أخي ، أختي
إنّ المرضأو
المصيبة ، إبتلاء من اللَّه تعالى يختبر به
عباده فمن حمد اللَّه وصبر على ما أصابه فقد فاز ، ومن لم يحمد اللَّه على
ما أصابه وسخط و تضجّر فقد خسر وهو ناقص الإيمان لأنّ الرضى بالقضاء
والقدر دليل كمال الإيمان أمّا التضجّر والسخط على ما قدّر اللَّه فهو دليل
نقص الإيمان ويفقد المتضجّر الأجر الذي يناله لو صبر وربّما يلحقه الوزر
قال رسول اللَّه عجباً
لأَمرِ المُؤمِنِ ! إنَّ أَمرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ – و ليس ذلكَ لأحدٍ إلاّ
للمُؤمِنِ – إنْ أَصابَتْهُ سرّاءُ شَكَرَ فكانَ خَيراً لَهُ ، و إنْ
أَصابَتهُ ضرّاءُ صَبَرَ فكَانَ خَيراً لَهُ حديث صحيح ، رواه مسلم
الانسان معرّض للإختبار بالعديد من الإبتلاءات قال تعالى و
لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ
الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِالصَّابِرِينَ *
الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّالِلَّهِ وَإِنَّا
إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ
وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ البقرة : 155 – 157
يخبرنا اللَّه
تعالى بأنّه سيختبرنا ، هل نصبر على قليل من الخوف والجوع ، وفقدان بعض
الأموال والأهل ونقص في النباتات والزروع وغيرها من حوائج الإنسان .
فالصابرون على هذا البــلاء لهم الأجر مـن اللَّه . ثم يبـين اللَّه تـعالى
من هم الصابرون الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ
أي إنّا عبيد اللَّه نرضى ببلائه في السراء والضراء ، و إنّا إليه راجعون
في الآخرة ليجازينا هؤلاء الصابرون يغفر لهم اللَّه و يرحمهم هم المهتدون
الى
الحق الصواب بأنّهم إستسلموا لقضاء اللَّه
قال رسول اللَّه ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول
إنّا للَّه و إنّا إليه راجعون ، اللَّهم أؤجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا
منها إلاّ أجَرَه اللَّه في مصيبته و أخلف له خيراً منها حديث صحيح ، رواه مسلم .
الأمراض والمصائب التي تصيب المؤمن هي رحمة من اللَّه لأنّها كفّارة للذنوب و يجب على المريض أو المصاب أن يحسن الظنّ باللّه تعالى فلا ييأس ولا يسخط ويطلب الرحمة والمغفرة من اللَّه في كل وقت
قال رسول اللَّهما يُصيبُ المسلم من نَصَبٍ ولا
وَصَبٍ و لا همٍّ ولا حَزَنٍ ولا أَذىً و لا غَمٍّ ، حتّى الشوكة يُشاكها
إلاّ كفَّرَ اللَّهُ بِها من خطاياهُحديث صحيح ، متفق عليه
الوصب : المرض نصَب : تعب . أذى : كل ما لا يلائم النفس . غم : أبلغ من الحزن يشتد بمن قام به ، حتى يصير بحيث يغمى عليه
يشاكها : تشكّه و تدخل في جسمه . من خطاياه : بعض الخطايا ، لأن بعض الذنوب لا تُكَفّر بذلك ، كحقوق النّاس والكبائر
قال رسول اللَّهما يزالُ البلاءُ بالمؤمِنِ و المؤمِنَةِ فِي نَفْسِهِ و ولَدِهِ و مالِهِ حتّى يَلقى اللَّه تعالى و ما عليهِ خَطِيئةٌ رواه الترمذي و قال : حديث حسن صحيح
ومن علامات حبّ اللَّه تعالى للعبد الصالح ابتلاؤه ، قال رسول اللَّه مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْراً يُصِبْ مِنْهُ
رواه البخاري
يُصِب منه : أي يصيبه بمصيبة إمّا في ماله أو في بدنه أو في محبوبه
يبشّر اللَّه تعالى الصابرين على المصائب والأمراض بالخير . قال تعالى وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ النحل : 126 ويبشّرهم أيضاً بالأجر بغير حساب أي التوسعة في الأجر فلا ينالون ثواب عملهم فقط ، و لكن يُزادون على ذلك ، قال اللَّه تعالى إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ الزمر : 10
والصبرعلى البلاء في الدنيا قد يورثنا الجنّة
أتت إمرأة الى النبيّ فقالت : إنّي
أُصرعُ و إنّي أتكشّفُ فادع اللَّه تعالى لي ، قال رسول اللَّه إِنْ شِئتِ
صَبَرْتِ ولَكِ الجَنّةُ ، وإنْ شِئتِ دَعَوتُ اللَّهَ تعالى أن
يُعَافِيكِ
فقالت : أَصْبِرُ فقالت : إنّي أتكشّفُ ، فادعُ اللَّهَ ألاّ أتكشّفَ فدعا لها . متفق عليه
والصبر
واجبٌ عند الصدمة الأولى وليس كما يتصرّف بعض ضِعاف الإيمان الذين يتضجرون
ويسخطوا ويجزعوا عند الصدمة الأولى ثمّ مع الوقت يقلّ سخطهم
قال رسول اللَّه إنّما الصَّبرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى حديث صحيح ، متفق عليه
والاكتئاب ليس من صفات المؤمن لأنّ المؤمن مطمئنّ القلب و راضٍ بما قسم اللَّه له قال تعالى الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ الرعد : 28
وقال رسول اللَّهإرضَ بما قسم اللَّه لك تكُنْ أغنى النّاس حديث حسن رواه الترمذي
