ما أجمل الأرض على حاشيّة الأزرقيْن البحر والسماء
في جمال النفس يكون كلُّ شيء جميلا، إذ تُلقي النفسُ عليه من ألوانها، فتنقلب الدارُ الصغيرةُ قصراً لأنها في سَعة النفس
لا في مساحتها هي، وتَعرفُ لنور النهار عذوبةً كعذوبة الماء على الظمإ، ويظهر الليلُ كأنه معرضُ جواهرَ أقيم للحور العين
في السماوات، ويبدو الفجرُ بألوانه وأنواره ونسماته كأنه جنةٌ سابحةٌ في الهواء.
في جمال النفس ترى الجمالَ ضرورةً من ضرورات الخليقة؛ وَيْ كأنَّ الله أمرَ العالَم ألا يعبس للقلب المبتسم.
أيامُ المصْيف هي الأيامُ التي ينطلق فيها الإنسانُ الطبيعيُّ المحبوسُ في الإنسان؛ فيرتدُّ إلى دهره الأول، دهر الغابات والبحار والجبال.
إن لم تكن أيامُ المصيف بمثل هذا المعنى، لم يكن فيها معنىً.
ليست اللذةُ في الراحة ولا الفراغ، ولكنّها في التعب والكَدْح والمشقة حين تتحول أياماً إلى راحةٍ وفراغ.
لا تتمُّ فائدةُ الانتقال من بلد إلى بلدٍ إلا إذا انتقلت النفسُ من شعور إلى شعور؛ فإذا سافر معك الهَمُّ فأنت مقيمٌ لم تَبرحْ.
الحياة في المصْيف تُثبت للإنسان أنها إنما تكونُ حيث لا يُحفلُ بها كثيرا.
يشعر المرء في المُدُن أنه بين آثار الإنسان وأعماله، فهو في رُوح العَناء والكدح والنزاع؛ أما في الطبيعة
فيُحِسُّ أنه بين الجمال والعجائب الإلهية، فهو هنا في رُوح اللذة والسرور والجلال.
إذا كنتَ في أيام الطبيعة فاجعل فكرك خالياً وفرّغهُ للنَّبْت والشجر، والحجَر والمَدَر، والطير والحيوان، والزهر والعُشْب،
والماء والسماء، ونور النهار، وظلام الليل، حينئذٍ يفتحُ العالَم بابَه ويقول: ادخل..
لُطْفُ الجمال صورةٌ أخرى من عَظمة الجمال؛ عرفتُ ذلك حينما أبصرتُ قطرةً من الماء في غصن،
فخيّل إليَّ أنَّ لها عظمَة البحر لو صَغُر فعُلّق على ورقة.
أليس عجيبا أن كلَّ إنسان يرى في الأرض بعض الأمكنة كأنها أمكنة للروح خاصة؛ فهل يدلُّ هذا على شيءٍ
إلا أن خيالَ الجنة منذ آدم وحوّاء، لا يزال يعملُ في النفس الإنسانية؟
الحياة في المدينة كشُرب الماء في كُوب من الخَزَف؛ والحياةُ في الطبيعة كشرب الماء في كُوب من البَلُّور الساطع؛
ذاك يحتوي الماء وهذا يحتويه ويُبدي جمالَه للعين.
إذا استقبلتَ العالَم بالنفس الواسعة رأيتَ حقائقَ السرور تزيد وتتسع، وحقائقَ الهموم تصغُرُ وتَضيق،
وأدركت أنَّ دنياك إن ضاقتْ فأنت الضيِّقُ لا هي.
ما أصدَق ما قالوه: إن المرئيَّ في الرائي. مرضتُ مدةً في المصيف، فانقلبت الطبيعةُ العروسُ التي كانت تتزينُ
كلَّ يومٍ إلى طبيعة عجوزٍ تذهب كلَّ يومٍ إلى الطبيب..
وحي القلم، للأستاذ مصطفى صادق الرافعي، ط1، ج1، ص43. (بتصرف)
يشرفني ان اكون اول من رد على الموضوع الرائع
ما اروع هذه السطور و ما اجملها
بارك الله فيك
يشرفني ان اكون اول من رد على الموضوع الرائع
ما اروع هذه السطور و ما اجملها بارك الله فيك |
كم اشتقنا الى ردودك العطرة !!!
والى تواجدك هبة الرحمان !!!
الشرف كل الشرف لي انا ببصمتك المتالقة اسعدني تواجدك بصفحتي كثيرا
شكرا على قراءتك للموضوع دمت وفية ومخلصة
جميلة جدا هي لغتنا والاجمل ان نهتم بها لتسمو وترقى ولا نهملها
ولا نفضل علها اللغات الاخرى كما تفعل انت اخي
شكرا لك علىالموضوع المميز ودمت متالق
كما عهدناك
جميلة جدا هي لغتنا والاجمل ان نهتم بها لتسمو وترقى ولا نهملها
ولا نفضل علها اللغات الاخرى كما تفعل انت اخي شكرا لك علىالموضوع المميز ودمت متالق كما عهدناك |
ويكفي انها لغة القران ولغة اهل الجنة
بارك الله فيك اميرة على كلماتك التي انارت الصفحة