التصنيفات
التعريف بالجمعيات و المنظمات و الهيئات

نظرة التجمع من أجل الوئام الوطني للشباب و قدرته على التسيير و التغيير السلمي و تعزيز الحكم الرشيد

نظرة التجمع من أجل الوئام الوطني للشباب و قدرته على التسيير و التغيير السلمي و تعزيز الحكم الرشيد


الونشريس

نظرة التجمع من أجل الوئام الوطني للشباب و قدرته على التسيير و التغيير السلمي و تعزيز الحكم الرشيد.
تعاني الجزائر من مشاكل أدت إلي تأخر عملية التنمية خاصة في المجالات الاقتصادية والسياسية. ولعل من أهم هذه المشاكل هو غياب الحكم الرشيد و النظرة المستقبلية. فالحكم الفاسد يعتبر واحدا من أهم أسباب فشل الدولة والتخلف الاقتصادي والاجتماعي. أما الحكم الرشيد الذي يقوم علي مبادئ المشاركة, واحترام حقوق الإنسان, وسيادة القانون, والمساواة و تكافؤ الفرص, وتحمل المسؤولية والشفافية والمحاسبة والرؤية الإستراتيجية فينظر إليه بشكل متزايد علي أنه عامل رئيسي في ضمان الازدهار الوطني وتحقيق التطور الاقتصادي والاجتماعي.
هذا الحكم- وعلي الرغم من حضوره دائما في الخطابات والمؤتمرات والبيانات- هو في الحقيقة ضعيف رجوعا إلي متوسط التوزيع العالمي في مقياس التنمية الإنساني الخاص بالمحاسبة. وكذلك الأمر بالنسبة لفعالية الحكم ونوعية المؤسسات فلم تتجاوز المتوسط العالمي . ولهذا الوضع المتردي عواقب خطيرة تتمثل في تنمية بطيئة وغير مستدامة, ومشاكل اقتصادية خطيرة وفي بعض الحالات اضطرابات اجتماعية وانتفاضات شعبية.
هناك اتفاق عام بين النخب والمسئولين وعامة الناس في الجزائر علي أنه بدون الحكم الصالح المبني على الشباب فلن يكون هناك تنمية إنسانية مستدامة. وإذا كان الحكم الصالح والقضاء علي الفساد يحتاج إلي قيادة راشدة, فان إيجاد مثل هذه القيادة هي في الحقيقة مسؤولية جميع قطاعات المجتمع وفئاته. ولان الشباب يشكلون نسبة 75 بالمئة أو يزيد في الجزائر, فان دور الشباب في إيجاد هذا النوع من القيادة والحكم هو أمر أساسي.
إلا أن المشكلة هي أن فئة الشباب في الجزائر مثلها مثل الحكم الصالح نفسه غائبة ولم يتم توظيفها حتي الآن, وحتي عندما يتم إشراكها بشكل أو بأخر فلا يكون لها عادة دور فاعل في عملية صنع القرار, أو حتي في القرارات التي تتعلق بقضاياهم الخاصة أو مستقبلهم. هذا لا يعني أن الجزائر لم تتخذ خطوات هامة لضمان تطور قطاع الشباب. إلا أن هذه الخطوات غالبا ما تتعلق بقطاعات محددة مثل التعليم والرياضة, وهي علي كل حال دون الطموحات. علاوة علي ذلك فان السياسات التي يتم تبنيها من قبل بعض الأحزاب و الشخصيات الطامحة للرئاسة للتعامل مع هذه القضية غالبا ما تتجاهل العقبات الحقيقة التي تواجه الشباب الجزائري لأنها أصلا لا تعرفه و لا تفهمه .
فالمشكلة تتمثل في غياب هذا الدور ليس فقط لأسباب تتعلق بالسياسات المتبعة علي المستوي الرسمي, وإنما أيضا لأسباب ترتبط مباشرة بالشباب أنفسهم من جهة وبالمجتمع والثقافة السائدة من مهمة أخري. ولهذا فإننا نسعي في التجمع من أجل الوئام الوطني هنا للإجابة علي تساؤلين اثنين: الأول. لماذا لايزال الشباب الجزائري مقارنة بنظرائهم في الدول الأخري خاصة في العالم المتطور غائبين أو لم يتم حتي ألان توظيفهم والاستفادة من طاقاتهم في عملية التنمية؟ بمعني أخر, ما هي العقبات التي تحول دون وجود دور فاعل للشباب في إيجاد الحكم الصالح و في المشاركة فيه أيضا؟ الثاني كيف يمكن التعامل مع هذه العقبات والتغلب عليها؟
علي الرغم من أهمية هذا الإشكال فلم يتم حتي الآن التعامل مع هذه المسالة بشكل شامل ومنظم. ومع ذلك فهناك عدد قليل من الدراسات التي تناولت هذا الموضوع, ولكن غالبا في إطار وسياق تعاملها مع مواضيع التنمية البشرية في العالم العربي. وأحدث هذه الدراسات التي قام بها اتحاد البرلمانيين العرب الشباب بالتعاون مع برنامج التنمية في جامعة القاهرة وبدعم من برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة(2007). قامت هذه الدراسة بمسح الظروف الحالية للشباب في العالم العربي وحالة التشريعات التي تم سنها من قبل البرلمانات والحكومات العربية لضمان حقوق الشباب ومعالجة المشاكل التي يواجهونها في العالم المعاصر. ولهذه الدراسة أهمية خاصة لأنها تزودنا بقاعدة بيانات لأوجه محددة للظروف الاقتصادية والاجتماعية للشباب العرب. ومع ذلك ولأن مدي الدراسة هو التعامل مع هذه الظروف من منظور قانوني فهي لم تتعامل مع الأسباب التي أدت إلي الانخراط الضعيف للشباب الجزائري في الحياة العامة وفي حل مشاكلهم. وهناك دراسة أخري هامة قام بها برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة. فهذا البرنامج يصدر تقريرا سنويا شاملا عن حالة التنمية الإنسانية في العالم والتي تتضمن مسائل تتعلق بالديمقراطية والحكم الصالح. فتقرير عام2002 الخاص ب’ خلق فرص لأجيال المستقبل’ قام بتحليل التنمية الإنسانية في22 دولة عربية بطريقة صريحة واستشرافية, فقام بقياس مؤشر التنمية الإنسانية من خلال أربعة متغيرات: متوسط الحياة, وتعليم البالغين, ونسبة الانخراط في التعليم, والناتج المحلي الإجمالي. تناول التقرير وضع الشباب كقسم أو جزء من الانجاز المعرفي. واعتمادا علي استطلاعات الرأي والاستبيانات فقد أشار التقرير إلي أن التوظيف والتعليم والمشاركة السياسية هي من بين أهم اهتمامات الشباب الجزائري, وان61 % من الشباب الأكبر سنا عبروا عن الرغبة في الهجرة إلي الخارج, وقد اعتبر هذا معيارا علي عدم رضاهم وخيبة أملهم من الأوضاع الحالية وتوقعات المستقبل في الجزائر. وعليه فان عدم الانسجام بين طموحات الشباب وانجازاتهم أدي في بعض الحالات إلي الانعزالية والعدائية للدولة واللامبالاة لقرارات الحكومة والشعور بعدم الرضا اتجاه كل المسئولين .
