسجيل البيانات . زمع الاشارة الى الاسلوب الاحصائى الذى سيتبع فى تحليل النتائج .
القياس البعدى للجماعتين :
يقاس أثر المتغير المستقل بمقارنة متوسط استجابات الجماعة التجريبية بعد تعرضها للمتغير المستقل بمتوسط استجابات الجماعة الضابطة التى لم تتعرض للمتغير المستقل , وذلك باعتبار ان تلك الاستجابات هى المتغيرات التابعة , ثم يحسب فرق المتوسطين والدلالة الاحصائية لهذا الفرق , فاذا كان للفرق دلالة احصائية فان ذلك يدل على أثر المتغير المستقل , واذا لم يكن للفرق دلالة فان ذلك يدل على انعدام أثر المتغير المستقل .
الجماعة القياس القبلى المتغير المستقل القياس البعدى الفرق
التجريبية لا نعم نعم ( ص2 ) ص – ص2َ
الضابطة لا لا نعم ( ص 2َ )
يتضح من الجدول السابق ان الرمز ص2 يدل على نتيجة القياس البعدى للمتغير التابع فى الجماعة التجريبية , ويدل الرمز ص2َ على نتيجة القياس البعدى للمتغير التابع فى الجماعة الضابطة .
القياس القبلى – البعدى للجماعتين :
تقاس المتغيرات التابعة فى الجماعتين التجريبية والضابطة قبل بدء التجربة وبعد انتهائها , أى قبل تعرض الجماعة التجريبية للمتغير المستقل وبعد تعرضها ثم تقاس الفروق وتحسب الدلالة , والجدول التالى يوضح ذلك
الجماعة القياس القبلى المتغير المستقل القياس البعدى الفرق
التجريبية نعم ( ص1 ) نعم نعم ( ص2 ) ق=ص2-ص1
الضابطة نعم (ص1َ ) لا نعم ( ص2َ ) ق=ص2َ-ص1َ
ويدل الرمز ص1 على نتيجة القياس القبلى للمتغير التابع فى الجماعة التجريبية , ويدل الرمز ص1َ على نتيجة القياس القبلى للمتغير التابع فى الجماعة الضابطة , ويدل الرمز ص2 على نتيجة القياس البعدى للمتغير التابع فى الجماعة التجريبية , ويدل الرمز ص2َ على نتيجة القياس للجماعة الضابطة , ويدل الرمز ق على فرق القياس القبلى من القياس البعدى للمتغير التابع فى الجماعة التجريبية , ويدل الرمز قَ على فرق القياس القبلى من القياس البعدى للمتغير فى الجماعة الضابطة .
وعلى الباحث بعد ذلك أن يقارن ق , قَ أو يقارن ص2 , ص2َ ليستدل على أثر المتغير المستقل على المتغير التابع .
القياس القبلى – البعدى لجماعة واحدة :
ومن القياس القبلى – البعدى ما يصبح على جماعة واحدة فقط هى الجماعة التجريبية , ويحل كل فرد محل الجماعة الضابطة , أى ان الفرد يصبح هو نفسة جماعتة الضابطة فتقاس استجابتة فى المتغير التابع قبل تعرضة للمتغير المستقل ثم تقاس استجابتة بعد ذلك فى المتغير التابع بعد تعرضة للمتغير المستقل , ويحسب الفرق بين الاستجابتين على انة اثر المتغير المستقل .
الجماعة القياس القبلى المتغير المستقل القياس البعدى الفرق
الجماعة التجريبية نعم ( ص1 ) نعم نعم (ص2 ) ق=ص2-ص1
وعلى الرغم من ان المنهج التجريبى هو اقوى المناهج فى اختبار العلاقات السببية والتى تقود الى تفسيرات مقنعة فان فية بعض المشكلات التى نلخصها فيما يلى :
-يتبع-
1- مجرد وجود المفحوص ضمن اجراء تجريبى قد يؤثر فى سلوكة ويجعلة يفتقد التلقائية والطبيعية التى تميز طرق الملاحظة المباشرة واذا حدث ذلك فان نتائج التجربة لن تصدق على احداث الحياة الواقعية .
