باسل حافظ الأسد
( 15نوفمبمر 1961 – 21 ين 1994)
لقد كان الشهيد باسل الأسد علماً ومنارة
في العصر الذي عاش فيه،
وبهذه الخصوصية وهذا التفرّد
دخل تاريخ الوطن وكتب له الخلود.
الشهيد باسل الأسد هوالابن البكر للرئيس السوري حافظ الأسد. كان مهندسا مدنيا ومظلياً وفارساً رياضياًً. وكانت أول دوراته في الكلية العسكرية وقيادة الأركان والقفز بالمظلة، حيث تسلم بعد فترة وجيزة مهمة قيادة الحرس الجمهوري. وعرف عنه محبته للمعلوماتية، وهو أول من أدخل تطبيقات المعلوماتية إلى سوريا.
لفت انتباه أساتذته وأقرانه في وقت مبكر من شبابه بتفوقه وحسن خلقه وسلوكه، إذ كان مثلاً أعلى في انضباطه ومعاملته لزملائه، وتعدّد مواهبه، وتنوّع اهتماماته ونشاطه، فقد انضم إلى اتحاد شبيبة الثورة وهو في الحادية عشرة من عمره، وبدأ يتدرب على الرماية وركوب الخيل والقفز بها فوق الحواجز في هذه السن.
وفي الثالثة عشرة من عمره، أي في عام 1975 انتسب إلى ح البعث العربي الاشتراكي وثابر على القيام بالنشاط الحي الذي كان يُطلب منه أو يوكل إليه. وبدأ رياضة القفز المظلي منذ عام 1978 فحقق تفوقاً ملحوظاً، وعندما اشتر ك في أول دورة للقفز المظلي الحر للشبيبة عام 1980 كان بطل تلك الدورة. وفي عام 1981 فاز ببطولة دمشق في الرماية.
بعد حصوله على الثانوية العامة ـ الفرع العلمي، انتسب إلى كلية الهندسة المدنية في جامعة دمشق عام 1979-1980 وحصل على شهادة بكالوريوس في الهندسة المدنية عام 1983-1984،
ثم انتسب إلى القوات المسلحة متطوعاً في 24/9/1984، وتخرّج في كلية المدرعات مهندساً قيادياً برتبة ملازم أول، وكان الأول على أفراد دورته. وفي عام 1987، رُفِّع إلى رتبة نقيب، والتحق بدورة كلية القيادة العليا في القوات المسلحة السورية، وتخرج فيها «ضابط ركن مدرعات»، وكان الأول على أفراد دورته، وذلك عام 1988.
وبروح الطموح إلى مزيد من المعرفة والتعمق في التخصص أعدّ النقيب المظلي الركن باسل الأسد بحثاً علمياً في المجال العسكري تقدم به إلى الأكاديمية العليا للعلوم العسكرية في الاتحاد السوفييتي ولقي تقدير المسؤولين فيها وموافقتهم على تشكيل لجنة علمية لمناقشته في البحث المذكور، وجرت هذه المناقشـة فعلاً في أكاديميـة (ك.ي. فوروشيلوف) بموسكو، وحضر المناقشة خمسة عشـر عالماً عسـكرياً بتاريـخ 27/11/1991، وفي نهاية المناقشـة منحتـه لجنـة التحكيم شـهادة الدكتوراة في العلـوم العسـكرية بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى.
وكان من جملة تحصيله العلمي في القوات المسلحة اتّباعه دورة تدريبية على قيادة الحوامات القتالية عام 1980، ودورة على قيادة الطائرات المقاتلة فوق الصوتيـة (الميغ 21) ولكنه لم يستكملها.
