التصنيفات
الالعسكري

تعاضم قوة الجيش الجزائري

تعاضم قوة الجيش الجزائري


الونشريس

الجيش الجزائري – صورة نيو براس

متوحشون… دمويون… بأسهم شديد، لديهم استعداد للتحالف مع الشيطان في وجه »إسرائيل«… فهم أكثر الشعوب كراهية لنا، دهاة… يصعب خداعهم… يستحيل تضليلهم…
وعبثا إثناءهم عن عقائدهم وثوريتهم، حاربناهم بشتى الطرق، وفي كل مرة يخرجون سالمين، تسببوا في هزيمتنا في حرب الغفران، ولن يتوانوا عن محاربتنا رغم أننا لم نشنّ عليهم حتى اليوم حربا علنية واحدة، جهوزيتهم العسكرية والقتالية على أهبتها، وجيشهم يتلهّف لمعركة مباشرة مع »إسرائيل«، ورّطناهم في صراع داخلي طاحن لنجتث شأفتهم… إلا أنهم باتوا أكثر قوة وخبرة«… هذه العبارات جزء مما أوردته التقارير الاستخبارية الصهيونية عن الجزائر والجزائريين في سياق الإعداد للمعركة القادمة مع العرب، واحتمال مشاركة الجزائر فيها. في الحلقة الأولى من هذا الملف عرضنا في عجالة مقدمة مختصرة للحرب التي اندلعت شرارتها في الأراضي المحتلة، وستأخذ منحنًى تصاعديا لتطال دولا إقليمية أخرى، وصولا إلى حرب شبه عالمية وربما عالمية.واليوم نتناول بعض ما تناولته تقارير استخبارية صهيونية عن احتمال مشاركة الجزائر في هذه الحرب، والجبهة التي ستقاتل عليها القوات الجزائرية. وبالمناسبة، فإن هذه التقارير لم تتناول الجزائر دونا عن بقية الدول العربية والإسلامية، فكل أولئك نالوا اهتمام المخططين الصهاينة، لكن المثير في الأمر، أن الجزئية التي تناولت الجزائر كانت أكبر وأوسع في المساحة من الجزئيات التي تناولت الدول الأخرى، حتى أن معدي التقارير أنفسهم أشاروا لتلك النقطة وعلقوا عليها بإسهاب.

الجزائريون في صفّ من؟

على عكس جميع الحروب العربية الصهيونية، وكذلك حروب الخليج الثلاثة، تأتي هذه الحرب في ثوب مموّه استطاع المخططون لها عبر سنوات من العمل أن يطمسوا الحق بالباطل، وأن يشوّهوا الصورة أمام أعين الشعوب العربية والإسلامية بغية زرع الفتنة وتشتيت الصفّ لإحراز النصر على الجميع بأقل خسائر ممكنة، فهذه الحرب تتيه بين ثناياها الأهداف التي يقاتل الجنود على بعض الجبهات من أجلها، ففي معسكر »إسرائيل« تقف الولايات المتحدة والسعودية والأردن وبعض الدول الخليجية والأوربية، بينما يقف في المعسكر المعادي إيران وسوريا وحزب الله وحماس، هذه الأخيرة التي بدأت عملية تصفيتها بالفعل، وهنا يتبادر السؤال إلى الأذهان: في أي صف ستقاتل الجزائر؟هل سيكون الإسلام والواعز الديني الذي تتحلى به الحكومة والشعب الجزائريين دافعا للوقوف بجوار الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، من باب أن بلد الحرمين الشريفين في هذا المعسكر؟، أم أن نهج المقاومة الذي قامت عليه الجمهورية الجزائرية، والذي ظلت حليفة له سياسيا وعسكريا وأيديولوجيا منذ الاستقلال وحتى اليوم، سيدفع الجزائر دفعا نحو معسكر سوريا؟، وهل ستكون الجزائر مجبرة على اختيار أحد الحلين، أم أن هناك مجال للسير في الطريق الثالث الذي ينأى بالجزائريين عن المعركة؟. بالطبع ليس هناك مجال هنا لاستطلاع رأي الشعب أو الحكومة الجزائرية في هذا الشأن، لكن التقارير الاستخبارية الصهيونية حاولت الإجابة على السؤال الصعب.

خبير صهيوني: الجزائر عدو للأبد

في الوقت الذي يعجز فيه التكهن والدراسات عن تحديد اختيارات الجزائر في الحرب العربية ـ الصهيونية الكبرى، يأتي الخبير الاستراتيجي الصهيوني »عاموس هرئيل« ليقطع الشك باليقين ـ مثلما يقول ـ ويضع نظريته التي يقول عنها إنها »الواقع الذي يصعب الالتفاف عليه«، وللإشارة فإن »هرئيل« محلل وخبير صهيوني يعتد به في مجال الشؤون العسكرية والخطط الحربية، وله مقال دائم في صحيفة »هآرتس«، وهو واحد من الفريق الصهيوني الذي رسم خطة الحرب القادمة، وتم تكليفه برصد مواقف وخيارات الدول العربية والإقليمية في الحرب المرتقبة، استنادا لتقارير استخبارية زودته بها الموساد.وفيما يخص الجزائر تحدث »هرئيل« قائلا: »يأتي الحديث عن أهم وأخطر دولة في الشمال الإفريقي وهي الجزائر، وعندما نتحدث عن هذا البلد علينا أن نتوقف كثيرا أمام دروس تاريخية تسبب تجاهلها في الماضي إلى تكبدنا خسائر فادحة«، ويضيف »هرئيل«: »من الخطأ الفادح ارتكان إسرائيل وراء البعد الجغرافي الذي يفصلها عن الجزائر، ومن العبث تجاهل هذا البلد غير المروّض باعتبار أنه ليس على خط المواجهة المباشرة«، وتحت عنوان »عدو للأبد«، في إشارة للشعب الجزائري، أسهب »هارئيل« بالقول: »الجزائريون من أكثر الشعوب العربية كرها لدولة إسرائيل، وهم لديهم الاستعداد للتحالف مع الشيطان في وجهنا، إنها كراهية عجزنا عن إزالتها طيلة العقود الماضية، كما أننا فشلنا في القضاء على هؤلاء الأعداء الذين لم ندخر جهدا من أجل دحرهم أو القضاء عليهم«.

هزيمة »إسرائيل« في الجزائر

الخبير الصهيوني حاول على طريقته تفسير هذه الكراهية، ولأنه صهيوني ملحد فهو لم يدخر جهدا في الإساءة للإسلام والمسلمين، فخلص بالقول: »لطالما عجزت إسرائيل عن فهم سبب كراهية الجزائريين لنا، إلا أنني تمكنت عبر سنين من الدراسة والتحليل من فك طلاسم هذا اللغز المحيّر، والذي يتلخص في التركيبة النفسية والعقائدية التي تهيمن على هذا الشعب، الذي يسيطر عليه التطرف الديني إلى أبعد حد، فهم من أشد الشعوب الإسلامية اتباعا لتعاليم القرآن وأقاويل محمد والتي في مجملها تغذي التطرف والكراهية في النفوس تجاه اليهود، وفي الوقت الذي نجحت فيه إسرائيل في القضاء على هذه المعتقدات الدموية عند كثير من الشعوب الإسلامية، إلا أننا عجزنا حتى الساعة من اختراق النسيج الجزائري، والجزائريون يبدون من منظرهم الخارجي أكثر اعتدالا وحبّا لنا ولنموذجنا العالمي في الحرية والتفتح على الآخر، إلا أن حقيقتهم غير ذلك تماما، فهم يخفون وراء ملابسهم رجال دين أشد تديّنا من حاخامات إسرائيل، أو كما يسمونهم في عقيدتهم شيوخا«، ويختتم »هارئيل« هذه الفقرة بالقول: »لقد انتصرنا على الإسلام في كل مكان، لكن الإسلام هزم إسرائيل في الجزائر«.

الجزائريون مصاصو دماء في نظر الصهاينة

وفي فقرة مضحكة من تقرير »عاموس هارئيل« جاء فيها على لسان هذا الأخير قوله: »من خلال التجارب السابقة اتضح لي ولكثير من الساسة والخبراء الإسرائيليين أن الجزائريون متوحشون ودمويون فيما يتعلق بنظرتهم لنا، وتتغذى هذه الدموية باستمرار من السياسات العدوانية تجاهنا من قبل الحكومات الجزائرية المتتابعة، وهي السياسات التي جعلتنا نفشل في إيجاد منفذ نتحرك من خلاله بحرية بين الجزائريين«. وفي السياق ذاته، يكشف الخبير الصهيوني بشكل مباشر عن تورط الموساد في الجرائم الإرهابية التي عصفت بالجزائر في العشرية السوداء بالقول: »لقد حاولنا تحويل هذه الدموية بشكل ذكي لتحرق الجزائريين أنفسهم، ففجّرنا الحرب الأهلية بين صفوفهم، لكنها اندلعت وانتهت دون أن تحقق أي مكاسب لإسرائيل، ولم نجنِ من هذه الحرب التي كلفتنا الكثير سوى إبعاد الجزائر لفترة زمنية قصيرة عن صراعنا مع العرب، بل إن الجزائر خرجت أكثر قوة من هذه الحرب، واستفادت الكثير من الخبرات التي حرمتنا من استخدام نفس السلاح مستقبلا، خاصة وأن الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها الحكومات الإسرائيلية السابقة في هذا الشأن مكنت الجزائر من اكتشاف دورنا في تلك الحرب. وعلى عكس نجاح برامجنا في العراق ولبنان وفلسطين بسبب الاحترافية والذكاء المفرط للموساد في إخفاء أثارنا، إلا أن يد إسرائيل كانت مكشوفة بالجزائر في تسعينيات القرن الماضي، وهو ما يعني تحيط الجزائريين من أي برامج إسرائيلية مستقبلية في هذا البلد المعادي«.

سلاح الدين مرة أخرى

ويواصل »هارئيل« كلامه عن الجزائر بالقول: »إنني عندما أخص الجزائر بكل تلك المساحة، وعندما أستفيض في هذه المقدمة أحثّ الساسة الإسرائيليين على تغيير سياساتهم الخاطئة في هذا البلد قبل فوات الأوان، هذا إن لم يكن قد فات بالفعل. فعلى عكس إنجازاتنا المثمرة في ليبيا وتونس والمغرب وموريتانيا وإفريقيا عموما، تظل السياسات الإسرائيلية متخبّطة وغير فعالة في هذا البلد الذي تكشف التقارير مدى خطورته على أمن ومستقبل إسرائيل«. ويكشف المحلل الصهيوني معلومات أخرى أشد خطورة حين يقول: »من الأخطاء الفادحة التي ارتكبها الموساد إضاعة الوقت في استخدام سلاح الدين مرة ثانية وثالثة في الجزائر، فعندما راهن الوزير يتسحاك كوهين على نظرية المد الإسلامي الذي يعرف بالسلفي، في هذا البلد تناسى أن الجزائر يختلف كليّا عن العراق ولبنان، فهذه الخطة التي أقررناها منذ منتصف التسعينيات والقاضية بنشر فكر معتدل يخدم مصالحنا ويطفئ كراهية المسلمين لنا ويمهد لإشعال نار حروب طائفية جديدة بين المسلمين أنفسهم، كان من الخطأ الفادح اعتبار الجزائر قاعدة لها أو نقطة انطلاق لبقية مناطق الشمال الإفريقي، فقد تلقينا الهزيمة من جديد أيضا في الجزائر، وفي هذا السياق لا ألوم حلفاءنا العرب ورجال الدين المعتدلين الذين بذلوا جهودا كبيرة من أجل إيصال رسالتنا للشباب الجزائري، ولكن ما هي النتيجة؟ للأسف يزعجني أن أقول: صفر، فبعد هذه السنوات الكثيرة لم تصل الرسالة إلا لعدد محدود جدا، وبقيت الكراهية والخطورة على حالها، ولو نزل أي عميل لنا على الأراضي الجزائرية سيجد أن الأعداء أكبر بكثير من الأصدقاء«.

آخر الحروب الفاشلة

ويتحدث المصدر الصهيوني عن مؤامرة ثالثة تؤكد علاقة »القاعدة« في الجزائر بالموساد فيقول: »في حين أن حربنا العقائدية الثانية فشلت في الجزائر لعجز رسالتنا عن الوصول للطبقات الفاعلة من مثقفين وسياسيين واقتصارها على البسطاء ومحدودي التأثير في المجتمع، فإن حربنا الثالثة فشلت بسبب عجزنا عن تقديم الدعم لـ»القاعدة« في الجزائر والشمال الإفريقي عموما، وهنا أوجه اللوم للموساد الذي يتحمل عبء التقصير في إنجاز مهامه وتطوير خططه في ظل تطور القدرات الأمنية والاستخبارية في الجزائر، وهو ما تسبب في وقوع فشل لم يكن في الحسبان، جعل الساسة الجزائريين في موقع قوة وثقة أمام الشعب الجزائري في مجال السيطرة على الأمور، وهو ما يعني أن عملية الفصل بيت الحاكم والمحكوم في هذا البلد فشلت بدورها«.

خطر المواجهة الجزائرية الصهيونية

يقول »هارئيل« بعد هذه المقدمة أخلص بالقول، إن استهداف الجزائر من خلال الحروب الباطنية لم يجدِ نفعا، وأن هذا البلد قد نجد أنفسنا يوما في مواجهة مباشرة معه، بل إنني أجزم بأن ضربة غير متوقعة ستوجه لنا من جديد من هناك، لكن هذه الضربة ستكون أشد قسوة من ضربة حرب الغفران. وغني عن البيان التذكير بالهزيمة التي لاقيناها في سيناء عام 1973 بسبب الجزائر، ورغم مرارة هذه الهزيمة وخطورة الدور الذي لعبه هذا البلد والذي أدى في النهاية إلى انكسارنا للمرة الأولى في تاريخنا، فإن دور أشد قسوة قد تشهده الأيام المقبلة؛ دور أخشى أن أتوقع فيه مشاركة الجيش الجزائري في الحرب بشكل مباشر في صف أعدائنا، خاصة وأن العلاقات التي تربط الجزائر بسوريا وإيران والتي تتنامى بشكل تصاعدي ترجح ميل هذا الثلاثي لتشكيل حلف يقلب موازين اللعبة، فعبثا المراهنة على تحييد الجزائر عن الحرب، في ظل الظروف التي شرحتها سلفا، تخلق رغبة دفينة لدى الجزائريين تدفعهم لمحاربتنا، خاصة وأنهم دائما يتلهفون للحصول على فرصة مجابهتنا بشكل مباشر منذ حرب 73 ، وعبثا تضييع الوقت مرة أخرى باتباع سياسة التخويف والترهيب فهي لن تحقق شيئا مع أناس دهاة يصعب خداعهم ويستحيل تضليلهم أو إثناءهم عن عقائدهم«.