وفي نفس السياق فقد أظهر استطلاع للرأي قام به التجمع من اجل الوئام الوطني أن معظم الجزائريين الشباب يرون المشكلة السياسية و الاقتصادية وخاصة البطالة كتحد حقيقي وكمشكلة أساسية تواجههم هذه الأيام و عليه فكل أنواع المقاطعة لكل من شارك في الحكم من 1962 إلى 2022 مهما كان انتمائه أو أفكاره.
بغض النظر على المسرحيات السياسية التي تدور بين أطراف منبوذة في أوساط الشباب شكلا و مضمونا و التي تحاول التلاعب بعواطف الشباب لاستدراجهم في خططهم الانتخابية و الانتحارية فقد أصبحت مصدر للنكت .
ومع كل هذا فحتي الآن فان تقارير ودراسات برنامج التنمية التابع الأمم المتحدة والدراسات الأخري ذات الصلة لم تعط اهتماما مناسبا للعقبات الحقيقة التي تواجه الشباب الجزائري وتحد من دورهم في المشاركة في الحكم مباشرة. لقد قامت معظم الدراسات بوصف ظروفهم وأكدت علي الأهمية والحاجة إلي توظيف طاقات الشباب في التنمية السياسية والاقتصادية, وفي عملية صنع التنمية, إلا أنها فشلت في تتبع الجذور أو الأسباب الحقيقية للمشكلة.
ومن هنا تهدف هذه الأزمة إلي التعامل مع هذه الأسباب الجذرية ومناقشة الحلول المقترحة. لتحقيق هذا قمت بمراجعة لنتائج الدراسات المتعلقة بهذه القضية, ولتقارير الأمم المتحدة ولعمليات المسح الميدانية واستطلاعات الرأي التي أجريت حول هذا الموضوع. ثم حددت العقبات الأساسية التي تواجه الشباب الجزائري وتحد من دورهم في المشاركة و تعزيز الحكم الصالح في الجزائر. بعد ذلك تمت مناقشة بعض الحلول المقترحة وبيان إمكانية مساهمتها في حل المشكلة.
– العقبات التي تحد من دور الشباب في إيجاد الحكم الصالح:
هناك العديد من العقبات والعوائق التي تحد من مشاركة الشباب في العمل العام وتقيد دورهم في إيجاد الحكم الصالح. واعتمادا علي البيانات المستخلصة من الدراسات والتقارير الخاصة بواقع الشباب الجزائري فقد تم تحديد مجموعة عوائق رئيسية:
1- فهناك عوائق تربوية تعليمية,
2- وعوائق اجتماعية ترتبط بالتقاليد والأعراف السائدة;
3- وعوائق سياسية ترتبط بغياب الممارسة الديمقراطية الحقيقية وعدم احترام حرية الرأي;
4- وأسباب قانونية تتمثل في غياب التشريعات التي تضمن وتنظم مشاركة فعالة للشباب في الحياة العامة;
5- و عوامل نفسية ارتبطت بالقمع أو الكبت ليس فقط ذلك المرتبط بالسلطة بل ما تعلق منه بالأسرة أيضا;
6- و عوائق ترتبط بانعدام الهياكل الملائمة التي يفترض أن تتولي تنظيم النشاطات الشبابية في المجال السياسي;
7- و عوائق ترتبط بانعدام اهتمام العديد من منظمات المجتمع المدني بقضايا الشباب;
8- وعوائق ترتبط بنظم التعليم و الأمية;
9- وعوائق تتعلق بالمشكلات الاقتصادية;
10- وهناك عوائق ترتبط بالضعف العام للأحزاب السياسية والتنظيمات الحركية المتعددة;
11- وعوائق تتعلق بتجاهل أو عدم تناول وسائل الإعلام الجاد لقضايا الشباب وعدم طرح المواضيع التي تتعلق بتنمية مهارات المشاركة السياسية . وفيما يلي عرض لأهم العوائق والعقبات التي تحول أو تحد من انخراط الشباب في العمل العام ومن تفعيل دورهم في إيجاد الحكم الرشيد :
1ـ العوائق المرتبطة بالتعليم:
تلعب نظم التعليم دورا أساسيا في التنمية البشرية وفي نشوء الأمم وانحلالها. ولقد ركز الإسلام وغيره من الديانات السماوية علي أهمية العلم ودوره في بناء المجتمعات والحضارات. ووفقا لتقرير التنمية الإنسانية العربي فان’ المجتمع الذي يستند علي المعرفة هو المجتمع الذي تكون فيه عملية إنتاج وتوزيع وتطبيق المعرفة هي المبدأ الناظم لكل أوجه النشاط الإنساني: أي أن الثقافة في المجتمع يمكن أن توفر الوسيلة لتوسيع مدي الحريات الإنسانية وتعزيز القدرة علي ضمان تلك الحريات من خلال الحكم الصالح وتحقيق الأهداف الإنسانية الأخلاقية العليا من عدل وكرامة إنسانية.’
