ضربات الح الأثني عشر…
ضَرَبَات الحَظ الإثنَيْ عَشَر…
الإهداء:
إلى ساعة الصِفر و بداية يومٍ جديد…فضربةُ الحظ قد تُعلن عن خفاياها في أي لحظة…أن كنتَ ممَن يسهرون، انتظر الصباح… ثم ما عليكَ سوَى بفنجان قهوة في أقرب مقهىً، يعود بك سريعاً من رحلة الزمان…و انتظر بمكانك…انتظر و لا تتحرك و قل فقط :
"لم يَعد هناك ما يُهِم…فاليوم قد أحظى بضربة حظ…قد تكون قوية…"
بقلم: يمينة منصور
أستاذة اللغة الفرنسية
بمتوسطة بوعافية القديمة
حاسي بحبح الجلفة
تدّقُ السَاعة …لقد وُلدتَ…نعم أنت…وُلدت…
في لحظةٍ عَفويةِ النوايا، تَلتَقطُ الأنْفَاس…
لكي تَصرخَ في شُحوبِ اليَد التي تميلُ برأسك إلى الأسفَل…
وُلدت في مكانٍ مَا، في زمانٍ ما، من جِينَةٍ ما…أنتَ لم تختَرْ…
لا المكان و لا الزمان و لا حتى المقص الذي سيقطع حبلك السُري…
فتُربَط بلونك و تضاريسك و أسماك مُحيطك وبمن لم يُهللوا لقدومك…
من هناك…من بعيد…جئت من رحلةٍ شتويةٍ، غاب عنها شعاعُ الشمسِ و عطر العرق ولَمسةُ الوجودية وتمثال الرخام العاري،
لآلهةٍ في مَتحفِ مُدلَهّم الظلام…
ثم تنام…تنام تلتقط ما تبقى من الأنفاس، بعد الدفعِ و الصفعٍ والزِحام…
أنتَ هنا أخيراً…لكنك لا تَصرخ…أنتَ لا تَصرخ…
تدقُ السَاعة…لقد مَشيت…نعم أنتَ مَشيت…
مشيتَ تاركاً لكَ خرائط و مسافات ومنعرجات و لاَفِتات…
مشيتَ بسرعة، دون أن تحبُو على أربعة…مَشيت…
مشيتَ تُمْعِنُ النظر إلى قدميك، كي لا تسقط…
كيْ لا تَدفع بكَ اليدُ الشاحبةُ إلىَ الأسْفل…
مشيت من أجل أن تركض لتلحق بخيوطِ حذائكَ المربوطة على الطريق…
تدق الساعة…حَمَلتَ كُتُبَكَ كما تَحمل السماءُ النجوم…
رحَلتَ بها إلى عالمٍ خفيٍّ…رحَلتْ بك إلى ما وراء النُجوم…
و حملتَ رأسك المُثقَل بالغيوم، تبحث عن طريق…في مفترق الطريق…
وتزيل الغبار عن ذاكرةٍ مُفْرَغةٍ، مُبهمةٍ برَشّة مُنّظفٍ و قطعةِ قُماش…
تزيل ذرَّات الغبار العالقة…بملقطٍ وطقوسٍ وتعاويذَ وطُبول…
تدق الساعة…اشتّد عودُك…نعم حان الأوان لكي تختار…
أَيُ الطريق قد تُبعد عنك تَراكمات الغبار…ولسَعات الإعصار…
تَهيم في البراري وتسافر عَبر الشمس و الأمطار…
تبحث عن الدّيار… وكلما عدتَ إلى الدّيار..
هام بك الحنين ثانيةً إلى القفار…
فالحزن النابضُ في غرف قلبك الأربع…يَسكن أيضاً هذي الديار…
و في كل عيدٍ تحنُ و تبكي ويَحملك الشوقُ إليها دون انتظار…
تدق الساعة…
أحببتَ المطر…أحببتَ الغيومَ و السحابَ و السماء والقمر…
تُكلم الطيور…و تقرأ المستقبل في النجوم…و تقرؤه في جذوع الشجر…
و تقرأُ في الوجوه قصصاً تعزف ألحاناً دون وتَر…
و تُلبسُ لوحَاتِك ألوان طيفٍ و تستحم بالعطر ماءا،
وتَثمُل من رشفةٍ في السَّحَر..
وطِيبُ أنفاسكَ يُدفئ بردَ الشِتَا ويَنفخُ الروحَ في النار دُرَر..