2- البيئة ( المعملية ) المضبوطة المقننة التى عادة ما تجرى فيها البحوث التجريبية هى ايضا بيئة اصطناعية للغاية ومن المتوقع للمفحوصين ان يسلكوا على نحو مختلف فى مواقف الحياة الفعلية , ولهذا يجب ألا تنتقل نتائج بحوث المعمل الى الميدان انتقالا مباشرا , وانما على الباحث ان يمر بخطوات عديدة فى سبيل ذلك . واحدى طرق التغلب على هذة المشكلة تصميم تجارب تبدو طبيعية للمفحوصين ويمكن جعل الموقف التجريبى اكثر طبيعية للاطفال مثلا بان تجرى التجربة فى موقف معتاد كالبيت أو المدرسة , كما ان الاطفال قد يسلكون على نحو اكثر طبيعية اذا قام والداهم أو معلموهم بدور المجربين بدلا من وجود شخص غريب لا يعرفونة بشرط تدريب هؤلاء على شروط التجربة واجراءاتها , كما يمكن عرض الموقف التجريبى على نحو يتفق مع ميول الاطفال كأن تعرض اسئلة اختبار الذكاء أو الابتكار عليهم على انها نوع من الالعاب أو الالغاز بدلا من القول على انها لسئلة فى اختبار , كما يمكن للباحث اجراء تجربة ميدانية فى البيئة الطبيعية بالفعل على نحو يجعل المفحوصين لا يشعرون بانهم موضع تجربة . وهذا الاسلوب يجمع بين مزايا الملاحظة الطبيعية والضبط الاكثر احكاما فى الموقف التجريبى .
3- التوزيع العشوائى للمفحوصين على مجموعات المعالحة يحدث فى بعضهم استجابات سلبية ازاء الموقف التجريبى . وخاصة اذا كان على المفحوص ان يعمل مع مجموعة لا يحب الانتساب اليها . ومعنى ذلك ان الباحث التجريبى علية ان يتعامل مع مفحوصية على انها بشر . واذا نشأت مثل هذة المشكلات علية ان يواجهها ويحلها فى الحال لا ان يتجاهلها , لأن مثل هذة الاتجاهات السلبية لدى بعض المفحوصين قد يهدد صدق نتائج البحث .
4- الاجهزة والادوات والمواد التى تستخدم فى الموقف التجريبى وخاصة داخل المعمل قد تؤدى بالمفحوص الى الاعتقاد بان عليهم ان يسلكوا على نحو غير عادى . زمن ذلك مثلا ان يطلب منة حفظ مقاطع عديمة المعنى . وهو ما لايفعلة عادة فى حياتة اليومية .
5- توقعات المجرب قد تؤثر فى نتائج التجربة . فالباحث الذى يعتقد بشدة فى صحة فرضة فانة قد يلجأ , ولو عن غير قصد , الى تهيئة الشروط التى تدعم هذا الفرض . ولعل هذا يفسر لنا كثرة الفروض التى تتحقق فى بحوثنا العربية بينما نسبة كثيرة منها لم يتحقق فى البحوث التى اجريت فى بيئات اخرى . بل لعل هذا يفسر لنا ما نلاحظة على بعض الباحثين الذين يشعرون بالضيق والقلق حين لا تتحقق فروضهم . زهذا لون من الخطأ الفاحش فى فهم طبيعة البحث العلمى . لقد صارت الفروض عند بعض الباحثين جزءا من نظامهم العقيدى لا قضايا تقبل الصحة والخطأ على اساس الادلة والشواهد والموضوعية . وللتغلب على هذة المشكلة يقترح علماء مناهج البحث استخدام اسلوب اجراء التجارب بطريقة " معماة " على الفاحصين , وفى هذة الحالة لا يعلم الفاحصون ولا المفحوصون أى معالجة يشاركون فيها الا بعد انتهاء التجربة .
وبالرغم من هذة المشكلات . تبقى للمنهج التجريبى قيمتة العظمى فى تزويدنا بأدق فهم لعلاقات السبب – النتيجة فى دراسة السلوك الانسانى .