وعلي الرغم من الإرث التاريخي العريق للجزائر في مجال العلم والمعرفة, فان المجتمع الجزائري يعاني من مشاكل في التعليم تنعكس سلبا علي عملية الإصلاح والتنمية التي تحتاجها الأمة. فتقرير التنمية الإنسانية لعام2002 يعتبر النظم التعليمية الفقيرة ومعدل الأمية المرتفع علي أنها من بين الأسباب الرئيسية لضعف وفقر القدرات البشرية في الجزائر. وهناك أوجه متعددة لضعف النظم التعليمة في الجزائر:
الأول يتعلق بالمناهج الدراسية. فالمدارس والجامعات تركز بشكل عام علي التلقين أكثر من التفكير النقدي والمستقل. فهناك تراجع لدور المدرسة وعدم قدرتها أحيانا علي أداء واجبها التربوي, بل وإتباع أساليب التلقين وعدم تشجيع الطلبة علي الاستقلالية في التفكير و حرية الرأي. ويترتب علي هذا بالطبع ضعف الثقة بالنفس وانعدام الإبداع. كما أن تعمد إهمال قضايا الحكم والسياسة من منظور علمي وعملي في مناهج التربية والتعليم وغياب برامج التنشئة والتثقيف السياسي في معظم نظم التعليم وبمراحله المختلفة خاصة مرحلة المدرسة يشكل عائقا رئيسيا أمام قدرة الشباب علي لعلب دور فعال في الوصول إلى الحكم . ونفس الشيء فان غياب التربية السياسية البناءة في معظم المناهج الجزائرية وعلي مستويات مختلفة خاصة في المدرسة أدي إلي ظهور جيل غير واع أو غير مدرك لحقوقه وواجباته المدنية والسياسية. فبدل أن تركز مناهج التاريخ والثقافة السياسية مثلا علي مبادئ الحكم الصالح وكيف يمكن تطبيقها وممارستها في الحياة اليومية, و بدلا من غرس وتكريس الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين, فقد أصبحت تتمحور حول تمجيد الزعماء والنخب السياسية من جهة, وتناول نظم الحكم الغربية من جهة أخري, بينما قطعت حاضر هذه الأمة بأولها.
المظهر الثاني لضعف التعليم هو الأمية التي تحرم المواطن حقا من حقوقه الأساسية التي يترتب عليها فقدانه لحقوقه الاجتماعية والسياسية الأخرى, كعدم القدرة علي الانخراط أو الإسهام في المجال السياسي أو في تكوين الرأي العام وصنع السياسة والقرارات العامة. فتقرير التنمية الإنساني لعام2002 و منظمة التربية والثقافة العالمية( الالسكو) فقدرت العدد في تقريرها الصادر عام2007 بـ29.7% من إجمالي عدد السكان في الجزائر , حوالي75 % من هؤلاء تتراوح أعمارهم ما بين15 و45 سنة. هذا العدد يعتبر رعبا حقيقيا . وعلي الرغم من أن أبعاد وتأثيرات هذه المسألة تختلف من ;ولاية إلي أخري بسبب الاختلاف في عدد السكان والموارد الاقتصادية, فان هذه الزيادة الحادة في نسبة الأمية تبرهن علي فشل نظم التعليم في الجزائر, والأكثر خطورة فإنها تشكل تهديدا خطيرا للتنمية الاجتماعية .
المظهر الثالث لتخلف نظم التعليم هو ضعف الوصول أو الاستفادة من وسائل المعرفة الحديثة. فقد استخدم تقرير عام2002 عدد مستخدمي الانترنت كمقياس أو معيار للوصول إلي المعرفة, واستنتج أن الجزائر تحتل مستوي متدني جدا علي الصعيد العالمي بالنسبة لاستخدام واستغلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات, حتي أقل من منطقة إفريقيا وراء الصحراء. وقد عزا التقرير هذا الوضع إلي غياب سياسات وطنية خاصة بالمعلوماتية تقوم بتحديد الأهداف والأولويات, وبتنسيق القطاعات المختلفة وبتشكيل وصياغة بدائل إستراتيجية فيما يتعلق بإيجاد البنية التحتية وتطوير الموارد البشرية والمعلوماتية.
المظهر الرابع والذي يؤثر سلبا علي تقوية وتوظيف الشباب هو معدل الإنفاق المتدني جدا علي البحث العلمي وعمليات التطوير في الجزائر. عادة ما يعزي ضعف البحث العلمي في الجزائر إلي مشاكل فنية تنظيمية, وأخري مالية اقتصادية: فنيا وتنظيميا, يفتقد البحث العلمي في الجزائر لاستراتيجيات وسياسات طويلة الأمد; ماليا واقتصاديا فهو يعاني من نقص حاد في الموازنات أو المخصصات.
كل هذه المشاكل تمثل معوقات أساسية أمام تفعيل دور الشباب ليس فقط في الوصول إلى الحكم و إنما إيجاد الحكم الرشيد الصالح و إنما أيضا في رسم معالم المستقبل الذي ينتظرهم.
2 ـ المعوقات المرتبطة بالمشكلات الاقتصادية:
علي الرغم من ضخامة الموارد الطبيعية التي تملكها الدولة , فان هناك تفاقما للمشكلات الاقتصادية , ومن أهم هذه المشاكل الفقر المنتشر والبطالة. وعلي الرغم من ترابطهما فان الأخير يعتبر المشكلة الأكثر خطورة التي تواجه الشباب الجزائري. ولعل النمو السكاني الكبير يعتبر واحدا من الأسباب خاصة وان هذا النمو يتطلب علي الأقل1 مليون وظيفة سنويا. علاوة علي ذلك فان فشل نظم التعليم الجزائرية في الاستجابة بشكل سليم لمتطلبات السوق أدي إلي زيادة عالية في نسبة البطالة بين الشباب الذين يمتلك غالبيتهم مؤهلات علمية عالية.