فروحك هي مثل روحٍ لطفلٍ…كلما شاخَ بهِ العمرُ، زاد صِغَر…
ويكفيك قوتا نسيمٌ عليلٌ، ويكفيك شربا غروبُ الأصيل
فأنت بروحك تسمو بها إلى الأفق الأبعد المُستحيل…
و تَحْيَا بحلم كَقطر الندى تُداعبه الشمس بنور الفتيل…
يسافر حلمك عبر الزمان و عبرالمكان ويَصنع من ورق طائرات تَميل…
و يرسم بيده للعوالم صورة، براري، صحاري و بحرٌ جميل…
فمن حولك رغم فيض الشجون، جداول حبٍ،كبير،كثير، ظليل…
يكتبها الصُبحُ بالأسودِ و يقرأُُها الليل في تراتيل…
تُهاجر عند الخَريف بسِربٍ، يُعانقُ ريحَ الشمالِ البعيد…
وتركَبُ في زورقٍ من ورق، مَدى البحر يطفُو بمدٍّ مَهيب …
و تترك ما طَاب من عسلٍ و تقتاتُ من ناسكٍ حكمةً لا تَحِيد…
وتلعبُ بالرمال كطفلٍ، تشكلُه في عَمَارٍ لقصرٍ مُشيدٍ…
و بعدها تَمضي إلى النوم تَخلُد، تُضاهي ابتساماً ملاكاً فريد…
تدق الساعة… وضعت الأمل والحب في مزهرية…
سقيتَ بماء الورد أحلاماً و كلماتٍ و عشباً نديا…
و رفرفتَ بأجنحةٍ من فَراشٍ…و نِلتَ من الغيم المطيرِ هدية…
و تجولت في بقعٍ للنعيم…و صار لكَ السيد عبداً مُطيعُ السَجِّيَة…
و صرتَ بطوعٍ للحنٍ تغني و تَضحى بطوعٍ أسيراً رضّيا…
فأغنيةُ الحب قد أسْمعتكَ قصيدةَ شعرٍ لهَا في الخيال حياةُ بقيّة…
و أغنية الحب فيك جِبِّلَة… و فطرةُ الخالقٍ فيك، روحًا زكية…
تدق الساعة…يسابق حُلمُك ظلَ الرمال ويَروي بماءِ حقولَ النسيان…
ورغم شُطآن المَرجان السخّية و جزر الكنز وطوق الأمان…
ورغم شواطئ رمل نديٍ… بها كان يرسُو أسطول قُرصان…
و برغم المراكب تزهو بعرس وتَظْفِرُ من زَبَدِ الموج شَعْرَ الحِسان…
بِرَغْمِ…برغمِ…برغمِ…برغمِ…
مَكثتَ تَحترِفُ الحزنَ فناً و تمتهن فلسفاتِ اليُونان …
تُلقنُه للجبال دروسًا، فَتَشدُ و الجبالُ صداها أَلَم و تهوِي كما
قصرُ رملٍ هوَى من قديم الزّمان…
تدق الساعة و لا تزال…
أنت و حزنُك مثلُ سجينٍ أحب القيودَ و بابَ الحديدِ…
و مثل عشيقٍ لجلاده يشكو الصَبابة من لاَ يُضِيمُه قطعُ الوريدِ…
ويُنثر مثل الرذاذِ على الجرحِ ملحٌ، شراؤهُ بالثمن البَخص الزهيد…
وكم من لقاء طريف المجالس وكم من أيادٍ تُشير من بعيد…
فأنت و أنتَ و حُزنكَ أنتَ…وُلدتَ لِتحْياَ لهُ خادماً كالعَبيد…
فلستَ و حزنُكَ تنتظران من العيد حُللاً أو لِبساً جديد…
تدق الساعة…بحثت عن نفسك في الثلاجة…في الغسالة…
بحثت في خزانة الكتب و في الحمام و في الحديقة…
بحثت، تبحث عن شيء يحيا بين الوهم و الحقيقة…
يحيا بين عقارب الساعات و لسعات الثواني بالدقيقة…
لتجد في النهاية نفسك تحمل كل المفاتيح الحديدية العتيقة…
ماعدا مفتاح قلبك المغلق…فقد صُنع لقفل لا يفتح إلا بعدَ نحرِ عَقيقه…
دَقت الساعة…و حُزنك الأزليُ السَعادةِ لا يزال يُغدق على أيامك ألوانا قُزَحية…
يُلهم تصَوُفك…و يُهاجر بكَ إلى نقطة اللا وُعود…يُهاجر بأحلامكَ
كما تهاجر أسماكُ " السَلَمُون"، بلا عودة…تتصدى التَيار…
لَيتَك تستطيع، مِمَن أَفرغوا رئتيك منَ الهواء، تستطيع الفرَار…
ليتَك تقدر على أن تُشعل أمتعتك ومذّكراتك وجَسَدك في حفلةِ نَار…
و تمضى بعدها إلى مكان لا هو هُنا…و لاَ هو هناك…مجردّ دخاّن
يذهب مع الريح غيرُ عائدٍ، غيرُ نادمٍ…غيرُ آبهٍ لِما قد يَصيرُ
أوكَانَ قد صَار………………………………..
Mansour yamina
Hassi Bah Bah- Le 17/ 10 / 2022