الحجاب .. بين الموضة والألتزام الديني
(كريمة) فتاة جزائرية تقيم في هولندا ترتدي الحجاب بألوان زاهية مع بنطال جينز لا يتناسب مع رغبتها في الحشمة وميل أهلها، في أن ترتدي زيًا اسلاميًا، وحين سألها كاتب المقال عن التناقض بين رغبة في ارتداء الشال والميل الى ارتداء جينز ضيق، يظهر إلتواءات الجسد ويغري الناظر، لم تملك كريمة جوابًا منطقيًا لما يحدث سوى انها مسلمة ويتوجب عليها ارتداء الحجاب. تقول كريمة ليس ثمة ما يمنع من ارتداء الجينز.
وترتدي فتيات مسلمات سروال الجينز الضيق، الى جانب الحجاب في اناقة مزجت بين الثقافة الاوربية والتقليد الاسلامي.
على ان الامر ليس في ارتداء الجينز والبنطال الضيق، بقدر ما يتعلق بانتشار موضة يصر بعضهم على تسميتها بالحجاب، لا تعني بالاصول الشرعية لارتدائه بقدر ماهي رغبة في التعبير عن الذات ( المسلمة ) في مجتمع غربي، بحسب الباحث الاجتماعي العراقي كريم اللامي.
واذا كان المطلوب هو ان ترتدي المراة المسلمة زيا لا يصف مفاتن الجسد و يستر الجسم، فإن الحجاب العصري يشذ عن القاعدة في احايين كثيرة، واصبح وسيلة من وسائل عرض مفاتن المراة وجماليتها حتى عاد الحجاب يصمم باشكال والوان مثيرة للانتباه وجاذبة للنظر وملامسة للاحاسيس، بل اصبح مرادفا لادوات التجميل الاخرى في ما يأخذه من وقت ومن تكلفة، ولم تعد تتحقق شروط الحجاب في ألا يكون لافتا للنظر أو مثيرا للفتنة، فإذا تحققت هذه الشروط جاز للمرأة المسلمة أن ترتديه وتخرج به.
وفي مدن عربية وغربية، فتيات يرتدين حجابًا، مع ملابس تبعث على جلب النظر اكثر مما تبعث على غض الطرف، واصبحت موضة الحجاب الاكثر حضورا في الشارع العربي، بينما ترى الحجاب في أوروبا وسيلة من وسائل الجذب، فثمة فتيات مسلمات غربيات لا يعبآن بالشروط الشرعية، وأصبح الهدف من الحجاب وسيلة للتعريف بالشخصية، وللتميز عن الاخرين، حتى اصبح بالامكان التعرف إلى هوية الفتاة من حجابها الذي يختلف باختلاف شكله والوانه، فهناك الحجاب المغربي، والتركي، والعراقي (الشيعي ).
على ان (الموضة) السائدة في الغرب، حيث ان اغلب الفتيات المسلمات يرتدين الحجاب مع الجينز الضيق، وهي ظاهرة يستاء منها امام مسجد ايندهوفن، في حديثه الى كاتب المقال قائلا .. ثمة من يسيء الى الحجاب، لكنه اضاف .. يجب ان ننتبه، فثمة من يرتدي الحجاب لاسباب اجتماعية فحسب كما هي الحال في تركيا مثلا، فالفتاة التركية ترتدي الحجاب في بعض الاحيان بسبب العرق الاجتماعي في قرى تركيا ومدنها.
وتفضل (هيفاء ) وهي فتاة عراقية ارتداء الحجاب في الشارع لان ذلك يعرفها بهويتها، لكنها في ذات الوقت ترتدي جينزا يظهر (تاتو) على مؤخرتها.
تقول هيفاء.. انا ارتدي حجابا لانه ( موضة )، فاغلب الفتيات المسلمات في المدرسة يرتدين الحجاب مع الجينز، وحين قال كاتب المقال إن الامر يبعث على التناقض اجابت… انا فتاة مسلمة وغطاء الراس تعبير عن شخصيتي هذه، لكني افضل ارتداء الجينز الضيق لاني اشعر بالسعادة هكذا.