فالبطالة المتزايدة وانحسار فرص العمل خاصة مع الانتقال إلي اقتصاد السوق والخصخصة دون مراعاة الظروف الاقتصادية للغالبية العظمي من المواطنين وما يحمله ذلك من توترات اجتماعية وسياسية خطيرة يشكل هو الآخر عائقا أمام مشاركة الشباب في الحياة السياسية والعمل بجدية لإيجاد وتعزيز الحكم الصالح. إن خطورة البطالة تكمن ليس فقط في عواقبها المؤذية علي مستوي المعيشة وإنما أيضا في انعكاساتها الاجتماعية الخطيرة. فالبطالة قد تخلق أثارا نفسية فيما يعلق بعملية التكيف الاجتماعي. فهي مثلا تزيد من احتمالات الانخراط في أعمال إجرامية و إرهابية . فقد أشارت دراسات إلي أن التغير بنسبة1% في معدل البطالة يؤدي إلي زيادة جرائم القتل بنسبة6.7%, وجرائم العنف بنسبة3.4% وجرائم الاعتداء علي الأملاك بنسبة2%. علاوة علي هذا فان للبطالة آثار اقتصادية: فالإنسان هو المورد الاقتصادي الأول في أي مجتمع, وبالتالي فان أي تطور اقتصادي يعتمد علي إعداد هذا المورد علميا من أجل أن يكون قادرا علي أداء دوره في نمو وتطور مجتمعه. والبطالة تضعف قيمة الإنسان كمصدر اقتصادي ومن ثم تهدر الموارد البشرية.
بسبب كل هذه المشاكل الاقتصادية فان العديد من الشباب العربي مهتم بإيجاد العمل وإشباع حاجاتهم الأساسية. ولهذا فان هناك إحساسا متزايدا بين الشباب في الجزائر بعدم جدوي مشاركتهم في الحياة السياسية لاعتقادهم بان هذه المشاركة لن تؤدي إلي حل مشاكلهم الاقتصادية. فهم ليسوا متشائمين فقط, وإنما أيضا محبطين لأن المشاكل الاقتصادية تتفاقم بشكل خطير في معظم البلاد .
3 ـ العوائق الاجتماعية أو الثقافية:
تلعب الأسرة دورا هاما في حياة المجتمعات عامة وفي حياة الجزائريين خاصة. إن الإسلام يعتبر الأسرة اللبنة الأساسية في عملية التربية وبناء المجتمع الصالح. وعليه فان التنشئة العائلية لها دور أساسي في تشكيل منظومة القيم التي تزيد أو تحد من الانخراط الإيجابي للشباب في العمل العام وفي عملية الإصلاح والتغيير التي يحتاجها المجتمع. إلا أن ابتعاد العديد من الآباء والأمهات عن إتباع الأساليب السليمة في التربية أدي إلي ظهور بعض العادات والتقاليد الاجتماعية الخاطئة والتي من ضمنها التبعية والكبت و أحيانا القمع وما يرتبط به من عوامل نفسية. وهذا بدوره يؤدي إلي تطوير أنماط من السلوك السلبي لدي الشباب من ضمنها عدم القدرة علي إبداء الرأي حتي في المسائل التي تخصه أحيانا, وضعف الشخصية والاستعداد المبدئي للتلقين, وهو ما يؤثر سلبا علي عملية الإبداع و التفكير السليم والقدرة علي حل المشكلات. ولقد بينت دراسات أجريت في هذا السياق للتعرف علي بعض آراء الشباب حول بعض القضايا التي تهمهم, إن تدخل الأسرة في شؤون الشباب, وصعوبة التفاهم بين الأجيال احيانا, و التمييز بين البنين والبنات في بعض الأسر, وعدم مشاركة الشباب في اتخاذ القرارات داخل الأسرة, وأخيرا ضعف دور الأسرة في تنشئة الشباب بشكل عام تعتبر من العوائق التي تحد من دور الشباب في العمل العام والمساهمة بفعالية في حل المشاكل التي يعاني منها المجتمع.
4ـ العوائق المرتبطة بالثقافة السياسية السائدة:
تتشكل ثقافة أي مجتمع ومن ضمنها الثقافة السياسية بالطبع, وفقا لعوامل من أهمها: القيم والتعاليم الدينية; التقاليد والعادات والأعراف السائدة; مستوي الوعي العام المرتبط بالتعليم والمعرفة; و درجة المشاركة السياسية, سواء كان ذلك من خلال مجالس نيابية أو مجالس استشارية. وفي هذا السياق تتشابه الثقافة السياسية منذ الاستقلال مع وجود اختلاف بسيط في طبيعة القيم الحاكمة لهذه الثقافة من مرحلة إلي آخرة وفقا للظروف والتجارب التاريخية التي مر بها المجتمع الجزئري. ولكن الملاحظ أن ما يحكم هذه الثقافة بشكل عام هي قيم الولاء للسلطة و للنظام الحاكم ربما أكثر من الولاء للمجتمع والوطن, و القبول بالأمر الوقع والتعصب الفكري وعدم تقبل الاختلاف والنقد والحوار المبني علي أسس موضوعية. وغالبا ما تلعب مؤسسات عدة دورا في تشكيل هذه الثقافة كالأسرة والمدرسة والجامعة و أحيانا المسجد بالإضافة إلي بعض التنظيمات السياسية والحركات الدينية. وتؤثر مثل هذه الثقافة علي سلوكيات الشباب وثقافتهم العامة, فتبرز قيم تمجيد السلطة عند البعض, وانعدام الثقة بالسلطة الحاكمة عند البعض الآخر, فيما تسود اللامبالاة أو عدم الاكتراث عند العديد منهم. ومما يزيد من تفاقم هذه المشكلة ويساعد علي تعزيز هذا الشعور السلبي هو عدم اهتمام السلطة الحاكمة بحل مشاكل الشباب وهمومهم و تطلعاتهم.