الطريقة المستعرضة :
وتعتمد فى جوهرها على انتقاء عينات مختلفة من الافراد من مختلف الاعمار , ثم نلاحظ فيهم بعض جوانب السلوك موضع الاهتمام أو تطبيق عليهم مقاييس لهذة الجوانب من السلوك , على ان تتم الملاحظة أو القياس فى نفس الوقت تقريبا , ويقارن أداء العينات المختلفة فى كل مقياس على حدة , وتتم هذة المقارنات فى ضوء متوسطات العينات أى أن المقارنة بين مختلف الاعمار تتم فى ضوء الفروق بين المجموعات , وتفترض هذة الطريقة أن هذة المتوسطات توضح مسار النمو العادى وتقترب بنا الى حد كبير من الدرجات التى نحصل عليها لو أجرينا البحث على افراد من عمر معين ثم أعيد اختبارهم تتبعيا عدة مرات حتى يصلوا الى الحد الاقصى من العمر موضع البحث . ومن امثلة ذلك اذا اراد الباحث دراسة النمو العقلى باستخدام هذة الطريقة فانة يختار عينات من الاطفال والمراهقين والشباب والكهول والمسنين يطبق عليهم خلال فترة زمنية معينة قد لا تتجاوز الاسبوع الواحد اختبارات تقيس الذكاء يفترض فيها انها تقيس نقس الخاصية السلوكية . ثم يقارن بين متوسطات ادائهم فى هذة الاختبارات الا ان لهذة الطريقة مشكلاتها المنهجية التى تتلخص فيما يلى :
1- العوامل الانتقائية فى العينات المختلفة : فجماعات العمر المختلفة قد لا يكون بينها وجة للمقارنة نظرا لآثار العوامل الانتقائية المتتابعة . ويظهر أثر هذة العوامل خاصة حين تجرى البحوث على التلاميذ والطلاب . فطلبة الجامعات الذين نختارهم لفئة الشباب أكثر انتقائية من طلبة المدارس الثانوية الذين نختارهم لفئة المراهقين , وأولئك أكثر انتقائية من تلاميذ المدارس الابتدائية الذين نختارهم لفئة الاطفال , وذلك لأن الطلاب الاقل قدرة يتم استبعادهم خلال مسار العمل التعليمى , وهكذا فان المتوسط المرتفع لطلاب الحامعات قد ينتج عن عمليات التصفية هذة . ولذلك لكى تستخدم هذة الطريقة بفعالية أكثر فى بحوث النمو لا بد ان تكون ممثلة للأصول الاحصائية العامة للسكان من مختلف الاعمار وان تشتق منها . لا ان يتم اختيار مجموعة الافراد من مؤسسات تعليمية أو مهنية .
2- اللاتاريخية : تفتقد هذة الطريقة المعنى التاريخى الذى هو جوهر البحث فى النمو , فالطريقة كما هو ملاحظ تقتصر على دراسة الفرد الواحد فى لحظة زمنية معينة , وبالتالى لا توفر لنا معلومات عن السوابق التاريخية للسلوك , أى ما هى الخبرات المبكرة التى تؤثر فى السلوك موضع البحث , كما لا تقدم لنا شيئا من المعرفة عن مدى استقرارالسلوك أو عدم استقرارة فى الفرد الواحد . أى الى أى حد يظل السلوك الملاحظ فى وقت معين هو نفسة حين يلاحظ فى وقت آخر . ويرجع ذلك فى جوهرة الى ان التصميم المستعرض يوفر لنا معلومات عن الفروق الجماعية اكثر مما يقدم اية معلومات عن النمو داخل الفرد .