والشفاء من اللَّه فقد بيّن اللَّه تعالى لنا هذه الحقيقة في القرآن الكريم على لسان عبده و نبيّه إبراهيم(عليه السلام) حيث قال وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ
الشعراء : 80 فالشافي هو اللَّه وما الطبيب ولا الدّواء إلاّ أسباب
للشفاء و نحن مأمورون بالأخذ بالأسباب ، وكم من مرضى تناولوا العديد من
الأدوية واستعانوا بالعديد من الأطباء لم يشفوا ، فالشفاء من عند اللَّه و لكن ضِعاف الإيمان يسندون الحقائق إلى غير اللَّه
فيقول أحدهم : لولا الطبيب الفلاني ما شفيت ، و يقول آخر : لولا المحامي
الفلانـي ما ربحت القضية .. لكنّ المؤمن يقول لولا أنّ اللَّه تعالى وفّق
الطبيب لأسباب شفائي ما شفيت . وقد أوصانا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
بالتداوي فقال إنّ اللَّه تعالى أنزل الدّاء والدّواء وجعل لكلّ داءٍ دواء فتداووا ولا تداووا بحرام حديث حسن رواه أبو داوود
و من الأدوية التي بيّن اللَّه تعالى للمؤمنين ، العسل و القرآن ، فقال تعالى في العسل يَخْرُجُ مِنْ
بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ النحل : 69 . يخرج من بطونها : العسل الذي يخرج من بطون النحل و قال تعالى مبيّناً أنّ في القرآن شِفاء ونُنَزِّلُ مِنَ القُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلمُؤمِنِينَ الإسراء : 82
وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عَليكم بالشِفاءين القرآن والعسل ففيهما شفاء النفس والجسم حديث ضعيف ، رواه ابن ماجة
و من الأدوية الشافية ، ماء زمزم
لقول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم زمزم لِمَا شُرِبَ له حديث صحيح ، متفق عليه . فيا أخي المريض إشرب ماء زمزم بنيّة الشفاء لعلّ اللَّه يشفيك .
وقد تجد في الصيام شفاء لكثير من الأمراض قال تعالى وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُم البقرة : 184
و قد تجد في الدّعاء الشفاء ، أدعو اللَّه أن يشفيك و لا تيأس من الدعاء و تقول لقد دعوت اللَّه كثيراً ولم يستجب لي فهذا قول ضِعاف الإيمان ، قال رسول
اللَّه صلى الله عليه وسلم أُدعُوا اللَّهَ وَ أَنْتُم مُوقِنُونَ بِالإجَابةِ يُستجَابُ لأحدِكُم مَا لَم يَقُلْ دَعَوْتُ فَلَم يُستجبْ لِي حديث حسن رواه الترمذي
و لمّا سأل سيدنا أيوب (عليه السلام)ربه الشفاء قال أَنّيِ مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ الأنبياء : 83 فماذا كان الجواب من اللَّه تعالى فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ الأنبياء : 84
الضُّرّ : المرض
فكشفنا ما به من ضرّ : أزلنا ما نزل به من سوء حال
أخي المسلم ، إلزم الرقية صباحاً ومساءاً فهي شافية بإذن اللَّه
يُستحبّ
بنا أن نساهم في تسلية من نزلت به المصيبة أو المرض بما يخفّف عنه من
مصيبته فلا نتقاعس عن زيارة أخينا المسلم إذا ألمّ به مرض أو مصيبة قال
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما من مسلِم يعُودُ مسلماً غُدوَةً إِلاّ
صلّى عليه سبعون ألف مَلَكٍ حتّى يُمسي و إن عاده عشيّةً إلاّ صلّى عليه سبعون ألف مَلَكٍ حتى يُصبح ، و كان له خريفٌ في الجنّة حديث حسن رواه الترمذي
غدوة : ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس
صلّى عليه : استغفر ودعى له بالرحمة
عشيّة : آخر النهار
خريف : الثمر المخروف أي المجتنى
وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إنّ المسلم إذا عادَ أخاه المسلم لم يَزَل في خُرفَةِ الجنّة حتّى يرجع قيل : و ما خرفة الجنة ؟ قال جناها
حديث صحيح ، رواه مسلم . تشبيه ما يحصل عليه زائر المريض من الثواب بما
يحصل عليه الذي يقطف من ثمار الجنة ، والمقصود بـــ حتّى يرجع اي المدة
ذهاباً و إياباً
ويُستحبّ أن نقول للمريض أو من ألمّت به مصيبة كما علّمنا رسول اللَّه لا بأسَ ،
طَهُورٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ رواه البخاري
طهور : أي مرضك هذا تطهير لنفسك من الذنوب و الآثام
ويستحبّ الدعاء للمريض كما علّمنا رسول اللَّه حيث قال مَنْ
عَادَ مَرِيضاً لَمْ يَحْضُرْهُ أَجَلُهُ فَقَال عِنْدَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ
: أَسْأَلُ اللَّهَ العَظِيمَ ، رَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ
، إِلاَّ عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ المَرَضِ حديث حسن ، رواه أبو داوود
وأخيراً يجب أن نعلم أنّ ابتلاء اللّه لعبده لا يكون عن نقص في علمه تعالى وإنّما ليظهر للعبد صبره على ما ابتلاه
ويكون الأجر على قدر المشقّة