5 ـ العوائق المرتبطة بأوضاع الأحزاب السياسية والمجتمع المدني:
تعتبر التنظيمات السياسية والجماعات الدينية ومنظمات المجتمع المدني من أهم القنوات الرئيسية للمشاركة في العمل العام والحياة السياسية. إلا أن ضعف هذه القنوات والمشاكل المتعددة التي تواجهها تشكل هي الأخري عائقا أمام قدرة الشباب علي إيجاد الطريق للحكم والمشاركة في الحقل العام. فعدم اهتمام بعض الأحزاب والتنظيمات السياسية والدينية أيضا بالشباب أو استغلالهم لأغراض انتخابية و عدم منحهم مواقع قيادية في الإدارة والعمل السياسي يؤدي إلي انعدام الثقة بين الشباب والقائمين علي هذه التنظيمات, مما يؤدي بدوره إلي عدم اقتناع الغالبية العظمي من الشباب الجزائري بهذه الجماعات أو الأحزاب. فغالبية هذه التنظيمات هي في الواقع تنظيمات نخبوية وتعتمد بشكل أساسي علي مجموعة من المتنفذين الذين عادة ما يسعون إلي المحافظة علي مكاسبهم وعدم إعطاء الفرصة للتجديد وتوريث القيادة, و البقاء في الحكم بكل الأشكال و بتغيير الكلام و الإبقاء على الأفعال, و هناك من يستغل الشباب كشعار لحملة انتخابية معينة وبالتالي الحيلولة دون مشاركة الشباب بشكل فعال في العمل العام والإصلاح وإيجاد الحكم و المشاركة فيه. كما أن مؤسسات المجتمع المدني الناشئة في البلاد لازالت غير قادرة علي استقطاب الشباب إما لطبيعتها النخبوية أو لارتباط بعضها بالخارج أو لفقدانها البرامج الحقيقية لاستغلال طاقات الشباب وتفعيل دورهم في العمل العام و إعطائهم أدوارا قيادية تؤهلهم لقيادة المجتمع في المستقبل. هذا الواقع الذي تعيشه العديد من الأحزاب والجمعيات السياسية وحتي الحركات الإسلامية, شكل قناعة لدي نسبة كبيرة من الشباب بعدم جدوي مشاركتهم في مثل هذه التنظيمات أو الأحزاب.
كل هذه المشاكل المرتبطة بالتنظيمات السياسية, إلي جانب عدم وجود آليات حقيقية, وميكانزمات فعالة لربط الشباب ببيئة النخب السياسية المؤثرة, حدت من المساحة المتوفرة للشباب للتعبير عن آرائهم, والمشاركة بفعالية في جهود ترويج الديمقراطية و الشاركة وتعزيز الحكم الصالح. فبسبب الوضع الصعب والمتردي للأحزاب السياسية, ومنظمات المجتمع المدني فان غالبية الشباب أصبحوا يعتقدون أن أية مشاركة في هذه التنظيمات لن تكون مجدية ولن تحقق لهم التغيير المطلوب.
6ـ العوائق القانونية:
تتمثل العوائق القانونية في غياب التشريعات التي تشجع وتنظم وتضمن مشاركة فعالة للشباب في الحياة السياسية ومساهمتهم في مواجهة التحديات التي تواجه مجتمعهم علي المستويات المحلية والإقليمية والعالمية. وعلي الرغم من أن هذا لا يعني بالضرورة أن الدولة تتجاهل هذه الشريحة الأساسية من المجتمع, فهو يظهر غياب التصنيفات العمرية في الجزائر.
كل هذه القيود تحد من المشاركة السياسية للشباب وتحرمهم من فرص حقيقة ليصبحوا مواطنين صالحين وفاعلين خلال واحدة من أهم مراحل الأداء والإبداع في حياتهم.
ثانيا: الحلول المقترحة:
إن هذه المشاكل والعقبات سالفة الذكر مترابطة ومتداخلة وتؤثر ببعضها البعض, وبالتالي فهي تتطلب حلولا جوهرية وأساسية في إطار خطط وطنية شاملة للإصلاح السياسي والاقتصادي في الجزائر. ولا شك أن إدارة ومعالجة هذه المشاكل هي مسؤولية ليس فقط الحكومة, وإنما أيضا الشباب أنفسهم. ومن بين المقترحات التي يمكن أن تساعد علي حل هذه المشاكل ومن ثم تفعيل دور الشباب في إيجاد الطريق للوصول وتعزيز الحكم الرشيد ما يلي:
1 ـ صلاح النظم التعليمية:
يجب تطوير نظم التعليم في الجزائر بطريقة تسمح بتعليم وممارسة مبادئ الحكم الرشيد. فمن الضروري إصلاح المناهج التعليمية المدرسية والجامعية, خاصة ما يتعلق منها بالتخصصات الاجتماعية والإنسانية بحيث تستمد شكلا ومضمونا من قيم المجتمع السليمة ومن تعاليم الدين السمحة. وهنا لا بد من تطوير مناهج خاصة تتناول مبادئ الحكم الرشيد ووسائل إيجاده و نماذج من تطبيقاته, إلي جانب البرامج المدروسة التي تعالج مشكلات الشباب وتلبي احتياجاتهم وتعدهم إعدادا سليما في الدين والخلق والسلوك.