الونشريس بوتفليقة العدو الخطير

ولم يغفل التقرير السياسات الجزائرية وذكر معدّه بشكل مباشر الرئيس بوتفليقة، فهو يقول: »وجود رجل مثل بوتفليقة على رأس هرم السلطة في الجزائر يجبرنا على اتباع أقصى درجات الحذر، فبرغم المواقف المعتدلة التي يبديها الرجل ورغم الحيادية التي يحاول أن يوهم الجميع بها، إلا أن تاريخه ومواقفه تجبرنا على عدم الثقة به، فأنا أؤكد وأعتقد أن الكثيرون في إسرائيل يشاطرونني الرأي بأن هذا الرجل لا يقل خطورة عن عدونا بومدين، وبالرغم من أن سياساته تؤكد رغبته في تعويض الجزائر ما فاتها، ووضع الجزائريين في مكان لائق على خارطة الشعوب تحت مظلة سلمية آمنة، إلا أن هذه الرغبة لا تخفي طموح الرجل في إرجاع بلده بقوة إلى الواجهة والتأثير في القرار الإقليمي والدولي، والدليل أنه يعمد في غفلة منّا إلى تطوير وتحديث جيشه بصورة مثيرة للقلق، وأعتقد أن رجلا حمل السلاح يوما وشارك في حكومة شاطرت إسرائيل العداء؛ رجلا على شاكلة أعدائنا تشافيز وكاسترو ونجاد، يستحيل إعطاءه ظهرنا«.واختتم بالقول: إنه علينا أن نضع الجزائر نصب أعيننا في المواجهة القادمة، وأن ندفع واشنطن وحلفاءنا الأوربيين إلى تعزيز الانتشار العسكري في المتوسط لتحييد الجيش الجزائري، وإوإبعاد شبح الطعنة من الخلف

سباق التسلح بين المغرب والجزائر لماذا وإلى أين؟
نسبة الفقر في البلدين لا تقل عن 30 بالمائة، ويبددون أموالا طائلة في اقتناء أسلحة قد لا تستعملها

منذ أكثر من سبع سنوات ومنطقة المغرب العربي تعيش سباقا نحو التسلح، إذ ظل كل من المغرب والجزائر يعملان على تجديد ترسانتهما العسكرية وتخصيص ميزانيات ضخمة للدفاع. وقد وجدت بلادنا نفسها مضطرة لتخصيص ميزانية إضافية لضمان درجة مقبولة من التوازن مع الجارة الجزائر الغنية بالنفط والغاز.
لقد خصص المغرب برسم سنة 2022، أكثر من 10 ملايير درهم لاقتناء الأسلحة، في حين اعتمدت الجزائر ما يناهز 5 أضعاف هذا المبلغ لميزانية دفاعها والتي فاقت 50 مليار درهم.
إن عين المغرب على الجزائر وعين هذه الأخيرة على المغرب بخصوص ما يرتبط بالقوات المسلحة والسلاح والعتاد ومجهودات التمكن من التكنولوجيات الحربية الجديدة. فالجزائر تعلم بدقائق الأمور المرتبطة بأسلحة المغرب وجنوده، وكذلك الأمر بالنسبة للمغرب بخصوص الجيش الجزائري.
إلا أن موضوع اقتناء الأسلحة مازال يلفه الغموض اعتبارا للسرية المضروبة عليه من طرف البلدين معا.
إن الجزائر تعمل منذ سنوات على تجديد أسلحتها وتقوية كفاءات جنودها عموما، بينما ارتأى المغرب تحديث عتاده الجوي والبري سعيا وراء الحفاظ على التوازن، مما فرض عليه تخصيص ميزانيات مهمة للدفاع منذ سنوات. لكن ما هي الجدوى الإستراتيجية من سباق التسلح هذا؟ وهل تبرره مكافحة الإرهاب، بالوكالة من طرف العم السام، من أجل كل هذا الإنفاق العسكري؟ وكيف يمكن لدول تعترف إحصائياتها الرسمية أن نسبة الفقر فيها لا تقل عن 30 بالمائة، مبددة بذلك أموالا بالغة في اقتناء أسلحة قد لا تستعملها؟

الجزائر تتسلح والمغرب كذلك..

حسب تقرير أمريكي، احتلت الجزائر مرتبة متقدمة مقارنة مع المغرب في لائحة عشرين دولة الأكثر إنفاقا على التسلح سنويا، اعتمادا على النسبة المأوية من الناتج العام الداخلي الخام المخصص لاقتناء الأسلحة وشراء المعدات العسكرية. علما أن المغرب احتل الرتبة 20 حسب التقرير المذكور سنة 2022 وخصص حينئذ 3.7 بالمائة من ناتجه الداخلي الخام للتسلح، وقد أكد عبد الرحمان السباعي، المكلف بإدارة الدفاع الوطني، أن المغرب خصص 4.6 بالمائة من ناتجه الداخلي الخام للدفاع برسم ميزانية 2022، أي ما يمثل 10 بالمائة من ميزانية التسيير والاستثمار.
وحسب تقرير الوكالة الأمريكية للصناعات الدفاعية للسنة الجارية (2008)، أضحت بلادنا ضمن خمس دول عربية الأكثر اقتناءا للسلاح والعتاد العسكري، وظل المغرب يتصدر قائمة زبائن فرنسا في القارة الإفريقية بخصوص تجارة السلاح على امتداد السنوات العشر الأخيرة. وذلك بصفقات بلغت قيمتها 7678 مليون درهم. كما استأثرت أربعة بلدان مغاربية (المغرب، الجزائر، ليبيا وتونس) بثلث تجارة السلاح في القارة السمراء.
وحسب الخبراء العسكريين، خلافا للجزائر التي تتوفر على أموال مهمة يخصص جزء كبير منها للتسلح، يعتمد المغرب على الصفقات المُيسرة في اقتناء أسلحته ومعداته العسكرية، وهذه الطريقة لا تمكّنه من اقتناء آخر جيل من السلاح، الشيء الذي من شأنه خلق اختلال في التوازن بين البلدين من جهة، واضطرار المغرب من جهة أخرى لتخصيص المزيد من الأموال للدفاع على حساب قطاعات أخرى، وبذلك ستظل انطلاقته التنموية مرهونة، لمدة قد تطول، بانعكاسات السباق نحو التسلح. هذا في وقت عرفت فيه عائدات النفط والغاز ارتفاعا غير مسبوق ساهم في تخصيص أموال باهظة لتطوير كفاءات وسلاح الجيش الجزائري والاهتمام أكثر بصفقات السلاح حتى في السوق السوداء.

ميزانيات الدفاع

لم يتم الاقتصار بالموافقة على ميزانية الدفاع برسم سنة 2022 بعد الأخذ بعين الاعتبار الارتفاعات المقترحة من طرف الجنرالات، إذ تم تعديلها من 26.8 إلى 34.70 مليار درهم، وجاء في ا لبند 38 من مشروع قانون المالية أن الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بإدارة الدفاع الوطني، مفوض له خلال سنة 2022 التصرف مقدما في المبالغ المخصصة برسم سنة 2022 للحساب المالي المدعو "اقتناء وإصلاح معدات القوات المسلحة الملكية" والبالغ غلافه 63 مليار و 959 مليون درهم. أما الغلاف المالي لميزانية الدفاع برسم سنة 2022، فيناهز 34.7 مليار درهم خصصت منها 10.2 مليار درهم لاقتناء الأسلحة وإصلاح المعدات (أي ما نسبته 27.27 بالمائة)، و 15 مليار درهم لنفقات الموظفين والأعوان العسكريين (43.22 بالمائة) و 5 ملايير درهم للنفقات المختلفة (14.40 بالمائة). علما أن كتلة الأجور العسكرية تعتبر ثاني أكبر كتلة بالمغرب بعد كتلة أجور العاملين بوزارة التربية الوطنية.
ومقارنة مع ميزانية سنة 2022، لم تعرف ميزانية سنة 2022 سوى ارتفاعا طفيفا لم تتجاوز نسبته 0.27 بالمائة، علما أن ميزانية سنة 2022 أولت اهتماما خاصا لتطوير وحدات القوات الجوية (اقتناء طائرات ومعدات ورادارات أرضية وجوية). كما أن قيادة القوات المسلحة عملت على رفع رواتب وتعويضات كبار ضباطها في يناير 2022 مما زاد في إثقال كاهل الميزانية العامة نظرا لكون تلك الأجور "طيطانيكية"، بل تعد من أضخم الأجور المطبقة ببلادنا.
أما ميزانية الدفاع الجزائرية برسم سنة 2022، فقد فاقت 55 مليار درهم بعد أن كانت سنة 2022 لا تتجاوز 23 مليار درهم (6.5 مليار دولار سنة 2022 و 2.5 مليار دولار سنة 2022).
إن ميزانيتي الجيش والأمن الجزائريين تمثلان معا 15 بالمائة من الميزانية العامة للدولة، المقدرة سنة 2022 بـ 80 مليار دولار.
وحسب المحللين الجزائريين، لأول مرة تفوق ميزانية الدفاع ميزانيات قطاعات استراتيجية كالتعليم، وذلك لتحديث السلاح والتجهيزات العسكرية وتحويل الجيش الجزائري إلى جيش احترافي استعدادا لمرحلة ما بعد الإرهاب. ويعزو الخبراء تصاعد ميزانية الدفاع الجزائرية إلى إحداث وحدات جديدة للصناعات الحربية لتلبية حاجيات الجيش الجزائري اعتمادا على الذات، سيما فيما يخص العتاد والأسلحة والذخيرة ونقل التكنولوجيا الحربية، وكذلك لدعم وحدة لصناعة الأسلحة الخفيفة الكائنة بمدينة "باتنة" ومصنع لإنتاج ذخائر الرشاشات والقذائف الحربية.
لقد استفادت الجزائر من تنامي مداخيلها النفطية والغازية التي جاوزت 100 مليار دولار (أكثر من 750 مليار درهم) لمضاعفة ميزانية دفاعها سعيا وراء تطوير كفاءات جيشها والفوز بأكبر صفقات التسلح في منطقة المغرب العربي، ولو باللجوء إلى السوق السوداء.
وفي هذا الصدد قال أحد الملاحظين : "عندما تصاب الجزائر بالتخمة من عائدات النفط والغاز، فأول شيء تفكر فيه هو التسلح، وهذا ما يساهم في انتفاخ أرصدة حكامها وجنرالاتها عوض التفكير في "تحسين ظروف عيش الشعب الجزائري الذي مازال يعاني من الفقر والأمية".
ويرى جملة من الخبراء العسكريين أن الصراع الفرنسي الأمريكي ساهم بشكل كبير في احتداد سباق التسلح بين المغرب والجزائر، لاسيما وأنه ترجم على أرض الواقع بنوع من التنافس حول تزويد المنطقة بأسلحة عبر صفقات ضخمة أسالت لعاب القائمين على الصناعات العسكرية، وزاد من حدة هذا التنافس اختلاط الحسابات الأمنية والسياسية والاستراتيجية والاقتصادية، وبذلك تم تحويل أموال ضخمة إلى الغرب عوض تخصيصها لتنمية البلدين.

هل يعقل..؟

فعل يعقل أن يأتي تسابق الجارتين، نحو المزيد من التسلح، في ظرف يتحد فيه البلدان بخصوص الانهيار الاجتماعي وفشل الخطط الاقتصادية في تأمين التنمية الاجتماعية وتحسين القدرة الشرائية للمواطن؟

ذ. مكاوي عبد الرحمان/ أستاذ العلاقات الدولية وخبير في الشؤون العسكرية والأمنية
الهرولة نحو التسلح هدفها أن كل بلد يحاول إركاع الآخر

– لماذا سباق التسلح بين المغرب والجزائر؟
+ يعرف ميزان توازن القوة في المغرب العربي نوعا من الاختلال في الآونة الأخيرة، بسبب الميزانيات الضخمة التي رصدتها الجزائر لوزارة الدفاع هذه السنة. فمبلغ 7.5 مليار دولار خصص لشراء أحدث الأسلحة، الروسية والصينية والكورية الجنوبية وحتى البرازيلية وتحديث وحدات الجيش وأسطوله الحربي وأسلحته ونظام استعلاماته، إضافة إلى انطلاقتها في التصنيع الحربي دون أن ننسى مشاريعها النووية. فعكس الرؤساء الآخرين، قام بوتفليقة بتنويع مصادر الأسلحة ومدارس التكوين (فرنسا، اسبانيا، ايطاليا، الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا وكوريا الجنوبية) التي كانت في السابق حكرا على روسيا ودول أوربا الشرقية. فلقد نجحت الجزائر نسبيا في مسلسل انتقال الجيش الجزائري من جيش وطني شعبي (جيش أساسه حرب العصابات) إلى جيش مهني ومحترف، إلا أنها تبقى متخلفة في ميادين العمليات والقيادة والسيطرة والانتشار السريع ( نظام ثقيل)، والسؤال المطروح لماذا هذا السباق نحو التسلح؟ فمنازلة الإرهاب ومنظمة القاعدة لا يحتاجان الى كل هذه المشتريات من الأسلحة، التفسير الوحيد هو البترولار والرشاوى والامتيازات التي تنخر المؤسسة العسكرية الجزائرية المسؤولة عن إبرام الصفقات الكبرى، مما يفسر هذا التسابق نحو التسلح وشراء – في بعض الأحيان – الخردة بدعوى الخطر الخارجي (قصة صفقات طائرات "الميغ" 29 المقتناة من روسيا). أما المغرب رغم حدود الإمكانات، فقد استطاع هو الآخر أن يدشن علميات التحديث سواء من حيث العتاد الحربي أو من حيث تكوين ضباطه وجنوده، فميزانية الدفاع ترتفع كل سنة باطراد، حيث اقتنى مؤخرا العديد من طائرات الفانتوم الأمريكية الحديثة، ومنظومة صواريخ متطورة، بالإضافة إلى شراء زوارق حربية سريعة وشبكة اتصال الكترونية متقدمة وأبرم صفقة طائرات "ف 16"، وهذا ما يفسر الزيادة المهولة في ميزانية الدفاع لسنة 2022. إن الجيش المغربي يعتمد على المهنية والكفاءة والمردودية، وهي معايير سجلها حلف الشمال الأطلسي كنقط تفوق عند المغاربة بالمقارنة مع الجيش الجزائري الذي لازال ضعيفا من حيث الاستراتيجية والتكتيك والمنهجية العسكرية الحديثة.

– هل هناك توازن عسكري بين البلدين؟
+ المغرب له جيش مهني محترف، حقيقة لقد ترك الاستعمار الفرنسي العديد من الضباط المغاربة الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية والحرب الهند الصينية، هؤلاء ساهموا في إحداث جيش ملكي عصري، نواته جيش التحرير، كما أن الجيش المغربي شارك في العديد من النزاعات الإقليمية باسم الأمم المتحدة : الكونغو، كوسوفو، الصومال، الشرق الأوسط، الكوت ديفوار الخ…، فخبرته القتالية معترف بها دوليا، كما أن حرب الصحراء مع انفصاليي البوليساريو مكنته من مراجعة استراتيجيته الدفاعية سواء على مستوى التكوين أو التكتيك أو على مستوى اقتناء تقنيات وأسلحة متطورة (الطيران، البحرية، الدبابات ومنظومة الصواريخ أرض جو المتطورة وشبكة الكترونية تغطي كافة التراب الوطني). أما الجزائر فتتوفر حاليا على ترسانة هائلة وضخمة من الأسلحة المتطورة غير مسيطر عليها تقنيا بسبب التعقيدات والصعوبات في تحول جيشها وانتقاله من جيش وطني شعبي الى جيش محترف، وهذا راجع إلى اهتمامها الزائد بالمواجهة الداخلية للإسلاميين، وهكذا يمكنني القول إن ميزان القوة متكافئ نسبيا بين البلدين.
ميزان القوة بين البلدين كما قلت، متكافئ نسبيا، فهناك جوانب قوة لدى الجزائر بسبب الوفرة البترولية، ونفس الشيء بالنسبة للمغرب، كما توجد نقط ضعف ملحوظة على الجيشين. الفارق يتمثل في أن عناصر الجيش الوطني الشعبي مسيسة، تتحكم في مستقبل البلاد وخيراته، عكس الجيش المغربي الذي يبقى بعيدا عن التجاذبات السياسية الداخلية والخارجية. فالجيش الجزائري لازال مشغولا بالحرب الأهلية الداخلية ضد الإسلاميين، وهي حرب سياسية حول شكل الدولة والنظام في الجزائر والتي مازالت تستنزف قوته حتى الآن، استنزاف لم يُمَكِّن الجيش الجزائري من بناء ذاته. أما الجيش المغربي فقد طوى ملف البوليساريو عسكريا، وتفرغ للتكوين المستمر والضبط والمناورة، هذا يعني أن العتاد المتطور والتكوين المستمر والتكنولوجيا الحديثة لا تكفي، إذ يبقى عامل الإنسان حاضرا في هذا التوازن بين البلدين، لأن الحرب المقبلة لن تكون كما يعتقد البعض الكترونية فقط بل إن العسكري المتكون هو عنصر الحسم في أي مواجهة محتملة بين البلدين.

