لكم التحية
موضوع وصل لي في بريدي وقد ناقشته في حينه’وقد ارتايت أن تشاركوني الإطلاع عليه ,ثم طرح رأيكم في مضمونه,ويبقى مجرد وجهة نظر…
إن مبدأ القرآن في شأن الاجتماع السياسي الإسلامي,انه اجتماع ينشأ عن توالي وتحالف المؤمنين وتبايعهم بعضهم إلي بعض, دون اعتبار لكونهم رجالاً أو نساء,فالولاية السياسية في الإسلام,هي ولاية يؤسسها شرط الإيمان وهي بالتالي للمؤمنين جميعاً من غير تمييز يقوم على أساس الجنس,أو على أي أساس آخر ,يقول تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بعضهم أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {التوبة 71/72}. وهكذا فالخطاب القرآني في شأن الولاية السياسية خطاب عام دون تخصيص يتوالى به المؤمنون رجالاً ونساءً بعضهم مع بعض على الإيمان والإخلاص يقول تعالى : إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا * وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا {الأحزاب 35/36}.
ويقول : وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا {النساء/124}.
ويقول: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ {آل عمران /195}.
وإذا كان ذلك كذلك,أي إذا كان أساس الدخول في مجتمع المسلمين ,هو سلامة المعتقد والإيمان بالله,فلا يبقي بعدئذ مجال لإقصاء المرأة عن المشاركة في الولاية العامة للأمة ,بحجة إنها امرأة فقط,أما الحديث المذكور ,فإما انه قيل قبل نزول آية التوبة ونزلت الآية ناسخة له ,لأنه وكما يظهر حديث في باب الغزو قيل عندما نوى الرسول (r) غزو فارس ,فهو في سياق تقرر حالة الفساد والانحراف في النظام السياسي الفارسي,وقد صنفه الإمام "البخاري" على هذا الأساس واضعاً له في باب الغزو ,والمعلوم أن سورة التوبة هي من آخر ما نزل من القرآن,أي بعد قول الحديث,وبالتالي فهو منسوخ بنص القرآن ,ومن هنا فإن العمل يكون بالقرآن اللاحق لا بالحديث السابق.
وإما انه حديث موضوع,وفي كلا الحالتين فالنتيجة واحدة ,وهي إهماله وتقديم العمل بدلالة الآية لأنها قرآن واجب العمل والإتباع. والحق أن النبي ((r) )كان مجاهداً ومقاتلاً الفرس حتى ولو كان على رأس الولاية العامة في فارس رجل لا امرأة,لو صح ذلك في تاريخهم ,وهو الذي جاهد وقاتل ممالك ودول وعشائر وسلطات لكونها اجتماعات فاسدة,وجميعها كان على رأسها رجال لا نساء, فالمقصود على هذا لفت الانتباه إلى حالة الفساد التي ضربت ولاية الفرس بما كسبت أيديهم,أكثر من كونه نص في منع ولاية المرأة التكاليف العامة.
واني لأعجب أن تنسب هذه الرواية الى النبي (r) ,وهو الذي كان يقرأ على نفسه وعلى الناس ومنذ فترة مبكرة من تاريخ الدعوة ,أي ومنذ فترة مكة سورة النمل ,وما فيها من ذكر ملكة سبأ "الإمامة" بالخير في القرآن,ثم تنسب رواية إليه مفادها لن يصح قوم ولوا أمرهم امرأة هكذا على وجه الإطلاق ,وسورة النمل تشهد بأن بلقيس ملكة سبأ وواليتها قد اتبعت الدين الحق وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين,فكانت نعم الوالي الصالح,يقول تعالى: قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ * قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ * قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ *فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ * ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ * قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ {النمل 35/38}…إلى قوله… قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {النمل/44},يعضض ذلك ويسنده جواز إمامة المرأة الصلاة في الفقه الإسلامي, والصلاة كما معروف تأتى على راس الوظائف السلطانية.