وفي ميدان الرياضة نال منزلة خاصة وتكريماً دولياً في حفل أقامته اللجنة الأولمبية الدولية ورعته اليونسكو في باريس مساء الخميس 15/10/1992 بعد أن أشادت بالروح الرياضية واللعب النظيف الذين لمستهما عنده
توفي وهو في بداية الثلاثينات من عمره في حادث سيارة قرب مطار دمشق الدولي في 21 كانون الثاني 1994
بالمعايير الإنسانية والسياسية تبدو القيمة الفردية لشاب كباسل الأسد نموذجاً مرموقاً، ومثلاً سامياً لقدرة الشباب العربي على التفوق والإرادة وإحياء الأمل في النفوس التي تستشرف صورة المستقبل المشرق ورؤاه الناصعة،
ويبدو استشهاده حدثاً في أمة، وهزة اتسعت دائرتها على نطاق تجاوز رقعة الوطن، فقد خرجت جموع المواطنين يوم الدفن في قوافل من السيارات، وتدفقت تلقائياً من المـدن والقرى في سورية ولبنان متجهة نحو «القرداحة» حيث بيت الأسرة، وعلت المساجد أصوات ترتيل آي الذكر الحكيم، وقرعت الأجراس في الكنائس على اختلاف رعاياها، وأغلقت المحالّ والمتاجر والمقاهي والنـوادي والأسـواق، وشارك في تشييع الجنازة ومجالس العزاء كبـار المسؤولين في الدولة، وجماهير المواطنين: أحزاباً ومنظمات شعبية واتحادات ونقابات مهنية، رجالاً ونساءً وأطفالاً، عسكريين وطلاباً ورجال دين وأساتذة جامعات وأدباء ومفكرين ورياضيين وفنانين.
وكان وقع المصاب الجلل ترجماناً للتقدير العميق الذي تكنه الأوساط الشعبية والعربية للرئيس السـوري حافظ الأسـد ولنجله الفقيد، فقد شـارك في التعزية والمواسـاة عدد من الملـوك والرؤسـاء والمسؤولين العرب والأجانـب، بالحضور، أو بإرسـال المندوبين والمبعوثين، أو بالاتصال الهاتفي، أو بإرسال البرقيات والرسائل وأكاليل الزهر.
وزاد من وقع هذه الخسارة الوطنية الكبيرة أنها جاءت في أعقاب قمة جنيف التي عقدت قبل أسبوع من الخطب الجلل بين الرئيسين حافظ الأسد وبل كلنتون، إذ كان هذا اللقاء محطّ أنظار العالم وموضع تقديره، فقد عدّه المراقبون والمعلقون السياسيون خطوة متقدمة في الحوار السياسي الندِّي بين سورية الأسد وأعظم دولة في العالم اليوم، وهذا مما جعل رحيل باسل الأسد يزداد أثراً وانتشاراً في عواصم العالم كله.
ولم يُكتب في حدث وطني، أو شخصية عربية معاصرة بحميمية خاصة بقدر ما كتب في سجايا الباسل ومناقبه الحميدة شعراً ونثراً، حتى بلغت الكتب التي أُلِّفت عنه في بداية عام 1999 زهاء أربعين كتاباً، فضلاً عن المقالات والأبحاث والمحاضرات والخواطر والأشعار والأزجال، مما توزعته الصحف والمجلات والدوريات، وجمع بعضه في عمل توثيقي بعنوان «رحيل الباسل ووفاء الشعب» نَسَقَته أربعة كتب، يقع الكتاب الأول منها في نحو سبعمئة صفحة انطوت على ما قيل نثراً، ويقع الثاني في نحو ستمئة صفحة تضمنت ما قيل شعراً، ويقع الثالث في خمسمئة وخمسـين صفحـة من المختارات النثرية ومن أقوال الشهيد الباسل،.
وأطلق اسمه على المطار القريب من بلدته «القرداحة»، وعلى كثير من المؤسسات ومراكز العلم والمشافي والساحات والشوارع والجوامع والجمعيات والمعسكرات والمدن الرياضية والنوادي والدورات والحدائـق والغابات، في سـورية ولبنان.. وأحدثـت باسـمه الشهادات والجوائز والمجلات والأوسمة.
كان ذلك كله تخليداً لذكراه، وتقديرا ًلمكانته في نفوس مواطنيه.
ومازال كثير من الوفود والزائرين والسائحين العرب والأجانب، جماعات وأفراداً يزورون ضريحه في «القرداحة»، يقرؤون الفاتحة ويضعون أكاليل الزهر في مناسبات مختلفة.
لقد كان الشهيد باسل الأسد علماً ومنارة في العصر الذي عاش فيه، وبهذه الخصوصية وهذا التفرّد دخل تاريخ الوطن وكتب له الخلود.