– هل يرتبط هذا السباق بعداوة النظامين المغربي والجزائري؟
+ يمكن القول إن استراتيجية الجزائر الدفاعية تعتمد أساسا على ضمان تماسكها ووحدتها الترابية كدولة مستقلة، فهي دولة مجبرة على افتعال مناوشات داخلية او خارجية لضمان بقائها، فهي تعلم أنها مكونة من شعوب وقبائل غير متجانسة ومن أراضي اقتطعت من الجيران بالقوة في عهد الاستعمار( الصحراء الشرقية)، حيث إن حدودها ما تزال غير معترف بها من طرف جيرانها. فالجزائر في حالة استنفار دائم ضد الجيران وضد فرنسا المستعمر السابق بسبب العديد من الملفات العالقة. لذا، فالمؤسسة العسكرية الجزائرية تعتقد أن المنطقة الممتدة من دكار إلى القاهرة هي منطقة أمنها الخاص التي لا يمكن المساس بها، إذ تعتبرها مجال أمنها القومي (نظرية المؤامرة والخطر الخارجي الدائم، المحرك السياسي والإيديولوجي للنظام الجزائري).
أما المغرب فلم يعترف بَعْدُ بحدوده الشرقية بصفة رسمية مع الجزائر، التي فتحت جبهة أخرى ضد المغرب مُتَمَثلةً في دعم الانفصال بالصحراء، ذلك أن الصراع الحالي يتموضع في إطار معادلة الزعامة والهيمنة بين البلدين في شمال إفريقيا، فكل بلد يسعى إلى إركاع الآخر وبكل الوسائل.
هذه بعض أسباب استمرار التوتر بين البلدين.

أحمد رامي / عسكري معارض مقيم بالسويد
الحرب بين الجارتين ستطيح بالنظام الجزائري وتعصف بالبوليساريو

– كيف تقيمون سباق التسلح بين الجارتين الجزائر والمغرب؟
+ السلاح هو أداة – ككل الأدوات الأخرى – تقييمه يعتمد على مستوى من يمتلكه، فإذا كان صاحبه مجرما أو غبيا فسينعكس ذلك على مستوى وعلى أسلوب وأهداف الاستعمال.
فليس هناك أي خلاف حقيقي بين الشعب الجزائري والشعب المغربي، وليست هناك أية أسباب جوهرية لنشوب نزاع مسلح بين البلدين. النظامان "الجزائري" و"المغربي" كالنظامين "الأفغاني" و"الباكستاني"، لا يتوفران على مشروع حضاري أو ثقافي أو سياسي وطني، هدفهما الوحيد هو البقاء في السلطة والعمل على حمايتها ولو بقانون الغاب، قانون السيطرة والعنف، بالإضافة إلى الولاء المطلق للقوى الأجنبية ولمصالحها الاستعمارية الجديدة والقديمة.

– هل هذا السباق وليد اليوم، أم أن حدوده قديمة؟
+ عندما أطاح عبد الناصر بالملكية في مصر، قام في الحقيقة بانقلاب تطور إلى ثورة، رأت فيها الأنظمة الملكية تهديدا مباشرا لها، بل أكثر من ذلك لقد لعب عبد الناصر دورا كبيرا في اندلاع ودعم الثورة الجزائرية، ورأى النظام المغربي والاستعمار الجديد، متمثلا في بن بلة وفي انتصار الثورة الجزائرية واستقلالها، امتدادا ناصريا ثوريا مهددا لهذا الاستعمار (الجديد) في الجزائر والمغرب (المخزن) معا!
ومن ثمة قامت "حرب 1963" كضربة ضد النظام الجديد في الجزائر، ومن ثم أيضا بدأ سباق التسلح حيث سلمت إسرائيل للمغرب كما مهما من الأسلحة، أكثر من 100 دبابة "AMX13" الفرنسية، وهي عبارة عن دبابات "خردة" تجاوزها الزمن، أغلبها كان فاسدا وغير قابل للاستعمال، ولكن فرنسا بعثت للمغرب فرقة تقنية كاملة لإصلاحها، ومنها تكونت فرقة لواء المدرعات المغربية التي كنت أعمل بها، حيث كنا نجد في هذه الدبابات بقايا من جرائد ونقود إسرائيلية، وعندما كان طلاؤها يَمَّحِي تبدأ نجمة داود السداسية في الظهور قبل أن نؤمر بإعادة صباغتها باللون "المخزني"!
وإذا كان ما جرى في مصر عام 1952 بمثابة انقلاب تطور إلى ثورة استمرت حتى مات عبد الناصر ثم جاءت مرحلة الردة عليها، فإن ما وقع بالجزائر كان ثورة حقيقية، تطورت مع ما قام به بومدين عام 1965 – إلى انقلاب ضد الثورة والإطاحة ببن بلة – حيث استولى "ضباط فرنسا" على السلطة في الجزائر وأقاموا "مخزنا" جزائريا (إسوة بمخزن المغرب) ونظاما ورث عن الاستعمار الفرنسي كل أطماعه في المنطقة بدون أن يرث ذكاءه!

– في اعتقادكم من كان السَبَّاق نحو التسلح؟
+ في عهد النظام الثوري الجزائري كان السبق في التسلح للمخزن المغربي بدعم من أمريكا وفرنسا، وذلك نظرا لأن بن بلة كان يعتمد خطة وسياسة ثوريتين ومشروعا للتحرر والبناء، وكان متحالفا مع مصر الناصرية الثورية وداعما قويا للثورة الفلسطينية ولدول عدم الانحياز ولكل الحركات التحررية في العالم.
لكن بعد الإطاحة ببن بلة لم تعد الجزائر تشكل "خطرا على إسرائيل أو تهديدا لمصالح فرنسا، بل غدت مكملة لإستراتيجية الاستعمار الصهيوني الجديد، وبالتالي لم يعد النظام المغربي آنذاك المتعامل الوحيد مع إسرائيل في المنطقة، بل تعدد المتعاملون معها.

– كيف تقيمون ميزان القوة عسكريا بين الجانبين؟
+ إن ميزان القوة العسكرية لا يتحدد فقط بالاعتماد على كم العتاد وعدد الجنود، بل أيضا على نوعية الأسلحة وعلى همة وعزيمة الرجال، وعلى نبل أو خسة الأهداف وعلى الحافز الإيديولوجي وقوة الإقناع بمبررات الاستعداد للتضحية والبذل، وعلى قدرة تعبئة الرأي العام الداخلي ودعمه للقضية. فخطاب النظام الجزائري حق يراد به باطل، في حين إن خطاب النظام المغربي تطغى عليه "الديماغوجية" التي قد تؤدي إلى "حق".
إن الجيش المغربي يتمتع في هذه القضية بدعم الرأي العام المغربي وبقضية عادلة، وإن كان نظامه غير عادل وأغلب قادته العسكريين لصوص ببذلة عسكرية. والنظام الجزائري، في هذه القضية، لا يتمتع بدعم الرأي العام الجزائري، وإن كان محظوظا بحيازة أموال وثروات ضخمة.
على كل حال، في اعتقادي، لو اندلعت حرب عسكرية بين النظامين، سيكون من نتائجها، بدون شك، سقوط النظام الجزائري ونهاية أسطورة البوليساريو، وتقوية دعائم النظام المغربي، علما أنه لا يمكن فصل هذا "النزاع" عن السياق العام في البلدين.
إن الوضع في الجزائر أكثر تأزما منه في المغرب، والمعارضة هناك – كما كانت الثورة – أكثر قوة وجرأة وشجاعة، مما قد يرشح الجزائر لأحداث قد تفاجئنا جميعا وتقلب الأوضاع في المنطقة كلها لتعيد الجزائر إلى دورها التاريخي.

– هل هذا السباق مرتبط أساسا بالعداوة بين النظامين السياسيين الجزائري والمغربي فقط، أم أنه قائم لاعتبارات إقليمية (المغرب العربي، شمال إفريقيا) نظرا لحسابات بين الدول الكبرى؟
+ الآن يعاد تسليح جيشي المغرب والجزائر بقوة في إطار حماية الأنظمة – المرضي عنها من طرف إسرائيل – مما يسمى بـ "الإرهاب"! بينما في جنوب السودان تسلح إسرائيل وأمريكا وفرنسا "الإرهابيين" كما تفعل في دارفور.
ومن يزود الجزائر بالسلاح هو الذي يزود أيضا – بكيفية غير مباشرة – مرتزقة البوليساريو "الإرهابية"، أي أن بلداننا أصبحت كلها ميدان "حرب عالمية" جديدة من أجل عملاء إسرائيل وأمريكا ومن أجل التصدي أيضا لكل معارضه تقف في وجههما!
ولكن "اللي فراس الجمّال الصهيوني الأمريكي ليس بالضرورة في راس جمل الأنظمة الموالية الحاكمة في الجزائر والمغرب"، فكل ما يهم أنظمتنا الحاكمة هو البقاء في السلطة.
لكل جيوش العالم – في عقيدتها العسكرية – عدو "افتراضي"، فعندما كنت في الجيش المغربي لم يكن لدينا في "عقيدتنا العسكرية" (في كل تدريباتنا وتكويننا) أي عدو أجنبي، العدو "الضمني" الوحيد رسميا هو المعارضة الداخلية، لذلك كانت دوما أحسن الوحدات العسكرية تدريبا وتسليحا هي فرقة "BLS" أي "فرقة التدخل السريع" المدربة على قمع المظاهرات المدنية، وهي الفرقة التي بُعثت – على مضض – في حرب 1967 لدعم مصر. هذه الفرقة لم تصل أبدا، فالطائرات التي نقلتها توقفت في طريقها إلى مصر لسبب غير معروف، إذ هبطت بليبيا وبقيت هناك إلى حين عودتها إلى المغرب.

محمد العربي زيتوت / معارض جزائري مقيم بالخارج
تكدس الأسلحة ليس حلا لنزاع الصحراء وإنما فرصة لتفجير الحرب

يُقرّ محمد العربي زيتوت أن الجزائر تعتبر حاليا الدولة الأكثر إنفاقا على التسلح في القارة الإفريقية، لاسيما بعد رفع الحذر عنها بخصوص اقتناء السلاح بعد شتنبر 2001، حيث أصبحت الدول الكبرى تتعاون معها جميعا. علما أنها في ظل الحصار، ظلت الجزائر تقتني الأسلحة من السوق السوداء بأضعاف أسعارها.
لكن ضد من تتسلح الجزائر؟
يقول محمد العربي زيتوت، حتى ولو افترضنا أن الجزائر تعتبر المغرب عدوا لها، فهذا لا يبرر تخصيص المليارات من الدولارات للتسلح. علما أن الجزائر ربطتها صفقات سلاح، علاوة على روسيا، ببريطانيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، كما هناك صفقات مع كوريا الجنوبية والبرازيل وجنوب إفريقيا وحتى مع كوريا الشمالية. فالأرقام تذكر أن واشنطن باعت للجزائر خلال العامين الماضيين (2006 و 2022) أسلحة بقيمة 600 مليون دولار، مقارنة مع ما باعته لها روسيا.
فإذا كان المغرب قد اعتبر التقارب بين الجزائر وشريكه التقليدي، أمريكا، سنة 2022، في إطار التعاون العسكري، أنه غذى سباق التسلح بين البلدين، ثم في عام 2022 عندما قام الرئيس الروسي بزيارة إلى الجزائر، فإن هذا الأخيرة تعتبر فرنسا مسؤولة عن تغذية هذا السباق نحو التسلح في المغرب العربي لأنها تزود الجيش المغربي بأحدث الأسلحة.
ومهما يكن من أمر، يبدو أن كل رؤساء العالم يعملون على توفير الفرص للرفع من مبيعات صناعة بلدانهم العسكرية، وهذا أمر طبيعي، لكن من غير الطبيعي أن يتسابق بلدان جاران إلى التسلح، فالمغرب يقتني أسلحة بكميات كبيرة، والجزائر تشتري كميات أضخم. وقد تأكد أن الجزائر قررت تخصيص مبالغ مالية تقدر بملايير الدولارات.
فالجزائر تعتبر حاليا أول مقتني لطائرات "الميغ" الروسية، وهذا يعني أنها تستعد لحرب، لكن ضد من؟ يتساءل محمد العربي زيتوت، الذي يرى من جهة أخرى أن جنرالات الجزائر قرّروا شن حرب ضد الشعب الجزائري، تستعمل فيها أسلحة روسية وأمريكية وفرنسية وبريطانية وألمانية!
كما يرى زيتوت أن تكدس كميات كبيرة من الأسلحة في الجزائر والمغرب، لن يؤدي إلى حل قضية الصحراء، وإنما إلى تفجير حرب من طرف مغامرين لازالوا يحتلون مواقع صناعة القرار بالجزائر إلى حد الآن.

قسطنطين تروتيتسييف /خبير روسي في الشؤون العربية
روسيا لا خيار لها سوى بيع السلاح للجزائر

ظلت روسيا تُتّهم بتفعيل سباق التسلح في المغرب العربي، ويرى الخبير الروسي قسطنطين تروتيتسييف أن قيمة العقود المبرمة الموقعة مع الجزائر لم تتجاوز 3.5 مليار دولار، في حين أن ديونها كانت تتجاوز 4.7 مليار دولار، وكانت الجزائر مستعدة لتغطية هذه الديون بالبضائع الجزائرية، ولكن شروط نادي باريس منعت هذه الإمكانية، لذلك اتفق الطرفان (الجزائر وروسيا) على تغطية تلك الديون باستيراد الأسلحة.
ومن المعلوم أن الاتحاد السوفياتي كان شريكا للجزائر فترة طويلة، والدوائر الروسية تعتبر تقارب البلدين عودة إلى العلاقات التاريخية، سيما وأنها تسعى إلى تكسير القطب الأمريكي الأحادي عبر إقامة نظام دولي متعدد الأقطاب لمناهضة استئثار الولايات المتحدة الأمريكية بمقدرات العالم، سياسيا واستراتيجيا.
لكن هل يمكن إدراج بيع السلاح في هذا الإطار، خصوصا وأن نصيب روسيا في سوق الأسلحة عالميا يتصاعد، في حين ظل نصيب أمريكا يتضاءل باطراد؟
بهذا الخصوص يعتقد الخبير الروسي أن هناك علاقة بين هذا المنحى وسعي روسيا إلى كسر السيطرة الأمريكية على العالم، ولأن الأموال المتأتية من بيع الأسلحة تستخدم أساسا في عصرنة الصناعة العسكرية الروسية. ولهذا ظلت روسيا سائرة على نفس الدرب الذي سارت عليه واشنطن، واستراتيجية روسيا بمعية الصين والدول المشاركة في منظمة "شانغاي"، موجهة لتقوية نظرية عالم متعدد الأقطاب. ويرى "تروتيتسييف" أيضا أن روسيا ليس لها أي خيار حاليا إلا سياسة بيع السلاح لتقوية موقعها الاستراتيجي، لأنها تعلم أن تصور عالم متعدد الأقطاب سيكون أكثر تعقيدا بفعل مشاركة إفريقيا في الحلف الأطلسي.
هذا هو الإطار العام لسياسة بيع السلاح الروسي للجزائر.

