من المعجزات التي أكرم الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم إخباره عن الكثير من المغيبات ، سواء ما حدث منها قبل بعثته أم بعدها، أو ما تعلق بأخبار حياة البرزخ ، وأحداث يوم القيامة والجنة والنار، أو الإخبار عن العوالم الأخرى ، كالجن وغيرها
فمما أخبر به صلى الله عليه وسلم عن الأمم السابقة قصة جريج العابد ، التي ثبتت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كان رجل في بني إسرائيل يقال له جريج يصلي ، فجاءته أمه ، فدعته ، فأبى أن يجيبها ، فقال : أجيبها أو أصلي ؟ ثم أتته ، فقالت : اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات ، وكان جريج في صومعته ، فقالت امرأة : لأفتنن جريجاً ، فتعرضت له ، فكلمته ، فأبى ، فأتت راعياً فأمكنته من نفسها ، فولدت غلاماً ، فقالت : هو من جريج فأتوه ، وكسروا صومعته ، فأنزلوه ، وسبوه ، فتوضأ ، وصلى ، ثم أتى الغلام، فقال : من أبوك يا غلام ؟ قال : الراعي ، قالوا : نبني صومعتك من ذهب ، قال : لا إلا من طين ) فهذه من الأخبار الماضية التي وقعت في الأمم السابقة وأخبر عنها صلى الله عليه وسلم
ومن المغيبات ما بشر به صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه بذكر منازلهم في الجنة ، كما فعل صلى الله عليه وسلم مع الخلفاء الراشدين ، وبقية العشرة المبشرين بالجنة ، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم جميعاً مما لا يسع المجال لذكره
وكذلك ما بشر به صلى الله عليه وسلم بعض زوجاته ، فقال : ( بشروا خديجة ببيت من الجنة من قصب ، لا صخب فيه ولا نصب ) متفق عليه . وبشر مؤذنه بلال رضي الله عنه بقوله : ( فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة ) متفق عليه
ومن المغيبات إخباره صلى الله عليه وسلم عن أناسٍ أنهم من أهل النار ، من ذلك ما ثبت في الصحاح من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون ، فاقتتلوا ، فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره ، ومال الآخرون إلى عسكرهم ، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذة ، ولا فاذة ، إلا اتبعها يضربها بسيفه ، فقال : ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما إنه من أهل النار ، فقال رجل من القوم : أنا صاحبه ، قال : فخرج معه ، كلما وقف وقف معه ، وإذا أسرع أسرع معه ، فجرح الرجل جرحاً شديداً ، فاستعجل الموت ، فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه -أي طرفه – بين ثدييه ، ثم تحامل على سيفه ، فقتل نفسه فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أشهد أنك رسول الله ، قال : وما ذاك ؟ قال : الرجل الذي ذكرت آنفاً ، أنه من أهل النار – وذكرنا قصته – ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس ، وهو من أهل النار ، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة ) متفق ! عليه ، وهذا لفظ البخاري
ومن المغيبات – غير ما تقدم – إخباره صلى الله عليه وسلم عن الفتن وعلامات الساعة وهذا كثير ؛ من ذلك ما رواه أسامة رضي الله عنه قال : ( أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على أطم – أي حصن – من آطام المدينة ، فقال : هل ترون ما أرى ؟ إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر ) متفق عليه
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألا أحدثكم حديثاً عن الدجال ، ما حدث به نبي قومه ، إنه أعور ، وإنه يجيء معه بمثال الجنة والنار ، فالتي يقول إنها الجنة هي النار ، وإني أنذركم كما أنذر به نوح قومه ) متفق عليه
وعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال : ( أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم – خيمة من جلد – ، فقال : اعدد ستاً بين يدي الساعة ، موتي ، ثم فتح بيت المقدس ، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص – أي مثل داء يميت الدواب فجأة – الغنم ، ثم استفاضة المال ، حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا ، ثم فتنة لايبقى بيت من العرب إلا دخلته ، ثم هدنة ، تكون بينكم وبين بني الأصفر ، فيغدرون ، فيأتونكم تحت ثمانين غاية – راية – ، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا ) رواه البخاري
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( تقاتلون اليهود ، حتى يختبئ أحدهم وراء الحجر ، فيقول يا عبد الله هذا يهودي ورائي فاقتله ) متفق عليه
ومن المغيبات إخباره صلى الله عليه وسلم عن العوالم الأخرى ؛ كالجن والملائكة وغيرها ، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن ، قالوا : وإياك يا رسول الله قال : وإياي ، إلا أن الله أعانني عليه ، فأسلم ، فلا يأمرني إلا بخير ) رواه مسلم
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خلقت الملائكة من نور ، وخلق الجان من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم ) رواه مسلم
تلك المغيبات وغيرها كثير من معجزاته صلى الله عليه وسلم ، التي خُصَّ بها ، كان لها من الفوائد العظيمة ، والآثار الجليلة ، ما جعل رسالة الإسلام مميزة على غيرها من الشرائع ، محفوظة بحفظ الله لها ومؤيدة بتأييده إياها ، لا يعرفها أحد معرفة صحيحة إلا سلّم القياد لها وأذعن لحكمها ، ولا ينصفها شخص إلا دخل في ركابها وسار على هديها
إنها الرسالة الخاتمة ، العامة ، الشاملة ، اللهم اهدِ عبادك لما أكرمت به خاتم رسلك ، والحمد لله رب العالمين