عاج الشقي على طلل يسائله
أتعرّف على صاحب النص :
أبو نواس : هو الحسن بن هانئ ، ولد سنة 757 م ، – وقيل 762 – بالأهواز (من قرى خوزستان بفارس أي بإيران )؛ قيل إن اباه دمشقي وقيل فارسي ، وأمه فارسية
عاش أبو نواس طفولة معذبة م، ولما أصبح شابا اخذ العلم عن علماء البصرة لاسيما عن أبي عبيدة ، وحصّل ثقافة واسعة ، إلا أنه كان ميّالا إلى الرذيلة والفاحشة.
كبار شعراء العصر العباسي ، لقّب بشاعر الخمرة . قرّبه الرشيد ثم سجنه ، وجعله الأمين شاعره ، واتصل بالبرامكة وىل الربيع فحظي منهخ بمال وفير.
عاقر الخمرة وأسرف في اللهو ، ثم تاب في آخر أيامه . وتوفي سنة 814 م عن عمر يناهز 54 عاما حسب بعض الكتب الادبية
له ديوان أجود يضم شعره في الخمريات
عاج الشقيَ على طلل يسائله
وعجت أسأل عن خمّارة البلد
يبكي على طلل الماضين من أسد
لا درّ دّك قل لي من بنو أسد ؟
ومن تميم ومن فيس ولفهما ؟
ليس الاعاريب عند الله من أحد
لا جفّ دمع الذي يبكي على حجر
ولا صفا قلب من يصبو إلى وتد
كم بين ناعت خمر في دساكرها
وبين باك على نؤي ومنتضد
دع ذا ، عدمتك واشربها معتّقة
صفراء تفرق بين الروح والجسد
أما رأيت وجوه الأرض قد نضرت
وألبستها الزرابي نثرة الأسد
حاك الربيع بها وشيا وجلّلها
بيانع الزهر من مثنى ومن وحد
واستوفت الخمر أحوالا مجرّمة
وافترّ عيشك عن لذّاتك الجُدد
فاشرب وجد بالذي تحوي يداك لها
لا تذخر اليوم شيئا خوف فقر غد
يا عاذلي قد أتتني منك بادرة
فإن تغمدها عفوي فلا تعد
لو كان لومك نصحا كنت أقبله
لكن لومك موضوع على الحسد
أبو نواس
أثري رصيدي اللغوي :
عاج : مال . الرسم : ما تبقى من آثار الديار المهجورة
النؤي : الحفير حول الخيمة . أحولا : سنين واعوام
مجرمة : واسعة وتامة . الزرابي : نبات أصفر أو احمر وفي كلا اللونين تكون خضرة
نثرة الأسد : أنفه ؛ ففي السماء برج الأسد وأنفه يتشكل من كوكبين يلفهما بعض البياض مثل السحاب ن وبين الكوكبين مسافة كمقدار شبر
عاذلي : لائمي ، من الفعل عذل بمعنى لام وعاتب
أكتشف معطيات النص :
– الشقي في البيت الأول هو الشاعر الذي يبكي على الأطلال والديار التي هجرها أحبته
– يتغنى الشاعر في الشطر الثاني من البيت الأول (عجز البيت الأول) بالخمرة وأماكنها
– بنو أسد وتميم هم من القبائل العربية التي سخر منها الشاعر ، لأنها كبقية الأعاريب فهي سواء عند الله ، وليس عندها ما يستحق البكاء
– أسرف الشاعر في ذم القديم والنعي على من يتكلفه ، ويتجلى ذلك في البيت الرابع :
لا جفّ دمع الذي يبكي على حجر — ولا صفا قلب من يصبو إلى وتد
– يذكرنا البيت الثاني في بناء القصيدة العربية ، بالمقدمة الطللية التي كان تتميز بها القصيدة في العصر الجاهلي
أناقش معطيات النص :
– استعمل الشاعر الأسلوب الإنشائي في البيتين الثاني والثالث بصيغته الاستفهام ، في قوله : ( قل لي من بنو أسد ؟) ، ( ومن تميم ومن قيس ولفهما ؟ ) ؛ وغرض هذين الاستفهامين هو السخرية والتحقير