لكن سميرة احمد وهي زميلة لها وترتدي حجابا يفي بالاصول الشرعية، مع ( تنورة ) طويلة، ترى ان حجاب هيفاء لا يمت الى الاسلام بشيء، تضيف .. فتيات مراهقات يعبرن عن ذاتهن كما يحلو لهن وليس كما ينبغي على الفتاتة المسلمة، تضيف سميرة .. في نهاية دوام المدرسة ترى بعينيك كيف يتصرفن فتيات يدعين ارتداء الحجاب والالتزام بتعاليم الشريعة، فكثير منهن يرتبط بعلاقات غرام مع فتيات مسلمين وغير مسلمين، على الرغم من ( الحجاب ).
وبالفعل فان الحجاب اصبح موضة وليس دلالة على الالتزام بالشريعة.
يقول امام مسجد ايندهوفن .. المشكلة ان البعض يصنف كل من ترتدي غطاء الراس على انها ( مسلمة ملتزمة )، ويضيف .. لايجوز للمرأة ان تكشف وجهها وكفيها أخذًا من قول الله تعالى وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا )(النور 31) حيث فسر جمهور العلماء من الصحابة ومن بعدهم الزينة الظاهرة بالوجه والكفين وأخذًا من قوله تعالى وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ )(النور 31)، ويضيف الامام .. الخمار هو غطاء الرأس، والجيب هو فتحة الصدر من القميص.
وبعيدا عن العامل الديني فان الحجاب اصبح وسيلة من وسائل اكمال أناقة المرأة، وصار يؤدي دوراً في إبراز جمال المرأة وابراز مفاتنها، وبحسب الدكتور أحمد السامح في مقال له في جريدة (الرأي) الكويتية فان الحجاب تعدى شكله التقليدي ودوره الديني في اقتصاره على تغطية الشعر، حيث تحوّل الى موضة تتباهى بها النساء خصوصاً الشابات.
ويرى السامح ان هناك منافسة في التفنّن في طريقة وضع الحجاب واختيار خاماته وألوانه التي تتماشى مع الملابس وشخصية المرأة في ظل ابتكار مسابقات خاصة بالمحجبات على غرار مسابقة «ملكة جمال الحجاب» التي أطلقتها الدانمارك أخيراً وساهمت في زيادة الإقبال على تلك التصاميم.
تقول شيماء احمد وهي فتاة مغربية جميلة .. منذ بلغت الثامنة عشرة والتحقت بالجامعة لاحظت انني اثير اهتمام الزملاء مع الاسف الشديد حين ارتدي بنطال الجينز الضيق، وماكنت ارتديه لولا الحاجة العملية له لاني ادرس المسرح الذي يتطلب الكثير من الحركات والعمل الشاق حيث الملابس العملية ملائمة اكثر، لكن مايحزن في الامر – تقول شيماء – ان هذا البنطال سبب لها مشاكل عديدة منذ اللحظة التي تم اختيارها فيها خلال مسابقة اجمل فتاة في الجامعة، وحين اعتلت خشبة المسرح فوجئت ان لجنة التحكيم اختارتها لانها ذات قوام رشيق لاسيما خلفيتها التي بدت متناسقة مع قوامها، حيث ابرز بنطال الجينز مفاتنها امام الجمهور، ومن جراء ذلك اضطرت الى ان تخلع حجابها في مكان الدراسة لكنها تعود لترتديه في البيت والشارع.
صعب الارتداء.. سهل النزع
ولعل في قصة شيماء ما يبعث على السؤال وراء السر في الانتشار غير الطبيعي للقماش الازرق في الوطن العربي والعالم مقترنا بحجاب (غير اسلامي) ان صح التعبير، ولعلها صراحة فجة ان تفصح فتاة عن ان سبب ارتدائها الجينز هو لاظهار جمال مؤخرتها التي ترى انها لغة الجمال المشتركة في الغرب هذه الايام، لكنها مضطربة في المقابل الى ارتداء (الحجاب) للتعبير عن شرقيتها ومعتقدها.
لكن مايبعث على الغرابة ان فتيات هولنديات تحولن الى الاسلام صرن اكثر التزاما بالحجاب من مسلمات في الاصل، وترتدي ليكا باول وهي فتاة هولندية شقراء نقابا وقفازا بعد زواجها من شاب جزائري.
جينز اسلامي
ويرتدي جيل متفتح من فتيات مسلمات من تركيا وافغانستان ودول عربية سروال الجينز الضيق، الى جانب الحجاب في اناقة مزجت بين الثقافة الاوربية والتقليد الاسلامي.
وترى فاطمة اوزل وهي فتاة تركية محجبة ان الجينز بنطال عملي للنساء العاملات، على رغم ان البعض يستخدمه لابراز المفاتن.