وإلي جانب إصلاح المناهج التعليمية فلا بد من تطوير برامج تربوية للطلبة والشباب في المدارس والجامعات يتم من خلالها ممارسة الحكم الصالح و عملية الديمقراطية من أجل التأثير في العملية السياسية وعملية صنع القرار. ويجب ألا تقتصر العملية التعليمية وتطوير هذه المناهج علي المدارس والجامعات, بل يجب أن تتعداها لتصل إلي الشباب خارج المدرسة والجامعة. ولا بد أيضا من نشر الوعي بمفهوم الحكم الرشيد والمسؤولية المدنية لدي جميع فئات المجتمع وقياداته السياسية والتقليدية والدينية أيضا; وفي هذا السياق لا بد من إصدار مجلات متخصصة يتم عرضها بأسلوب علمي مبسط ومقنع يوضح أهمية الحكم الر شيد وقدرته علي حل مشكلات المجتمع:
2 ـ سن التشريعات القانونية:
من أهم الخطوات التي يجب أن تتخذ لتفعيل دور الشباب في العمل العام وفي إصلاح المجتمع وبالتالي إيجاد الحكم الرشيد هو إصدار التشريعات الخاصة بالشباب وتقنين الأنشطة والتنظيمات الشبابية ودعمها وتشجيعها, ولعل مثل هذا التقنين يقع في الأساس علي عاتق السلطات والمجالس التشريعية. وفي هذا السياق يمكن للشباب أن يضغطوا علي هذه المجالس من خلال دعم المرشحين والكتل التي تتبني برامجهم وطموحاتهم. فالشباب يشكلون القوة الانتخابية الأكبر في المجتمع الجزائري ولهذا فان لديهم القدرة علي لعب دور حاسم في تشكيل البرلمانات والمجالس التشريعية. كما أن علي المجالس التشريعية سواء كانت برلمانات أو مجالس استشارية القيام بتشكيل لجان برلمانية دائمة تعني بقضايا الشباب وحثها علي إقامة علاقات فعالة مع المنظمات والاتحادات الشبابية ; والقيام بوضع برامج لتبادل اللقاءات وعقد الندوات بين البرلمانيين الشباب في البرلمانات والمجالس الموجودة في البلاد . و من المهم أيضا أن يتم تنظيم ندوات ومنتديات برلمانية منتظمة أو دورية لبحث ومعالجة القضايا التي تهم الشباب.
3 ـ انخراط الشباب في العملية الديمقراطية:
شهدت الجزائر تغييرات هامة. ويعتبر دور الشباب حاسما وهاما في ترويج وتعزيز هذه التحولات ولهذا لابد من العمل علي إشراكهم بفعالية في هذه العملية. والمشاركة الفعالة لا تعني فقط الشباب بفعالية, وإنما أيضا العمل علي توجيهم وتنظيمهم بشكل مناسب. فالشباب يتميزون بالحيوية والدافعية والرغبة والقدرة علي التغيير, ولهذا فان عليهم أن يفقهوا أهمية الديمقراطية وطبيعة عملها, وأن يدركوا حقوقهم وواجباتهم و الأدوار التي يمكن أن يقوموا بها, والمسؤوليات التي عليهم تحملها. هذا سيؤدي بالمقابل إلي نشر مقاربة شبابية تشاركية للديمقراطية والحكم الصالح يمكن أن تساهم في عملية التنمية المستدامة التي يكثر الحديث عنها في السنوات الأخيرة في الجزائر.
4 ـ المشاركة المباشرة في عملية صنع القرار:
إن تقوية الشباب وتفعيل دورهم يتطلب أيضا انخراطهم في عملية صنع القرار. فمشاركة الشباب في هذه العملية هو من صميم النقاش الاجتماعي والسياسي الحالي. فمفهوم الحكم الجيد يقع في إطار المبادئ الواسعة التي تتطلب مشاركة كل القطاعات والفئات في عملية صنع القرار وفي الحكم. وعلي الرغم من الأهمية التي يعلقها المجتمع والحكومة علي الشباب فان هذا القطاع الهام لا يشارك عادة في عملية صنع القرار. بل انهم يعاملون دائما علي انهم الجيل القادم وقادة الغد. هذا الوضع يتطلب من صناع القرار إعادة النظر في الطريقة التي ينظرون بها إلي مشاركة الشباب. وإعادة النظر هذه لا تشمل فقط صناع القرار بل تتعداهم لتشمل الشباب الذين يشكل فقدانهم للتفكير الإستراتيجي والوعي السياسي عقبة متفاقمة أمام مشاركتهم السياسية. ولهذا فان هناك أسبابا عدة توجب علي الحكومة العمل علي تفعيل دور الشباب-مع بقية المواطنين في عملية صنع القرار من أهمها:
– محاربة الشك وعدم الثقة: فهناك انعدام واضح للثقة في النخب والمؤسسات السياسية في المجتمع. وعدم الثقة هذه تزداد يوما بعد يوم, وهي تعود إلي حد كبير إلي الاعتقاد السائد بأن المؤسسات العامة قد فشلت في تحقيق الصالح العام وتلبية احتياجات المجتمع. ولإعادة بناء الثقة والتعاون بين الحكومة و الشعب فلا بد من إدخال المواطنين ومن ضمنهم الشباب في عملية صنع القرار;
– تطوير عملية صنع القرار: إن انخراط مختلف شرائح المواطنين في عملية صنع القرار يساعد علي تطوير هذه العملية ويزود الحكومات بتصورات متعددة للقضايا العامة وتقديم حلول متنوعة للمشاكل التي تواجه الدولة والمجتمع; زيادة الوعي العام: إن انخراط الشباب في حقل صناعة القرار يؤدي إلي وجود وعي وفهم عام اكبر وبالتالي يعزز التعليم المدني العملي. فإذا ما أريد لمبادئ الديمقراطية أن تعمل و تنجح فان ذلك يتطلب مستوي معينا من المنافسة السياسية من قبل جميع فئات المجتمع;
– تعزيز مبادئ الحكم الصالح: إن زيادة المساحة المتاحة للمواطنين ومن ضمنهم الشباب للتفاعل والتعاون مع الحكومة في تطوير السياسة وعملية صنع القرار يؤدي إلي تعزيز قواعد الحكم الرشيد وتكريس مبادئ الديمقراطية, بالإضافة إلي أن ذلك يوفر فرصا حقيقية لمنظمات المجتمع المدني النامية في بلادنا لكي تصبح أكثر انخراطا وتفاعلا مع مشكلات المجتمع والمساهمة في حلها;
– تأهيل كوادر قيادية: إن انخراط الشباب في عملية صنع القرار يوفر لهم فرصا مهمة لتولي أدوار متقدمة في المجتمع, ومن ثم تطوير مهاراتهم القيادية. فمشاركتهم تساعدهم علي تطوير التفكير النقدي ومهارات القيادة والتنظيم وفهم أفضل لعمل الحكومة والمجتمع المدني. هذه الخبرات تزود الشباب بالأدوات التي يحتاجونها ليصبحوا عناصر وقيادات فاعلة في مجتمعاتهم في المستقبل.