3- اختلاف رصيد الخبرة : قد لا يكون هناك درجة للمقارنة بين ارصدة الخبرة المختلفة عند جماعات الاعمار المختلفة التى تدرس فى لحظة زمنية معينة . فمن المستحيل الحصول على عينات مختلفة الاعمار فى وقت معين ونفترض انها عاشت فى ظروف ثقافية موحدة عندما كانت متساوية فى العمر, وواقع الامر ان المقارنة فى هذا النوع من البحوث تكون بين جماعات عمرية تفصل بينها فوارق زمنية مختلفة قد تصل الى حد الفروق بين الاجيال , كما هو الحال عند المقارنة فى لحظة معينة بين سلوك عينات من الاطفال والمراهقين والراشدين . فمثلا لا يستطيع احد ان يعزى الفروق بين من هم اليوم فى سن الاربعين ومن هم الآن فى سن 15 سنة أو 8 سنوات الى عوامل تتعلق بالعمر وحدة . فعندما كان الافراد الذين هم الان فى سن الاربعين فى سن الخامسة عشرة أو الثامنة كان التعليم اكثر تواضعا والفرص المتاحة للاطفال والشباب اقل تنوعا , والاتجاهات الاجتماعية اكثر اختلافا , ومعنى هذا ان الاختلافات بين مجموعات العمر قد ترجع فى جوهرها الى ظروف متباينة نتيجة للتغيرات الثقافية والحضارية , وبالتالى لا يمكن الجزم بان التغير المشاهد يرجع الى العمر وحدة . ولعل هذا يدفعنا الى ان ننبة دائما الى ضرورة حساسية الباحث لعينة المفحوصين فى هذا النوع من البحوث والتى تختلف فى جوهرها من عمر لآخر . ومن جيل لآخر , فالمفحوصين فى الدراسات المستعرضة لا ترجع الفروق بينهم الى العمر الزمنى وحد ولكن ايضا الى الفترة الزمنية التى ولدوا ونشأوا فيها . ومعنى ذلك ان الجماعات العمرية فى هذة البحوث تؤلف اجيالا مختلفة . ومفهوم الجيل يعنى مجموعة الافراد الذين ولدوا وعاشوا خلال نفس الفترة الزمنية ولهذا يفترض منهم ام يشتركوا فى كثير من الخبرات الثقافية والاجتماعية التى قد تؤثر فى جوانب نموهم . تأمل مثلا أثر التنشئة فى عصر الكمبيوتر والفيديو ومن قبلهما التليفزيون , فالانسان المعاصر يجنى ثمار هذا الانفجار الاتصالى بتعرضة لمدى اكثر اتساعا من المعلومات لم يسبق الى مثلة فى الماضى , فاذا قورن اطفال اليوم بالاشخاص الذين يبلغون الان من العمر 50 أو 60 عاما حين كانوا فى طفولتهم فاننا نتوقع ان نجد لدى شباب اليوم اتجاها مختلفا نحو التكنولوجيا . ومن الصعب حينئذ ان نحدد بحسم ما اذا كان هذا الاختلاف هو نتاج التغيرات التى ترجع الى النمو ام انها ببساطة ترجع الى اختلاف فرص التعرض للتكنولوجيا الحديثة .
4- المقارنة الجماعية : لا تسمح الطريقة المستعرضة الا برسم منحنيات المتوسطات موضوع البحث . والسبب فى هذا ان الاشخاص مختلفون فى كل مستوى عمرى من مستويات البحث , ويتحيل فى هذة الحالة رسم المنحيات الفردية , الا ان مثل هذا الاجراء قد يخفى اختلافات هامة بين الافراد من ناحية وداخل الافراد من ناحية آخرى , وقد ينشأ عن رسم المنحنيات الجماعية ان تتلاشى هذة الاختلافات أو تزول , ولهذا قد يكون منحنى المتوسطات الناجم مختلفا اختلافا بينا عن منحنى النمو لكل فرد على حدة . ومن اشهر النتائج التى توضح لنا خطورة هذة المسألة حالة التقدم الفجائى فى النمو الذى يسبق المراهقة . فمنحنيات النمو الفردية بالنسبة لكثير من السمات الجسمية تكسف عن زيادة فجائية تطرأ على معدل النمو الجسمى قبيل البلوغ . ولما كان الافراد يختلفون فى سن البلوغ فان هذة الوثبة تحدث فى فترات مختلفة لكل فرد على حدة وبالتالى يمكن ان تظهر فى المنحنيات الفردية للافراد المختلفين , فاذا رسمت المنحنيات الجماعية نجد ان هذة الاختلافات الفردية يلغى بعضها بعضا , ونجد المنحنى الناجم عن الفروق الجماعية لا يكشف عن هذة الزيادة الفجائية الا اذا اشتملت عينة الدراسة على افراد يصلون الى البلوغ فة نفس السن , وهو احتمال صعب الحدوث .