جدول 1
ميزانية الدفاع بين الأصل والصيغة النهائية (بملايير الدراهم)

مشروع الميزانية الأصلي % اقتراحات الجنرالات المعتمدة %
رواتب الموظفين والأعوان العسكريين والجنود والضباط

13,40
50
15,20
43,80
اقتناء المعدات والعتاد العسكري وتسديد النفقات الموازية المخصصة للاستعلامات العسكرية

4,50
16,80
9,50
27,40
ميزانية الاستثمار (بناء قواعد عسكرية وإصلاح ثكنات ومدارس عسكرية وتحديث البنيات العسكرية..)
8,90
33,20
10,00
28,80
المجموع 26,80 100 34,70 100

ميزانيات الدفاع (بملايير الدرهم)

مشتريات السلاح وإصلاح المعدات 10,20
نفقات الموظفين والأعوان العسكريين 15،20
المعدات والنفقات المختلفة 5،00

إدريس ولد القابلة
رئيس تحرير أسبوعية الش




رد: تعاضم قوة الجيش الجزائري

شكرا اخي ومع تحياتي الخاصة للجيش الجزائري
لكن مازلنا في خطر ما لم نطور اسلحتنا بانفسنا




رد: تعاضم قوة الجيش الجزائري

والله يا اخي ساعد أعجبتني في بداية مقالك ولكن إستجواب المرتزق المغربي خلط جميع أوراقي واعتبره إشهارا للسياسة العدوانية المخزنية تجاه الجزائر العزيزة والعظيمة.One Two Three, viva mon pays عشرة في عين الحساد.




التصنيفات
أخبار بلادي الجزائر

الجيش الجزائري و تحرير الرهائن في تيقنتورين بعين اميناس

الجيش الجزائري و تحرير الرهائن في تيقنتورين بعين اميناس


الونشريس

فيديو ….. مشاهدة تحرير الرهائن من طرف الجيش الوطني الشعبي الجزائري في قاعدة الحياة البترولية بتيقنتورين عين اميناس




رد: الجيش الجزائري و تحرير الرهائن في تيقنتورين بعين اميناس

شكرا لك على ما قدمت …………………….الحمد الله على ان النتائج كانت أقل من المتوقع




رد: الجيش الجزائري و تحرير الرهائن في تيقنتورين بعين اميناس

merciiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiii




رد: الجيش الجزائري و تحرير الرهائن في تيقنتورين بعين اميناس

تحيا للجيش الوطني الشعبي حامي الجزائر




التصنيفات
الالعسكري

إعلان عن تكوين ضباط في الجيش من حاملي شهادة البكالوريا

إعلان عن تكوين ضباط في الجيش من حاملي شهادة البكالوريا


الونشريس

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

أيها الشباب الجزائري، أنتم الحاصلون على شهادة البكالوريا و تطمحون لضمان مستقبلكم و المساهمة في الدفاع عن وطنكم، الجيش الوطني الشعبي يستجيب لتطلعاتكم و يمنحكم الفرصة لتصبحوا ضباطاً في صفوف القوات البرية، القوات الجوية، القوات البحرية، قوات الدفاع الجوي عن الإقليم، الدرك الوطني،الحرس الجمهوري، المديريات و المصالح المركزية

لمزيد من المعلوات يرجى التحميل من الملفات المرفقة


الملفات المرفقة
اسم الملف نوع الملف حجم الملف التحميل مرات التحميل
Radio-0005.rar‏  441.3 كيلوبايت المشاهدات 117


رد: إعلان عن تكوين ضباط في الجيش من حاملي شهادة البكالوريا

شكرا اختي كلتوم وهذا هو الموقع الرسمي لوزارة الدفاع
للاطلاع على المزيد من المعلومات حول التخصصات المتوفرة

http://preinscription.mdn.dz/


الملفات المرفقة
اسم الملف نوع الملف حجم الملف التحميل مرات التحميل
Radio-0005.rar‏  441.3 كيلوبايت المشاهدات 117


رد: إعلان عن تكوين ضباط في الجيش من حاملي شهادة البكالوريا

الونشريس اقتباس الونشريس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة tsh1
شكرا اختي كلتوم وهذا هو الموقع الرسمي لوزارة الدفاع
للاطلاع على المزيد من المعلومات حول التخصصات المتوفرة

http://preinscription.mdn.dz/

العفو الهواري

أنت المشكور على الإضافة


الملفات المرفقة
اسم الملف نوع الملف حجم الملف التحميل مرات التحميل
Radio-0005.rar‏  441.3 كيلوبايت المشاهدات 117


رد: إعلان عن تكوين ضباط في الجيش من حاملي شهادة البكالوريا

الونشريس اقتباس الونشريس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام كلثوم
العفو الهواري

أنت المشكور على الإضافة

لي تعقيب بسيط
انا اسمي هواري بدون الف ولام
شكرا


الملفات المرفقة
اسم الملف نوع الملف حجم الملف التحميل مرات التحميل
Radio-0005.rar‏  441.3 كيلوبايت المشاهدات 117


رد: إعلان عن تكوين ضباط في الجيش من حاملي شهادة البكالوريا

شكرا إخوتي على المعلومات…ولكن هناك شروط منها معدل+12 وشهادة الليسانس بالنسبة للدرك الوطني…


الملفات المرفقة
اسم الملف نوع الملف حجم الملف التحميل مرات التحميل
Radio-0005.rar‏  441.3 كيلوبايت المشاهدات 117


التصنيفات
القطاع العسكري و شبه العسكري

تجنيد الضباط العاملين على أساس الشهادة في الجيش الوطني الشعبي 2022

تجنيد الضباط العاملين على أساس الشهادة في الجيش الوطني الشعبي 2022


الونشريس

أيها الشباب الجزائري، أنتم الحاصلون على شهادةالتعليم المتوسط، شهادة البكالوريا أو شهادة جامعية، وتطمحون لضمان مستقبلكم والمساهمة في الدفاع عن وطنكم. الجيش الوطني الشعبي يستجيب لتطلعاتكم ويمنحكم الفرصة لتصبحوا ضباطا في صفوف: القوات البرية، القوات الجوية، القوات البحرية، قوات الدفاع الجوي عن الإقليم، الحرس الجمهوري، المديريات والمصالح المركزية بوزارة الدفاع الوطني.

موقع التسجيل :

h t t p s :// preinscription.mdn.dz/surtitre/index.php




التصنيفات
الالعسكري

معركة أباد فيها الجزائريون نخبة الجيش الصهيوني

معركة أباد فيها الجزائريون نخبة الجيش الصهيوني


الونشريس

معركة أباد فيها الجزائريون نخبة الجيش الصهيوني

"إسرائيل" تعترف بهزيمتها أمام الجيش الجزائري

من بين ثنايا السطور ترفرف الراية الجزائرية فوق أعناق ثلة من المجاهدين الأشداء، الذين نفذت رصاصاتهم وقذائفهم وصواريخهم في صدور الصهاينة والأمريكان معا، فصنعوا تاريخا كانوا أول ضحاياه، وحفروا بطولات أدرك العدو أن الكشف عنها بمثابة نهاية حتمية لكيانه، فقدر للمعارك التي خاضتها القوات الجزائرية على جبهة قناة السويس أن تكون من أخطر أسرار تلك الحرب.

موشي ديان وشارون سقطا في فخ القوات الجزائرية

ولم ينجح العدو فقط في إخفاء كل ما يتعلق بالدور الجزائري على هذه الجبهة، بل ونجح أيضا في تحويل مخاوفه من كشف حقيقة هذا الدور إلى خنجر مشهر منذ ذلك الوقت وحتى الآن في وجه الجزائريين والعرب.

العرب مهزومون حتى عام 2023

حتى الآن يتذكر الجزائريون حرب أكتوبر بمرارة وحسرة وأحيانا بالدموع، وكل يبكي على ليلاه… الذين شاركوا فيها يعتصرون ألما لإجحاف حقهم وبالأخص المعنوي، والمؤرخون يلقون أقلامهم كلما اصطدموا بحواجز السرية والتعتيم، أما العامة فلا يفتحون أعينهم ولا يغمضونها إلا على صورة الخيانة التي رسخها العدو والصديق في أذهانهم، ويبقى الساسة والمسؤولون الذين باتوا مقتنعين بأن أعباء الحاضر ومشاكل العصر أهم من الالتفات لماض »لا يسمن ولا يغني من جوع«، لكن فتنة هذا الماضي القريب تنخر عظامنا اليوم أكثر من فتنة الـ14 قرنا، ولنسأل أنفسنا ونجيب بصدق: ماذا سيكون موقفنا لو شنّ الكيان الصهيوني حربا شاملة جديدة ضد قطر من أقطارنا؟.

عفوا تريّثوا قليلا، فها هي »غولدا مائير« تجيب عليكم في الصفحة 194من كتابها »حياتي«: »…أستطيع أن أؤكد لكم أن العرب لن يخوضوا حربا جماعية ضدنا لمدة نصف قرن على الأقل…«، مائير طرحت هذا الكتاب بعد حرب أكتوبر مباشرة، وقد وصلت لتلك النتيجة بعد تخصيصها لفصل كامل اختارت له عنوان »التحالف العربي وكارثة إسرائيل يوم الغفران« والذي تحدثت فيه عما أسمته »دروس ومكاسب الحرب«، فعجوز بني صهيون بررت لشعبها سبب الهزيمة في التفاف الجيوش العربية تحت راية واحدة، لكنها أكدت أيضا أنها حققت الأمن لـ»إسرائيل« حتى عام 2023، وأشارت إلى أنها قدمت للشعب الإسرائيلي أكبر »هدية«، وهي عدم إقدام العرب على محاربة إسرائيل مجتمعين، وفي فصل آخر من هذا الكتاب أشارت مائير ضمنيا أنها نجحت في إبعاد شبح وحدة الجيوش العربية مرة أخرى، لكن المرأة »الحديدية«، كما يطلقون عليها، كانت أذكى من الإفصاح عن الخطة التي وضعتها لتحول دون وحدة الجيوش العربية حتى عام 2023.

الهزيمة والغضب يكشفان المستور

لكن »دافيد اليعازر«، رئيس الأركان الصهيوني، الذي شاهد أول هزيمة لكيانه، والذي كان كبش فداء للمؤسسة العسكرية والذي اتهم بالقصور والتردد، غضب وانهار ففاحت رائحة المؤامرة من فمه، وهنا قررت مائير إقالته ومحاصرته… كلمات اليعازر التي قالها للمرة الأولى والأخيرة نشرتها صحيفة »معاريف« العبرية بتاريخ 29 أكتوبر 1973 ، وجاء فيها حرفيا: لست مسؤولا عن هزيمة صنعها قادة إسرائيل الأغبياء… استهانوا بالقوات العربية المحتشدة على الجبهتين الشمالية والجنوبية… ما حدث لقواتنا في ميناء الأديبة كان نتيجة للاستهانة والاستهتار بعدد وعتاد الوحدات الجزائرية…
لقد توقع شارون المغرور أن الجزائريين بأسلحتهم البدائية سيفرون بمجرد رؤية دباباته… لكنهم نصبوا له الفخ، فخسرنا في يوم واحد 900 قتيل من أفضل رجالنا وفقدنا 172 دبابة… ألم أصرخ في وجه ديان الذي قال إن هذه النقطة ـ يقصد موقع القوات الجزائرية ـ هي الأضعف على القناة؟، ألم أخبره أمام القادة بأن نظريته المرتكزة على جهل الجزائريين بطبيعة المكان وأسلوب القتال معنا نظرية هشة، وأن هؤلاء لديهم خبرة أكبر من المصريين أنفسهم في حرب العصابات التي انهارت بفعلها فرنسا؟، لقد أخطأ ديان هو وتلميذه المعتوه شارون حينما خططوا بتفاؤل لإبادة هذه القوات أثناء انكشاف خطوط الدعم المصرية عنها وانشغال المصريين بالقتال على رؤوس الجسور؟، أما مائير فقد كللت أخطاءها من قبل بمخالفة تعاليم التوراة وترك وصايا بن غوريون، حينما سمحت للعرب طوال ست سنوات كاملة للاحتشاد تحت قيادة موحدة، إنها ـ يقصد مائير ـ تتحدث اليوم عن خطة تشتيت العرب وتفريق كلمتهم لمدة 50 سنة مقبلة، قائدة »إسرائيل« ملت من تحميل الآخرين نتيجة أخطائها، لتضع خططا لا تعدو أن تكون أحلاما موهمة الشعب الإسرائيلي أنها انتصرت، أو على الأقل لن تتكرر الهزيمة.

الجزائريون يسقطون جنرالات بني صهيون في الفخ

التصريحات التي خرجت من قمة الهرم العسكري الصهيوني دفعتني دفعا للبحث عن كل ما قيل داخل كيان العدو في تلك الفترة، فقد كانت صدمة الهزيمة قوية على العدو، حتى أنها أفقدته قدرته المعروفة على تزييف الواقع أو طبخ التبريرات، فقادني البحث إلى محاضر استماع لجنة التحقيق التي أطلق عليها اسم »أجرانات«، والتي شكلت في تل أبيب للوقوف على أسباب الهزيمة، تلك المحاكمة ظلت معظم وقائعها سرية حتى عام 2022، حينما خرجت لأول مرة مذكرات أحد القضاة الذين أشرفوا عليها، وبالتوقف عند الجلسات التي تعلقت بشهادة وزير الحرب الصهيوني الجنرال »موشي ديان«، تتكشف أجزاء من الحقيقة.

فحينما سئل ديان عن قراره وخطة الهجوم على الأديبة أجاب قائلا: مثلما حدث في بقية مجريات الحرب… المصريون خدعونا وجعلونا نعتقد أن ميناء الأديبة غير محصن… كلفوا القوات الجزائرية بمهمة حمايته… فبنينا خططنا على أساس معلومات تؤكد لنا أن تلك النقطة الاستراتيجية في متناولنا، فحاولنا الاستيلاء عليه في الأيام الأولى للحرب، من أجل فتح منفذ على الجبهة تمر منه مدرعاتنا والمدرعات الأمريكية لتطبيق خطة التطويق، فوجهنا قصف صاروخي ومدفعي شديد ومركز على المنطقة كلها، لكن معظم صواريخنا أسقطتها الصواريخ المصرية المنتشرة على مسافة 15 كيلومترا من الميناء، في حين لم نلقَ مقاومة ولم تطلق قذيفة واحدة من المكان المستهدف، فتأكدنا أن الوضع آمن، وأننا دمرنا أسلحة الرد الثقيلة لدى القوات الجزائرية، أو أن هذه الأسلحة سحبها المصريون لاستخدامها في الهجوم، كانت كل المعطيات والتحليلات تدل على أن الجزائريين لا يملكون أسلحة قادرة على عرقلة العملية، وكنا قد جمعنا معلومات أخرى تشير لوجود حالة تذمر وانشقاق داخل تلك القوات بسبب عدم سماح المصريين لهم المشاركة في الهجوم على سيناء، وهنا أعطينا الضوء الأخضر لحلفائنا الأمريكيين، وفي الوقت ذاته أمرت اللواء 190 مدرع بالهجوم بكامل قوته على القوات المصرية في منطقة القنطرة شرق لشغل المصريين وإبعاد أنظارهم عن السويس وبالتحديد الأديبة، ثم أمرت اللواء مدرع 178 بقيادة الجنرال شارون بمهاجمة الميناء والاستيلاء عليه بسرعة، وقبيل وصول اللواء 178 للميناء فوجئنا بخبر إسقاط طائرة أمريكية عملاقة من طراز سي 5 غلاكسي بواسطة صاروخ أطلق من مواقع القوات الجزائرية، ووصلتني إشارة عاجلة تفيد بانقلاب الموقف رأسا على عقب، حيث تصدت مضادات جزائرية متطورة للطائرات الأمريكية وأمطرتها بعشرات الصواريخ فأسقطت واحدة وأصابت اثنتين أخريين نجحتا فيما بعد في الهبوط في أحد مطارات النقب، ولم تمر خمس دقائق أخرى حتى وصلتني رسالة ثانية تفيد بإطلاق بطاريات الصواريخ والمدفعية الثقيلة للقوات الجزائرية النيران بكثافة على المواقع التي انطلق منها القصف الإسرائيلي على الأديبة، هنا شعرت أننا وقعنا في فخ خطير، وأن العدو نجح في استدراجنا بخبث لم نعهده في حروبنا السابقة معه، وأن كارثة على وشك الحدوث، فحاولت الاتصال بالجنرال شارون ليوقف الهجوم ولكنه كان مجنونا.

