التصنيفات
الفلسفة للشعب الأدبية

النموذج العاملي و المربع السيميائي

النموذج العاملي و المربع السيميائي


الونشريس

النموذج العاملي و المربع السيميائي

استوعب "غريماس" المنهج البروبي، معيدا النظر في بعض المفاهيم الوظيفية و صياغتها "صياغة جديدة موسومة بالاختزال و التجريد الرياضيين." 22 منتهجا المنهج البنيوي، الذي يُرى من خلال مفهومه العام ، ما يبقى أصليا "فهو النـواة أو الشكل الثابـت Shema Fixe » « أو أيضا، البنية الشكلية للتحويلات. " 23 كما استفاد من تصورات "كلود ليف ستروس" « Claud Lévi – Strauss » الذي يشير من خلال نموذجه البياني، إلى العالم الإنساني المزدوج الأبعاد، يُمثل البعد الأول الطبيعة و نواميسها، و يدل البعد الثاني على الحضارة و قوانينها المختلفة، فالنيء يمثل الطبيعة، و المطهو يرمز إلى الحضارة. 24

كما عمل " غريماس"، على توسيع شكلنة الأجهزة النظرية، بإدماج النص السردي ( الذي ما زال يستقطب المنهج الشكلاني، في حقل مشروع السيمائية العامة)، و البحث في العلاقة التي يمكن أن تربط النص القصصي بالنظرية، ( التي لا تزال في حاجة إلى تعديل أو تعميق ) 25. من خلال الالتحام العضوي، بين القيم التعبيرية و المضامين التي تنطوي عليها. إذ أن النص الأدبي عند "غريماس"، يسير ضمن " آلية منطقية تحكمها شبكة من العلاقات والعمليات التي تنظم النص السردي. و من خلال هذا التصور نستشفّ بأنه لا يتم استخراج المعنى ، إلا بكشف شبكة العلاقات القائمة في صلب النص، و حصرها، بربط الوحدات السردية وفق الغايات القصوى المقصود بلوغها. لأن جوهر الدلالة و علاقتها بالخطاب الأدبي علاقة توليدية، حيث يكون المعنى رهين ديمومة النص ، أي البنية المتكاملة المغلقة، التي تحكمها عناصر داخلية منفصلة عن العوامل الخارجية، حيث تتحرك و تتوزع ضمن محاور دلالية بحكم ، امتلاكها الطاقة على تغيير الدلالات الأصلية المشحونة فيها.

فتحليل القصة حسب " غريماس " ، يعني تحليل مستوياتها المختلفة ، بما فيها جميع مظاهر الخطاب، و أبعاده الدلالية العميقة، بصفة آنية و منسقة حسب الوحدات، التي تتميز بصيغة لغوية خاصة، و مفردات ذات معاني منظمة، حسب علاقات منطقية، قد تكون نواة . تشكل مع مثيلاتها، المعنى الضمني العام للقصة، "فالنواة الدلالية "sème " لا مجال إلى استكشافها، إلا بعد التفكيك الدلالي للمفردات، التي هي وحدات دلالية معقدة، تتماسك فيها معاني مختلفة، ولكنها بسيطة." 26

و لعل الهدف من هذه العملية، هو ربط صريح النص بباطنه، من خلال مجموعة من الملفوظات المتتابعة المكونة من وحدات لغوية متماسكة، مندمجة ضمن الخطاب، الذي يُعد مشروعا منظما يومىء – من طرف خفي – بوجود عمليات دلالية كامنة في المستوى العميق. إذ تتم عملية استقراء الدلالة بتفجير الخطاب، و تفكيك الوحدات المكونة له، التي تُسفر بدورها عن حصيلة دلالية هيكلية، بإعادة بنائها، وفق جهاز نظري متسق التأليف." 27

البنية العاملية، مستوى من مستويات التحليل السيميائي، للنصوص السردية، تقوم على أساس "النموذج العاملي"، الذي يُعد تشخيصا غير تزامني، و استبدالا لعالم الأفعال. ذلك أن السرد يقوم على التراوح بين الاستقرار و الحركة و الثبات و التحول في آن. ففيما تتغير مضامين الأفعال بصفة مستمرة. يظل الملفوظ السردي ثابتا. و قد يتشكل النظام

العاملي، على النحو التالي :

المرسل المرسل إليه

الفاعل – الموضوع

المساعد (هنا رسم بياني لم استطع نقله ) المعارض

يتأسس الرسم العاملي على ثلاثة أزواج من العوامل هي:

المرسل / المرسل إليه ـ الفاعل / الموضوع ـ المساعد / المعارض .