وبالرغم من مشكلات الطريقة المستعرضة الا انها اكثر شيوعا فى بحوث المقارنات بين الاعمار ربما لسهولتها النسبية وسرعتها الظاهرة , واقتصادها الواضح فى الوقت والجهد . اضف الى ذلك انها تهيىء للباحث فى مجال النمو الانسانى نظرة مجملة للظاهرة النمائية موضع البحث .
الطريقة الطولية :
وفيها تتم ملاحظة نفس العينة من الافراد التى تكون من نفس العمر لحظة البدء فى البحث واعادة ملاحظتهم أو اختبارهم عدة مرات على فترات زمنية مختلفة , وهذة الفترات تختلف حسب طبيعة البحث أى أن هذة الطريقة تتطلب تكرار الملاحظة والقياس لنفس المجموعة من الافراد لفترة زمنية معينة . وبالطبع فان مدى الزمن المستغرق والفواصل الزمنية بين الملاحظات والاختبارات تختلف من بحث لآخر , وذلك حسب طبيعة موضوعة ففى بحث حول نمو تفضيل احدى اليدين فى العمل اليدوى يختبر الاطفال ابتداء من سن 10 شهور مرة كل شهر حتى يصلوا الى العمر الذى يظهر فية تفضيل لاحدى اليدين على الاخرى , وهو عادة ما يكون سن 18 شهرا . وفى بحث النمو العقلى قد نحتاج لفترات زمنية اطول . فالاطفال يختبرون كل شهر عندما يكون عمرهم بين شهر واحد و 15 شهر , ثم كل 3 شهور بعد ذلك حتى يصلوا الى سن 2,5 سنة , ثم كل 6 شهور حتى يصلوا الى سن الخامسة , ثم كل سنة حتى سن المراهقة , وبعض البحوث تتضمن نظاما مختلفا وفترات زمنية اطول وخاصة حين يكون اهتمامها بالنمو عبر مدى الحياة .
والطريقة الطولية بهذا تتغلب على بعض مشكلات الطريقة المستعرضة , وتوفر للباحثين امكانات بحث افضل . انها تقدم صورة جيدة عن النمو داخل الافراد وليس صورة مجملة عن الفروق بين الجماعات العمرية . ثم انها تحدد لنا اى الظروف السابقة أو الخبرات السابقة يؤثر فى النمو السلوكى موضع البحث . ففيها لا تتداخل الفروق بين الاجيال والفروق داخل الجماعات من فروق العمر , كما هو الحال فى الدراسات المستعرضة , ولعل من اهم مميزات التحكم فى اثر اختلاف الاجيال ان الاثار فيها ترجع الى زمن ولادة المفحوص أو الجيل الذى ينتسب الية ولا ترجع فى الواقع الى محض عمرة , فالاجيال كما بيننا قد تختلف فى سنوات التعلم ومما رسات تنشئة الاطفال والصحة والاتجاهات نحو الموضوعات الحساسة كالجنس أو الدين , وهذة الاثار التى ترجع الى الاجيال لها اهميتها لأنها تؤثر بقوة فى المتغيرات التابعة فى الدراسات التى تبدو ظاهريا مهتمة بالعمر , وآثار اختلاف الاجيال قد تبدو كما لو كانت آثار اعمار مع انها ليست كذلك بالفعل , ومن ناحية اخرى فان هذة الطريقة تسمح للباحثين بتحليل الاستقرار أو الاختلاف الذى يحدث داخل الفرد بمرور الزمن . أضف الى ذلك ان هذة الطريقة تستغرق وقتا طويلا فى دراسة كل الفروق بين افراد العينة حتى يكتما البحث , ومعنى ذلك انها اقل جاذبية من الطريقة المستعرضة فى ضوء معيار الزمن , ومع ذلك فاننا بها وحدها نستطيع ان نحدد اى الشروط او الخبرات السابقة تؤثر فى نمو السلوك موضع البحث .