صاروخ جزائري يهز أمريكا

وقبل سماع بقية شهادات ديان، أذهب للأدميرال »توماس مورير«، عضو هيئة الأركان الأمريكية المشتركة أثناء حرب أكتوبر، والذي يقول في مذكراته: إصابة السي 5 غلاكسي أصاب هيئة الأركان الأمريكية بالفزع، فقد كانت المرة الأولى التي يفقد فيها الأسطول الجوي الأمريكي واحدة من طائراته العملاقة الست، ولولا العناية الإلهية لفقدنا اثنتين أخريين، وبلغ الإحباط مداه حينما أعلن الرئيس نيكسون حالة الطوارئ داخل مقر قيادة الهيئة، طالبا تقديم تفسير مناسب لتلك الخسارة الفادحة، فلم نكن نملك أية تفصيلات أخرى باستثناء عبارات عاطفية وصلتنا من تل أبيب تتحدث عن خدعة وسوء تقدير، وبعد 18 ساعة كاملة جمعنا المعلومات التي صيغ منها التقرير الذي استلمه الرئيس في صباح اليوم التالي التاسع من أكتوبر 1973، والذي ذكرنا فيه أن السوفييت زودوا العرب بصواريخ حديثة كانت سببا مباشرا في فشل عملية الإنزال في منطقة السويس، وأجلت خطة الالتفاف على القوات المصرية لأكثر من أسبوع، لكننا اكتشفنا بعد تحليل حطام الطائرة أنها أصيبت بصاروخ سام عادي استوردته الجزائر من موسكو عام 1972.

شارون يبكي ويهرب كالفأر من الجزائريين

فقرات من شهادات ديان، والتي يقول فيها للمحققين :

اتهامي بالمغامرة بحياة جنودنا بناء على توقعات خاطئة ليس صحيحا، فبمجرد أن أشعل العدو النار في الأديبة حاولت إيقاف الهجوم البري، وأمرت الجنرال شارون بالانسحاب الفوري، لكنه كسر الأمر العسكري، واندفع باتجاه القوات الجزائرية، فوقعت الكارثة«، تلك الكارثة تحدث عنها موشي ديان بالأرقام »900 قتيل و172 مركبة«. لكن المؤرخ والكاتب الصهيوني »شفتاي تيبت« يتحدث عام 2000 عن سبب حجب كتابه المتعلق بخبايا حرب يوم الغفران، فيقول: لأكثر من ربع قرن وكتابي ممنوع من النشر لأني أكشف فيه عن حقيقة جبن شارون الذي قدمته المؤسسة العسكرية الإسرائيلية للشعب الإسرائيلي على أنه بطل حرب كيبور، فقد كنت ضابطا في اللواء 178 مدرع الذي تعرض لمجزرة لم يشهد مثلها جيش الدفاع من قبل، مات أغلب رفاقي، وبقيت رفقة قائد اللواء أرئيل شارون وثلاثة جنود… نعم لم ينجُ من لواء مدرع بأكمله مدعوم بكتيبة مظلات سوى خمسة أشخاص، بقيت حيّا لأشهد على »شجاعة« و»بسالة« شارون »العظيم«… الذي يتحمل وحده ما وقع لإسرائيل في هذا اليوم الأسود… شارون كان يسير باتجاه الأديبة منتشيا ولم يستطع إخفاء أحلامه الشاذة في المجد والخلود، فقال لي: »سنبيد هذه الحشرات في لحظات«، وأمرني والجنود بتدمير كل شئ حي على الأرض وقتل أي أسير والتنكيل بالجثث، لقد قال بالحرف الواحد: »أريد أن ترتج السماء والأرض بانتصاركم الوشيك…«، لقد كان يتصرف وكأنه ذاهب لإبادة قرية لا يوجد بها سوى نساء وأطفال عزل…

لم يتصرف مطلقا كقائد مسؤول عن أرواح رجاله… كان يقول بغباء لم أشهد مثيله في حياتي: »المهمة سهلة جدا… بضعة مئات من الجزائريين الضعفاء غير مدربين ولا مسلحين وغير مدعومين بالمرة.. نريد أن نفرمهم بجنازير دباباتنا لنلقن المصريين درسا مؤلما… ولنؤدّب كل من تسوّل له نفسه التصدي لنا«، كان فاشيا وقاسيا ولا يقبل الرأي الآخر، حتى أنني لم أستطع مناقشة خطة الهجوم معه بوضوح، وعندما جاءتنا الأوامر من القيادة العليا تطالبنا بالانسحاب الفوري، جنّ جنونه ورفض الأمر، في تلك الأثناء كنّا على بعد 10 كيلومترات من الهدف، فصرخ في الجميع عبر مكبر الصوت يخطب وكأنه داوود، قائلا: »على بعد أمتار ينتظركم المجد… قلوب أمهاتكم وقلوب العالم كلها معكم… بعد ساعة واحدة من الآن ستنظر لكم إسرائيل من تحت… أبيدوا هذه الفئران الجبانة التي ترتعد من بأسكم… لا ترحموهم… علموا العالم كيف يتعامل مع هذه الحثالة… لا تتركوا بيتا واحدا في الجزائر إلا متوشحا السواد… ومن بعد التفتوا إلى المصريين الجبناء… من الآن استعدوا لبناء أمجاد إسرائيل«.

ويواصل تيبت كشف أسرار هذه المعركة قائلا: اندفعنا بقوة صوب الأديبة تسبقنا قذائف دباباتنا… وما أن توغلنا في عمق المنطقة حتى وجدنا أنفسنا محاصرين من كل الجهات… كانت دباباتنا تنفجر بمعدل ثلاث إلى أربع دبابات في الثانية، فظننت أننا سقطنا في حقل ألغام… لكن أصوات الأعداء كانت تأتي من كل الاتجاهات، يقولون قولتهم الشهيرة »الله أكبر« وهم يمطروننا بالصواريخ المحمولة كتفا »آر.بي.جي«، المفاجأة شلت أيدينا وعقولنا… لم نتمكن من إطلاق قذيفة واحدة عليهم… لقد كانوا قريبين جدا… ولم تمر دقائق حتى دمر اللواء المدرع بأكمله، في حين لم تصمد قوات المظليين لأكثر من 30 دقيقة… وأبيدت عن آخرها… وتخيلوا… ماذا كان موقف شارون الشجاع وسط هذا الجحيم؟، ـ يتساءل تيبت ويجيب ـ: كان يصرخ ويبكي كالطفل الذي تركته أمّه تائها في الصحراء، كان يقول لسائق الدبابة تراجع… تراجع، لكن الصواريخ كانت أقرب من أوامره، فقفزنا من دبابتنا المحترقة تسترنا النيران المشتعلة في كل مكان، حتى قفزنا في مستنقع عشبي، أخذنا نسبح والنيران تلاحقنا… وشاءت الأقدار أن ننجو من المذبحة التي أوقعنا فيها بطل إسرائيل العظيم شارون، الذي أضاع على إسرائيل فرصة الإلتفاف الأولى والهامة على الجيش المصري…
نصر رج "إسرائيل".. زلزل أمريكا… ووضع العالم على شفا حرب نووية، صمود لم تفلح كل الخطط العسكرية في اختراقه، شجاعة فشلت معها كل مؤامرات العدو، هذه نتائج معركة الأديبة التي صنعت درعا واقيا لانتصار العاشر من رمضان، وشكلت منها القوات الجزائرية حائطا فولاذيا تحطمت تحته الجحافل الصهيونية والأمريكية.

المؤرخ والكاتب الصهيوني »شفتاي تيبت« كان أول من تحدث داخل الكيان الغاصب عن تفاصيل معركة »الأديبة«، أو كما يسميها القادة العسكريون »الثغرة الأولى«، وكان أول من كشف حقيقة »أرئيل شارون« أمام الشعب الإسرائيلي، في الوقت ذاته لم يكن »تيبت« الوحيد من بين الصهاينة الذين قدموا أدلة على الهزائم التي مُني بها الجيش الصهيوني على يد القوات الجزائرية، فمعركة الأديبة وبالرغم من كونها واحدة من أشرس معارك حرب أكتوبر، إلا أنها لم تكن آخر المواجهات المباشرة بين الجزائريين والصهاينة، بل كانت سببا مباشرا في توجيه دفة الحرب تجاه مواقع القوات الجزائرية…

وقبيل التحدث عن بقية معارك القوات الجزائرية مع العدو، أردت التوقف عند جوانب أزمة خطيرة هددت العالم كله آنذاك؛ ذلك أن نتيجة معركة الأديبة وتوقيت حدوثها فتح الباب أمام واحدة من أخطر الأزمات النووية العالمية… فبات استخدام السلاح النووي في المعركة مطروحا على الطاولة.

الذري في مواجهة الكيماوي والبيولوجي

وفي هذا السياق يقول الأدميرال الأمريكي »توماس مورير«: تسببت الهزيمة الثقيلة التي منيت بها أمريكا و»إسرائيل« في ميناء الأديبة بمدينة السويس إلى تصاعد وتيرة الحرب بشكل أوحى لكافة الأطراف المتحاربة بأن الحرب النووية على الأبواب، وفي اللحظات الأخيرة تراجع الجميع عن قرارات الهجوم بأسلحة الدمار الشامل بعد فشل الجبهتين المتقاتلتين في تحديد هوية ونتيجة الحسم.

ويضيف مورير: بعد يوم واحد من وقوع معركة ميناء الأديبة، وتحديدا في صباح يوم التاسع من أكتوبر 1973 ـ رابع أيام الحرب ـ كانت الولايات المتحدة قد حسمت أمرها وقررت شنّ حرب شاملة على العمق المصري، وانطلقت وقتها مقولة »نريد مليوني قتيل«، فقد كانت واشنطن تريد الضغط على الجيش المصري من خلال إيقاع خسائر فادحة في صفوف المدنيين، لإجبار القيادة السياسية والعسكرية على وقف الحرب، وتكرار سيناريو اليابان في الحرب العالمية الثانية التي أجبرت على الاستسلام بعد إبادة سكان هيروشيما ونغازاكي، ولكن هذه المرة بدون استخدام السلاح الذري تجنبا لاندلاع حرب نووية عالمية، والاستعاضة عن ذلك بقنابل ذات قدرة تدميرية واسعة تصب على التجمعات السكنية المكتظة بواسطة مئات الطائرات، وكان واضحا أن الأمريكيين متألمون جدا من الهزيمة التي لحقت بهم قبل يوم واحد من هذا القرار، حتى أنهم لم يكونوا في حاجة لاستغاثة رئيسة الوزراء »غولدا مائير« التي أطلقت نداءها الشهير »أنقذوا إسرائيل…

لم يبق سوى السلاح الذري«، لكنهم في الوقت ذاته ـ يقصد الأمريكيين ـ منعوا تل أبيب من الإقدام على ضرب القاهرة بالقنابل الذرية، بعد تواردت معلومات تؤكد أن المصريين والسوريين تسربت لهم خطة مائير النووية، فحملوا كل ما يملكون من صواريخ متوسطة المدى برؤوس كيميائية وبيولوجية وجعلوها في حالة جهوزية قصوى للإطلاق صوب تل أبيب والنقب وحيفا، وعلى حسب تقدير القيادات الأمريكية آنذاك فإن السادات اتصل بشريكه في الحرب »حافظ الأسد« وطلب منه الاستعداد لتنفيذ ما أسماه »الخطة الثانية للحرب«، التي أعدها العرب قبيل الحرب للرد بأسلحة الدمار الشامل على أي هجوم ذري إسرائيلي، وأن عدد هذه الصواريخ إما قارب أو جاوز المائتي صاروخ بقليل، 130 منها على الجبهة الجنوبية (مصر)، و70 على الجبهة الشمالية (سوريا)، وجاءت هذه التقديرات بناءً على نجاح الـ»سي.آي.إيه« في فك شفرة هذا الاتصال، لكن حتى الآن لا يعلم أحد إذا كان اتصال السادات ما هو إلا مناورة لإخافة خصومه، خاصة وأنه الاتصال الوحيد الذي لم يكن مؤمَّنا، وكأنّ صاحبه يريد وصوله للخصم، إضافة إلى أن عملية التجهيز الصاروخية على الجبهتين المصرية والسورية والتي نفذت بالفعل كانت أيضا مكشوفة ومرصودة بوضوح من قبل الأقمار الاصطناعية، وهو ما لم يكن متوفرا بنفس الدرجة مع التحركات الصاروخية العادية أو التقليدية التي استخدمت بالفعل تحت غطاء تمويهي حال دون كشف القواعد التي تنطلق منها، لكن أيّا كان الأمر… فإن العرب كانوا يمتلكون بالفعل عددا كبيرا من الصواريخ القادرة على الوصول للعمق الإسرائيلي، وكذلك عددا معتبرا من الرؤوس غير التقليدية، فكان إقدام أحد الطرفين على استخدام أسلحة الدمار الشامل بمثابة كارثة للعالم كله، فحيد هذا الخيار، وبحثت »إسرائيل« والولايات المتحدة عن بدائل أخرى… لكن تلك البدائل لم تمكنهما من إبعاد شبح الهزيمة.

خطة تدمير القاهرة

عندما بحثت عن هذه البدائل، وقعت في يدي وثيقة هامة محشورة في مذكرات »بي جروميكو«، وزير الخارجية السوفييتي وقت الحرب، والذي تحدث عن خطة الاختراق الجوي للعمق المصري، فيقول: بعد أن وقف العالم على شفير حرب نووية، تراجعت أمريكا و»إسرائيل« فتراجع الاتحاد السوفييتي هو الآخر بعدما أعلن حالة التأهب النووية القصوى، لكن هذا اليوم تلبّد بغيوم خطة خطيرة كاد أن يحدث نجاحها كارثة للعرب، حيث تقدم جنرال الجو الإسرائيلي »بيليد« بخطة عرضها على رئاسة أركان القوات الإسرائيلية، وكانت تلك الخطة موجهة ضد العمق المصري، ففي تمام الثالثة من مساء يوم 09 أكتوبر 1973 اجتمع كل قادة »إسرائيل« في مكتب رئيسة الوزراء آنذاك غولدا مائير ليوافقوا بالإجماع على تنفيذ خطة الهجوم على العمق المصري بما تبقى من طائرات سلاح الجو الإسرائيلي مدعومة بـ530 طائرة أمريكية هبطت بطياريها في مطارات »إسرائيل« خلال الأيام الثلاثة الأولى للحرب، وذلك عبر هجمة واحدة فقط، تستهدف ضرب الكيان الاقتصادي والصناعي وتنقضّ على تجمعات مدنية ومراكز صناعية إضافة للمناطق العسكرية… وكان من المقرر أن تبدأ الخطة بهجوم جوى مركز في الساعات الأولى من صباح العاشر من أكتوبر، وذلك على بطاريات الصواريخ والقواعد الجوية التي عرفت وقتها بحائط الصواريخ، وبدأ العد التنازلي لتنفيذ الخطة، ولكن العملية ألغيت قبيل دقائق من ساعة الصفر المقررة لها »الخامسة من صباح العاشر من أكتوبر«، وكان الإلغاء بقرار من مكتب رئيسة الوزراء أثناء اجتماعها مع موشى ديان ودافيد إليعازر رئيس الأركان و»كينيث كيتنغ« سفير واشنطن في »إسرائيل« آنذاك، وكان سبب الإلغاء معلومات سرية مزودة بصور التقطتها أقمار التجسس الأمريكية تؤكد قيام المصريين بنشر عشرات البطاريات من الصواريخ المتحركة حول القاهرة والإسكندرية، الأمر الذي أدى لإجهاض الخطة من أساساتها، فقد كان مقدرا، بناءً على دراسة لقدرات حائط الصواريخ المنتشر على القناة، أن الدفاعات المصرية استنفدت الكثير من قدراتها خلال الأيام الأولى للحرب، وأن عددها يكفي بالكاد لإسقاط 200 طائرة، في حين ستتمكن بقية الطائرات المهاجمة من الوصول لأهدافها، لكن وبعد عملية النشر الصاروخي الداخلي، والتي شكلت حائط صواريخ ثانياً، بات أمل الوصول للهدف منعدما. حقا قبلت القيادات الإسرائيلية والأمريكية في سبيل تنفيذ هذه العملية بخسران 200 طائرة، لكنها لم تكن على استعداد لفقدان جميع طائراتها في عملية محكوم عليها بالفشل، وهو ما كان سيعني تأكيد السيطرة المصرية على سماء المنطقة برمتها، فعاد التفكير من جديد في الهجوم البري على مواقع الصواريخ والدفاعات المصرية.