ثالثاً:- صلاة المرأة في عقر دارها. عن أم حميد أمرأة أبي حميد الساعدي أنها جاءت الى النبي (r) فقالت: يا رسول الله إني أحب الصلاة معك، قال: قد علمت أنك تحبين الصلاة معي, وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي.قال الراوي: فأمرت فبنى لها مسجد في أقصى شيء من بيتها وأظلمه، وكانت تصلي فيه حتى لقيت الله عز وجل.
وهناك رواية أخري أخرجها عبد الله بن حميد عن ثابت عن أنس :إن امرأة كانت تحتل رجل فمرض أبوها فأتت النبي (r) فقالت: يا رسول الله إن أبي مريض، وزوجي يأبى أن يأذن لي أن أمرضه! فقال لها النبي: أطيعي زوجك! فمات أبوها، فاستأذنت زوجها أن تصلي عليه فأبى زوجها أن يأذن لها في الصلاة, فسألت النبي فقال لها: أطيعي زوجك, فأطاعت زوجها ولم تصل على أبيها.. فقال لها النبي (r) : قد غفر الله لأبيك بطواعيتك لزوجك. يخالف صريح القرآن الذي يأمر بوصل الرحم, ويندد بقطعه,يقول تعالى: طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ *فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ * أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا {محمد 21/24},من الواضح إن هدف هذه الرواية ألا تخرج المرأة إلا من رحم أمها الى بيت زوجها ,ثم لا تخرج أبداً إلا الى القبر ، وهو ما ينكره الإسلام، وفي الحديث :إن الله أذن لكن أن تخرجن في حوائجكن.
أما عن صلاة الجماعة فهي سنة مؤكدة للرجال والنساء على السواء؟,فإذا ثبت أن المرأة راعية في بيتها وهي مسئولة عن رعيتها! وان تكون والية في أي ولايات الأمة ,فلا يجب منعها من الصلاة في المساجد,فقد جاء في الحديث والرواية لمسلم :عن ابن عمر؛ أن رسول الله (r) قال: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله".وفيه عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله (r) يقول: "لا تمنعوا نسائكم المساجد إذا استأذنكم إليها".قال فقال بلال بن عبد الله: والله! لنمنعهن. قال فأقبل عليه عبد الله فسبه سبا سيئا. ما سمعته سبه مثله قط. وقال: أخبرك عن رسول الله (r)، وتقول: والله! لنمنعهن!.وفي البخاري, عن ابن عمر؛ قال: قال رسول الله (r) "ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد" فقال ابن له، يقال له واقد: إذن يتخذنه دغلا. قال فضرب في صدره وقال: أحدثك عن رسول الله (r)، وتقول: لا!. وهكذا أوضحت السنة النبوية مجالات الحرية الإنسانية، ومنحت المرأة ثقة، وخولتها الخروج من منزلها ليلاً في سبيل الطاعات والعبادات، وذلك واضح في قول النبي محمد (r) في صحيح البخاري، عَنْ عبد الله ابْن عمر: "كَانَتْ امْرَأَةٌ لِعُمَرَ تَشْهَدُ صَلاةَ الصُّبْحِ وَالْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَقِيل لهَا: لِمَ تَخْرُجِينَ وَقَدْ تَعْلمِينَ أَنَّ عُمَرَ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَيَغَارُ؟ قَالتْ: وَمَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْهَانِيَ؟ قال: يَمْنَعُهُ قَوْلُ رَسُولِ اللهِ (r):" لا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ مَسَاجِدَ الله".واني لأتساءل انه لصالح من يشيع فقه رواية تأبى على النساء حضور الجماعات كلها؟،إنها راوية واهية تطرح وراءها السنن العملية المتواترة عن النبي (r).فينظر الى المرأة المصلية وكأنها أذى يجب حصره في أضيق نطاق وأبعده.