6ـ انخراط الشباب في الأحزاب السياسية والتنظيمات غير الحكومية:
لا زال الغالبية من الشباب الجزائري سلبيين أو ربما مترددين في الانضمام أو التفاعل مع الأحزاب السياسية, كما أن المنخرطين منهم لا زالوا بشكل عام مهشمين أو ربما ينحصر دورهم في إطار أجنحة الشباب التي تستحدثها بعض الأحزاب. وهم أيضا يستخدمون كوكلاء أو ربما أدوات لتعزيز المكانة السياسية للأحزاب والقوي المختلفة في المجتمع . ومن أجل تغيير هذا الواقع فلا بد من تشجيع الشباب علي الانخراط والمشاركة في الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني من جهة, وتقوية وتعزيز مكانة الأعضاء الشباب المنخرطين في هذه الأحزاب والمنظمات من جهة أخري. فعلي الحكومة والمنظمات غير الحكومية أن تساعد الشباب علي التفاعل والانخراط فيها وإعطائهم أدوارا قيادية تمكنهم من إدارة شؤون الدولة والحكم عند تولي السلطة أو المشاركة فيها. وهذا لا يتم إلا خلال تشكيل لجان خاصة بالشباب, وتنظيم برامج متخصصة من اجل جلبهم إليها وتشجيعهم علي التفاعل معها.
7 ـ محاربة الفساد وبناء الإدارة الأخلاقية:
إن أحد أهم مظاهر انعدام الحكم المتناسق مع الشباب في الجزائر هو انتشار الفساد بشكل لا يعيق التنمية وحسب بل ويبدد مقدرات الأمة وينذر بكوارث اجتماعية خطيرة. ولأن الشباب يشكلون الأكثرية في هذه المجتمع وهم الذين سيتولون مواقع المسؤولية في المستقبل فيجب أن يقوموا بدور هام في محاربة الفساد, ولعل من أهم الوسائل التي تمكن الشباب من القيام بهذا الدور والحيلولة دون أن يصبحوا هم أنفسهم جزءا من الفساد خاصة عندما يتولوا المسؤولية هو تنمية المعايير الخلقية والسلوكية التي تدعوا إليها الأديان. إن أية مؤسسة عامة أو خاصة لا يمكنها أن تحقق النجاح المطلوب وبغض النظر عن نوع البيئة الاقتصادية التي تعمل فيها أو طبيعة العمل الذي تمارسه ما لم تعمل وفقا لأسس الإدارة السليمة وعلي قاعدة أخلاقية متينة. فالإدارة الأخلاقية تساعد ليس فقط علي الحد من الفساد أو الجشع بل تمنع حدوثه أصلا. ولذلك يقع علي عاتق كل واحد منا وكل مسئول يتحمل المسؤولية للعمل علي بناء هذا الأساس. ولإعداد الشباب للقيام بهذا الدور الهام فلا بد من إقامة نشاطات منتظمة ومستمرة لهم, وتزويدهم بالموارد والأدوات التي يحتاجونها لبناء ما يمكن تسميته الإدارة الأخلاقية. فلا بد من توعية الشباب بالفساد و أسبابة, وانعكاساته الخطيرة علي مستوي معيشتهم, ومن ثم غرس القيم الأخلاقية السليمة في مختلف مراحل نموهم في البيت والمدرسة والجامعة والاستمرار في ذلك حتي عند الانتقال إلي سوق العمل. ويتم هذا من خلال لجان تشجيع التعليم والتربية المدنية. ويمكن للمؤسسات الدينية كالمساجد أن يكون لها دور هام في هذا المجال. لا شك أن الإجراءات التي يمكن أن تتخذ ربما تختلف من منطقة إلي آخر, إلا أن علي الشباب بشكل عام أن يقوموا مثلا بإنشاء أندية محاربة الفساد في الجامعات والمعاهد, تقوم بتنظيم أنشطة اجتماعية, وتشجع المناقشات الجماعية, وتطالب بمواد دراسية أو دورات خاصة عن محاربة الفساد, ووسائل تعزيز الحكم الرشيد وتنمية الأخلاق.
8 ــ الاستفادة من وسائل الإعلام:
يلعب الإعلام دورا أساسيا في تشكيل منظومة القيم لدي الشباب, ولعل تطور وسائل الإعلام-إذا ما استغل بطريقة سليمة- في تفعيل دور الشباب في العمل العام, ويشجهم علي الانخراط بإيجابية في عملية إيجاد الطريق للحكم و ترشيده. وفي هذا السياق لا بد من وجود برامج متخصصة للشباب والقيام بحوارات حية تتناول أهمية هذا الحكم ومبادئه وإمكانية تطبيقه. كما علي الشباب أنفسهم إذا ما أرادوا أن يكون لهم دورا فاعلا في الحياة العامة أن يستغلوا وسائل الإعلام المتاحة بشكل مفيد, وعدم إضاعة الوقت في أمور هامشية أو ربما مضرة. وهنا يأتي دور الآباء والعلماء والدعاة والجهات الرسمية في توجيه الشباب وتوعيتهم بكيفية الاستغلال السليم والأمثل لهذه الوسائل.
9 ــ تفعيل التعاون الإقليمي:
تفتقد المنطقة الجزائرية لسياسات شبابية مشتركة مع دول متوطرة, ولاية ميثاق خاص بالشباب, وحتي للإرادة السياسية لإشراك الشباب ودمجهم في صياغة السياسات. كما أن التصديق علي الاتفاقيات و المواثيق الدولية التي تعالج قضايا الشباب بطيئة هي الأخرى. وعليه فلا بد من تفعيل التعاون بين الدول المتطورة علي الأقل إقليميا, علي مستويات ثلاث:
– علي المستوي الحكومي, لا بد من العمل معا لوضع إستراتيجية موحدة تعني بالشباب وتروج لقواعد ومبادئ الحكم الصحيح. وهنا لا بد من مناقشة دور المنظمات الحكومية مثل جامعة الدول العربية; والمؤسسات غير الحكومية مثل الندوة العالمية للشباب وغيرها من المؤسسات والمنظمات المعنية والمهتمة بقضية الحكم الرشيد;
– وعلي المستوي البرلماني, فعلي المجالس التشريعية أن تشكل لجان شباب لتنسيق جهودهم, وتبادل خبراتهم المحلية, وتوحيد تشريعاتهم ذات الصلة;
– وعلي مستوي الشباب أنفسهم, فان علي اتحادات الطلبة في الجامعات تنسيق نشاطاتهم واستراتيجياتهم. وبالنتيجة لابد من إيجاد سياسة أو ميثاق متكامل للشباب, ولجان خاصة لتشجيع وتنظيم نشاطات الشباب وتفعيل دورهم .