(إسرائيل) تعاود الهجوم على القوات الجزائرية

العقيد »عساف ياجوري«، قائد اللواء 190 مدرع، والذي وقع في أسر القوات المصرية في واحدة من أعنف معارك الدبابات التي شهدها التاريخ، والذي اتهمته القيادات الصهيونية بإفشائه أسرارا للمصريين تسببت في إحباط عملية الثغرة الثانية، رد على الاتهامات الموجهة ضده أمام لجنة الدفاع بالكنيست قائلا: »تلقيت الأوامر من الجنرال شارون بالهجوم على ميمنة الجيش الثاني الميداني في منطقة القنطرة شرق، لشغل أنظار المصريين عن الهجوم الجنوبي على الأديبة، لكن المصريين كانوا يعرفون ميعاد وصولي واستعدوا لاستقبالي، وعلى غرار الفخ الذي نصب في الأديبة وجدت فخا في القنطرة، لكنني لم أهرب مثل قائدي… قاتلت واستمرت المعارك أربع ساعات متواصلة… كانت دبابات الأعداء أكثر من دباباتنا… وكانوا يجيدون الرماية على مختلف المسافات… كانوا يتقدمون بسرعة نحونا… وما زاد الطين بلة تطويق عدد من أفراد قواتهم الخاصة لنا، واتباعهم أسلوب التدمير والشل الحركي لمركباتنا ـ يقصد إعطاب مقدمة ومؤخرة طابور الدبابات، فتعجز بقية دبابات المنتصف عن الحركة ـ، وكان الاستسلام هو السبيل الوحيد للنجاة، لكن المصريين استجوبوني بدهاء حتى استدرجوني لكشف هدف الهجوم، ومكانه الحقيقي«.

شهادة »عساف ياجوري« وجدتها تتوافق كثيرا مع ما ورد في مذكرات المشير الجمسي، الذي تحدث عن هذه العملية قائلا: كانت اعترافات العقيد الإسرائيلي الأسير »عساف ياجوري« مهمة للغاية، وكشفت للقيادات المصرية نوايا العدو الرامية للوصول لحائط الصواريخ، وتدميره لفتح ثغرة للطائرات الإسرائيلية، وكان واضحا لدينا جميعا في غرفة القيادة أن العدو تأكد تماما من عجزه عن صد قواتنا المهاجمة في سيناء، لأنها كانت تتحرك تحت مظلة قوية من الدفاعات الأرضية والمقاتلات المصرية، لذا لم تكن توجد حلول أمامه لوقف تقدم قواتنا في عمق سيناء إلا بانكشاف الغطاء الجوي المصري، لكننا كنا متأكدين ـ بعد فشل محاولة اختراق اللواء 190 مدرع لقواتنا عند محور القنطرة شرق، وفشل عملية الأديبة ـ أن العدو بات عاجز كليا عن تكرار مثل هذا النوع من العمليات في مناطق العبور التي أحكمت القوات المصرية قبضتها عليها تماما، وفي نفس الوقت كانت التحليلات العسكرية تشير إلى أن العدو سينفذ عملية التفاف ولكن من مكان آخر وبأسلوب آخر، وبدراسة دقيقة لنقاط الجبهة وجدنا أن ميناء الزيتية المتاخم للأديبة هو النقطة الأمثل لتنفيذ هذه العملية، وهنا تركنا العواطف جانبا، ورفضنا الاقتناع بأن العدو لن يفكر في الهجوم على المكان الذي خسر في ساعة واحدة لواءً مدرعا كاملا وكتيبة مظليين، وعلى الفور قررنا تدعيم القوات الجزائرية المسؤولة عن تأمين الزيتية بكتيبة صاعقة، وكانت المهام الموكلة لتلك الكتيبة جديدة ولم تطبق في الحروب من قبل، فصعقت العدو وأفشلت عملية الثغرة الثانية.

أسرى جزائريون لإنقاذ غولدا مائير

لأن القادة المصريين يتحفظون دائما خلال مذكراتهم على سرد تفاصيل العمليات العسكرية وهذا حال المنتصر، فإن المشير الجمسي لم يقدم أكثر مما أورده عن عملية الزيتية، لكن القادة الصهاينة المنهزمين كانوا مجبرين على قص كل كبيرة وصغيرة أمام لجان التحقيق.

الجنرال »شمويل جونين«، قائد الجبهة الجنوبية مع مصر، والقائد المباشر لشارون، يحمّل في اعترافاته أمام لجنة التحقيق شارون المسؤولية الكاملة عن الهزيمة في عملية الزيتية »الثغرة الثانية« فيقول: ‘في صباح يوم 10 أكتوبر تلقيت أوامر من الجنرال »حاييم بارليف« بالتحرك بكل قوات المنطقة الجنوبية باتجاه ميناء الزيتية، أما طبيعة المهمة فتلخصت في الاستيلاء على الميناء والاتجاه صوب الأديبة، وتطهيرها من القوات الجزائرية، وإيقاع أكبر عدد ممكن من الجنود والقادة الجزائريين أحياء بناء على أوامر سياسية«. وقبيل استكمال شهادات »جونين«، أتوقف قليلا مع كتاب غولدا مائير »حياتي« التي أشارت فيه هي الأخرى لتلك العملية بالقول: »لقد هزت هزيمة الأديبة القيادات الإسرائيلية، وكنت أكثر ما أخشى أن تتسرب الحقيقة للمجتمع الإسرائيلي، فأمرت الجنرال موشي ديان الذي وضع خطة الهجوم على الزيتية بأن يصور عملية القضاء على القوات الجزائرية والتي قدرت بحوالي ثلاثة آلاف، على أن يوقع منهم من 10 إلى 50 أسيرا، لأواجه بهم الإعلام الذي بدأ يشتم رائحة الفضيحة«.

وأعود مرة أخرى لجونين الذي يقول: كان شارون يخضع لإسعافات في النقطة الطبية التابعة لقيادة المنطقة الجنوبية،
حيث أصيب رأسه في المعركة، أجريت له جراحة فخيط بثماني غرزات على ما أذكر، إلا أنه كان يحاصرني بجواسيسه الذين أخبروه باستعداد القوات للتحرك صوب الزيتية والأديبة، فدفع باب مكتبي بوقاحة وظل يضرب على المكتب بكفيه، قائلا: »أنا من سيتولى قيادة الهجوم’، فحاولت إفهامه برفق أنه مصاب ولايزال تحت وقع الصدمة، وأنني سأتولى قيادة الهجوم شخصيا، فتوجه نحو الهاتف واتصل بالجنرال ديان، قائلا له: هذا ثأري يا جنرال… هذه معركتي… لن يتولى سواي قيادة هذه العملية«، ثم ابتسم بشماتة وهو يعطيني سماعة الهاتف، ليأمرني الجنرال ديان بالامتثال لأوامر شارون، وهنا أدركت أنني أهنت لأبعد مدى، فقررت تقديم استقالتي على الفور، ويضيف جونين: لم أقدم على الاستقالة في أوج المعركة خوفا من العرب، ولكني أردت أن أتنحى جانبا عن العار الذي سيجلبه شارون لـ»إسرائيل«، فقد كانت هذه العملية في حاجة إلى قائد متزن ومحنك وشجاع أيضا، لكن شارون المغرور والجبان في نفس الوقت وضعته القيادة العسكرية فوق أعناق الجميع، وفوق »إسرائيل« نفسها.

الجزائريون يذلّون بطل المذابح

أترك جونين الذي انتهى دوره في المؤسسة العسكرية الصهيونية منذ تلك الواقعة، لأعود إلى »شفتاي تيبت« الذي يقول: بمجرد أن سمعت بأن شارون هو من سيتولى الهجوم على الزيتية خلعت شاراتي العسكرية، وطلبت من قادة المنطقة الجنوبية تقديمي للمحاكمة، فنصحني الجنرال جونين بالتراجع عن هذا القرار لأن توابعه خطيرة على مستقبلي، وأن المحكمة العسكرية لن ترحمني لأنه جاء وقت الحرب، وسيفسر على أنه هروب من الميدان أثناء القتال، وهي جريمة يعاقب عليها القانون الإسرائيلي بالتجريد من كل الرتب العسكرية والحبس لمدة عشر سنوات، لكنني أخبرت الجنرال أنني أعلم ذلك، وتمسكت بقراري، وبالفعل قدمت للمحاكمة وجردت من رتبتي العسكرية، إلا أن ذلك كان بالنسبة لي أشرف من القتال تحت إمرة معتوه، رأيته بعيني يبكي كالأطفال في ساحات المعارك الحقيقية، ورآه العالم من بعد يضحك كالمجنون في معاركه ضد النساء والشيوخ.

الصاعقة الجزائرية تأسر 80 صهيونيا

الجزائريون والصهاينة وجها لوجه بالسلاح الأبيض

وحوش.. شياطين.. سحرة وقردة.. هذه بعض الأوصاف التي أطلقها الصهاينة على الجزائريين في ثاني مواجهة عسكرية معهم، إنها معركة الزيتية التي تخلى فيها المقاتلون العرب عن أسلحتهم الثقيلة، ليواجهوا بأجسادهم دبابات العدو ونخبة قواته.

الجيش الجزائري يحاصر القوات الإسرائيلية

قبل التعمق في البحث عما جرى في معركة »الزيتية« أو الثغرة الثانية، أتوقف للمرة الأخيرة مع المؤرخ »شفتاي تيبت« الذي يروي تفاصيل فرار شارون من القوات الجزائرية بعد هزيمته في »الأديبة«، تيبت أدلى بشهادته تلك أمام لجنة التحقيق »أجرنات«، فقال: أعترف أنني انسحبت من ميدان القتال في أشد اللحظات حرجا في تاريخ دولة »إسرائيل«.. لم تكن مبررات انسحابي بالهينة.. بل كنت أحاول أن أوصل صوتي من ميدان المعركة لقادتي في تل أبيب.. إنهم لا يرون ما أرى ولم يعايشوا ما عايشت.. لقد خدمت مع الجنرال شارون خمس سنوات فلم أر سوى شخص مجنون مصاب بعدة أمراض نفسية خطيرة.. ولم أره أكثر وضوحا إلا أثناء القتال.. إنه لا يفقه شيئا عن القيادة العسكرية.. في معركة الأديبة دفع زملائي حياتهم بسببه وسجل التاريخ هزيمة نكراء لـ»إسرائيل« كنا في غنى عنها.. كدت بل كاد هو أيضا أن يفقد حياته بسبب سوء تصرفه وعجزه عن القيام بواجبه العسكري.. وحينما علمت أن القيادة كلفته من جديد بقيادة هجوم الزيتية أدركت أن ثمة خطأ ما حاصل في غرفة القيادة، وأنه لا سبيل لتصحيح الخطأ إلا بإعلان التذمر ليفتح ملف التحقيق قبل فوات الأوان.. في الواقع لم أكن أريد أن أسجل اسمي في قائمة صانعي هزائم »إسرائيل«، لكنني أيضا لم أكن أريد أن تسير »إسرائيل« إلى حتفها على يد شارون.

ويضيف تيبت: في طريق انسحابنا من الأديبة كان شارون ينزف بشدة من رأسه.. كان قد أصيب بجرح بالغ وعميق، وخلال رحلة العودة الشاقة عرفته على حقيقته.. لقد تحول القائد الشجاع الشرس المقدام إلى طفل وديع.. أخبرني أنه سيطلق الحياة العسكرية ولن يعود مطلقا للقتال، وأنه تعلم أشياء كثيرة في الأديبة، حتى أنه أثنى على العدو.. وطلب مني ومن الجنود الثلاثة الذين نجوا من المذبحة أن نزيف حقيقة ما جرى لنا في المعركة، أمرنا بلطف أن نتحدث عن آلاف من العرب ومئات الدبابات والصواريخ المتطورة، وأننا قاتلنا بشجاعة وشراسة لكن العدو كان أكثر عددا وعتادا، وأخبرنا أن ما جرى لنا نستحق عليه التكريم وليس العقاب، ظننت أنه على حق وامتثلنا لأوامره، لكنني اكتشفت من بعد أنه كان يهذي وأن إصابته أثرت على مخه.. فبمجرد وصولنا لمقر قيادة المنطقة الجنوبية حاول التغلب على إعيائه وهزيمته وأخذ يرفع رأسه بشموخ لا يجرؤ المنتصر الحقيقي عليه، ولم تمر ساعات حتى عرفت أنه كلف من جديد لمعاودة الهجوم على نفس الموقع الذي هزمنا فيه، وعندما واجهته بما قاله لي أثناء عودتنا من الأديبة هددني بالقضاء على مستقبلي العسكري أو قتلي إذا أخبرت أحدا بما جرى.. لكنني كنت أشجع من تهديداته.. اعترفت بالحقيقة للجنرال »جونين« لكنه هو الآخر كان قد استقال، ليحل محله الجنرال »حاييم بارليف« الذي كان متعاطفا مع شارون في جنونه وغبائه ونفاقه.

القتل والذبح على يد "شياطين الظلام"

المؤلفان الصهيونيان »رونين برغمان« و»جيل مالتسر«، يكشفان في كتاب يحمل اسم »حرب يوم الغفران، اللحظة الحقيقية« عن وثائق سرية من أرشيف هيئة الأركان العامة والحكومة الصهيونية تفضح جزءاً مما حدث في معركة »الزيتية«، وفي الفصل الثالث من هذا الكتاب وتحت عنوان »الزيتية.. بئر الموت« يستهل الكاتبان بالقول: اعترافات الجنود والضباط الناجين من معركة الزيتية أمام لجنة الاستماع تكشف عن ارتكاب القادة العسكريين الإسرائيليين وكذلك القيادة السياسية لجملة من الأخطاء القاتلة، أدت في النهاية للهزيمة.. لقد اختصر القادة أهدافهم وخططهم العسكرية على إحداث فجوة في الجيش المصري، لم يكن هدفها الالتفاف على القوات المهاجمة بقدر إحداث ضجة إعلامية، تقلل من وقع الهزيمة عند الرأي العام الإسرائيلي، فمن الجانب العملي كانت هذه الخطة غير قابلة للتطبيق نظرا لتفوق العدو العسكري بدءا من اليوم الرابع للحرب، وتماسك خطوطه القتالية وتحكمه في زمام الأمور.. وقراءته الصائبة لرد الفعل الإسرائيلي.