ثالثاً:- نكاح المرأة نفسها,تقول رواية: أيما امرأة نكحت بغير أمر مولاهافنكاحها باطل باطل,في حين إن صريح القرآن أسند عقد الزواج إلى المرأة وقال: فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ {البقرة /230}.
ويقول: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {البقرة /234}, فعقدها المباشر صحيح.كما جاء في الحديث البخاري, عن أبي هريرة، عن النبي (r) قال: (لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا الثَّيِّب حتى تستأمر). فقيل: يا رسول الله، كيف إذنها؟ قال: (إذا سكتت).
إن سنة المسلمين الاجتماعية,تظهر أن المرأة التي حظيت بقدر لا بأس به من الروايات الموضوعة ,التي تحط من قدرها ,ليس أخرها رواية ,"شاوروهن وخالفوهن" إذ هي رواية باطلة مكذوبة لأنها تخالف قوله تعالى: فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {البقرة /233}.
رابعاً:- شهادة المرأة. يستدل عادة على إن الإسلام قد انتقص من أهلية المرأة ، بجعل شهادتها على النصف من شهادة الرجل,ويكون الاستدلال برواية البخاري عن أبي سعيد الخدري قال:خرج رسول الله (r) في أضحى، أو فطر، إلى المصلى، فمر على النساء، فقال: (يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار). فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: (تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن). قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل). قلن: بلى، قال: (فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم). قلن: بلى، قال: (فذلك من نقصان دينها.
وبرواية مسلم عن عبد الله بن عمر، عن رسول الله (r) أنه قال: "يا معشر النساء! تصدقن وأكثرن الاستغفار. فإني رأيتكن أكثر أهل النار" فقالت امرأة منهن، جزلة: وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار. قال: "تكثرن اللعن. وتكفرن العشير. وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن" قالت: يا رسول الله! وما نقصان العقل والدين؟ قال "أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل. فهذا نقصان العقل. وتمكث الليالي ما تصلي. وتفطر في رمضان. فهذا نقصان الدين".
أما كونهن ناقصات دين,نتاج الحيض والنفاس ,فان الله تعالى نفسه هو الذي رفع عنهن التكاليف ,فكيف يكن ناقصات دين ,وهن لسن بمأمورات بالتكاليف الدينية,وهن في هذه الحال,يقول تعالى:لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ {البقرة /286}.ولنفترض أن رجلاً ذكراً ابتلاه الله بداء السكر وداء الكلي, ونصحه الأطباء بعدم الصوم, ومر عليه شهر رمضان ولم يصم,فهل يصح أن يقال في حقه انه ناقص دين,لأنه لم يصم؟,أم نقل في حقه انه من أصحاب الأعذار ؟,وهكذا المرأة في حالات النفاس والحيض ,فإنها غير مكلفة ,بالصلاة والصيام,فكيف يقال في حقها إنها ناقصة دين؟.
اما القول بنقصان العقل فيتم الاستدلال له ,وفضلاً عن الرواية عن النبي (r) بالآية الكريمة, في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيرًا أَو كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {البقرة /282}.والواقع أن ثمة خلط بين "الشهادة" وبين "الإشهاد" الذي تتحدث عنه هذه الآية الكريمة ، فالشهادة التي يعتمد عليها القضاء في اكتشاف العدل المؤسس على البينة ، واستخلاصه من ثنايا دعاوى الخصوم ، لا تتخذ من الذكورة أو الأنوثة معيارًا لصدقها أو كذبها ، ومن ثم قبولها أو رفضها ؛ وإنما معيارها تحقق اطمئنان القاضي لصدق الشهادة بصرف النظر عن جنس الشاهد ، ذكرًا كان أو أنثى ، وبصرف النظر عن عدد الشهود .