10 ـ لقيام بدراسات متخصصة:
لا بد من القيام بدراسات متخصصة عن وضع الشباب في المجتمع الجزائري, ومدي مشاركتهم في الحياة السياسية وإيجاد الحكم الصالح في مجتمعنا, بهدف توفير قاعدة بيانات متكاملة يمكن الرجوع إليها في عملية التخطيط والمتابعة والتنفيذ. وفي هذا السياق يمكن الاستفادة من تجارب المجتمعات الأخرى التي حققت تطورا ملحوظا في مجال الشباب وتفعيل دورهم في ترسيخ مبادئ الحكم الصالح وممارستها, طبعا مع مراعاة القيم والثوابت الخاصة.
هذه هي أهم المقترحات للتجمع من أجل الوئام الوطني التي يجب التعامل معها من اجل توعية الشباب بخطورة المرحلة التي تمر بها الآمة, وضرورة إيجاد الطريق للحكم الرشيد كمدخل لحل مشكلات المجتمع . فإذا ما قام الحكم الرشيد في جميع مؤسسات المجتمع, استقر الأمن, وتحققت التنمية, وازدهرت الأمة.
الخلاصة:
إن غياب مبادئ الحكم الرشيد في الجزائر أدي إلي التبعية وتأخر عملية التنمية خاصة في المجالات العلمية والاقتصادية والسياسية. ولا يمكن أن تتحقق التنمية, وتستعيد الجزائر دورها الريادي كأمة إلا بتطبيق مبادئ الحكم الرشيد وتعزيزها. وعلي الرغم من أن القيام بهذه المهمة مسؤولية جميع قطاعات المجتمع وفئات, إلا أن لفئة الشباب الدور الأساسي في ذلك لأنها تشكل غالبية السكان من جهة, ولأنها تتميز بالحيوية والقدرة علي الإبداع من جهة أخري. إلا أن الواقع يشير بوضوح إلي أن هذه الفئة لا زالت غير قادرة علي القيام بهذا الدور. ويعود ذلك إلي عوائق وعقبات مترابطة من أهمها ضعف أو تخلف نظم التعليم, والمشاكل الاقتصادية كالبطالة والفقر وتدني مستوي المعيشة, وغياب التشريعات اللازمة لتشجيع وتنظيم وتعزيز دور الشباب في العمل العام, وضعف الأحزاب والتنظيمات السياسية القائمة, وعوائق اجتماعية ترتبط بالتقاليد الاجتماعية السائدة كعدم الثقة بالشباب وقدرتهم, وإبعادهم عن المشاركة في الشؤون العامة, وعوائق ترتبط بالثقافة السياسية السائدة كقيم الولاء الأعمى للسلطة, وغياب الممارسة الديمقراطية في المؤسسات المتعددة وعلي مختلف المستويات, وغيرها من المشاكل التي تمثل عوائق أمام قيام الشباب بدور أساسي وفعال في إصلاح المجتمع وإيجاد الحكم الرشيد. وتغيير هذا الواقع يتطلب تبني استراتيجيات وحلول شامله. ولا يمكن أن يتحقق هذا دون تكامل جهود كافة قطاعات المجتمع. فالمسؤولية هنا مشتركة وتقع علي عاتق الآباء و الشباب والعلماء والدعاة والحكومة ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب والتنظيمات السياسية القائمة. ولعل من أهم الحلول المقترحة في هذا السياق هي إصلاح نظم التعليم وتطوير مناهج خاصة للتوعية بمبادئ الحكم الرشيد, وسن التشريعات اللازمة لضمان وتشجيع مشاركة الشباب في العمل السياسي, وإدخال الشباب بشكل مباشر في العملية الديمقراطية وفي عملية صنع القرار, ومحاربة الفساد بكافة أشكاله, و إصلاح الإعلام, وتفعيل التعاون الإقليمي, والاستفادة من تجارب الآخرين في هذا المجال. إن نشر الوعي بمفهوم ومبادئ الحكم الرشيد لدي جميع فئات المجتمع وقياداته السياسية والتقليدية والدينية من خلال استحضار صفات ومواصفات القيادة الرشيدة التي تستوعب المعطيات التي تدور حولها, وتلتزم المعايير الأخلاقية في التعامل مع غيرها, وتتحري العدالة في مواقفها, وتدرك مسؤولية موقفها, فتراقب الحق والقانون في أعمالها وقراراتها, سيساعد علي إيجاد الحكم الرشيد الذي يمنع الفساد ويحقق التنمية المنشودة.
وأخيرا وليس آخر, إن مستقبل الجزائر يكمن في ازدهار و رفاهية أبنائه و شبابه. ولهذا فان الأمل في التحول الاجتماعي السياسي الاقتصادي المطلوب منذ زمن يعتمد بشكل حاسم علي الاستثمار في هذه الفئة الأساسية من المجتمع:’ فالاستثمار في الشباب اليوم هو في الحقيقة ضمان الأمن والتنمية المستدامة غدا.’ الابتعاد عن كل أولائك الذين شاركوا في الحكم و بعث كوادر جديدة منبثقة من أوساط الشباب لتولي أمور الحكم و ترشيده. فكل التجارب السابقة تدعوا مجتمع الشباب الجزائري للتفكير في ترشيح شخصية لها صلة مباشرة معهم و منبثقة من أوساط الشباب, لأنه لا يمكن التغيير بالقديم و لا يمكن التطوربالعقول الجامدة التى تفكر في الاستلاء على الحكم لأجل الحكم و الامثلة كثيرة و متعددة.