ومع هذة المزايا الظاهرة للطريقة الطولية الا ان لها مشكلاتها ايضا نلخصها فيما يلى :
1- العوامل الانتقائية فى العينة الاصلية : فالافراد الذين يشاركون فى بحث من طبيعتة ان يستمر لعدة سنوات يتم انتقائهم فى الاغلب تبعا لعوامل تحكمية وليست عشوائية . ومن هذة العوامل استقرار محل الاقامة , والتعاون المستمر مع الباحث , وبالطبع فان المفحوصين الذيم يتم انتقاؤهم بهذة الطريقة قد تتوافر فيهم حصائص أخرى بالمستوى الثقافى والميول والاتجاهات بل والظروف الطبيعية والصحية تختلف عن الاصل السكانى العام على نحو يجعلها منذ البداية عينة متحيزة ولبست عشوائية , فقد تكون العينة أعلى نسبيا من المستوى العام للاصل الاحصائى السكانى .
وقد يكون العكس صحيحا ايضا فى بعض عينات هذة البحوث ومن ذلك الافراد الذين يقيمون فى المؤسسات ( كالاطفال والمراهقين الذين يعيشون فى الملاجىء والشيوخ الذين يقيمون فى بيوت المسنين ) فاطفال ومراهقو الملاجىء والاصلاحيات يمثلون مستوى ادنى من الاصل الاحصائى العام . بينما شيوخ دور المسنين قد يكونون من مستويات اقتصادية واجتماعية عالية نسبيا اذا كانت هذة البيوت بمصروفات تديرها جمعيات خاصة , وقد يكونون من مستويات دنيا اذا كانت هذة البيوت من النوع المجانى الذى تديرة هيئات حكومية للإيواء العام . وفى الحالتين يصعب تعميم نتائج مثل هذة البحوث الطولية على المجتمع الاصلى , ومع ذلك فان لهذة البحوث فائدتها اذا تم توصيف الاصل المشتقة منة العينات توصيفا دقيقا , أو تم توصيف العينة موضوع البحث توصيفا مفصلا بحيث يمكن تعميم النتائج التى تتوصل اليها البحوث على اى اصل احصائى مشابة لها .
2- النقصان التتابعى للعينة : فلا شك فى ان البحث الطولى يستغرق فترة طويلة نسبيا من الزمن , ولهذا نتوقع ان يتناقص عدد المفحوصين تدريجيا , ولذلك فان المتابعات المتأخرة لنفس العينة نجدها تتم على اعداد قليلة الى حد كبير لة قورنت باحجم الاصلى لهذة العينة عند بدء البحث منذ سنوات بعيدة , وهذا التسرب فى العينة لا يتم بطريقة عشوائية , فالمفحوصون الذين يستمرون فى المشروع التتبعى حتى نهايتة هم فى العادة من الذين يتسمون بانهم اكثر تعاونا واكثر دافعية واكثر مثابرة واكثر كفاءة من اولئك الذين يتسربون طوال الطريق . وعلى هذا فانة عند نهاية اى دراسة طولية نجد ان المتبقى من عينة المفحوصين قد يكون متحيزا على نحو يجعل من الصعب مرة اخرى الوصول الى استنتاجات وتعميمات الى الاصل الاحصائى العام .
3- أثر اعادة الملاحظات : توجد مشكلة منهجية ثالثة فى البحوث الطولية تتمثل فى الاثر المحتمل الذى تحدثة المشاركة المستمرة فى سلوك المفحوص , فالممارسة المتكررة للاختبارات وزيادة الالفة بفريق البحث , والتوحد باحدى الجماعات لفترة طويلة نسبيا من الزمن . هى جماعة البحث . وغير ذلك من ظروف البحث الطولى التتبعى ذاتة , قد تؤثر جميعا فى اداء المفحوص فى الاختبارات وفى اتجاهاتة ودوافعة , وفى توافقة الانفعالى , وغير ذلك من جوانب السلوك . ومن ذلك مثلا ان المفحوص حين يعطى نفس الاختبارات أو ما يسبهها عدة مرات فانة يصبح على درجة كبيرة من الخبرة بها وفى مثل هذة الحالات سوف يؤدى المفحوص جيدا على الاختبارات اللاحقة لا بسبب النمو وانما بسبب أثار تكرارالممارسة .