بينما ترى سلمي بن علي وهي تونسية ان ارتدال السروال الازرق يساعد على ظهور المراة البدينة في قوام رشيق، وارتدائه مع الحجاب يبعث تناسقا واحساسا بالسعادة.
وترتدي سلمى حلمي وهي فتاة مصرية تقيم في ايندهوفن بهولندا حجابا انيقا مع بنطال جينز، حيث قالت ان الحجاب مع الجينز ليس تناقضا ابدا، فالمسالة تتلخص في البحث عن الاناقة بعيدا عن الاثارة.
الجينز والارداف
وتعترف كاميليا مراد انها تختار بنطال الجينز المثير، فعملها في ملهى ليلي يتطلب منها ابراز المفاتن لكن عملها لايتعدى اكثر من ذلك، وتتبع في ازياءها المثيرة فلسفة التلميح لا التصريح.
تقول كاميليا… أنني ارتدي مايسر العين ويثير الرجل، لاني تشعر بسعادة غامرة حين أكسب اهتمام الرجل، لكنها لا تسمح بما هو ابعد من ذلك.
وفي حياتها اليومية ترتدي غطاء الراس كتقليد اجتماعي وليس فرضا دينيا، وتضيف .. انا ارتدي الجينز الضيق من الردفين واضع حزامًا عريضًا يلتف حول بطني، لكني ارفض الازياء المبتذلة الخليعة.
لكن مايلفت النظر في تشكيلات الجينز الحديثة هو تركيز المصمم على جانب الاثارة، فقد اكتسحت الاسواق سروايل مزودة بقطع اسفنجية ومطاطية الغرض منها اظهار خلفية اصطناعية كبيرة للفتاة التي ترتدي الجينز حيث يبدو قصيرا من الاعلى لظهار اكبر قدر ممكن من ظهر الفتاة السفلي ومؤخرتها،ولاتجد فتيات مسلمات في ارتدائه ضيرا مع غطاء الراس كما تثول سلمى بن محمد وهي تونسية تقيم في بلجيكا.
ويرى الشيخ لطيف مسعد وهو امام جامع في هولندا ان لبس الجينز غير محبذ لانه من الاقمشة الخشنة التي تسبب احتكاك الارداف وصفيحتي المؤخرة مما يعد نوعا من الاثارة الجنسية، واردائه مع غطاء الراس لايمثل مظهرا اسلاميا.
ويضيف… الجينز مثير للمرأه واذا كان الجسم كبيرا فيحتك مع سحاب الجينز أو ازراره من الداخل خصوصا اذا كان ضيق.
الجينز .. ثقة الانوثة
تقول سلوى .. اشعر بثقة في جسدي حين يلامسه الجينز وارى ان قوامي مثل جسد سمكة تسبح في ماء، انه شعور بالرشاقة والرياضة لكني في المقابل احافظ على شرقيتي بارتداء غطاء الرأس.
وفي مصر والمغرب، كما في لبنان تصنع بناطيل الجينز للمحجبات والسافرات على حد سواء، وفي الوقت الحاضر فان المفضل هو المقياس الضيق الذي يتسع عند القدمين، وعلى رغم ارتدائها غطاء الراس فان سوزان مالك وهي فتاة لبنانية تستخدم نوع خاص من الزيت الذي يدلك به الجسم لادخال البنطال، في حين تستخدم فتيات اخريات البنطال الجينز المطاطي الذي يتشكل وفق منعطفات الجسد الانثوي.
وفي الجامعات اللبنانية تلمح العين كتل اللون الازرق تتماوج كالبحر، وهن الطالبات اللواتي يفضلن ارتداء القماش السمائي مع غطاء الراس، وبين بنطلون لوويست والجينز الميني والسترش المطاطي الضيق وبين دعوات التحريم تحتار لمياء فضل وهي فتاة جامعية محجبة، بين هذا واذاك بعد ان سمعت زملاء لها يرون ان الاسلام يحرم التشبه بملابس الغرب وثقافته.
لكن ليث محمد وهو صاحب محل يبيع الملابس يرى ان النساء في الوقت الحاضر يفضلن الجينز (المتدلي) والذي يظهر جزءًا كبيرًا من اسفل المؤخرة، ويضيف .. هناك ايضا (السترتش) الضيق والخفيف،ويقول انه مرغوب عند المحجبات والسافرات على حد سواء.
والله الموضوع مثير للاهتمام