فكل برنامج سردي، يتشكل من خلال العوامل، التي تُنتج الفعل ، الذي ُيمارسه المرسل على الفاعل ، لتحقيق عمله ، من خلال جملة من العناصر، التي تحاول إنجاح أو إفشال البرنامج، تبعا للعلاقات التي تنجلي من خلالها الوظيفة الدلالية للبنية العاملية، على مستوى النص القصصي. ميز "غريماس" بين الفاعل الرئيس و بين بقية الشخصيات الأخرى، التي تقتسم فيما بينها وظائف مختلفة، و رأى من اللازم " التمييز بين الفاعل أي الشخصية الواحدة القائمة بالفعل، و مجموعة الفاعلين، الذين تربط بينهم وحدة التصرف الوظائفي." 28 إذ تنتظم وحدتا المساعد و المعارض، في سياق العلاقة، بين الفاعل وموضوع القيمة . تتحدد وظيفة المساعد، في تقديم العون للفاعل ، بغية إنجاح البرنامج ، فيما يقوم المعارض حائلا دون تحقيق الفاعل موضوعه، و عائقا في طريقه. و يتكون المقطع السردي ، من وحدة سردية كاملة ، مُكونة من المهمة التأهيلية ( المناورة ) و المهمة الأساسية ( الإنجاز العملي للمشروع ) و المهمة التمجيدية ( الجزاء ) .

و تنتظم المهمة التأهيلية، في مستوى علاقة المرسل بالمرسل إليه، و تأثير ذلك في هذا، للقيام بالفعل الإقناعي ( فعل الفعل ). و يتم في هذه المرحلة، التعريف بموضوع المشروع المعتزم القيام به، و إبرام عقد بين المرسل و المرسل إليه. بعد توفر جانب الكفاءة المتمثل في الرغبة في الفعل، و الشعور بوجوب الفعل، و القدرة على الفعل و المعرفة بالفعل ، ثم تأتي بعد ذلك مرحلة الإنجاز الحاسمة، وهي مهمة أساسية، يسعى فيها الفاعل إلى تحقيق موضوع القيمة، فينتقل من حال إلى حال. إذ يظهر المنظور التلفظي الإتصالي Ç أو الانفصالي U تبعا لانتقال الفاعل من حالة الانفصال U إلى حالة الاتصال Ç بالموضوع في حالة النجاح أو العكس. أي انتقال الفاعل من وضع اتصال Ç إلى وضع انفصال U عن الموضوع في حالة إخفاق . وكلا الحالتين نتيجة مزدوجة متزامنة حتما.

أما المهمة التمجيدية، ففيها يتم الجزاء، بعد تقييم الأفعال، التي تم تحقيقها، حسب الإلتزام، الذي أخذه البطل على نفسه.

المرسل الموضوع المرسل إليه

المهمة التمجيدية

يتم تقييم الأفعال المنجزة

حسب التزام البطل بالعقد 29

المهمة التأهيلية المهمة الأساسية

نقطة احتدام الصراع الحاسم وانتقال موضوع القــيمة من طرف إلى آخر.

جانب الكفاءة

محور الرغبة

محور الصراع

الفاعل

المساعد العامل الذات المعارض
يضغط المرسل على الفاعل لإنجاز فعله، فيسير على محور الرغبة قاطعا محور الصراع، لتنفيذ برنامجه، فيواجه العقبات التي تعترض سبيله ، كما يتلقى المساعدات، التي تعينه على إنجاز المشروع ، فيتم الاتصال بموضوع القيمة في حين يتم الانفصال بين الفاعل الثاني و الموضوع، و هو البرنامج الثاني للنص كما يوضح ذلك المربع السيميائي، الذي حاول غريماس من خلاله تحليل الأشكال المعقدة للدلالة إلى عناصر بسيطة.

ضاد

س1 س2

تناقض

تضمن تناقض تضمن

س 2 س1

ما تحت التضاد

خصص غريماس المربع السيميائي، لتجسيد المعنى الذي ينبني على ثلاثة علاقات منطقية : التضاد بين [س1 وس2] و بين [سَ2 و سَ1] و التناقض بين [س1 و سَ1] و[س2 و سَ2] والتضمن بين [س1 وسَ2] و [س2 وسَ1] حاول كلا من " آن إينو" 30 و "جزيف كورتي" 31 تبسيط نظرية "غريماس" ، و شرح المربع الدلالي ، من خلال كشف تجلياته ، بوساطة مثال بناء "المحلل" و"المحرم" الذي يظهر عندهما على هذا النحو :

تُعد هذه النظرية العاملية التحليلية، من أهم اكتشافات المنهج الإستقرائي، الأنثروبولوجي، الاستنباطي ، الخاضع للحكم المنطقي.