ويضيف الكاتبان: نتيجة معركة الزيتية تمثل أكبر فشل تعرض له الجيش الإسرائيلي، لكن المؤسف أن صانعي القرار في »إسرائيل« لم يكتفوا بإخفاء ما حدث فيها، بل قدموها للشعب على أنها واحدة من إنجازات حرب الغفران، وربما استندوا في رأيهم هذا إلى عودة قرابة الخمسين في المئة من قواتنا سالمة، وهو ما لم يحدث في معركة الأديبة التي سبقتها بيوم واحد بنسبة خسائر مئة في المئة، هكذا إذن بلغ الطموح العسكري الإسرائيلي في القتال مع العرب.. التغني بالنجاة والتهليل للتقهقر والفرح لوقف إطلاق النار، وبالاطلاع على شهادات المشاركين في معركة الزيتية أمام لجنة الاستماع يتضح أن »إسرائيل« لم تنهزم فقط عسكريا، بل انكسرت انكسارا لا تكفي السنون لإصلاحه.

ويواصل الكاتبان قائلين: أحد الجنود المشاركين في هجوم الزيتية الفاشل يقول: لم نكن نحارب بشرا بل شياطين تظهر وتختفي.. قذائفنا لا تصل إليهم ونيرانهم تحرق كل شيء.

جندي آخر يقول: لم تكن هناك جبال ولا أحراش ولا حتى أحجار يختفون وراءها.. لم تكن هناك سوى الصحراء
والرمال.. حتى السماء كانت صافية ومبشرة بالنصر.. لم نر عدونا لكنه كان يرانا بوضوح.. يراقب تحركاتنا في صمت حتى أطبق علينا.. ظننت أن النيران تطلق علينا من السماء، أو من المدفعية بعيدة المدى.. تخبطنا وارتبكت صفوفنا.. ولم يكن لدينا الوقت الكافي لإعادة تنظيمها.. وفجأة وجدناهم في كل مكان.. يقفزون كالقردة لا تسترهم سوى سحب الدخان المتصاعد من آلياتنا، فوجدناهم فوق أسطح دباباتنا.. وفوق أعناقنا.. يطعنون ويذبحون بلا رحمة.. لقد كانوا متوحشين فوق الوصف.. وملامحهم مخيفة تزرع الرعب في القلب.. وحتى الآن لا أعرف من أين هبطوا لنا.. لا تفسير لديّ حتى الآن.

ويعلق الكاتبان: هذا جزء من شهادات عشرات الجنود الذين شاركوا في معركة الزيتية، وهذه الشهادات ليست أحسن حالاً من شهادات قادتهم في المعركة، فقد اخترقت الهزيمة قلوب الإسرائيليين وتركت جرحا غائرا في العقيدة القتالية للجيش الذي لا يقهر.

الصاعقة الجزائرية تحرق دبابات العدو

ويواصل الكاتبان في مؤلفهما الهام سرد اعترافات القادة الصهاينة في معركة الزيتية فيقولان: يقول الملازم أول »حنان تسائيف«: في مساء يوم التاسع من أكتوبر وبعد فقدان جيش المنطقة الجنوبية لعدد كبير من آلياته وجنوده في معركة الأديبة، بدأت عملية الدعم العسكري للقوات الجنوبية، وشمل الدعم لواء جولاني بكامل تجهيزاته، وكتيبتي مشاه ميكانيكا، ولواءين مدرعين أحدهما أمريكي، والآخر تم تجميعه من فلول قوات المنطقة الوسطى بسيناء، وكانت الدلائل تشير إلى أننا مقبلين على عملية كبيرة، فصدرت الأوامر في فجر العاشر من أكتوبر للاستعداد لتلقي الأوامر، وفي الثامنة صباحا تحركت كل القوات بقيادة الجنرال شارون باتجاه ميناء الزيتية، استغرق المسير قرابة الساعتين، وقبيل الزيتية بحوالي 12 كيلومترا اندلعت المعركة بشكل مفاجئ، حيث باغتتنا القوات الخاصة للعدو بطريقة لم نتوقعها أبدا، فالطريق كان سالكا والمنطقة مكشوفة من كل الجهات، ولم تكن هناك أية إشارة توحي بالخطر، لكن هذه القوات قامت بالاختفاء في حفر برميلية على شكل مربع ناقص ضلع، وما أن ولجت قواتنا فيه، حتى خرجوا من جحورهم ليقذفوا آلياتنا بمئات القذائف المضادة للدروع وصواريخ »ماليتيكا«، استمر القصف الصاروخي قرابة الساعة وكنا نرد على مواقع إطلاق الصواريخ لكن الغلبة كانت لهم، فتراجعت الدبابات بعدما تمكن جنود العدو من اختراق صفوفنا ومهاجمتنا عن قرب، لقد كانوا يتسلقون الدبابات ويفتحون أغطيتها العلوية ليفجروا أطقمها بالقنابل اليدوية، حتى أن بعض الدبابات وسط هذه الفوضى أطلقت النيران على بعضها البعض، فوقعت خسائر كبيرة، إضافة إلى أن قوات المشاة وجولاني كانت عاجزة عن التعامل مع العدو في ظل هذا الارتباك، فصدرت الأوامر بالانسحاب لإفساح المجال للقتال الفردي بين قواتنا وقوات العدو، في الوقت الذي اتصلنا بالقيادة نطلب الدعم الجوي.

ويضيف الكاتبان على لسان »تسائيف«: »لم تستجب القيادة لطلبنا وتركتنا نواجه مصيرنا بدم بارد«.

اشتباك بالأيدي والسلاح الأبيض

ويورد الكاتبان شهادة أخرى لأحد ضباط قوات »جولاني« ـ نخبة الجيش الصهيوني ـ، وللإشارة فإنه يهودي من أصل مغاربي، وهو المقدم »فايز كوكبي«، الذي يقول: للأسف تأهلنا في معاهدنا العسكرية على نظريات خاطئة دفعنا ثمنها في الزيتية، لقد أوهمنا قادتنا وأساتذتنا أن عدونا ضعيف وجبان ولا يجرؤ على مواجهتنا بشكل مباشر، لكنني اكتشفت في الزيتية مدى همجية ووحشية هذا العدو.. لقد كانوا دمويين لأبعد مدى.. كانوا يجتزون رؤوس الجنود ويتسابقون للالتحام بنا، لكنهم كانوا على درجة عالية من الكفاءة والتدريب، وكانوا يمتلكون مهارات عالية في مجال القتال الفردي، يجيدون استخدام السلاح الأبيض والاشتباك، وأيضا كانت لياقتهم البدنية عالية، وكان واضحا أن قادتهم لقنوهم أساليب كسر العنق والعمود الفقري، مما يدل على أنهم نالوا قسطا من التدريب على الرياضات القتالية، وكل تلك الأشياء لم تتوافر في معاهدنا ولم نتدرب عليها، وهنا برزت أخطاء المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وظهر التفوق الحقيقي للعرب.. إن معركة الزيتية وبكل ما تحمله من ذكريات مؤلمة يجب أن تكون درسا لتصحيح أخطائنا، فالعدو يحسب لكل شيء حسابه، ويبتكر في أساليب القتال، في حين أننا لازلنا نهندس خططنا على الهجمات الخاطفة والتفوق التكنولوجي العسكري، وقد أثبتت حرب يوم كيبور أننا لم نكن نمتلك سوى السلاح، أما العدو فقد نجح في توظيف عقله وجسده ثم سلاحه.

السحر الأسود و"خبث" العرب

لاشك أن كتاب »حرب يوم الغفران، اللحظة الحقيقية«، يكشف بعض جوانب معركة الزيتية، لكن مذكرات »أهارون ياريف«، مدير جهاز الاستخبارات العسكرية الصهيونية الأسبق، تكشف تفاصيل أكثر دقة حول هذه المعركة.

»ياريف« يقول: حرب الغفران تكشف بجلاء عن خبث وخداع العرب، إنهم كالحرباء المتلونة، لم نتمكن من قراءة نواياهم قبيل الحرب وأثناءها، وفشلنا في ترجمة خططهم القتالية ـ وبعد سرده لعدة مواقع يدلل فيها على »خبث« العرب ـ على حد وصفه ـ يصل ياريف لمعركة الزيتية، فيقول ـ: لقد نجحت مخابرات العدو في كشف خطتنا، وبسرعة فائقة استعدوا لإفشالها، كانت أعداد دباباتنا وجنودنا تفوق عددهم وعتادهم، فشرعوا في تحصين الميناء وحركوا الكتائب المدرعة الجزائرية من الأديبة للزيتية، ووصلتني إشارة عاجلة تفيد بأن العدو يعلن حالة التأهب العسكري في الميناء، وفي تلك اللحظات أدركت أن العدو يعرف وجهتنا وأن الأديبة غير محصنة بالمرة، فأرسلت للقيادة إشارة أبلغهم فيها بحقيقة الموقف مرفقة باقتراح معاودة مهاجمة الأديبة، فعدلت القيادة على وجه السرعة الخطة، وقررت مهاجمة الزيتية والأديبة معا، على أن ينشطر جزء من القوات عند »مفرق عتاقة« ـ على بعد 12 كيلومترا من الميناءين ـ ويتجه للسيطرة على الأديبة ثم يلتف من الخلف على الزيتية لدعم القوات الرئيسية وتطهيرها والاستيلاء عليها، وهنا أتذكر ـ يقول ـ ياريف ـ الجنرال »حاييم بارليف« الذي خلف الجنرال »جونين« في قيادة المنطقة الجنوبية، أتذكر ضحكته العالية التي لاتزال تتردد في أذني ومقولته »لقد ابتلع العرب الأغبياء الطعم«، هكذا وتحت مظلة هذه المعلومات تحركت قواتنا، وانتظرنا بفارغ الصبر والثقة أول الأنباء عن سقوط الميناءين، لكن طال الانتظار ولم يصل هذا الخبر، بل وصلتنا أنباء السوء التي لم نكن نسمع سواها في تلك الأيام العجاف.

إسرائيل تركع للجزائريين لإطلاق سراح الأسرى

ويواصل ياريف قائلا: اكتشفنا أن العدو وضع خطة مغايرة، فقد أدرك مسبقا أن تحصين ميناء الزيتية وإمداده لن تحول دون سقوطه في يدنا، لقد اخترقوا عقولنا بطريقة لا تفسير لها سوى انهم استخدموا نوعا من السحر الأسود فسخروا شياطينهم لتخبرهم بكل كبيرة وصغيرة، وحتى لو كان هذا الاحتمال صحيحا، فكيف تمكنوا من نقل قواتهم بسرعة وسرية إلى موقع المعركة؟ ـ يتساءل ياريف ـ ثم يقول: لقد نقل العدو قواته الخاصة وكانت مشكلة من الكتيبتين 145 صاعقة مصرية وكتيبة صاعقة جزائرية إلى مفرق عتاقة، وهي نفس النقطة التي قررنا استخدامها لقسم القوات المتجهة للأديبة والزيتية، وعوضا عن تدعيم هذه القوات بالآليات والدبابات، قام بتزويدها بعدد كبير من مضادات الدروع والصواريخ والرشاشات الثقيلة، وأمر هذه القوات بحفر الأرض والاختباء بها، نظرا لأن المنطقة مكشوفة، وهو ما أوحى لقواتنا التحرك باطمئنان، وبهذا أنقذ العدو آلياته من دمار محقق في معركة محسومة لنا سلفا، وأمن الميناءين المستهدفين، لكن ما يثير الدهشة أن قيادة العدو وضعت جميع أوراقها في تلك الحفر، فبالنسبة لي وللقيادات الإسرائيلية عموما لا يمكن أن نعتمد على مثل هكذا خطة لمواجهة عملية بهذا الحجم، لكن ثقة العدو في قواته الخاصة والأسلوب الذي استحدثه في القتال جعلته يقدم على هذه الخطوة دون تردد، فقد نشر الكتيبة الجزائرية في الخطوط الأمامية لتضرب قواتنا من الخلف، ونشر الكتيبتين المصريتين في القلب والميمنة والميسرة، فوقعت عملية التطويق الخطيرة.

وقدر لخطة العدو أن تنجح، لتصبح صفحة سوداء في تاريخ العسكرية الإسرائيلية، فلم يسبق أن خسرنا قرابة اللواءين مدرعين ومئات القتلى و300 أسير في معركة واحدة، كما لم يسبق للعرب النجاح في التنسيق القتالي لهذا الحد، وبلغت الخسائر الحد الذي ركعت فيه »إسرائيل« وامتثلت لأوامر العرب، ففي مفاوضات تبادل الأسرى، كان هناك 80 أسيرا إسرائيليا لدى القوات الجزائرية، ورفضت القيادات الجزائرية تسليمهم، بالنظر إلى أننا ليس لدينا أسرى منهم، وبعد مفاوضات استمرت ليومين أصر الجزائريون على مقايضة الأسير بعشرة أسرى على نفس الرتبة العسكرية، فلم يكن أمامنا خيار آخر.

إسرائيل" تنكسر أمام صمود القوات الجزائرية

والفدائيون المصريون ينضمون لإخوانهم الجزائريين المدافعين عن مدينة السويس بأجسادهم العارية

تشققت الشفاه عطشا… تضورت الأمعاء جوعا… وخوت البنادق من الرصاص… وتحت حصار مطبق رفعت أيادي الأبطال راية الصمود… فغلب شوقهم للشهادة عن مؤامرات العدو، حتى جاءهم الغوث ليعيدوا الكرة… فكان النصر في واحدة من أروع ملاحم المسلمين.

سلاح الغدر والمكر آخر ما تبقّى في جعبة العدو

المؤرخ الإسلامي المصري »أحمد فؤاد« يقول في كتابه »تاريخ اليهود«: بعد سلسلة الهزائم التي مني بها اليهود شرق القناة، وبعد فشل كل المحاولات في إيقاف قوات المسلمين المتوغلة في عمق سيناء، بدأ العدو يستخدم سلاحه القديم المتجدد »الغدر« والذي لم يبق له سواه، فاتخذت المعارك الفاشلة التي خاضها من بعد من أساليب المكر والتحايل سبيلا لإحراز أي تقدم في الميدان… لكن…

ويضيف فؤاد: كان اليهود يعملون ليل نهار من أجل إعادة المسلمين مرة أخرى إلى غرب القناة، أي تدمير رؤوس الجسور واستعادة حصون خط بارليف والوقوف مرة أخرى على الضفة الشرقية للقناة، وتكبيد المسلمين قدرا هائلا من الخسائر المادية والبشرية وتلقينهم درسا قاسيا يحول بينهم وبين التفكير مرة أخرى في العودة إلى ميادين القتال.

وبدأت الهجمات المضادة اليهودية تأخذ شكلا جديدا، أي أصبحت أكثر قوة وأكثر إصرارا واندفاعا، لكن المسلمين صمدوا وتمكنوا من صد الهجمات المضادة، فكانت الخسائر البشرية اليهودية أكثر فداحة بالإضافة إلى الخسائر في الأسلحة والمعدات، وفي الوقت نفسه كانت القيادة اليهودية تناقش خطة الاندفاع شرقا من ثغرة الدفرسوار، أي من نقطة الفصل بين الجيشين الثاني والثالث للوصول إلى غرب القناة، فوضعت خطة العبور إلى الجانب الغربي للقناة وإنشاء رأس جسر، والانتشار على شكل مروحة باتجاه الشمال والاستيلاء على الإسماعيلية، ثم التقدم باتجاه القنطرة لفرض الحصار على الجيش الثاني الميداني، وباتجاه الجنوب والاستيلاء على السويس وبور توفيق والأديبة للقضاء على القوات العربية الموجودة بها والتي كانت تابعة للجزائر وذلك لفرض الحصار على الجيش الثالث الميداني، وبنجاح هذه القوات اليهودية بالتمركز في ظهر الجيشين الثاني والثالث، تسهل مهمة القوات التي ستضغط من اتجاه الشرق من أجل كسر إرادة القوات المدافعة وضرب معنوياتها في مقتل بالهجوم عليها من الشرق وقصفها من الغرب وإغلاق طريق الانسحاب باتجاه الغرب، إذا ما فكرت في ترك مواقعها، وعندما وصلت القوات اليهودية غربا تمكنت من تدمير عدد من مواقع صواريخ الدفاع الجوي، وبذلك فتحت ثغرة في حائط الصواريخ، سمحت للقوات الجوية اليهودية بالعمل ضد قوات المسلمين.