وعلى الرغم من هذة الطريقة تستغرق وقتا طويلا وتتطلب تكلفة هائلة فانها لها قيمتها فى انها تهيىء لنا تتبع مسار التغيرات فى المفحوصين كأفراد عبر الزمن . تخيل باحثا يجرى دراسة على النمو العقلى خلال مدى الحياة . انة يواجه المهمة المستحيلة اذا صمم بحثة لجمع البيانات بنفسة , لأنة اذا بدأ بحثة على مفحوصيم من الاطفال وعمرة مثلا 25 سنة , فانة حين يبلغ مفحوصوة سن 65 سنة مثلا ويدخلون فى مرحلة الشيخوخة ربما يكون قد مات هو نفسة . بل انة فى الحدود الزمنية الاقل تطرفا توجد عوائق كثيرة من الوجهه العملية , ولهذا السبب نجد ان القاعدة هى وجود بحوث طولية قصيرة المدى لا تتجاوز فى العادة خمس سنوات .
4- أثر وقت القياس : يمكن لبعض الاثار التى تحدث فى المفحوصين من عينة البحث الطولى ان ترجع الى وقت القياس وليس الى النمو فى ذاتة . لنتأمل مثلا فرضية فحصت التغيرات المرتبطة بالعمر فى الاتجاة نحو العمل اليدوى اثناء الرشد , ان هؤلاء المفحوصين اذا كانوا قد اختبروا أو تمت ملاحظتهم ومقابلتهم فى اوائل الخمسينات حين كانوا فى بداية المراهقة قد يظهرون اتجاهات محافظة نسبيا حول هذا الموضوع , ولكنهم عندما يختبرون اليوم بعد اكثر من ثلاثين عاما فان هؤلاء المفحوصين انفسهم قد يكونون اكثر تحررا وتسامحا فى اتجاهاتهم , وقد تفسر هذة النتيجة بانها تعنى ان الاتجاة نحو العمل اليدوى يصير اقل محافظة عند التحول من المراهقة الى الرشد الاوسط , الا ان السبب الحقيقى ان الزمن قد تغير طوال هذة الفترة مع تغير المجتمع ككل حيث اصبح اكثر تقبلا للعمل اليدوى . فالتغيرات الملاحظة فى هذة الدراسة الفرضية قد تعكس بنفس القدر التغير التاريخى فى المجتمع وليس التغير النمائى العادى الذى يحدث خلال الرشد فحسب ومعنى ذلك ان التصميم الطولى فى ذاتة لا يساعدنا بالضرورة على الوصول الى تعميمات جيدة حول آثار النمو , وكما هو الحال بالنسبة للبحوث المستعرضة لا بد ان تكون حذر شديد فى تفسير النتائج .
المراجع :-
1- جابرعبد الحميد جابر: ( 1994 ) علم النفس التربوى , ط3 , دار النهضة العربية , القاهرة .
2- علاء الدين كفافى : ( 1997 ) علم النفس الارتقائى , مؤسسة الاصالة , القاهرة .
3- فرج عبد القادر طة 1998 ) اصول علم النفس الحديث , ط3 , عين للدراسات والبحوث الانسانية والاجتماعية , القاهرة .
4- آمال صادق وفؤاد ابو حطب: ( 1999 ) نمو الانسان من مرحلة الجنين الى مرحلة المسنين , ط4, مكتبة الانجلو المصرية , القاهرة .
5- فؤاد البهى السيد : ( 1998 )الأسس النفسية للنمو , من الطفولة الى الشيخوخة , ط4 , دار الفكر العربى , القاهرة .