– دافع الشاعر عن مذهبه القاضي باتباع الخمر والابتعاد عن البكاء ، معتمدا ادلة يراها أقرب إلى المنطق ، إذ غن الخمر تفرق الروح عن الجسد فيبتعد شاربها عن واقع الحياة إلى التأمل في الكون، وهذا أفضل دواء لمشكلات الحياة ، اما البكاء فلا يزيد الطينة إلا بلة ؛ بمعنى أنه لا يقضي على المشكلة بل يزيد في تفاقمها ، كما انه مدعاة للضعة والذل ، ويتجلى ذلك في قوله : (صفراء تفرق الروح عن الجسد)، (البيت السابع والثامن والتاسع)
– يخاطب أبو نواس في هذه القصيدة الشاعرَ الباكي على الطلل ، وينهاه عن نثل هذا البكاء
– أبو نواس لولع بالخمرة حتى كأن حبها غدا عنده عبادة وعشقا أبديا ، وسبب ذلك أن معاقرة الخمر كانت من أبرز مظاهر الحياة المترفة اللاهية في العصر العباسي ، وقد كان أبو نواس يتردد على الحانات ويصحب المجان اللاهين ، فكانت هذه البيئة ملائمة لنزعاته الطبيعية
– مذهب الشاعر في الحياة هو الشذوذ والخلاعة والترف ، والاستجابة الفورية لنزعات الطبيعة البشرية ، دون مبالاة بوازع ديني عقدي او اجتماعي أو غيره
أحدد بناء النص :
– في النص احتقار لكل قديم ولكل من تمسّك به ، لأنه قد مضى وولىّ ، وليس له مكانة في الحاضر ، ثم إن الماضي لا يملك قدسية خاصة عند الله . كما ان التسمك بهذا الماضي يعد ّ تخلفا شهد تفاهة التفكير عند الشعرء الجاهليين إذن يبكون على حجر ليس له إحساس ولا عقل ، اما في العصر العباسي فقد اختلفت البيئة وأصبح الإنسان حرا يفعل ما يريد ولا يأسره أحد سوى رغباته
– الأسباب التي أجدت هذا الصراع بين القديم والحاضر هي الحركة العقلية التي برزت مع اختلاط الاجناس وتأثير حضارات الأمم غير العربية على المجتمع العربي في العصر العباسي ، إذ غيرت هذه الحضارات من عقلية المجتمع بأسره وجعلته أكثر انطلاقا وشغفا بالحياة ومظاهر اللهو والمجون في الأخلاق ، أما في العلم فجعلته أمثر بحثا عن المورائيات وحقائق الأشياء …
– علاقة الشطر الثاني (العَجُز) بالأول(الصدر) في البيت الرابع هي علاقة انسجام المعنى ، بواسطة العطف ، حيث إن الضي لا يجف دمعه على حجر لا يصفو قلبه
– نمط النص هو أمري حجاجي وصفي (ولا نراه يخرج عن هذه الأنماط الثلاثة)
أتفحّص الإتساق والانسجام في تركيب فقرات النص :
– نجد في مطلع القصيدة تجديدا ، ذلك ان الشاعر يدعو إلى ترك المقدمة الطللية التي عرفت بها القصيدة الجاهلية ، إلى الخمريات
– أفادت كم في البيت الخامس (كم بين ناعت خمر … ) الخبر والكثرة ، وليس الاستفهام
– في البيت السابع إشارة إلى تأثر العرب بالفلسفة ، إذ إن الشاعر يدعو إلى التأمل في مظاهر الكون
أجمل القول في تقدير النص :
– موضوع النص هو التغني بالخمرة والدعوة إلى ترك البكاء عل الاطلال
– أما أفكاره الأساسية فهي :
1- (من البيت الأول إلى الخامس ) : – دعوة إلى ترك البكاء على الأطلال والسخرية على الباكين
2- (من البيت السادس إلى العاشر) : – وصف الخمرة ، والدعوة إلى شربها
3- (من البيت الحادي عشر إلى الثاني عشر) : – رفض النصيحة بترك الخمر واتهام الناصح بالحسد