أما الآية فإنها تتحدث عن سياق آخر غير "الشهادة" أمام القضاء ؛ حيث تتحدث عن "الإشهاد" الذي يقوم به صاحب الدين للاستيثاق من الحفاظ على دَيْنه ، وليس عن "الشهادة" التي يعتمد عليها القاضي في حكمه بين المتنازعين . . فالآية في سياق الحديث عن صاحب الحق الدَّيْن وليس إلى القاضي في النزاع, بل إن هذه الآية لا تتوجه إلى كل صاحب حق دَيْن ولا تشترط ما اشترطت من مستويات الإشهاد وعدد الشهود في كل حالات الدَّيْن.وإنما توجهت بالنصح والإرشاد إلى دائن خاص ، وفي حالات خاصة من الديون ، لها ملابسات خاصة نصت عليها الآية,بكونه دين إلى أجل مسمى, ولابد من كتابته, ولابد من عدالة الكاتب ,وهكذا فدلالة الآية إنما تتحدث عن " الإشهاد" في دَيْن خاص ، وليس عن الشهادة مطلقاً,لأنها نصيحة وإرشاد لصاحب الدَّيْن ذي ملابسات خاصة وليست تشريعاً موجهاً إلى القاضي الحاكم في المنازعات.
أما القضاء فيحكم "بالبينة" ويبني عليها ، والتي وضع قاعدتها الشرعية والفقهية حديث رسول الله (r) : البينة على المدعى ، واليمين على المدعى عليه . إن البينة في الشرع ، اسم لما يبيّن الحق ويظهره ، وهى تارة تكون أربعة شهود ، وتارة ثلاثة ، بالنص في بينة المفلس ، وتارة شاهدين ، وشاهد واحد ، وامرأة واحدة ، وتكون نُكولاً، ويمينًا ، وخمسين يمينًا أو أربعة أيمان ، وتكون شاهد الحال ، فقوله (r): « البينة على المدعى » ، أي عليه أن يظهر ما يبيَّن صحة دعواه ، فإذا ظهر صدقه بطريق من الطرق حُكِم له. فكما تقوم البينة بشهادة الرجل الواحد أو أكثر ، تقوم بشهادة المرأة الواحدة ، أو أكثر ، وفق معيار البينة التي يطمئن إليها ضمير القاضي.
وليس في القرآن ما يقتضى أنه لا يُحْكَم إلا بشاهدين ، أو شاهد وامرأتين ، فإن الله إنما أمر بذلك أصحاب الحقوق أن يحفظوا حقوقهم بهذا النِّصاب ، ولم يأمر بذلك الحكام والقضاة أن يحكموا به،فضلاً عن أن يكون قد أمرهم ألا يقضوا إلا بذلك . ولهذا يحكم الحاكم بالنكول ، واليمين المردودة ، والمرأة الواحدة ، والنساء المنفردات لا رجل معهن وبعد هذا الضبط والتمييز والتحديد.
هذا فضلاً عن أن أية البقرة التي تتحدث عن الإشهاد ,بكون شهادة المرأتين تعدلان شهادة الرجل الواحد ،جاءت معللةً, لكون المرأة ليست مما يتحمل عادة مساجلات أنواع هذه المعاملات ، لكن إذا تطورت خبراتها وممارساتها وعاداتها ، كانت شهادتها حتى في الإشهاد على حفظ الحقوق والديون مساوية لشهادة الرجل,إذا انعدمت علة الضلال الناجم عن عدم الخبرة والدراية,أما إذا حدث عكسه فخبرت المرأة الواحدة ودربت في الأمور التجارية والمحاسبية,فتقبل شهادتها لانتفاء العلة التي هي الضلال.وعلى هذا فان كون النساء في تاريخ ما في الماضي الذي نزل عليه النص أو في الحاضر,يكن بعيدات عن خبرة التجارة ، وبعيدات عن تحصيل التحمل والخبرات في هذه الميادين ،فان ذلك واقع اجتماعي قابل للإصلاح والتغيير ،وليس جبلة في جنس النساء على مر العصور ،كشدة العاطفة وضعف الذاكرة مثلاً.بل هي علة متصلة بالثقافة والتنشئة,التي لا تثقف المرأة في الاشتغال بالمعاملات المالية ونحوها من المعاوضات ،ولذلك تكون خبرتها قليلة ، أما إذا نالت المرأة الخبرة والدربة في الأمور التجارية فتكون شهادتها واحدة تقبل كما تقبل شهادة الرجل.وهكذا الحال في سائر الأمور الأخرى غير الديون ,فشهادة المرأة تساوى شهادة الرجل في "اللعان" , وقد فقد سوَّى الوحي القرآني بين شهادة الرجل والمرأة في اللعان، فطالب أن يشهد كل منهما خمس شهادات تثبت صدقه وكذب خصمه، ولم يجعل على المرأة ضعف ما على الرجل من شهادات، ولا جعل شهادتها نصف شهادة الرجل. فتخصيص المال بتنصيف الشهادة في القرآن الكريم إذن مما قد يكون معللا. كما تقبل شهادة المرأة وحدها في ثبوت هلال رمضان شأنها شأن الرجل, كما تقبل شهادة المرأة لوحدها في الأمور الخاصة بالنساء ، مثل الرضاعة والولادة والحيض والعدة وما أشبهها شهادة امرأة عدل . فقد روي البخاري عن عقبة ابن الحارث قال: وقد سمعته من عقبة لكني لحديث عبيد أحفظ، قال: تزوجت امرأة فجاءتنا امرأة سوداء، فقال: أرضعتكما، فأتيت النبي (r) فقلت: تزوجت فلانة بنت فلان، فجاءتنا امرأة سوداء فقالت لي: إني قد أرضعتكما، وهي كاذبة فأعرض عني، فأتيته من قبل وجهه، قلت: إنها كاذبة، قال: (كيف بها وقد زعمت أنها قد أرضعتكما، دعها عنك).
وعلى هذا فالقول بتنصيف شهادة المرأة حكم مُعلَّل بالظروف الاجتماعية والثقافية الخاصة بالمرأة,لا حكماً مطلق وعام, فيوم أن تكون المرأة عديمة الخبرة في عالم التجارة والمال. فاستشهاد امرأتين مكان رجل واحد إنما هو لإذكار إحداهما للأخرى إذا ضلت، وهذا إنما يكون فيما فيه الضلال في الواقعة، وهو النسيان وعدم الضبط.. فما كان من الشهادات لا يُخافُ فيه الضلال في الواقعة فلا تكون فيه شهدتها على نصف الرجل,إذا كان الحال خاص بشهادة امرأة خبيرة بالمحاسبة وإدارة الأعمال مثلاً,فهي واقعة تجعل شهادة المرأة تساوي شهادة الرجل أو تفوقها. وليس في قولنا بزوال الحكم بزوال علته نقض لدلالة النص الشرعي ولا خروج عليه، لأن الذي تغير هو موضوع الحكم وواقع الحال، وليس الحكم الشرعي ذاته.
هذا من ناحية, ومن ناحية أخري, فإن النصوص القرآنية في آيات الدين قد اتجهت إلى تعزيز الشهادة في القضايا المالية بصورة مطلقة بشهادة رجل آخر، إلى جانب الرجل الأول، حتى لا تكون الشهادة عرضة للاتهام.ثم لا يعتبر تنصيف شهادة الرجل وتعزيزها بشهادة رجل آخر ماسًّا بكرامته ما دام ذلك التعزيز أضمن لحقوق الناس . وزيادة على ذلك فإن شهادة الرجل لم تقبل قط "وحده" حتى في أقل القضايا قيمة مالية,غير أن المرأة قد امتازت على الرجل في سماع شهادتها " وحدها " ، دون الرجل ، فيما هو أخطر من الشهادة على الأمور المالية ، كما تقدم قبول شهادة المرأة الواحدة في الشهادة على الولادة وما يلحقها من نسب وإرث، ومن هنا نردٌّ الرواية التي تنسب الى النبي (r) الذي تجعل النساء ناقصات عقل لان شهادتهن على النصف من شهادة الرجل.
في أنواع الزواج
للموضوع تتمة