الإنتقام من الجزائريين أهم إستراتيجية صهيونية !!

ويضيف فؤاد: واجهت القوات اليهودية وهي تحاول الوصول إلى الإسماعيلية نيرانا هائلة وصمودا وإصرارا من أجل الحيلولة دون احتلال المدينة، كانت صورة الموقف واضحة، وبالرغم من افتقاد القوات الموجودة بالمنطقة للعناصر المدرعة المؤثرة، وللقوات الكافية، فإن الإصرار والحماس والعزيمة كانت من أهم عوامل إحباط محاولات اليهود المحمومة… وأخيرا، اضطر قادة العدو وقف الهجوم باتجاه الشمال، أمام حجم الخسائر البشع الذي لحق بجنودهم، واستدارت قوات العدو باتجاه الجنوب للاستيلاء على السويس متصورة أن خطة حصار الجيش الثالث قابلة للنجاح بثمن أقل من الثمن الذي دفعته وهي في الطريق إلى الإسماعيلية، وكان اليهود على بينة من أن الفرقتين المدرعتين 4 و21 الاحتياطي الاستراتيجي لقوات المسلمين، قد تحركتا شرقا للاشتراك في تطوير الهجوم، ولم يبق من الفرقة الرابعة المدرعة سوى لواء مدرع يقوده اللواء عبد العزيز قابيل قائد الفرقة، وأن هذا اللواء هو الذي أنيط به الدفاع عن المنطقة الممتدة من وصلة أبو سلطان شمالا حتى طريق السويس ـ القاهرة جنوبا، وأن الفرقة 6 المشاة الميكانيكية قد توزعت منذ بداية المعركة ولم يبق من الفرق المتكاملة سوى الفرقة 23 مشاة ميكانيكية وقوات أخرى محدودة.

وفي ظل هذه الظروف، انتقلت القوات اليهودية وهي تسابق الزمن، خاصة بعد صدور قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار اعتبارا من يوم 22 أكتوبر، انطلقت من أجل احتلال السويس، لكن تلك القوات اندفعت بقوة في طريق مخالف للطريق المؤدي للسويس، وهو الطريق المؤدي إلى مشارف المدينة، فقد كان هدف اليهود محاصرة القوات الجزائرية وعزلها عن بقية قوات جيش المسلمين، فاليهود لم تغلب عليهم الأهداف الاستراتيجية قدر إشباع رغبتهم في الانتقام من رجال الله الذين نصرهم الله في الأديبة والزيتية.

غولدا مائير تشرف على عملية حصار القوات الجزائرية

يقول فؤاد: سرعان ما وصلت القوات اليهودية إلى مشارف السويس ليلة 22 ـ23 أكتوبر، أي بعد موعد وقف إطلاق النار، وأحاطت بها من طريق السويس ـ القاهرة الصحراوي، وطريق المعاهدة الذي يصل إلى الإسماعيلية وطريق الزيتية والطريق المؤدي إلى الجناين.

وتمكنت هذه القوات من فرض الحصار على ميناء الأديبة، واحتلت منطقة مصانع تكرير البترول بالزيتية، وأصبحت القوات المسلمة التابعة للجزائر محاصرة تماما من كل الجهات، وبعد ساعة واحدة وصلت طائرة عمودية تقل »غولدا مائير« رئيسة الوزراء وموشي ديان وزير الدفاع ودافيد أليعازر رئيس الأركان إلى المنطقة المحيطة بقوات الجزائريين، فهبطت على مقربة من الزيتية، وكانت قبل الهبوط قد طافت فوق المنطقة لاستكشاف أوضاع وانتشار قوات الجزائريين ومدى إطباق الحصار عليها، وبعد أن وطأت أقدام المسئولين اليهود أرض المنطقة بعد تأمينها تماما، بدأت كاميرات المصورين تدور وتلتقط الأفلام التلفزيونية وآلاف الصور، ودارت عجلة الإعلام اليهودي للإعلان عن سقوط السويس وإبادة كل قوات المسلمين بها و»تطهير« الزيتية والأديبة تماما من القوات الجزائرية، وطوال هذا اليوم وقنوات العالم تعرض صورا غريبة لقتلى وأشلاء مرفقة بتعليقات يؤكد فيها اليهود أنهم قضوا خلال أقل من ساعة على ثلاثة آلاف جزائري وألفي مصري، وفي الحقيقة لم تكن تلك الصور سوى بعض اللقطات المكدسة في الأرشيف اليهودي لاستخدامها في مثل هذه الظروف، ومنّى اليهود أنفسهم بأن القوات المسلمة المحاصرة لن تصمد كثيرا وسيدفعها الجوع والموت لرفع الراية البيضاء… لكن هيهات… فقد باعد الله بين أمانيهم وركوع المسلمين بُعْدَ المشرق والمغرب.

أترك »أحمد فؤاد« قليلا، لأتوجه لـ»أبا إبيان«، وزير الخارجية الصهيوني خلال حرب أكتوبر، والذي يقول في مذكراته: كانت غولدا مائير تريد الانتقام بأي ثمن من القوات الجزائرية المنتشرة في السويس، لدرجة أنها ذهبت بنفسها لأرض المعركة لتعطي التعليمات لشارون وأدان لـ»تأديب« هذه القوات، وهو ما أثر على نجاح الخطة التي وضعت لاحتلال السويس وتطويق المصريين بالشكل الذي أفشل كل الخطط الإسرائيلية في الحرب.

ويضيف »أبا ابيان«: كانت خطة حصار القوات الجزائرية من أسوإ القرارات التي اتخذتها القيادات الإسرائيلية، فتلك القوات صمدت صمودا عجيبا، ولم تحاول القوات الإسرائيلية كسر حاجز الصمت لتهاجم هذه القوات خوفا من تكرار ما حدث في الأديبة والزيتية، لكن العدو شمّ رائحة الخوف، وانقض على قواتنا من الخلف فباتت محاصرة من قبل القوات المصرية من الشمال والجزائرية من الجنوب، ولولا قرار وقف إطلاق النار لوقعت كارثة جديدة تضاف لسجل كوارث كيبور.

المواطنون المصريون ينضمّون للقوات الجزائرية المحاصرة

أعود مرة أخرى للكاتب »أحمد فؤاد« الذي يقول: عزيمة الرجال تغلبت على تفوق العدو وغروره، لكن الكذب في العقيدة اليهودية واجب ديني مقدس، فقد تواصلت الدعاية الكاذبة وتواصل الحديث عن سقوط السويس وهزيمة المسلمين، لكن غرض هذا الكذب كان في غاية الأهمية بالنسبة للعدو، فميعاد قرار وقف إطلاق النار بدأ سريانه، فأراد اليهود إقناع العالم أنهم استولوا على المدينة التي تمثل هدفا استراتيجيا، كما أنها تعني استكمال حصار وتطويق الجيش الثالث، بالشكل الذي يعمل على إقامة نوع من التوازن الاستراتيجي الذي افتقده اليهود بعد انتصار المسلمين، وبصورة أخرى كان اليهود يسعون لخداع المسلمين لتخور عزائمهم بعد أن يتأكدوا بأن جيشهم مطوق ومقطوعة عنه الإمدادات.

وكان في تصور اليهود وهم يعلنون عن سقوط السويس أن إنجاز هذا الهدف بات قريبا، وانه في متناول يد قواتهم، لكنه لم يكن سوى الثمرة المحرمة، فقد انقض عليهم أهالي مدينة السويس، فلم تكتف بصد محاولات اقتحامها، بل وطاردوا العدو على مشارف المدينة ومن حولها، فدمروا للعدو 103 دبابة وكبدوه 280 قتيلا، في الوقت ذاته تقدمت المجموعة رقم 39 صاعقة بقيادة الشهيد العقيد »إبراهيم الرفاعي« لتكسر الحصار المفروض على القوات الجزائرية، فتصدى 50 رجلا لمدرعات العدو وقاتلوا ببسالة حتى استشهدوا جميعا بعد أن نجحوا في فتح ثغرة كبيرة في صفوف اليهود مكنت المقاومة الشعبية الباسلة من التدفق من خلالها لتنجح في تشتيت قوات العدو، وإيصال المؤن والذخيرة للقوات الجزائرية وتدعيمها بأعداد أكبر للذود عن مواقعهم وللحيلولة دون انسحابهم وترك الباب مفتوحا لليهود من جهة الجنوب.

وخلال أربعة أيام من أعظم الأيام المشرفة في تاريخ المسلمين، باتت الزيتية ساحة إلتأم فيها شمل الأمة لقتال عدوها الأبدي، فشارك الجميع في القتال، قاتل المدنيون وقاتلت المقاومة الشعبية، ورجال منظمة سيناء الذين دربتهم وسلحتهم المخابرات الحربية المصرية، وقاتل رجال الشرطة.

أما العبء الأكبر في القتال فقد وقع على كاهل الجيش دون النظر لجنسية أفراد هذا الجيش، فقد حمى الجزائريون مدخل السويس الجنوبي، في حين قامت قوات الفرقة 19 مشاة المصرية بتأمين رأس جسر الجيش الثالث شرق القناة .

ويضيف فؤاد : أذكر بعد الحرب بعض الشهادات لأبطال المقاومة الشعبية بمدينة السويس حينما أنقذوا أشقاءهم الجزائريين من المؤامرة اليهودية، فقد قال لي »عبد المنعم جمعة«: كانت أسعد لحظة في حياتي حينما نجحت في إيصال عربة »زيل« محملة بالسلاح والذخيرة والطعام والشراب لإخواننا الجزائريين، كانت طائرات العدو تحوم كالغربان في السماء، لكن العناية الإلهية أعمت أبصارهم عني، وصلت لأجد الجزائريين في حالة انتظار وترقب لهجوم العدو، كانوا لا يملكون شيئا للدفاع عن أنفسهم، لا شربة ماء ولا رغيف خبز، نفدت ذخيرتهم وخارت قواهم، ورغم ذلك آثروا الشهادة على الاستسلام، كانوا رجال معارك بحق، وكانوا أولي عزم.

المهندس "صبري الفولي" الذي كان أحد أفراد المقاومة الشعبية بالمدينة أثناء حرب أكتوبر. قال: كُلّفت أنا وسبعة عشر رجلا من المجاهدين بفتح وتأمين طريق لخمسمائة مجاهد مدربين على استخدام الآر.بي.جي والرشاشات الثقيلة بالإنضمام للقوات الجزائرية في الزيتية فوصلنا جميعا بأمان، وقبيل ذلك أمرتنا قيادة المقاومة الشعبية أوامر واضحة… الدفاع حتى الموت عن مواقع القوات الجزائرية وتقليل الخسائر البشرية في صفوفها بأي ثمن… وكانت الأوامر تقتضي أن ننضوي تحت قيادة القوات الجزائرية وتنفيذ ما يأمروننا به، فعشت أياما مجيدة تأبى الذاكرة محوها، كان الجزائريون مخلصين وأوفياء بصورة لم نعهدها عن العرب من قبل، فالانطباع الشائع لدينا أن العرب يكرهون مصر ويحقدون على المصريين، فأكتشفت أنها أكاذيب لم أكلف نفسي عناء البحث عن مروجها، والغريب أن أصدقائي الجزائريين أخبروني بأن لديهم نفس الإنطباع تقريبا، المهم أننا توزعنا على السرايا الجزائرية واتخذنا مواقع دفاعية مترقبين أي هجوم للعدو، لكن العدو ظل مختبئا كالفأر على بعد كيلومترات من مواقعنا، فكانت لدينا الفرصة لتبادل الأحاديث فتعرفت على الجزائريين بشكل أكبر، فوجدتهم سباقين للشهادة ومستعدين للموت من أجل راية الإسلام، كونت عديد الصداقات مع الجزائريين، ولازالت الاتصالات بيننا حتى الآن، بعضهم يحرص على زيارتي على الأقل مرة في العام، وبعضهم الآخر جاءوا بعائلاتهم واستقروا في مصر، وحتى اليوم نجلس في جلسات عائلية نروي لأولادنا قصص الجهاد في ميدان جمعتنا فيه البندقية وظللتنا راية لا تعترف بالحدود ولا الجنسية .

الونشريس

الونشريس




رد: معركة أباد فيها الجزائريون نخبة الجيش الصهيوني

حياك الله اخي العزيز ….
مجهود اكثر من رائع ومفيد
ان شاء الله يستفيد منه الجميع
الف شكر لك




رد: معركة أباد فيها الجزائريون نخبة الجيش الصهيوني

حياك الله اخي العزيز ….
مجهود اكثر من رائع ومفيد
ان شاء الله يستفيد منه الجميع
الف شكر لك




التصنيفات
الالعسكري

الجيش الوطني الشعبي

الجيش الوطني الشعبي


الونشريس

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

تتمتع الجزائر بالسيادة على مجالها البري و الجوي و مياهها الإقليمية. و الهيئة التي تسهر على المحافظة عليها و الدفاع عنها هي الجيش الوطني الشعبي.
1- نشأة الجيش الوطني الشعبي
لقد تولى جيش التحرير الوطني الجناح العسكري للثورة التحريرية مهمة استرجاع السيادة الوطنية، التي تحققت بعد كفاح مرير و تضحيات جسيمة من 1954 إلى 1962 ثم تحول إلى جيش وطني شعبي.
2- فروع الجيش الوطني الشعبي
يتكون لجيش الوطني الشعبي إلى عدة فروع هي
أ-القوات البرية

تتشكل من

– المشاة
-المدفعية المضادة للطيران
– المدرعات
-الهندسة العسكرية
– القوات العسكرية

ب- القوات البحرية

تتشكل من

– السفن الحربية
-البوارج
-المدفعية البحرية
– رماة البحر
– الغواصات

-الغطاسين
ج- القوات الجوية

تتشكل من
-الطائرات العسكرية

-الطائرات العمودية
-المظليين

3- مهام الجيش الوطني الشعبي

تتمثل مهام الجيش الوطني الشعبي في

المحافظة على الاستقلال الوطني .

-الدفاع عن السيادة الوطنية.

-الدفاع عن وحدة البلاد و سلامتها الترابية .

– حماية المجالين البري و الجوي و مختلف مناطق الأملاك البحرية

-التدخل عند حدوث الكوارث

فائدة

يمكن اللجوء إلى وحدات الجيش الوطني الشعبي و تشكيلاته في بعض الحالات منها

-النكبات العمومية و الكوارث الطبيعية
– حفظ الموارد الوطنية .
-تعرض امن الأشخاص و الممتلكات للخطر

4- الخدمة الوطنية

هي التجنيد في الجيش للأفراد المتمتعين بالجنسية الجزائرية المكملين 19 سنة من عمرهم و المتمتعين بالصحة الكاملة من اجل تدريبهم عسكريا لتشكيل الجيش الاحتياطي.
الخدمة الوطنية إلزامية لكل المواطنين و لا يعفى منها إلا الذي لا يتمتع بالصحة الجيدة و المتكفلون بأسرهم.

فائدة

يجب على المواطنين المعنيين بالخدمة الوطنية أن يسجلوا أنفسهم لدى المجلس الشعبي البلدي لمكان سكناهم أو إقامتهم.
المادة 44 من قانون الخدمة الوطنية
فائدة

يعد رئيس المجلس الشعبي البلدي في كل سنة ما بين أول جانفي و أول مارس قوائم إحصاء المواطنين المولودين أو الساكنين بالبلدية و البالغين من العمر 18 سنة في العام الجاري .

المادة 45 من قانون الخدمة الوطنية




رد: الجيش الوطني الشعبي

merciiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiii