عن قصة :
سلمان الفارسى
" أريدك أن تذهب غداً إلي المزرعة يا سلمان ، فأنا مشغول بمتابعة بناء البيت الجديد "
نطق بها الأب بصوت مجهد ، وقد ظهر عليه الإرهاق من أثر عمل شاق طيلة اليوم، وتابع وهو مستلق على سريره مستعدا للنوم والراحة :
– سيأتي إليك تاجر الموز غداً ليدفع القسط الأخير ،لا تعطه طلبية جديدة إلا عندما آتى بعد غد ، ولا تسمح للعمال بالانصراف قبل مواعيد العمل الرسمية.
قال سلمان في طاعة :
– اطمئن يا أبى .. ستكون الأمور على ما يرام .
وخرج سلمان ليجلس قليلاً في غرفة الاستقبال في خشوع أمام النار المقدسة ، وأخذ يتضرع إليها في طقوس اعتاد عليها منذ زمن .
كان سلمان شخصية تميل ميلاً إلي التدين ، ونفسية لا تستقر إلا بوجود إله تناجيه وتطلب منه العون ، ولم تستطع حياته الرغدة أن تلهيه عن تلك الحاجة ، ولم تنجح الإمبراطورية الفارسية بكل سطوتها وجبروتها المادي ، أن تجعل منه شاباً عابثاً لاهياً ، لا يفكر إلا في شهواته وإرضائها ورغباته ونزواتها.
كان سلمان مجوسياً..
نعم ..ككل أهل فارس .. مجوس .. يعبدون النار …
هي الإله الذي يأمر وينهي ، ويستجيب ويرفض ، ويرضى ويغضب ، ويبنى ويهدم ..
وتفانى سلمان في عبادتها .. حتى إن النار لم تكن لتنطفئ في بيته.. تماماً كما لم ينطفئ نور بصيرته عن رؤية الطريق و…
"ما هذه الأصوات ؟!"
همس بها سلمان وهو في طريقه إلي مزرعة أبيه ، وقد شده صوت ترانيم تصدر من مكان قريب منه ، فالتفت إليه ثم اتجه نحوه ، وعندما وصل إليه ، اقترب منه بحذر يحاول أن يعرف ماذا يجرى بداخله..
كان المكان عبارة عن كنيسة يلتقي فيها النصارى ، يصلون صلاتهم ويدعون دعائهم..
كلام مختلف.. وطقوس غريبة ..
ولم يدع سلمان نفسه نهباً للتساؤلات الحائرة التي تلف رأسه كثيراً..
لقد دخل الكنيسة ، وتعرف على من فيها ، وعرف أسقفها وجلس بينهم يسألهم ويجيبون ويحكى لهم ويحكون …
واندمج سلمان في الحديث تماماً ، حتى أنه لم يذهب إلي مزرعة أبيه ، بل تأخر عن موعد عودته للمنزل ، مما اضطر أباه إلى أن يبعث من يبحث عنه .
ساعات وسلمان يسأل ويحاور ، ويفكر في الماضي والحاضر والمستقبل والحق والحقيقة .. حتى غابت الشمس..
وانطفأت معها نار المجوسية .. ليضاء قلبه بدين جديد ..
المسيحية ..
***********************************
"نعم إنها دين خير من ديننا.. ولماذا لا أدخل في دين اقتنعت أنه الأفضل ؟"
قالها سلمان لأبيه الذي وقف مذهولاً مما حدث ، وكيف لا يذهل وقد ترك ابنه في الصباح على المجوسية ، فيأتي إليه في المساء وهو على المسيحية ، أكانت تكفي بضع ساعات للمرء أن يغير عقيدته ، لتخالف عقيدة أبيه الذي رعاه وأحبه كأشد ما يكون الحب..
نعم .. كانت تكفي سلمان .. ولكنها لم تكن تكفي أباه كي يقتنع بوجهة نظره ، ساعات من الحوار والمجادلة بينه وبين أبيه ،انتهت بتدخل منطق القوة ..
فقد أمر أبوه بقيد رجليه بالسلاسل ، وحبسه حتى يعود إلي صوابه ..
يا إلهي ..
أيفعل هذا أب بابنه وقد أحبه حبا لا يعرفه إلا هو وسلمان..
ولكن يبدو أن العقيدة كانت أسمى وأعلى وأقوى وأحب ..
وهو نفس السبب ، الذي جعل "سلمان " لا يبالي بما فعل به أبوه ، ووجد أن الصبر على مثل هذا ، ثمن زهيد لمعرفة الحقيقة ..
وكان السؤال الذي يشغل "سلمان" .. ما هي الخطوة القادمة ؟
ولم يكن ذكاء سلمان المعروف لدى الجميع ، بأن يعجزه عن إجابة السؤال .
ولقد بدأ في تنفيذ ما توصل إليه بالفعل ..
فلقد نجح في إرسال رسالة إلي النصارى الموجودين في بلدته (أصفهان) بإيران، يبلغهم فيها أنه قد دخل في دينهم ، ويطلب منهم أن يبلغوه بأي فوج قادم من بلاد الشام حيث الموطن الأصلي للمسيحية ، وعندها .. يستطيع أن يدبر هو خطة للهروب واللحاق بالفوج وهو عائد إلي الشام ..
ونجحت خطة سلمان ..
فلقد وصل إلي المكان الذي يريد .. وهناك استمر في بحثه عن المزيد والمزيد عن الدين الجديد ، حتى وصل إلي أسقف كنيسة النصارى في مكانه ، وهناك.. التقى به وحكى له قصته .
ياله من قرار صعب لشاب في مثل سن سلمان .
ويالها من جرأة ، أن يقرر أن يهجر بلده وأهله وحده ، دون معين ودون ترتيب لحاله في مكانه الجديد..
أين يسكن ؟ ومن أين يعيش ؟ وهو وحيد في بلد جديد لا يعرف من أهلها إلا أصحاب السفر .
لكن الأسئلة الصعبة لدينا ، لم تكن لتمثل أرقاً كبيراً لدى سلمان إزاء ما يسعى إليه من كشف لحقيقة كبيرة وخطيرة ..
حقيقة الوجود..
فليكن ما يكون .. حتى يعرف الحقيقة ..
حتى لو عمل ..خادما !!
نعم خادماً !!
تصوروا..!!!
سلمان الفارسي الذي كان يعيش في بيته تحت يديه الخدم عن يمينه وعن يساره ، يعمل الآن خادماً لدى أسقف الكنيسة !!
لقد قبل سلمان هذا العمل من أجل أن يظل قريبا من الأسقف ، فينهل من علمه ما شاء ، وتنجلي لدية الحقيقة أكثر وأكثر ، وتسنح له الفرصة في العبادة والصلاة.
وكان سلمان من الذكاء بحيث يحدد هدفه من وجوده مع أسقف الكنيسة .. العلم .. ولذا.. ظل ملازما للأسقف رغم اكتشافه لآمر خطير يمس نزاهته وشرفه ..
فلقد كان الأسقف لصاً!! نعم ..لصاً.!!
كان الأسقف يدعو رواد الكنيسة إلي التبرع بأموالهم ليخرجها صدقات للفقراء ، فإذا به يخدعهم ويأخذها لنفسه .!!
حقا إنه فعل مشين ، خاصة أنه ينسب إلى رجل دين .. لكن حكمة الشاب سلمان ، هدته إلي أن تصرف الأسقف لا يشين الدين الذي يدين به ، بل يشين الأسقف نفسه ..
فليستمر معه ، إلي أن يظهر جديد..
ولقد ظهر الجديد بالفعل .. فلقد مات الأسقف اللص ، وتولى أمر الكنيسة من بعده رجل عابد زاهد أحبه سلمان كأشد ما يكون الحب ، وجلس إليه سلمان يسأله ويحاوره وينهل من علمه ما استطاع ، ويسأله النصيحة في دينه والوصية من بعده ..
وكانت الوصية .. أن يذهب إلي رجل عابد زاهد مثله يعيش في الموصل ..
وبعد وفاته .. ذهب رحال الحقيقة عاشق التدين إلي الموصل ، ليلتقي بأسقف جديد.. في بلد جديد ..
وكانت الوصية هذه المرة في عمورية في بلاد الروم ، ليذهب سلمان إلي أسقف عمورية ، ويقيم عنده يعرف منه الجديد عن دينه الجديد ، ويصلى ويتعبد ويعمل راعيا للغنم.
ألا تتعجبون مما يحدث ؟ ألا تندهشون مما يفعله سلمان ؟
رحلة من فارس إلي الشام ، ثم أخرى إلي الموصل وثالثة إلي عمورية في بلاد الروم ..كل هذا وحده دون رفيق أو معين!!!
إن "سلمان" يبحث عن شئ لا يعرفه ..
إن نداء بداخله يعلو صوته شيئا فشيئا ، ولكنه لم يحدد كلماته بعد .. ولكن من المؤكد أنه يقترب.. ويقترب ..
فلقد وضعت وصية أسقف عمورية "سلمانً "على أول الطريق..
" يا بني ما أعرف أحدا على مثل ما كنا عليه، آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظلك زمان نبي يبعث بدين إبراهيم حنيفا.. يهاجر إلي أرض ذات نخل بين جرّتين، فان استطعت أن تخلص إليه فافعل. وإن له آيات لا تخفي، فهو لا يأكل الصدقة.. ويقبل الهدية. وإن بين كتفيه خاتم النبوة، إذا رأيته عرفته. "
يالها من وصية جديدة وخطيرة ..
إن الرجل ينبئ "سلمان " بأن هناك نبياً قد أتى بدين جديد ، وحدد له علامات النبي ، وعلامات المكان الذي يوجد فيه ..
وستبدأ رحلة لبلد جديد ..ودين جديد.. ويبدو أنها ستكون الرحلة الأخيرة ..
إنها تستحق أن يضحي سلمان بكل ما يملك من أجلها ..ثمناً للحقيقة ..
ولقد فعل سلمان ..فلقد عرض وبدون تردد كل ما يملك من أبقار وغنم ، على فوج علم أنهم من جزيرة العرب ، على أن يأخذوه معهم عند عودتهم ..
وبالفعل أخذوه معه إلي وادي القرى بجزيرة العرب ، لكنهم لم يكتفوا بما أعطاهم سلمان من أبقار وغنم دون ثمن ، بل باعوه كعبد إلي يهودي بها!!
ما هذا الذي يحدث لك يا سلمان ؟؟
أنت الذي كنت ملكاً في بلدك تصبح الآن عبداً ليهودي ؟!!
أبلغ إصرارك لمعرفة الحقيقة إلي هذا الحد ؟! سفر ومشقة وتضحية وذل ؟!
كان من المكن أن تضعف عند أي مرحلة ، وتكتفي بما اجتهدت فيه وتعود إلي بلدك وبيتك وأبيك ومالك وعزك ..
كان من الممكن أن تشفق على نفسك مما يحدث لك ، في لحظة تخلو بها معها ، وتقرر نهاية الرحلة .
لكن غريزة المعرفة عند سلمان كانت أقوى من أي شئ..
لم يفكر سلمان فيما يحدث له وما حدث له وما سيحدث له .. كان يفكر فقط في كلمات أسقف عمورية .. ووصف المدينة التي بها نبي الدين الجديد .
مدينة بها نخل كثير ..
كانت وادي القرى بها نخل كثير بالفعل ، وكان سلمان يرجح أن تكون هي المدينة المقصودة ، وظل سلمان عند اليهودي الذي اشتراه ، حتى أتى إليه رجل من بنى قريظة فاشتراه منه وعاد به إلي المدينة ، فما أن وصل إليها سلمان ونظر إليها نظرة فاحصة ، حتى أيقن أنها هي ..
المدينة الموعودة ..
" قاتل الله بني قبيلة (أهتم) .. ليتقاصفون على رجل بقباء، قادم من مكة يزعم أنه نبي.. "
هتف بها رجل يهودي ، وقد تملكه الغضب والغيظ إلي سيده الذي يجلس تحت نخلة من النخل الذي يملكه ، في الوقت إلي كان فيه سلمان يتسلق على النخلة ليجمع ثمارها ، وما إن سمعه سلمان ، حتى نزل مسرعاً من على النخلة حتى كاد يسقط على صاحبها ، وما إن استقر على الأرض حتى هتف لصاحب الخبر قائلاً:
– ماذا تقول يا رجل ؟؟ ما الخبر ؟؟
رفع سيده يده في حنق ، ليضربه ضربة شديدة وهو يقول في عنف :
– مالك وما نتحدث فيه ..عد إلي عملك بسرعة .
وبالفعل ..عاد سلمان إلي العمل .. ولكنه ظل يتسمع الحديث الدائر، ليعلم أن النبي قد نزل بمسجد يسمى قباء في المدينة ..
وما أن انتهي من عمله ،حتى جمع بعض مستلزماته ولكن لرحلة قصيرة هذه المرة .. مسجد قباء..
وعندما دخل سلمان المسجد ، استطاع بسهولة أن يميز الرسول الكريم ، ربما لالتفاف بعض الصحابة حوله يتحدثون إليه ويسألونه .. فشاركهم سلمان الحوار ، ليعلم بأمر هجرتهم من مكة ، وليبدأ أول اختباراته للتأكد من شخصية الرسول قائلاً:
– لدى بعض الطعام كنت قد نذرته كصدقة ، وأرى أنكم أولى به فأنتم أهل غربة .. تفضلوا معي ..
فنزل سلمان إلي أرض المسجد يفترش الطعام ومعه الصحابة متهللين بهذه الوجبة التي جاءت إليهم من السماء ، وأخذوا يأكلون الطعام وهم يتجاذبون أطراف الحديث مع سلمان ، والذي تظاهر بأنه معهم ، وهو في الحقيقة يتابع الرجل الذي بدت عليه أول علامات النبوة ..
فالجميع تناولوا الطعام مع سلمان ..إلا الرجل .
لقد صدقت أول العلامات.. فالرجل بالفعل لا يأكل الصدقة .
وفي اليوم التالي .. حضر سلمان إلي المسجد وفي يده جعبة بها طعام ، وبعد أن دخل المسجد ، اتجه إلي الرسول فحياه وجلس إليه وقال له وهو يبتسم :
– لقد لاحظت أنك لم تأكل معنا بالأمس، فأحببت أن أكرمك بهدية، فلتقبلها منى .
فقبل الرسول مبتسما ودعا الصحابة معه للطعام وهو يقول :
"كلوا باسم الله "
إنها العلامة الثانية تظهر أمام سلمان .. إن الرجل يقبل الهدية .
لقد نجح سلمان في أن يختبر الرسول في العلامة الأولى والثانية دن أن يشعر أحد أنه
يبحث عن شئ ما ..
لكن الذي لم يشعر به سلمان ، أن الرسول كان قد شعر بما يريد ، وقرر أن يساعده في الوصول إلي العلامة الثالثة ، التي لولا مساعدته لأجهد "سلمان" في التوصل إليها . وهو ما دعي الرسول إلي أن يزيح بردته قليلاً بعد أن سلم عليه سلمان وهو يسير في جنازة بالبقيع ، وبعد أن سلم عليه ، لا حظ الرسول أن "سلمان " قد عدل من وضعه لينظر في ظهره ، ليعطى الرسول "سلمان "الفرصة لأن يرى خاتم النبوة بين كتفيه ، وليتأكد سلمان من العلامة الثالثة .. والأخيرة .
"إنه النبي ..لا شك في ذلك "
لابد أن قد هتف بها سلمان في نفسه قبل أن يفقد السيطرة على مشاعره ، و ينكب على الرسول باكياً يقبل يديه.
ويشعر الرسول بصدق سلمان ، ويطلب منه تأجيل الحديث الآن حتى تنتهي الجنازة ، ثم دعاه إلي جلسة الدخول في دين جديد ..
ظل سلمان يحكى للرسول وظل الرسول يشرح لسلمان
وأسلم سلمان ..
لتدخل قلبه العقيدة الثالثة ..
ولكنها الأخيرة …
أخيرا.. لقد نجح سلمان في الوصول إلي الحقيقة ..
الحقيقة الكاملة..
نسى بها كل ما تكبده من جهد ومشقة في السفر والترحال ..
إلا أن شيئاً واحداً لم يستطع ولن يستطيع أن ينساه ..إنه العقبة الكئود بينه وبين مشاركة المسلمين وجهاده معهم ..
إنه الرق .. الذي منعه من الاشتراك في غزوتي بدر وأحد..
وكم كان حزن سلمان لذلك .. وفي جلسة بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم ، أثيرت المشكلة.. فدعا الرسول "سلمان" أن يكاتب سيده يطلب منه العتق ، ودعا الرسول أصحابه ليعينوه على ذلك ..
وتحرر سلمان بالفعل
وكانت نعم الهدية التي أهداها الإسلام لسلمان …
لقد وصل سلمان إلي الحقيقة وأنهي طريقاً مضنياً صعباً لسنوات ، وتنفس نسيم الحرية .. لينطلق سلمان بعدها ليشارك لأول مرة في الجهاد ضد كفار قريش ويهود المدينة في غزوة الخندق .. وفيها..
كان ينتظر سلمان لقاء حارً..
مع التاريخ.
**************************************
وكأن الله أراد لسلمان أن يدخل الإسلام وهو على درجة من فهم الحياة ونفوس البشر ، ولم لا ؟ وهو الذي قضى سنوات من عمره في غمار السفر ، يصارع الأيام ويقهر الصعاب في بلاد لا يعرفها ولا تعرفه ..
لقد أكسبت المواقف العديدة والصعبة التي تعرض لها سلمان ، أكسبته حكمة نافس بها من سبقوه بسنوات ، ولقد كان سلمان مهيأ بقدرته على البحث وحب العلم وجمع المعلومات وتحليلها بصور منطقية ، وقدرة على اتخاذ قرارات مصيرية وصعبة .. ولهذا امتلك سلمان صفات ندر أن تجدها في العديد من الصحابة ..
فلقد أصبح ذا علم وحكمة وذكاء وخبرة بالحياة ، وحب للمغامرة وشجاعة في اتخاذ القرار..
ألا ترون معي أن سلمان ..قد صار رائعاً..؟
وربما كانت هذه هي الأسباب التي جعلت الرسول صلى الله عليه وسلم يختار أبا الدرداء أخاً له ضمن مشروع الأخوة الذي بدأ الرسول في تنفيذه منذ العام الثاني للهجرة ، لإزالة الخلافات المترسبة بين المسلمين من أهل المدينة قبل الإسلام ، وإذابة الفوارق الاجتماعية بينهم من ناحية ، وبينهم وبين المهاجرين من ناحية أخرى، وتشجيع الأنصار على احتضان المهاجرين في غربتهم .
فلقد كان أبو الدرداء مبالغاً في العبادة إلي الحد الذي أهمل فيه نفسه وزوجته وحياته ، حتى أن "سلمان" عندما رأى زوجة أبى الدرداء في زيارة له في إحدى المرات وهى في حالة رثة ، سألها متعجبا:
– ما شانك؟!
أجابت أم الدرداء في استسلام :
– إن أخاك ليس في حاجة إلي الدنيا .
وفي مرة ثانية زاره في يوم جمعة فوجده نائماٌ ، فلما سأل قالت له زوجته:
– إنه يقوم الليل كله يوم الجمعة ثم يصوم .
هنا شعر سلمان أن الأمر في حاجة إلي التدخل بموجب عقد الأخوة الذي بينهما ، إن واجب الأخوة يفرض على سلمان أن ينصح أبا الدرداء بتعديل أسلوبه في الحياة وفكرته عن الإسلام ، فاستأذن زوجته أن تصنع طعاماً ، فلما جلس للطعام ، قال له أبوالدرداء :
– تفضل يا سلمان .. لم لاتأكل ؟
قال سلمان :
– أنتظرك .
رد أبو الدرداء :
– لا..لا تنتظرني يا أخي .. فإني صائم .
وأصر سلمان على أن يأكل معه أبوالدرداء ، وإلا امتنع هو عن الطعام أيضاً ..وأمام إلحاح سلمان، قطع أبو الدرداء صيامه على مضض ، وأكل مع سلمان .
بعدها استمر سلمان في مراقبة تصرفات "أبو الدرداء" التعبدية ، ومحاولة إثناءه عن المبالغة فيها بهذا الشكل ، حتى ضاق أبو الدرداء يوماً وهو يلومه عن تخصيص يوم الجمعة بالصيام والقيام ، فقال له أبو الدرداء معاتبا ً:
– أتمنعني أن أصوم لربى وأصلى له ؟؟!
فقال سلمان ناصحاً في عطف :
– يا آخى .. إن لعينك عليك حقا، وإن لأهلك عليك حقاً، صم وأفطر، وصل ونم.
وكان صعبا على أبى الدرداء أن يقتنع بكلام سلمان، فلم يجد الاثنان بدا ًمن أن يطرحا القضية على رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
وأكرر دون مبالغة ..(القضية) ، فعندما يرتبط الأمر بأسلوب الحياة وطريقة التفكير ، يصبح الأمر قضية ..
ولقد حسم الرسول الأمر وهو يربت بيده بحنان على فخذ أبى الدرداء قائلاً:
"عويمر .. سلمان أعلم منك ـ ثلاث مرات ـ لا تخصن ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصن يوم الجمعة بصيام من بين الأيام"
رائع يا سلمان ..رائع .
وسيزيد من روعتك شهادة الرسول (ص) لك وهو يقول :
"لقد أشبع سلمان علماً"
فلقد كان الرسول (ص) معجباً بذكائه وعلمه كثيراً ، كما كان معجبا ًبخلقه ودينه ..
لقد كان سلمان متفرداً بحق ليس في صفاته وحسب ..ولكن في تصنيفه أيضا بين الصحابة ..
فلم يكن سلمان مهاجراً ولا أنصارياً..
وهذا التميز والتفرد هو الذي جعل المهاجرين والأنصار يتنازعون عليه يوم الخندق، فيقول المهاجرون: سلمان منا.. ويرد الأنصار : لا .. بل سلمان منا !!
وللمرة الثانية يحسم الرسول (ص ) أمراً يخص سلمان ،حسماً لا يجرؤ أن يرد عليه أحد .. فينادى قائلاً :
" سلمان منا آل البيت "
ياله من شرف أكبر من أن تصفه الكلمات ..
ولكن الرسول لم يكن ليعطى فارسياً هذا الشرف ، إلا إذا كان يستحقه عن جدارة ، ولقد أثبت سلمان بالفعل أنه يستحقه في الماضي .. وسيثبت أنه يستحقه في المستقبل القريب ..والقريب جداً ..
في غزوة الخندق..
*************************************
تحالف رهيب بين يهود المدينة ومشركي مكة وقبائل الجزيرة العربية في حرب الفرصة الأخيرة ، حرب حاسمة .. تريد أن تنهي وجود المسلمين تماماً.. وإلي الأبد .
ولقد كانت الخطة غادرة ماكرة مباغته مفاجئة .. تفقد الطرف الآخر التركيز وتصيبه بالإحباط والشلل..
يهاجم جيش قريش وغطفان وبقية القبائل "المدينة" من خارجها، بينما يهاجم يهود بنو قريظة من الداخل، ومن وراء صفوف المسلمين، ليقف المسلمون محاصرين بين اليهود من الخلف، وجيش قوامه عشرة آلاف مقاتل من الأمام ،جاءوا وكلهم عزم على كتابة كلمة النهاية ..
كان الموقف على المسلمين أقسى من أن يتوقعه أحد ..
وكان وصف القرآن له بليغاً دقيقاً :
(اذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا).
ما العمل إذن؟؟ و ما هي الوسيلة لردع هذا الهجوم الضاري غير المسبوق؟؟
وكان إجراءا طبيعياً أن يجمع الرسول مجلس الحرب للتشاور.
ودون شكً.. أجمعوا على الدفاع والقتال..
ولكن كيف الدفاع؟؟
حيرة بين الصحابة .. وتوتر وقلق .. ومشكلة كبيرة تبحث عن حل .
وهنا.. تقدم الرجل الطويل الساقين، الغزير الشعر، الذي كان يحمل له الرسول حباً عظيماً، واحتراماً كبيراً.
تقدّم سلمان الفارسي .. ونظر من فوق هضبة عالية، نظرة فاحصة على المدينة كلها، فوجدها محصنة بالجبال والصخور المحيطة بها..
إلا فجوة واسعة.. ومهيأة كي يستطيع جيش المشركين أن يقتحم منها المدينة في يسر..وهنا هتف سلمان قائلاً:
– إنه الخندق .. الخندق .
وبسرعة الرياح ..أخذ يشق طريقه للرسول ليعرض عليه الفكرة ..
كانت الفكرة معتادة في بلاد فارس ، ولكنها كانت جديدة على العرب ..
كانت الفكرة جديرة بأن تخيف قائدًاً عادياً ، ينظر للجنود العاديين بمنطق أن التفكير في آرائهم مضيعة للوقت ..
كانت الفكرة تخيف قائدأً روتينياً ، يرتبك أمام الأفكار الجديدة ، وتتوتر أعصابه ، ويجد رأسه قد ثقلت فجأة، فلا يستطيع أن يتخيل الأحداث في الوضع الجديد ، ويفقد الإحساس بالواقع والقدرة عل التوقع ، فيختار حلاً سهلاً بسيطاً ..
أرفض الفكرة فوراً ..ولا نقاش ..سننفذ ما نعرفه ولا مجال للفلسفة والإختراعات الآن ..
ولكن من قال أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قائدأ عادياً ..
إنه معلم البشرية ..
فكر الرسول في الفكرة ..
ووجدها قيمة جديرة بالبحث ..
والتنفيذ ..
وعلى الفور.. بدأ الرسول يقسم المجموعات لحفر خندق سلمان ، لإنجازه في وقت محدد وبمواصفات محددة..
ونجح المسلمون في إنجاز المهمة في الوقت المحدد ، وأصيب المشركون بالدوار من هذا الخندق الغريب العجيب الذي لم يكن في الحسبان ، واكتسب المسلمون الوقت للتفكير وتفكيك تحالف الشر بين قريش وحلفائها و..
وأخيراً.. وبعد أربعة وعشرين يوماً من الحصار ..أمر أبو سفيان جيوشه بالرحيل ..
لقد كان اليوم يوم سلمان بلا شك ..ليس بسبب بالخندق فحسب ..بل بسبب واقعة أخرى لن ينساها التاريخ …
واقعة الصخرة ..
صخرة النبوءة.
******************************
كان الرسول قد وزع المسلمين على مجموعات لحفر الخندق ، كل مجموعة تقوم بحفر رقعة معينة ، وفي الرقعة التي كان مسئولا عنها سلمان ومجموعة من أصحابه ، اعترضتهم صخرة صلبة شديدة الصلابة ، لم ينجحوا جميعا في كسرها ، حتى سلمان رغم عافيته و قوة بنيانه .. فلم يجد سلمان بداً من أن يستأذن الرسول (ص) في تغيير مسار الحفر لتفادى تلك الصخرة ..
وقبل أن يتخذ الرسول القرار ، عاد مع سلمان إلي الموقع لدراسة المشكلة على الطبيعة ، وعندما رأى الصخرة ، وجد أن الأمر لا يخلو من محاولة أخيرة ، فطلب معولاً وطلب ممن معه من الصحابة أن يبتعدوا قليلاً ، كي لا تصيبهم الشظايا الناتجة عن الاصطدام.
وسمى الرسول بالله ..ورفع الرسول يديه الشريفتين وهو يمسك المعول بكل عزم وقوة ، وهوى بها على الصخرة بضربة قوية ،أحدثت بها فلقاً عميقاً ، وخرجت على أثرها شرارة عظيمة أضاءت جوانب المكان!
نعم .. هكذا وصف سلمان بعد أن تملكته الدهشة مما رأى ، والتي ما كاد أن يفيق منها حتى تملكته مرة أخرى مما سمعه من رسول الله وهو يهتف قائلاً :
"الله أكبر..أعطيت مفاتيح فارس، ولقد أضاء لي منها قصور الحيرة، ومدائن كسري، وإن أمتي ظاهرة عليها"..
نبوءة نصر.. في وقت تنبأ معظم المسلمين لأنفسهم الهزيمة ..
ومع ضربة الرسول الثانية ، كان سلمان على موعد مع الحلقة الأخيرة من مسلسل الدهشة ..
"الله أكبر.. أعطيت مفاتيح الروم، ولقد أضاء لي منها قصورها الحمراء، وإن أمتي ظاهرة عليها".
هكذا هتف رسول الله .. وهكذا سمع سلمان والصحابة الذين ارتفعت روحهم المعنوية فجأة ، وأيقنوا أن النصر آت لا محالة ..
واختتم المشهد بتهليل وتكبير من المسلمين ، رج الأرض من شدته ، بعد أن صاحوا جميعاً في إيمان عظيم :
– هذا ما وعدنا رسول الله.
هل يا ترى انتهي المشهد العجيب المبهر أمام سلمان ..
لا.. إن المشهد لم ينته بعد .
لقد كان سلمان على موعد لرؤية النبوءة حقيقة أمام عينيه ..
نعم .. لقد أطال الله في عمر سلمان ، حتى رأى مدائن الفرس والروم ، ورأى قصور صنعاء وسوريا ومصر والعراق.
مد الله في عمر سلمان .. فعاصر أبا بكر وعمر وعلي بن أبى طالب .. ورأى بلدان العالم وهي تفتح ذراعيها للإسلام تستقبله بالحب و الشوق و الترحاب.
ليس هذا فحسب .. فلقد أصبح سلمان أميراً على المدائن ، بعد إلحاح شديد من عمر بن الخطاب ..
فلقد كان سلمان يكره الإمارة ، ويشعر أنها قيد عليه لا يستطيع الفكاك منه .
إلا أن "سلمان " لم يجد مفرا من أن يقبلها مضطراً ً.. وقد أخذ يحتاط لنفسه منها ، وكأنها وحش يريد أن ينقض عليه !!
كان سلمان يخاف أن تشده الإمارة إلي الدنيا وتبعده عن الآخرة ..فظل على زهده وتواضعه و..
"ألا تحمل عنى هذا الشيء يا رجل ؟"
نطق بها الرجل وقد بدا عليه الإرهاق الشديد من أثر حمل من التمر والتين ، كان يحمله على ظهره وهو قادم به من بلاد الشام ، وما إن بصر به من نادى عليه ، حتى هب إليه يحمل عنه ، وسارا معاً .. وفي الطريق، مرا على جماعة واقفين يتحدثون .. فألقى حامل الحمل عليهم السلام .
فأجابوا : وعلى الأمير السلام .
وهنا التفت الرجل الشامي في دهشة متسائلاً:
– أي أمير يعنون..؟!
وبعدها بلحظات وصلته الإجابة.. الإجابة المذهلة.
فلقد ذهل الرجل حينما رأى الناس يسارعون إلي من حمل عنه الحمل ، قائلين في أصوات متضاربة متلاحقة :
– عنك أيها الأمير سلمان .
وبدا الرجل غير مصدق لما سمع ، وتلعثمت شفتاه بكلمات الاعتذار، وهب محاولاً انتزاع الحمل من الأمير سلمان .
إلا أن الأمير "سلمان "رفض قائلاً في تواضع :
– لا .. حتى أبلغك منزلك.
كان سلمان يشعر أن الإمارة غولاً يهجم عليه كل لحظة.. فوضع خطة لحمايته منها بالتواضع .
..والزهد أيضاً ..
فقد رفض أن ينال من مرتب الإمارة درهماً وظل يأكل من عمل يده ..كان يضفر الخوص ويجدله ويصنع منه أوعية..
كان يلبس ثوباً قصيراً انحسر من شد ة قصره إلي ركبتيه ..
يا لله ..أهذا هو سلمان ابن فارس صاحب الترف والبذخ والثراء ؟!!
يرضى بهذا التقشف وهذه البساطة والدنيا ملك يديه ؟!!
إنه مطمئن بهذه البساطة .. سعيد بها..متفائل بمصيره معها ..
سلمان الذي كان ينفق بلا حساب في بيت أبيه ، جعله الإسلام ينفق بلا حساب في سبيل الله ..
فلقد كان يتصدق بما بين أربعة آلاف وستة آلاف درهم في العام ، وكان يقول :
– أشتري خوصاً بدرهم، فأعمله، ثم أبيعه بثلاثة دراهم، فأعيد درهما فيه، وأنفق درهماً على عيالي، وأتصدّق بالثالث.. ولو أن عمر بن الخطاب نهاني عن ذلك ما انتهيت!
لم يكن زهد الصحابة إذن لفقرهم أو لأنهم تعودوا على حياة صعبة خشنة في الجزيرة العربية .. بل كان حماية لهم من غرور الدنيا وطوفانها.
كان بيته ينطق بزهد وورع عجيبين ، عرفهما فيه البناء الذي قام بتصميم بيته ، فوصفه له قبل بناءه قائلاً:
– لا تخف.. إنها بناية تستظل بها من الحر، وتسكن فيها من البرد، إذا وقفت فيها أصابت رأسك، وإذا اضطجعت فيها أصابت رجلك!!
وكأنه يريد أن يأخذ توقيع سلمان على رسم هندسي ، فإذا بسلمان يوقع مرحباً وهو يقول :
– نعم .. هكذا فاصنع.
لقد زهد سلمان حتى ظن أن طبقاً يأكل فيه ومطهرة يشرب منها ويتوضأ ، خروجاً على القوانين التي وضعها لنفسه ليظل قريبا من الله والآخرة، وهو في غمار حياته في الدنيا.
زاره سعد بن أبى وقاص في أحد الأيام فوجده يبكى ، فقال له سعد:
– ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ لقد توفي رسول الله وهو عنك راض.
فأجابه سلمان:
– والله ما أبكي جزعا من الموت، ولا حرصاً على الدنيا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا عهداً، فقال: ليكن حظ أحدكم من الدنيا مثل زاد الراكب، وها أنا ذا حولي هذه الأساود"!!
والأساود تعنى الأشياء الكثيرة، والأشياء التي كان يظن سلمان أنها كثيرة، هي الطبق والمطهرة !!
إلا أن "سلمان" .. كان يحتفظ بشيء من طيبات الدنيا ، كان يخاف أن يكتشفه أحد ، ولذا .. طلب من زوجته أن تخبأه في مكان بعيد وأمين لا يعرفه أحد..
لم يكن ذهباً ولا مالاً ..
لم يكن خريطة لكنز أو مفتاحاً لحصن..
كان..
زجاجة عطر ..
ادخرها سلمان للقاء كان ينتظر فيه ضيوفا كان يعرف أنهم يحبون العطر ..
أنظر كيف كان سلمان كريم الضيافة ..
وعندما اقترب الموعد .. طلب من امرأته إحضار العطر ، وقال لها:
– إنضحيه حولي .. فإنه يحضرني الآن خلق من خلق الله، لا يأكلون الطعام، وإنما يحبون الطيب.
فلما نثرت العطر حوله قال لها:
– اقفلي على الباب وانزلي .
وتنسحب زوجته دامعة ، وهى تلقى عليه النظرة الأخيرة ، ثم تخرج و تغلق الباب على المشهد الأخير في حياة زوجها سلمان .
وفي العام الخامس والثلاثين من الهجرة ، وفي عهد عثمان بن عفان ، فارقت روح سلمان المباركة جسده ودنياه ودنيانا، ليحيا في دنيا أرحب وأوسع وأفضل .
رحمك الله يا سلمان..
رحمك الله يا لقمان الحكيم ..
رحمك الله يا أشبه الناس بعمر بن الخطاب
تحليل ودروس
1-الرفاهية لا تتعارض مع التدين ( تدين سلمان الواضح رغم رفاهيته ونشأته في بلاد الفرس المتقدمة )
الفطرة الإنسانية تجعل الإنسان – غنياً أو فقيراً – في حاجة مستمرة إلى إله يعبده ، يشعره بالاحتياج إليه والشكوى له وطلب نصرته ، وربما يكون الغنى المرفه الذي يعانى من طغيان المادة في حياته ، أحوج إلى ذلك من غيره وهذا يفسر الآتي :
أ- تزايد أعداد المسلمين في الدول المتقدمة اقتصادياً ،حيث يلبى فيها كل متطلبات الفرد ويستجاب لكل شهواته ، مثلما يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية ، بالرغم من أن من يدخل في الإسلام يعلم تماماً بأنه سينتقل من عالم الحرية المطلقة للشهوات والرغبات ،إلى حيز الحرية المقيدة بالحلال والحرام ، ومع ذلك فهو يرحب ، لأنه يكتشف أن شعوره بوجود الله معه ورضاه عنه ، يعوضه عن كل شهوات الدنيا ، بل ويعطيه لذة في قلبه لا تعدلها لذة .
ب- استجابة الطبقات الغنية في مصر لمحاضرات الأستاذ عمرو خالد ، أكثر من استجابتهم لأفكار دعاة آخرين ، والسر في ذلك أنهم وجدوا في محاضراته الغذاء الروحي الذي افتقدوه في خضم المادة والشهوة التي تسيطر عليهم، ويعيشونها كل يوم .
2-حب العقيدة يسمو فوق أي حب (سلمان يصبر على عقاب والده له من أجل عقيدته )
كان سلمان يحب أباه حباً جماً ،ولكنه عندما تعارض حبه لله ودفاعه عن عقيدته مع حب أبيه ، اختار عقيدته دون تردد ، وفضل حبه لله على حب أبيه ، إن حب الله لابد أن يعلو على حب أي شي .. المال والنفس والشهرة والمجد وحب الدنيا والأب وألأم والزوجة والأولاد .
3- تفضيل حب الله على حب الوالدين ،لا يعنى سوء معاملتهما. ( سلمان لم يقم بعقوق والده رغم الخلاف بينهما في أمر خطير وهو العقيدة )
ليس معنى أن يغلب حب الله حب الوالدين ، أن نعامل آبائنا بجفاء أو تجهم أو تعالى ، إن يتنافى مع عقيدة الإسلام التي نؤمن بها ، ومهما وصل الخلاف، فلتكن المعاملة بالرفق واللين والبسمة والحوار ، ولتتحمل غضبهم إن حدث.. في سبيل الله .
4- الحث على التفكير والبحث ( سلمان لا يستسلم للأفكار التي نشأ عليها و يسافر من بلد لأخرى من اجل الوصول إلى الحقيقة )
ضرب سلمان مثالاً نادراً في التفكير والبحث ، فهو لم يستسلم للأفكار التي وجد مجتمعه عليها ، بل أعطى نفسه فرصة أن يسمع الأفكار الجديدة ، وأن يفكر فيها وأن يقبلها طالما تأكد من صحتها ووجدها أفضل من سابقتها ، وقد عانى الكثير والكثير في سبيل ذلك ، من إيذاء أبيه له وترحاله من بلد لبلد والتضحية بكل ما يملك من مال في سبيل استمرار بحثه للوصول إلى النتيجة التي ترضيه .
إن عقول الشباب المسلم لهى في أشد الحاجة إلى عقلية مثل عقلية سلمان ، تفكر في تصرفاتها وأفعالها ، وتزنها بميزان الحقيقة ،وتستمع إلى أفكار الآخرين وتفكر فيها وتلتزم بها إن وجدتها صحيحة تستحق الاتباع .
إن عقلية سلمان المتفتحة وحبه للبحث وتضحيته في سبيل ذلك ، أكسبته أقصى ما يستطيع أن يكسبه شخص في دنياه ..
أكسبته الجنة .
5- الاجتهاد والتضحية من أجل تحصيل العلم (سلمان يفقد حريته وماله من اجل معرفة الحقيقة )
تعيش الأمة الإسلامية أذل عصورها ، وتستهين بها كل الأمم ،ويعد أحد الأسباب القوية لذلك ، احتقارها للعلم وعدم تقديرها للعلماء ، فالشباب لا يجد للعلم نفعاً ، والغش في المدارس أصبح وسيلة معترفاً بها للنجاح ، والمعلم مهان بسبب احتياجه الدائم لعائد الدروس الخصوصية ، وحاملو المؤهلات العلمية يعانون من البطالة .
ولقد أعطانا سلمان الفارسي (حيث أنه كان ابناً لإمبراطورية متقدمة علمياً ) درساً في حب العلم وتقديره والتضحية من أجله ، حتى أنه قبل أن يعمل خادماً عند أسقف الكنيسة ، حتى تسنح له الفرصة كي ينهل من علمه للتعرف أكثر على المسيحية .. دينه الجديد .
6- عندما يصدر الخطأ من مسلم ، فليس هذا خطأ الإسلام ..بل خطأ المسلم في تطبيق الإسلام .(سلمان لم يترك المسيحية رغم علمه بان أسقف الكنيسة يستولي على الصدقات )
يقع الكثير من الناس فريسة لفكرة خاطئة ، وهو أنه طالما ارتكب متدين خطأ ، إذن الإسلام نفسه به خطأ ، وأنه لا يريد أن يكون متدينا حتى لا يقع في مثل هذه الأخطاء ، وفى الحقيقة ..إن سلوك بعض المتدينين وتعاملاتهم ، يفتن الناس بتصرفاتهم الخاطئة ، ويصرف الناس بأعمالهم عن التدين ، فيظلمون بذلك الإسلام نفسه ، ويؤذونه أشد الإيذاء قبل أن يؤذوا أنفسهم .
ولقد كانت حكمة الشاب سلمان بليغة حين رأى أسقف الكنيسة يأكل أموال الصدقات ، ففهم أن هذا التصرف يرجع إلى أسقف الكنيسة ، ولا يرجع إلى المسيحية نفسها ، ولم يلصق التهمة بالدين ولم يفكر في تركه بسبب تصرف من مسيحي ، حتى وإن كان أسقف الكنيسة نفسه ، بل توهجت حكمة سلمان بأنه سكت عما رآه ، في سبيل أن يأخذ من علمه ما استطاع أن يأخذ.
7- الإصرار على الوصول للهدف مهما تكن الصعوبات ( سلمان يسافر ثلاث مرات و يفقد حريته وماله من أجل الوصول إلى هدفه )
شبابنا ييأس بسرعة ، وطاقته تنفد عند أول محاولة ، أو الثانية على الأكثر ، ودائماً يتهم الزمن والحظ والمجتمع والناس ، ولكنه لا يعلم حقيقة هامة يعرفها كل الناجحين والمتفوقين ويحفظونها عن ظهر قلب ، وهو أن الهدف لن يتحقق من أول محاولة ، ولا ثاني محاولة ، بل إن تحقيق الهدف يستلزم محاولات ومحاولات ، يغير على أثرها صاحب الهدف تفكيره وأسلوبه في الوصول إليه ، إلى أن ينجح في النهاية ، وبالتأكيد سينجح ، لأن هذه الوسيلة ، هي الوسيلة الطبيعية والمضمونة للنجاح ، وكلما زاد سمو الهدف ، كلما زادت المحاولات المطلوبة للوصول إليه ، والمشقة التي تلزم لبلوغه ، وعلى ذلك .. فلا بد أن يتمتع صاحب الهدف – إن أراد أن يكون من الناجحين- بالإصرار والإرادة والثقة بالله والتوكل عليه .
وسلمان حاول محاولات عديدة ، وتعرض لمواقف صعبة ، كان من الممكن أن ييأس خلالها ويعود إلى بلده ، ولكنه ثابر وتحدى ، حتى وصل إلى الحقيقة التي أراد أن يصل إليها .. فكان جزاؤه خير الجزاء.. الإسلام .
8- ذكاء الصحابة والرسول في التعامل مع سلمان ( الصحابة لم يهجموا على سلمان لدعوته للإسلام عندما وجدوه يتردد على النبي )
لم يكن الصحابة رضوان الله عليهم مجموعة من المبرمجين على إطلاق جمل معينة عندما يقابلون شخصاً جديداً بأن يدعونه إلى الإسلام بمجرد مقابلته ، ولكنهم كانوا على وعى وفهم للنفوس وفن الدعوة إلى الله ، فلم يطلبوا منه الدخول في الإسلام لا أول مرة ولا ثاني ولا ثالث مرة ، بعدما لاحظوا اهتمامه بالرسول ، فقد تركوا الأمر للرسول الذي علم بفطنته أن سلمان يبحث عن شئ ما، وعندما يجده سيصبح الطريق ممهداً لإسلامه .. وقد كان .. فلقد تركه الرسول حتى تأكد من نبوته ، فأسلم بعدها على الفور .
9- المجتمعات العربية تخاف من الأفكار الجديدة وتجهضها ( الرسول يقبل فكرة سلمان الخاصة بحفر الخندق و يناقشها و يوافق عليها رغم غرابتها )
كان موقف الرسول من قبول فكرة سلمان بحفر الخندق – وهى فكرة كانت جديدة على العرب والمسلمين بالطبع – دليلا قوياً على مرونة الرسول في قبول الجديد من الأفكار ، وإعطائه الحرية للمسلمين كي يبدعوا ويفكروا في حل المشكلات ، وكان ذلك سببا مباشراً في انتصار المسلمين في غزوة عصيبة، لك أن تتخيل ماذا سيكون حال المسلمين بدونها .
وربما كان أبلغ تقدير لسلمان وفكرته ، أن سميت الغزوة باسم ابتكاره ( غزوة الخندق ) وليس باسم مكانها كما كان الحال في بدر و أحد.
وفى مجتمعنا العربي – للأسف – ، نواجه الأفكار الجديدة بالسخرية والنقد الشديد اللاذع ، مما يجعل المبدع معزولا ومتهماً طوال الوقت ، فإما أن يصمد وكأنه في موقعة حربية مع مجتمع بأكمله ، وإما أن يتراجع ويتنازل عن أفكاره ويقتل مواهبه بنفسه، وإما أن يهاجر لبلاد تهتم بالمبدعين وترعاهم، ككل العقول المهاجرة من العالم العربي إلى أمريكا وأوروبا .
إننا لن نستطيع أن نواجه مشاكلنا طالما نقتل الإبداع ونحارب المواهب ونرتعش من الأفكار الجديدة ، والغرب إنما تقدم .. إلا لأنه يدرب أبناءه على التفكير المبدع غير التقليدي ، الذي يأتي بحلول غريبة لا يتوقعها أحد ، ولكنها تثبت صحتها بمرور الأيام ، وبعدها.. يسير وراءها التقليديون الكسالى .
10- لا بد من الأخذ بالأسباب بالرغم من نبوءة الرسول بالنصر ( المسلمون يستمرون في حفر الخندق رغم نبوءة الرسول لهم بالنصر )
لماذا لم يترك المسلمون المعركة ، أو على الأقل توقفوا عن حفر الخندق الشاق المضني ، بعد أن سمعوا نبوءة النبي بفتح بلاد فارس وبلاد الروم ، بل لماذا لم يفكر المسلمون في الأمر مجرد تفكير ؟!
ذلك لأن الإسلام علمهم أن النصر لا يأتي إلا بالأخذ بالأسباب ، وأن النجاح لا يأتي في الدنيا إلا بالجهد والتعب والمشقة .
11- الإسلام دين حياة متوازن ، ولا يجب أن تطغى العبادة على الجوانب الأخرى( سلمان يراجع أبا الدرداء في أسلوب حياته )
أخذ سلمان على أبى الدرداء مبالغته في العبادة إلى حد إهمال بيته وزوجته ، وعندما علم الرسول بذلك أيده في رأيه ..
إن العبادة ركن هام وخطير في الإسلام ، ولكننا لا بد أن نفهم دوره ، إنه يعطينا الطاقة الإيمانية التي نستطيع أن نتحرك بها لتطبيق الإسلام في حياتنا من معاملات مع الوالدين والأصدقاء والناس ، ومن اجتهاد في المذاكرة للنجاح والتفوق ، ومن إتقان في العمل . فالعبادة جعلت لننطلق بها في آفاق المجتمع لتغييره إلى الأفضل، وليس للانغلاق بها بين أربع جدران.
12- التواضع يحمى الإنسان من الغرور ويزيده عزاً أمام الناس ( سلمان يحمل عن الرجل الشامي حمل التمر وهو أمير )
كان سلمان يخشى أكثر مما يخشى من الغرور، الذي يهاجم النفس فيدمرها ويشقيها ، فكان يلزم نفسه دائماً بالتواضع ، فيدخل المدائن وهو على بغلة فينبهر أهل فارس المترفين بالحاكم الجديد ، الذي طالما سمعوا عن صولاته وجولاته ..
ولكن التواضع الذي يريده الإسلام ، تواضع في غير ذلة ولا مسكنة ، تواضع التبسط مع الناس وعدم التعالي عليهم، وحب خدمتهم والاستماع إليهم ومشاورتهم ..
هنا يصبح التواضع دافعاً لحب الناس ..وسيكافئك الله ساعتها على تواضعك( الصحيح ) معهم ، بالعزة والشموخ أمامهم .
salmasali
قصة جميلة
شكرا لك
ظل سلمان يحكى للرسول وظل الرسول يشرح لسلمان
وأسلم سلمان ..
لتدخل قلبه العقيدة الثالثة ..
ولكنها الأخيرة …
أخيرا.. لقد نجح سلمان في الوصول إلي الحقيقة ..
الحقيقة الكاملة..
بارك الله فيك فقصص الصحابة كثيرة العبرة .
بارك الله فيك اخي الفاضل
فما اجملها من قصة تحمل عدة عبر و مواعظ
اتمنى ان نستفيد منها و نتقيد بها
جعلها الله في ميزان حسناتك با رب
شكرا على المرور الطيب
اتمنى ان يستفيد الجميع
هذه أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها
نحبها
وإنا هنا
والله ما خنعت سيوفنا
ما تعبت خيولنا
والسنابك للجياد من ذهب
والرحى متى حمت وطيسها
كنا هنا
لنصد رماح القاذفين عرض نبينا
حبيبنا هي حبيبته وهو حبيبها
هذه أمكم :
عائشة بنت أبي بكر هي عائشـة بنت أبي بكر الصديـق ، عبد الله بن أبي قحافـة عثمان بن عامر
من ولد تيـم بن مرة ، ولدت السيـدة عائشـة بعد البعثة بأربع سنين ، وعقد
عليها رسـول اللـه -صلى الله عليه وسلم- قبل الهجرة بسنة ، ودخـل عليها
بعد الهجرة بسنة أو سنتيـن000وقُبِضَ عنها الرسول الكريم وهي بنـت ثمان
عشرة سنة ، وعاشت ست وستين سنة ، وحفظت القرآن الكريم في حياة الرسول
وروت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ألفي حديث ومائي وعشرة أحاديث000
الرؤيا المباركة
قال الرسـول -صلى الله عليه وسلم- . أُريتُـكِ -وهو يخاطب عائشـة- في المنام ثلاث ليالٍ ، جاءني بك الملك في سَرَقةٍ من حرير ، وهو الحرير الأبيض ، فيقول . هذه إمرأتك )000فاكشف عن وجهك فإذا أنت هي ؟000فأقول . إن يكُ هذا من عند الله يُمضِهِ)000
الخِطبة
عندما ذكرت خولة بنت حكيـم لرسـول الله -صلى الله عليه وسلم- اسم عائشة لتخطبها له ، تهلل وجهه الشريف لتحقق الرؤيا المباركة ، ولرباط المصاهـرة الذي سيقرب بينه وبين أحـب الناس إليه000 دخلت خولة الى بيت أبي بكر ، فوجدت أم عائشة فقالت لها . ماذا أدخل الله عليكم من الخير و البركة ؟)000قالت أم عائشة . وما ذاك ؟)000أجابت . أرسلني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخطبُ له عائشة )000فقالت . ودِدْتُ ، انتظري أبا بكر فإنه آتٍ )000
وجاء أبو بكر فقالت له . يا أبا بكر ، ماذا أدخل الله عليك من الخير والبركة ؟! أرسلني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخطبُ عائشـة )000فذكر أبو بكر موضعـه من الرسـول -صلى الله عليه وسلم- وقال . وهل تصلح له ؟000إنما هـي ابنة أخيه ؟)000فرجعت خولة الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقالت له ذلك ، فقال .. ارجعي إليه فقولي : أنت أخي في الإسلام ، وأنا أخوك ، وبنتك تصلحُ لي )000
فذكرت ذلك لأبي بكر فقال . انتظريني حتى أرجع )000فذهب ليتحلل من عِدَةٍ للمطعم بن عدي ، كان ذكرها على ابنه ، فلما عاد أبو بكر قال . قد أذهبَ الله العِدَة التي كانت في نفسـه من عدِتِه التي وعدها إيّـاه ، ادْعي لي رسـول الله -صلى الله عليه وسلم- )000فدعتْه وجاء ، فأنكحه ، فحصلت قرابة النسب بعد قرابة الدين000
العروس المباركة
وبعد أن هاجر الرسول -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين الى المدينة ، وحين أتى الميعاد أسرع الأصحاب من الأنصار وزوجاتهم الى منزل الصديق حيث كانت تقوم فيه العروس المباركة ، فاجتمعت النسوة الى آل الصديق يهيئن العروس لتزفّ الى زوجها ( سيد الخلق ) ، وبعد أن هيَّئْنَها وزفَفْنها ، دخلت ( أم الرومان ) أم عائشة بصحبة ابنتها العروس الى منزل الرسول -صلى الله عليه وسلم- من دار أبي بكر ، و قالت . هؤلاء أهلك ، فبارك الله لك فيهنّ ، وبارك لهن فيك )000وتنقضي ليلة الزفاف في دار أبي بكر ( في بني الحارث بن الخزرج )000ثم يتحوّل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأهله الى البيت الجديد000وهو حجرة من الحجرات التي شُيّدت حول المسجد000
حديث الإفك
حديث الإفك خطير أفظع الخطر في مضمونه ومحتواه000فمضمونه : العداء للإسلام والمسلمين ، و محتواه : قذف عرض النبي -صلى الله عليه وسلم- وإشاعة مقالة السوء في أهله الأطهار ، و أغراضه : إكراه الرسول -صلى الله عليه وسلم- والمهاجرين على الخروج من المدينة ، وأهدافه : إزالة آثار الإسلام والإيمان من قلوب الأنصار000
الحادثة
وفي غزوة المصطلق سنة ست للهجرة ، تقول السيدة عائشة . فلما فرغ الرسول -صلى الله عليه وسلم- من سفره ذلك وجّه قافلا حتى إذا كان قريبا من المدينة نزل منزلا فبات به بعض الليل ، ثم أذّن في الناس بالرحيل ، فارتحل الناس ، وخرجت لبعض حاجاتي وفي عنقي عقد لي ، فلما فرغت أنسل من عنقي ولا أدري ، فلما رجعت الى الرحل ذهبت ألتمسه في عنقي فلم أجده ، وقد أخذ الناس في الرحيل ، فرجعت الى مكاني الذي ذهبت إليه ، فالتمسته حتى وجدته ، وجاء القوم خلافي ، الذين كانوا يُرَحِّلون لي البعير ، وقد فرغوا من رحلته ، فأخذوا الهودج وهم يظنون أني فيه كما كنت أصنع ، فاحتملوه فشدوه على البعير ، ولم يشكوا أني فيه ، ثم أخذوا برأس البعير فانطلقوا به ، فرجعت الى العسكر وما فيه من داع ولا مجيب ، قد انطلق الناس000
فتلففت بجلبابي ثم اضطجعت في مكاني ، وعرفت أن لو قد افتقدت لرُجع إلي ، فوالله إني لمضطجعة إذ مر بي صفوان بن المعطّل السُّلَمي ، وقد كان تخلف عن العسكر لبعض حاجته ، فلم يبت مع الناس ، فرأى سوادي فأقبل حتى وقف علي ، وقد كان يراني قبل أن يضرب علينا الحجاب ، فلما رآني قال . إنا لله وإنا إليه راجعون ، ظعينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)000وأنا متلففة في ثيابي ، قال . ما خلّفك يرحمك الله ؟)000فما كلمته ، ثم قرب البعير فقال . اركبي )000واستأخر عني ، فركبت وأخذ برأس البعير فانطلق سريعاً يطلب الناس ، فوالله ما أدركنا الناس وما افتُقدت حتى أصبحت ، ونزل الناس ، فلما أطمأنوا طلع الرجل يقود بي ، فقال أهل الإفك ما قالوا ، فارتعج العسكر ، ووالله ما أعلم بشيء من ذلك )000
مرض عائشة
وفي المدينة مرضت السيـدة عائشـة مرضاً شديداً ، ولم تعلم بالحديـث الذي وصل للرسـول -صلى الله عليه وسلم- وأبويها ، إلا أنها قد أنكرت من الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعض لطفه بها ، وحين رأت جفائه لها استأذنت بالإنتقال الى أمها لتمرضها فأذن لها000وبعد مرور بضع وعشرين ليلة خرجت مع أم مِسْطح بنت أبي رُهْم بن المطلب بن عبد مناف ، فعلمت بحديث الإفك ، وعادت الى البيت تبكي وقالت لأمها . يغفر الله لك ، تحدّث الناس بما تحدّثوا به وبلغك ما بلغك ، ولا تذكرين لي من ذلك شيئاً)000قالت . أي بُنَيَّة خفِّضي الشأن ، فوالله قلّما كانت امرأة حسناء عند رجل يُحبها لها ضرائر إلا كثّرن وكثّر الناس عليها )000
الأوس والخزرج
وقد قام الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الناس يخطبهم ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال . أيها الناس ، ما بال رجال يؤذونني في أهلي ، ويقولون عليهم غير الحق ؟000والله ما علمت منهم إلا خيراً ، ويقولون ذلك لرجلِ والله ما علمت منه إلا خيراً ، وما دخل بيتاً من بيوتي إلا وهو معي )000فلمّا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلك المقالة ، قال أسيْد بن حُضَيْر . يا رسول الله ، إن يكونوا من الأوس نكفكهم ، وإن يكونوا من إخواننا من الخزرج فمُرْنا بأمرك ، فوالله إنهم لأهل أن تضرب أعناقهم )000
فقام سعد بن عُبادة فقال . كذبت لعمر الله لا تُضرَب أعناقهم ، أما والله ما قلت هذه المقالة إلا أنك قد عرفت أنهم من الخزرج ، ولو كانوا من قومك ما قلت هذا )000قال أسيد . كذبت لعمر الله ، ولكنك منافق تجادل عن المنافقين )000وتساور الناس حتى كاد أن يكون بين هذين الحيّين من الأوس والخزرج شرّ ، ونزل الرسول -صلى الله عليه وسلم- فدخل على عائشة000
الإستشارة
ودعا الرسول -صلى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد ، فاستشارهما ، فأما أسامة فأثنى خيراً وقال . يا رسول الله ، أهلك ، ولا نعلم عليهن إلا خيراً ، وهذا الكذب و الباطل )000وأما علي فإنه قال . يا رسول الله ، إنّ النساء لكثير ، وإنك لقادر على أن تستخلف ، وسلِ الجارية تصدُقك )000فدعا الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( بريرة ) ليسألها ، فقام إليها علي فضربها ضربا شديداً وهو يقول . اصدقي رسول الله )000فقالت . والله ما أعلم إلا خيراً ، وما كنت أعيب على عائشة إلا أني كنت أعجن عجيني ، فآمرها أن تحفظه فتنام عنه ، فيأتي الداجن فيأكله )000
الرسول و عائشة
تقول السيدة عائشة . ثم دخل علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعندي أبواي ، وعندي امرأة من الأنصار ، وأنا أبكي وهي تبكي معي ، فجلس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال . يا عائشة ، إنه قد كان ما قد بلغك من قول الناس ، فاتّقي الله وإن كنت قارفت سوءاً مما يقول الناس فتوبي الى الله ، فإن الله يقبل التوبة من عباده )000
قالت . فوالله ما هو إلا أن قال ذلك ، فقلص دمعي ، حتى ما أحس منه شيئاً ، وانتظرت أبَوَيّ أن يجيبا عني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم يتكلما000فقلت لهما . ألا تجيبان رسول الله ؟)000فقالا لي . والله ما ندري بماذا نجيبه )000
قالت . فلما أن استعجما عليّ استعبرت فبكيت ثم قلت . والله لا أتوب إلى الله مما ذكرت أبداً ، والله إني لأعلم لئن أقررت بما يقول الناس ، والله يعلم أنّي منه بريئة ، لأقولن ما لم يكن ، ولئن أنا أنكرت ما تقولون لا تُصدِّقونني ، ولكني أقول كما قال أبو يوسف . فصبرٌ جميلٌ والله المستعان على ما تصفون )000
البراءة
قالت السيدة عائشة . فوالله ما بَرِحَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مجلسه حتى تغشاه من الله ما كان يتغشاه ، فسُجِّي بثوبه ، ووضِعت له وسادة من أدم تحت رأسه ، فأما أنا حين رأيت من ذلك ما رأيت ، فوالله ما فزعت كثيرا ولا باليت ، قد عرفت أني بريئة ، وإن الله غير ظالمي ، وأما أبواي فوالذي نفس عائشة بيده ما سُرّيَ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى ظننت لتخرجن أنفسهما فَرَقاً أن يأتي من الله تحقيق ما قال الناس000
ثم سُرِّيَ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجلس وإنه ليتحدّر منه مثل الجُمان في يومٍ شاتٍ ، فجعل يمسح العرق عن جبينه ويقول . أبشري يا عائشة ، فقد أنزل الله براءتـك )000فقالت . بحمـد الله وذمّكم )000ثم خرج الى الناس فخطبهم ، وتلا عليهم ما أنزل اللـه عز وجل من القرآن000سورة النور ( 11-19 )000وبدايتها000
قال تعالى :"( إنَّ الذين جَاؤُوا بالإفكِ عُصْبَةُ منكم ، لا تحسبوه شراً لكم بلْ هو خيرُ لكم ، لكل امرىءٍ منهم ما اكتسبَ من الإثم ، والذي تولَّى كِبْرَهُ منهم له عذابٌ عظيمٌ ، لولا إذ سمعتُموه ظنَّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً ")000
إقامة الحد
ثم أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بمسطح بن أثاثة ، وحسان بن ثابت ، وحمنة بنت جحش وكانوا ممن أفصح بالفاحشة فضربوا حدَّهم000
حبيبة الحبيب
قالت السيدة عائشة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-. يا رسول الله ، كيف حبّك لي ؟)000قال -صلى الله عليه وسلم- . كعقد الحبل )000فكانت تقول له . كيف العُقدةُ يا رسول الله ؟)000فيقول . هي على حالها )000كما أن فاطمة -رضي الله عنها- ذهبت الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تذكر عائشة عنده فقال . يا بُنية : حبيبة أبيك )000
قال ابن عباس -رضي الله عنهما- لأم المؤمنين عائشة . كنتِ أحبَّ نساء النبي-صلى الله عليه وسلم- إليه ، ولم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُحبُّ إلا طيّباً )000وقال. هلكت قلادتُك بالأبواء ، فأصبح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلتقطها فلم يجدوا ماءً ، فأنزل الله عزّ وجل:000
قال تعال. فتيمموا صعيداً طيباً )000
فكان ذلك بسببكِ وبركتك ما أنزل الله تعالى لهذه الأمة من الرخصة)000وقال وأنزل الله براءتك من فوق سبع سمواته ، فليس مسجد يُذكر الله فيه إلاّ وشأنك يُتلى فيه آناء الليل وأطراف النهار )000 فقالت. يا ابن عباس دعني منك ومن تزكيتك ، فوالله لوددت أني كنت نسياً مِنسياً )000
رؤية جبريل
قالت السيـدة عائشـة. رأيتك يا رسـول الله واضعاً يدك على معرفة فرسٍ ، وأنت قائم تكلِّم دِحيـة الكلبي )000قال -صلى الله عليه وسلم- أوَقدْ رأيته ؟)000قالت . نعم!)000قال . فإنه جبريل ، وهو يقرئك السلام )000قالت . وعليه السلام ورحمة الله وجزاه الله خيراً من زائر ، فنعم الصاحب ونعم الداخل )000
زهدها
قال عروة. أن معاوية بعث الى عائشة -رضي الله عنها- بمائة ألف ، فوالله ما غابت الشمس عن ذلك اليوم حتى فرّقتها000قالت لها مولاتها. لو اشتريت لنا من هذه الدراهم بدرهمٍ لحماً !)000فقالت . لو قلت قبل أن أفرقها لفعلت )000
فضلها العلمي
كانت السيدة عائشة صغيرة السن حين صحبت الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، وهذا السن يكون الإنسان فيه أفرغ بالا ، وأشد استعداداً لتلقي العلم ، وقد كانت السيدة عائشة -رضي الله عنها- متوقدة الذهن ، نيّرة الفكر ، شديدة الملاحظة ، فهي وإن كانت صغيرة السن كانت كبيرة العقل000قال الإمام الزهري لو جمع علم عائشة الى علم جميع أمهات المؤمنين ، وعلم جميع النساء ، لكان علم عائشة أفضل )000وقال أبو موسى الأشعري ما أشكل علينا أمرٌ فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها فيه علماً )000
وكان عروة يقول للسيدة عائشة يا أمتاه لا أعجب من فقهك ؟ أقول زوجة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وابنة أبي بكر ، ولا أعجب من علمك بالشعر وأيام العرب ، أقول بنية أبي بكر -وكان أعلم الناس- ولكن أعجب من علمك بالطب فكيف هو ؟ ومن أين هو ؟ وما هو ؟)000قال : فضربت على منكبي ثم قالت أيْ عُريّة -تصغير عروة وكانت خالته- إنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يسقم في آخر عمره ، فكانت تقدم عليه الوفود من كل وجه فتنعت له فكنت أعالجه ، فمن ثَمَّ )000
اعتزال النبي لنسائه
اعتزل النبي -صلى الله عليه وسلم- نساءه شهراً ، وشاع الخبر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد طلّق نساءه ، ولم يكن أحد من الصحابة يجرؤ على الكلام معه في ذلك ، واستأذن عمر عدّة مرات للدخول على الرسول -صلى الله عليه وسلم- فلم يؤذن له000
ثم ذهب ثالثة يستأذن في الدخول على الرسول -صلى الله عليه وسلم- فأذِنَ له ، فدخل عمر والنبي -صلى الله عليه وسلم- متكىء على حصير قد أثر في جنبه ، فقال عمر أطلقت يا رسول الله نساءك ؟)000فرفع -صلى الله عليه وسلم- رأسه وقال لا)000فقال عمر الله أكبر )000ثم أخذ عمر وهو مسرور يهوّن على النبـي -صلى الله عليه وسلم- ما لاقى من نسائـه ، فقال عمر الله أكبر ! لو رأيتنا يا رسـول اللـه وكنّا معشر قريش قوماً نغلِبُ النساء ، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلّمن من نسائهم ، فغضبتُ على امرأتي يوماً ، فإذا هي تراجعني ، فأنكرت أن تراجعني ، فقالت ما تُنْكِر أن راجعتك ؟ فوالله إن أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- ليراجعْنَهُ ، وتهجره إحداهنّ اليوم الى الليل )000فقلت قد خاب من فعل ذلك منكنّ وخسِرَتْ ، أفتأمَنُ إحداكنّ أن يغضب الله عليها لغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذاً هي قد هلكت ؟)000فتبسّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-000
فقال عمر يا رسول الله ، قد دخلت على حفصة فقلت لا يغرنّك أن كانت جاريتك -يعني عائشة- هي أوْسَم وأحبُّ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منك )000فتبسّم الرسول -صلى الله عليه وسلم- ثانية ، فاستأذن عمر -رضي الله عنه- بالجلوس فأذن له000
وكان -صلى الله عليه وسلم- أقسم أن لا يدخل على نسائه شهراً من شدّة مَوْجدَتِهِ عليهنّ ، حتى عاتبه الله تعالى ونزلت هذه الآية في عائشة وحفصة لأنهما البادئتان في مظاهرة النبي -صلى الله عليه وسلم-000والآية التي تليها في أمهات المؤمنين000
قال تعالى إِن تَتُوبَا إلى اللهِ فقد صَغَتْ قُلُوبُكُما وإن تَظَاهرا عَلَيه فإنّ اللهَ هوَ مَوْلاهُ وجِبريلُ وَصَالِحُ المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهيرٌ ** عسى رَبُّهُ إن طلَّقَكُنَّ أن يُبْدِلَهُ أزواجاً خَيْراً منكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانتاتٍ تائباتٍ عابداتٍ سائِحاتٍ ثَيَّباتٍ وأبكاراً )000سورة التحريم آية ( 4-5 )000
فما كان منهن وآيات الله تتلى على مسامعهن إلا أن قلنَ 000
قال تعالى سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير )000
السيدة عائشة والإمام علي
لم يكن يوم الجمل لعلي بن أبي طالب ، والسيدة عائشة ، وطلحة والزبير قصد في القتال ، ولكن وقع الإقتتال بغير اختيارهم ، وكان علي -رضي الله عنه- يوقر أم المؤمنين عائشة ويُجلّها فهو يقول إنها لزوجة نبينا -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا والآخرة )000وكذا السيدة عائشة كانت تُجِلّ علياً و توقره ، فإنها -رضي الله عنها- حين خرجت ، لم تخرج لقتال ، وإنما خرجت بقصد الإصلاح بين المسلمين ، وظنّت أن في خروجها مصلحة للمسلمين ثم تبيـن لها فيما بعد أن ترك الخروج كان أولى ، فكانـت إذا ذكرت خروجها تبكي حتى تبلّ خمارها000
فعندما أقبلت السيدة عائشة وبلغت مياه بني عامر ليلاً ، نبحت الكلاب ، فقالت أيُّ ماءٍ هذا ؟)000قالوا ماء الحوْأب )000قالت ما أظنني إلا راجعة )000قال بعض من كان معها بل تقدمين فيراك المسلمون ، فيُصلحُ الله ذات بينهم )000قالت إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال ذات يوم كيف بإحداكُنّ تنبُحُ عليها كلاب الحَوْأب ))000وبعـد أن انتهى القتال وقـف علي -رضي اللـه عنه- على خِباء عائشـة يلومها على مسيرها فقالت يا ابن أبي طالب ، ملكْتَ فأسْجِحْ -أي أحسن العفو-)000فجهَّزها الى المدينة وأعطاها اثني عشر ألفاً -رضي الله عنهم أجمعين-000
معاوية والسيدة عائشة
لمّا قدِم معاوية المدينة يريد الحج دخل على أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- ومولاها ذكوان أبو عامر عندها فقالت له عائشة أمِنتَ أن أخبِّىء لك رجلاً يقتلك بقتلك أخي محمداً ؟)000قال معاوية صدقتِ )000فكلّمها معاوية فلمّا قضى كلامه ، تشهدت عائشة ثم ذكرت ما بعث الله به نبيه من الهدى ودين الحق ، والذي سنّ الخلفاء بعده ، وحضّتْ معاوية على اتباع أمرهم ، فقالت في ذلك ، فلم تترِك000
فلمّا قضت مقالتها قال لها معاوية أنتِ والله العالمة بأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-المناصحة المشفقة ، البليغة الموعظة ، حَضَضْتِ على الخير وأمرت به ، ولم تأمرينا إلا بالذي هو لنا ، وأنتِ أهلٌ أن تطاعي )000فتكلّمت هي ومعاوية كلاماً كثيراً ، فلمّا قدم معاوية اتكأ على ذكوان ، قال والله ما سمعت خطيباً ليس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبلغ من عائشة )000
وفاتها
توفيت سنة ثمان وخمسين في شهر رمضان لسبع عشرة ليلة خلت منه ، ودُفنت في البقيع
تحياتي………………………
رضي الله عنها و أرضاها……………..السيدة عائشة الطاهرة العفيفة
جزاك الله خيرا على ما قدمتي أختي
رضي الله عنها ششششششششششششكرا
هل تعلم..؟؟ – – – – – – اذا امسكت "المصحف" فإن الشيطان … "يغضب" وإذا فتحته … "يبكي" وإذا قلت بسم الله … "ينهار" فإذا أخذت في القرآءه … "يقع مغشي عليه" وهل تعلم أنك إذا حاولت إرسال هذه الرسالة لأحد … سيحاول الشيطان … "منعك"
رضي الله عنها وارضاها جزاك الله خيرا
من أقوال علي رضي الله عنه
من أقوال علي رضي الله عنه الذي عرف بقوته و قهره لجميع أعداء الإسلام و المسلمين ما يدل على رحمته و طيبة قلبه:
– إذا رايت نملة في الطريق فلا تدسها "وابتغ بذلك وجه الله عسى ان يرحمك كما رحمتها" … وتذكر انها تسبح لله فلا توقف هذا التسبيح بقتلك لها. .
– إذا مررت بعصفور يشرب من بركة ماء فلا تمر بجانبه لتخيفه "وابتغ بذلك وجه الله عسى ان يؤمنك من الخوف يوم تبلغ القلوب الحناجر " . .
…
– اذا اعترضتك قطة صغيرة في وسط الطريق فاحملها الي الجانب الاخر "وابتغ بذلك وجه الله عسى ان يقيك الله ميتة السوء" . .
– اذا هممت بالقاء بقايا الطعام في حاوية القمامة فاجعل نيتك ان تأكل منها الدواب "وابتغ بذلك وجه الله عسى ان يرزقك الله من حيث لا تحتسب" . .
– اذا اشتدت حرارة الصيف فاجعل اناء به ماء في شباك غرفتك لتشرب وتتبرد فيها لطيور "وابتغ بذلك وجه الله عسى ان يسقيك الله يوم العطش الاكبر" . .
حتى قبل ان تقرأ هذا انوي بها خير لعل الله يفرج لك بها كربه من كرب الدنيا والاخره وتذكر افعل الخير مهما استصغرته فلا تدري اي حسنة تدخلك الجنة
اللهم رقق قلوبنا و ثبتنا على دينك يا ارحم الراحمين
رااائعة حقا
جزيل الشكر لك
و الاروع انك رديتي على الموضوع
بارك الله فيك
أمين يا رب العالمين
*****
موضوع رااااااااااائع
بارك الله فيك
ونفع بك
بارك الله فيك حبيبتي
جزاك الله خيرا
كلام سيدنا على رضى الله عنه كله حكم و درر
شكرا على الموضوع
بارك الله فيك على طرح القيم
حقا موضوع يستحق القراءة
دمتم ودام نفعكم
بورك فيكي
قصّة قوم يس
قال الله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ، إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ، قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَانُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا تَكْذِبُونَ، قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ، وَمَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ، قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ، قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ، وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ، اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ، وَمَا لِي لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِي الرَّحْمَانُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنقِذُونِي، إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ، إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِي، قِيلَ ادْخُلْ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ، وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ، إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ}.
مشهور بين السلف و الخلف انها أنطاكية .. و سنورد الآن ما قيل فى صحة أو خطأ هذا القول
قال ابن إسحاق فيما بلغه عن ابن عباس وكعب ووهب، إنهم قالوا:
وكان لها ملك اسمه انطيخس بن انطيخس، وكان يعبد الأصنام.
فبعث الله إليه ثلاثة من الرسل وهم صادق ومصدوق وشلوم فكذّبهم.
وهذا ظاهر انهم رسل من الله عز وجل
قال الله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا} يعني لقومك يا محمد {أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} يعني المدينة { إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ، إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} أي أيدناهما بثالث في الرّسالة {فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ}
فردوا عليهم بأنهم بشر مثلهم، كما قالت الأمم الكافرة لرسلهم، يستبعدون أن يبعث الله نبياً بشرياً فأجابوهم بأن الله يعلم أنا رسله إليكم، ولو كنا كذبنا عليه لعاقبنا وأنتقم منا أشد الانتقام
أي إنما علينا أن نبلغكم ما أرسلنا به إليكم، والله هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء
أي تشائمنا بما جئتمونا به و توعدوهم بالقتل والإهانة.
أي أن تشاؤمكم مردود عليكم فهل بسبب أنا ذكرناكم بالهدى ودعوناكم إليه توعدتمونا بالقتل والإهانة بل أنت قوم لا تقبلون الحق ولا تريدونه.
وقوله تعالى {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} يعني لنصرة الرسل وإظهار الإيمان بهم
{قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ، اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ} أي يدعونكم إلى الحق المحض بلا أجرة ولا جعالة.
ثم دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ونهاهم عن عبادة ما سواه مما لا ينفع شيئاً لا في الدنيا ولا في الآخرة {إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي إن تركت عبادة الله وعبدت معه ما سواه.
ثم قال مخاطباً للرسل {إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِي}
قيل: فاستمعوا مقالتي واشهدوا لي بها عند ربكم.
وقيل: معناه فاسمعوا يا قومي إيماني برسل الله جهرة.
فعند ذلك قتلوه. قيل رجماً، وقيل عصّاً، وقيل وثبوا إليه وثبة رجل واحد فقتلوه.
وحكى ابن مسعود قال وطئوه بأرجلهم حتى أخرجوا قصبته.
وقد روى الثوري عن عاصم الأحول عن أبي مجلز كان اسم هذا الرجل "حبيب بن مرى".
ثم قيل: كان نجّاراً وقيل حبَّاكاً، وقيل إسكافاً، وقيل قصّاراً، وقيل كان يتعبد في غار هناك. فالله أعلم.
وعن ابن عباس: كان حبيب النجار قد أسرع فيه الجذام وكان كثير الصّدقة، فقتله قومُه.
ولهذا قال تعالى: {ادْخُلْ الْجَنَّةَ}
يعني لما قتله قومه ادخله الله الجنة، فلما رأى فيها من النضرة والسرور
قال ابن عباس نصح قومه في حياته {يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} وبعد مماته في قوله {قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ}
وكذلك قال قتادة لا يلقى المؤمن إلاّ ناصحاً، لا يلقى غاشّا لما عاين ما عاين من كرامة الله {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ} تمنى والله أن يعلم قومه بما عاين من كرامة الله، وما هو عليه.
قال قتادة: فلا واللهِ ما عاتب الله قومه بعد قتله.
وقوله تعالى: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ} أي وما احتجنا في الانتقام منهم إلى إنزال جند من السماء عليهم.
قال المفسرون: بعث الله إليهم جبريل عليه السلام، فأخذ بعضادتي الباب الذي لبلدهم ثم صاح بهم صيحة واحدة، فإذا هم خامدون. أي قد أخمدت أصواتهم وسكنت حركاتهم ولم يبق منهم عين تطرف.
وهذا كله مما يدل على أن هذه القرية ليست أنطاكية، لأن هؤلاء أهلكوا بتكذيبهم رسل الله إليهم، وأهل انطاكية آمنوا واتبعوا رسل المسيح من الحواريين، إليهم، فلهذا قيل: إن انطاكية أول مدينة آمنت بالمسيح.
منقول : أمين العلم
بارك الله فيك وشكرا على المرور الكريم .
شكرااااااااااااااااااااااااااااااا لك على الموضوع
بارك الله فيك وشكرا على المرور الكريم .
شكراااااااااااا جزيلا لك
اعجبتني القصة كثيرا
شكرا جزيلا لك
نساء يضرب بهن المثل
هجيمة الوصابية
هجيمة الوصابية (أم الدرداء الصغرى) إنها ليست أم الدرداء الصحابية فتلك اسمها خيرة وهذه تابعية رضي الله عنهما والعابدة هجيمة بنت حيي الوصابية زوجة أبي الدرداء الصحابي الجليل كانت- رحمها الله- تكثر من الصلاة، وتدريس العلم والتفكر في آلاء الله، يقول ميمون بن مهران: (وما دخلت على أم الدرداء في ساعة صلاة إلا وجدتها مصلية) وكانت مجموعة من النسوة يحضرن عند أم الدرداء، ويقمن الليل مصليات حتى إن أقدامهن قد انتفخت من طول القيام. جاء إلى العابدة أم الدرداء شيخ يقال له: هزان، فأخذ يستمع مع غيره لما تتحدث به أم الدرداء من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال لها هزان مسائلا: يا أم الدرداء ما يقول الميت على سريره؟ فقالت: إنه يقول: (يا أهلاه ويا جيراناه ويا حملة سريراه لا تغرنكم الدنيا كما غرتني، ولا تلعبن بكم كما لعبت بي، فإن أهلي لا يحملون عني من وزري شيئا). لقد كانت مثلا للعابدة المتواضعة وماتت كذلك. ومن صور تواضعها: أنه قيل لها من غيرها: ادعي لنا: فقالت على الفور أو بلغت أنا ذلك؟ فرحم الله أم الدرداء رحمة واسعة .
شكرا جزيلا مريم
شكرا على هذه المراضيع أختي مريم
خالد بن الوليد رضي الله عنه
بسم الله.الرحمن.الرحيم
الحمد لله.رب.العالمين والصلاة والسلام على أشرف.الأنبياء والمرسلين وبعد:
السلام.عليكم و رحمة.الله و بركاته
سيف الله المسلول خالد بن الوليد
إنه خالد بن الوليد -رضي الله عنه-، القائد العبقري الذي لا تزال خططه الحربية في معاركه مثار إعجاب الشرق والغرب، وكان خالد قبل أن يسلم يحارب الإسلام والمسلمين، وقاد جيش المشركين يوم أحد، واستطاع أن يحوِّل نصر المسلمين إلى هزيمة بعد أن هاجمهم من الخلف، عندما تخلى الرماة عن مواقعهم، وظل خالد على شركه حتى كان عام الحديبية، فأرسل إليه أخوه الوليد بن الوليد كتابًا، جاء فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد: فأني لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام، وعقلك عقلك!! ومثل الإسلام لا يجهله أحد، وقد سألني رسول الله ( عنك، فقال: (أين خالد؟) فقلت: يأتي الله به، فقال رسول الله (: (مثله جهل الإسلام، ولو كان جعل نكايته وجده مع المسلمين كان خيرًا له). فاستدرك يا أخي ما فاتك، فقد فاتك مواطن صالحة.
فلما قرأ خالد كتاب أخيه، انشرح صدره للإسلام، فخرج فلقى عثمان بن طلحة، فحدثه أنه يريد الذهاب إلى المدينة، فشجعه عثمان على ذلك، وخرجا معًا، فقابلهما عمرو بن العاص، وعرفا منه أنه يريد الإسلام أيضًا، فتصاحبوا
جميعًا إلى المدينة؛ وكان ذلك في نهاية السنة السابعة من الهجرة، فلما قدموا على النبي ( رحب بهم، فأعلنوا إسلامهم، فقال صلى الله عليه
وسلم لخالد: (قد كنت أرى لك عقلاً رجوت ألا يسلمك إلا إلى خير) [ابن سعد]. فقال خالد: استغفر لي كل ما أوضعت فيه من صد عن سبيل الله.
فقال (: (إن الإسلام يجب (يزيل) ما كان قبله، اللهم اغفر لخالد بن الوليد كل ما أوضع منه من صد عن سبيلك) [ابن سعد]. ومنذ ذلك اليوم وخالد يدافع عن راية الله، ويجاهد في كل مكان لإعلاء كلمة الحق، وخرج مع جيش المسلمين المتجه إلى مؤتة تحت إمارة زيد بن حارثة، ويوصى الرسول (: (إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة) [البخاري]، فلما قتل الثلاثة وأصبح الجيش بلا أمير، جعل المسلمون خالدًا أميرهم، واستطاع خالد أن يسحب جيش المسلمين وينجو به.
وفي فتح مكة، أرسله رسول الله ( إلى بيت العزى، وكان بيتًا عظيمًا لقريش ولقبائل أخرى، فهدمه خالد وهو يقول:
يَا عِزّ كُفْرَانَكَ لا سُبْحَانَكْ أني رَأيْتُ اللَّهَ قَــدْ أَهَانَكْ
ويوم حنين، كان خالد في مقدمة جيش المسلمين، وجرح في هذه المعركة، فأتاه رسول الله ( ليطمئن عليه ويعوده، ويقـال: إنـه نـفـث في جرحه فشفي بإذن الله. واستمر خالد في جهاده وقيادته لجيش المسلمين بعد وفاة الرسول (، فحارب المرتدين ومانعي الزكاة، ومدعي النبوة، ورفع راية الإسلام ليفتح بها بلاد العراق وبلاد الشام، فقد كان الجهاد هو كل حياته، وكان يقول: ما من ليلة يهدى إليَّ فيها عروس أنا لها محب أحب إلي من ليلة شديدة البرد كثيرة الجليد في سرية أصبح فيها العدو. [أبو يعلي].
وكان خالد مخلصا في جهاده، ففي حرب الروم قام في جنده خطيبًا، وقال بعد أن حمد الله: إن هذا يوم من أيام الله، لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي، أخلصوا جهادكم وأريدوا الله بعملكم. وكان خالد بن الوليد دائمًا يطمع في إسلام من يحاربه، فكان يدعوهم إلى الإسلام أولاً، فهو يحب للناس الإيمان ولا يرضي لهم دخول النار، فإن أبوا فالجزية ثم الحرب.
وكان اسم خالد يسبقه في كل مواجهة له مع أعداء الإسلام، وكان الجميع يتعجبون من عبقريته، وقوة بأسه في الحرب، ففي معركة اليرموك خرج (جرجة) أحد قادة الروم من صفوف جنده، وطلب من خالد الحديث معه، فخرج إليه خالد، فقال جرجة: أخبرني فاصدقني ولا تكذبني، فإن الحر لا يكذب، ولا تخادعني فإن الكريم لا يخادع، هل أنزل الله على نبيكم سيفًا من السماء فأعطاه لك فلا تسله على أحد إلا هزمتهم؟ فقال خالد: لا.
فسأله جرجة: فبم سميت سيف الله؟ فردَّ عليه خالد قائلاً: إن الله بعث فينا نبيه محمدًا ( فدعانا للإسلام فرفضنا دعوته، وعذبناه، وحاربناه، ثم هدانا الله فأسلمنا، فقال الرسول (: (أنت سيف من سيوف الله، سلَّه الله على المشركين)، ودعا لي بالنصر، فسميت سيف الله بذلك، فأنا من أشد المسلمين على المشركين. ثم سأله جرجة عن دعوته، وعن فضل من يدخل في الإسلام، وبعد حوار طويل بينهما شرح الله صدر جرجة للإسلام، فأسلم وتوضَّأ وصلى ركعتين مع خالد بن الوليد، ثم حارب مع صفوف الإيمان، فأنعم الله عليه بالشهادة في سبيله عز وجل.
وعندما تولى الفاروق عمر الخلافة، عزل خالد من القيادة، وولَّى قيادة الجيش
أبا عبيدة بن الجراح، فحارب خالد تحت راية الحق جنديًّا مخلصًا مطيعًا لقائده لا يدخر جهدًا ولا رأيًّا في صالح الدين ونصرة الحق، فكان نِعمَ القائد
ونعم الجندي.
وظل خالد يجاهد في سبيل ربه حتى مرض مرض الموت، فكان يبكي على فراش الموت، ويقول: لقد حضرت كذا وكذا زحفًا، وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، وها أنا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء. وتوفي رضي الله عنه بحمص من أرض الشام سنة (21 هـ).
و السلام.عليكم و رحمة.الله و بركاته
بارك الله فيك رانيا
وفيك بركة أخي موليار شكرا على مرورك
شككرا لك على الموضوع اختي
لدي بعض الاضافات لو سمحتي
خالد بن الوليد اسمه وحال والده وأمه
هو أبو سليمان خالد بن الوليد بن المغيرة، ينتهي نسبه إلى مرة بن كعب بن لؤي الجد السابع للنبيوأبي بكر الصديق t. وأمه هي لبابة بنت الحارث بن حزن الهلالية أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، كان مظفرًا خطيبًا فصيحًا، يشبه عمر بن الخطاب.
خالد بن الوليد خلقه وصفته.
أما أبوه فهو عبد شمس الوليد بن المغيرة المخزومي، وكان ذا جاه عريض وشرف رفيع في قريش، وكان معروفًا بالحكمة والعقل. وكان "الوليد" خصمًا عنيدًا للإسلام والمسلمين، وكان شديد النكاية بالرسول، حتى إذا مضى عن الدنيا خلف وراءه الحقد في نفوس أبنائه.
وفي هذا الجو المترف المحفوف بالنعيم نشأ خالد بن الوليد، وتعلم الفروسية كغيره من أبناء الأشراف، ولكنه أبدى نبوغًا ومهارة في الفروسية منذ وقت مبكر، وتميز على جميع أقرانه. كما عُرف بالشجاعة والجَلَد والإقدام، والمهارة وخفة الحركة في الكرّ والفرّ.
خالد بن الوليد قبل الإسلام
كان خالد بن الوليد t كغيره من أبناء قريش معاديًا للإسلام، ناقمًا على النبي العدنانوالمسلمين الذين آمنوا به وناصروه، بل كان شديد العداوة لهم، شديد التحامل عليهم، ومن ثَمَّ فقد كان حريصًا على محاربة الإسلام والمسلمين، وكان في طليعة المحاربين لهم في كل المعارك التي خاضها الكفار والمشركون ضد المسلمين، وكان له دور بارز في إحراز النصر للمشركين على المسلمين في غزوة أُحد.
إسلام خالد بن الوليد
في عمرة القضاء قال النبيللوليد بن الوليد t أخيه: "لو جاء خالد بن الوليد لقدّمناه". فكتب "الوليد" t إلى "خالد" يرغِّبه في الإسلام، ويخبره بما قاله رسول اللهفيه، فكان ذلك سبب إسلامه وهجرته. وقد سُرَّ النبيبإسلام خالد بن الوليد، وقال له حينما أقبل عليه: "الحمد لله الذي هداك، قد كنت أرى لك عقلاً رجوت ألاَّ يسلمك إلا إلى خير".
وقد أسلم خالد بن الوليد t في (صفر 8هـ/ يونيو 629م)، أي قبل فتح مكة بستة أشهر فقط، وقبل غزوة مؤتة بنحو شهرين.
خالد بن الوليد سيف الله في مؤتة
كانت أولى حلقات الصراع بين خالد والمشركين -بعد التحول العظيم الذي طرأ على حياة خالد بن الوليد وفكره وعقيدته- في (جمادى الأولى 8هـ/ سبتمبر 629م) حينما أرسل النبيسرية الأمراء إلى "مؤتة" للقصاص من قتلة "الحارث بن عمير t رسولِهِ إلى صاحب بُصْرَى.
وجعل النبيعلى هذا الجيش زيد بن حارثة، ومن بعده جعفر بن أبي طالب، ثم عبد الله بن رواحة رضي الله عنهم جميعًا، فلما التقى المسلمون بجموع الروم، استشهد القادة الثلاثة الذين عيَّنهم النبي، وأصبح المسلمون بلا قائد، وكاد عقدهم ينفرط وهم في أوج المعركة، وأصبح موقفهم حرجًا، فاختاروا خالد بن الوليد t قائدًا عليهم.
واستطاع خالد بن الوليد t بحنكته ومهارته أن يعيد الثقة إلى نفوس المسلمين بعد أن أعاد تنظيم صفوفهم، وقد أبلى خالد بن الوليد t في تلك المعركة بلاءً حسنًا؛ فقد اندفع إلى صفوف العدو يُعمِل فيهم سيفه قتلاً وجرحًا حتى تكسرت في يده تسعة أسياف، حتى إذا ما أظلم الليل غيَّر خالد بن الوليد t نظام جيشه، فجعل مقدمته مؤخرته، ووضع من بالمؤخرة في المقدمة، وكذلك فعل بالميمنة والميسرة، وأمرهم أن يحدثوا جلبةً وضجيجًا، ويثيروا الغبار حتى يتوهم جيش الروم أن المدد قد جاءهم بليلٍ، ولهذا لما طلع النهار لم يجرؤ الروم على مطاردة المسلمين؛ مما سهّل على خالد بن الوليد t مهمة الانسحاب بأمان، وقد اعتبر رسول اللهذلك فتحًا من الله على يد خالد بن الوليد.
فقد أخبر النبيأصحابه باستشهاد الأمراء الثلاثة، وأخبرهم أن خالد بن الوليد t أخذ اللواء من بعدهم، وقال عنه: "اللهم إنه سيف من سيوفك، فأنت تنصره". فسمِّي خالد بن الوليد t "سيف الله" منذ ذلك اليوم.
خالد بن الوليد والدفاع عن الإسلام
حينما خرج النبيفي نحو عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار لفتح مكة في 10 رمضان 8هـ الموافق 3 يناير 630م، جعل النبيخالد بن الوليد t على أحد جيوش المسلمين الأربعة، وأمره بالدخول من "اللِّيط" في أسفل مكة، فكان خالد بن الوليد t هو أول من دخل من أمراء النبي، بعد أن اشتبك مع المشركين الذين تصدوا له وحاولوا منعه من دخول البيت الحرام، فقتل منهم ثلاثة عشر مشركًا، واستشهد ثلاثة من المسلمين، ودخل المسلمون مكة -بعد ذلك- دون قتال.
وبعد فتح مكة أرسل النبيخالد بن الوليد في ثلاثين فارسًا من المسلمين إلى "بطن نخلة" لهدم "العزى" أكبر أصنام قريش وأعظمها لديها. ثم أرسله -بعد ذلك- في نحو ثلاثمائة وخمسين رجلاً إلى "بني جذيمة" يدعوهم إلى الإسلام، ولكن خالد بن الوليد t -بما عُرف عنه من البأس والحماس- قتل منهم عددًا كبيرًا، برغم إعلانهم الدخول في الإسلام؛ ظنًّا منه أنهم إنما أعلنوا إسلامهم لدرء القتل عن أنفسهم، وقد غضب النبيلما فعله خالد بن الوليد t وقال: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد"، وأرسل عليَّ بن أبي طالب لدفع دية قتلى بني جذيمة. ولقد أخطأ خالد بن الوليد t في ذلك متأوِّلاً، وليس عن قصد أو تعمد.
خالد بن الوليد سيف على أعداء الله
ظل خالد بن الوليد t يحظى بثقة النبي؛ لذا فقد ولاه إمارة عدد كبير من السرايا، وجعله على مقدمة جيش المسلمين في العديد من جولاتهم ضد الكفار والمشركين؛ ففي "غزوة حنين" كان خالد بن الوليد t على مقدمة خيل "بني سليم" في نحو مائة فارس، خرجوا لقتال قبيلة "هوازن" في شوال 8هـ/ فبراير630م، وقد أبلى فيها خالد بن الوليد t بلاءً حسنًا، وقاتل بشجاعة، وثبت في المعركة بعد أن فرَّ من كان معه من بني سليم، وظل يقاتل ببسالة وبطولة حتى أثخنته الجراح البليغة، فلما علم النبيبما أصابه، سأل عن رَحْلِه ليعوده. ولكن هذه الجراح البليغة لم تمنع خالدًا t أن يكون على رأس جيش المسلمين حينما خرج إلى الطائف لحرب "ثقيف" و"هوازن".
ثم بعثه النبي-بعد ذلك- إلى "بني المصطلق" سنة 9هـ/ 630م؛ ليقف على حقيقة أمرهم، بعدما بلغه أنهم ارتدوا عن الإسلام، فأتاهم خالد بن الوليد t ليلاً، وبعث عيونه إليهم، فعلم أنهم على إسلامهم، فعاد إلى النبي، فأخبره بخبرهم.
وفي (رجب 9هـ/ أكتوبر 630م) أرسل النبيخالدًا في أربعمائة وعشرين فارسًا إلى "أكيدر بن عبد الملك" صاحب "دومة الجندل"، فاستطاع خالد بن الوليد t أسر "أكيدر"، وغنم المسلمون مغانم كثيرة، وساقه إلى النبي، فصالحه على فتح "دومة الجندل"، وأن يدفع الجزية للمسلمين، وكتب له النبيكتابًا بذلك.
وفي (جمادى الأولى 1هـ/ أغسطس 631م) بعث النبيخالد بن الوليد t إلى بني الحارث بن كعب بنجران في نحو أربعمائة من المسلمين، ليخيِّرهم بين الإسلام أو القتال، فأسلم كثير منهم، وأقام خالد t فيهم ستة أشهر يعلِّمهم الإسلام وكتاب الله وسُنَّة نبيه، ثم أرسل إلى النبي يخبره بإسلامهم، فكتب إليه النبي r يستقدمه مع وفد منهم.
خالد بن الوليد يقاتل المرتدين ومانعي الزكاة
بعد وفاة النبيشارك خالد بن الوليد t في قتال المرتدين في عهد أبي بكر الصديق t، فقد ظن بعض المنافقين وضعاف الإيمان أن الفرصة قد أصبحت سانحة لهم -بعد وفاة النبي- للانقضاض على هذا الدين؛ فمنهم من ادَّعى النبوة، ومنهم من تمرد على الإسلام ومنع الزكاة، ومنهم من ارتدَّ عن الإسلام، وقد وقع اضطراب كبير، واشتعلت الفتنة التي أحمى أوارها وزكّى نيرانها كثير من أعداء الإسلام.
وقد واجه الخليفة الأول تلك الفتنة بشجاعة وحزم، وشارك خالد بن الوليد t بنصيب وافر في التصدي لهذه الفتنة والقضاء عليها، حينما وجّهه أبو بكر لقتال طليحة بن خويلد الأسدي، وكان قد تنبَّأ في حياة النبيحينما علم بمرضه بعد حجة الوداع، ولكن خطره تفاقم وازدادت فتنته بعد وفاة النبيوالتفاف كثير من القبائل حوله، واستطاع خالد أن يُلحِق بطليحة وجيشه هزيمة منكرة، فرَّ "طليحة" على إثرها إلى الشام، ثم أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه. وبعد فرار طليحة راح خالد يتتبع فلول المرتدين، فأعمل فيهم سيفه حتى عاد كثير منهم إلى الإسلام.
خالد بن الوليد والقضاء على فتنة مسيلمة الكذاب
كان أبو بكر t قد أرسل عكرمة بن أبي جهل t لقتال مسيلمة، ولكنه هزم، فأرسل له أبو بكر شرحبيل بن حسنة t، وزادت المصيبة ثقلاً على المسلمين عندما هزموا مرةً ثانية؛ مما رفع من الروح المعنوية لأتباع "مُسَيْلمة الكذَّاب"، وتعاظمت ثقتهم بالنصر، فلم يَرَ أبو بكرٍ بُدًّا من إرسال سيف الله المسلول خالد بن الوليد t إليهم. ومن البطاح إلى "اليمامة" خرج خالد بن الوليد t لقتال مسيلمة الكذاب الذي كان من أشد أولئك المتنبِّئين خطرًا، ومن أكثرهم أعوانًا وجندًا.
والتقى الجمعان بـ"عقرباء"، ودارت معركة عنيفة بين الجانبين، قاد مسيلمة قواته التي تزيد على الأربعين ألف مقاتل لمجابهة خالد الذي لم تكن قواته تزيد على ثلاثة عشر ألف مجاهد في سبيل الله، ودارت رحى معركة عنيفة، وازدادت أعداد القتلى، وثبت "مسيلمة" رغم كثرة أعداد القتلى من جيشه، وأدرك خالد بن الوليد t أنها لا تركد إلا بقتله، فبرز خالد t حتى إذا كان أمام الصفوف دعا إلى المبارزة، فجعل لا يبارز أحدًا إلا أرداه قتيلاً، حتى دنا من "مسيلمة" فأرهقه وأدبر، ونادى مسيلمة في قومه: الحديقةَ الحديقةَ؛ فدخلوا (حديقة الموت) وأغلقوها عليهم، وأحاط المسلمون بهم، فصرخ البراء بن مالك t قائلاً: يا معشر المسلمين، احملوني على الجدار اقتحم عليهم. فحملوه، وقاتلهم على الباب حتى تمكن من فتحه للمسلمين، فدخلوا، واقتتلوا قتالاً شديدًا، وأتى وحشيّ بن حرب t فهجم على مسيلمة بحربته، وضربه رجل من الأنصار بسيفه، فقُتل.
وهكذا انتهت المعركة بهزيمة "بني حنيفة" ومقتل "مسيلمة"، وقد استشهد في تلك الحرب عدد كبير من المسلمين بلغ أكثر من ثلاثمائة وستين من المهاجرين والأنصار، وبثَّ خالد بعد المعركة مباشرةً خيوله تطارد فلول المشركين، وتلتقط من ليس في الحصون.
فتوحات خالد بن الوليد في العراق
مع بدايات عام (12هـ/ 633م) بعد أن قضى أبو بكر الصديق t على فتنة الردة التي كادت تمزق الأمة وتقضي على الإسلام، توجه الصّدّيق t ببصره إلى العراق يريد تأمين حدود الدولة الإسلامية، وكسر شوكة الفرس المتربصين بالإسلام.
كان المثنى بن حارثة t يقاتل في العراق عندما كانت جيوش المسلمين تحارب المرتدين، وما إن انتهت حروب المرتدين بقيادة خالد بن الوليد t، حتى أصدر الصديق t أوامره لخالد بن الوليد وعياض بن غنم -رضي الله عنهما- بالتوجه إلى العراق، فتوجه خالد t إلى العراق، واستطاع أن يحقق عددًا من الانتصارات على الفرس في "الأُبُلَّة" و"المذار" و"الولجة" و"أُلَّيْس"، وواصل خالد تقدمه نحو "الحيرة" ففتحها بعد أن صالحه أهلها على الجزية، واستمر خالد بن الوليد في تقدمه وفتوحاته حتى فتح جانبًا كبيرًا من العراق، ثم اتجه إلى "الأنبار" ليفتحها، ولكن أهلها تحصنوا بها، وكان حولها خندق عظيم يصعب اجتيازه، ولكن خالدًا لم تعجزه الحيلة، فأمر جنوده برمي الجنود المتحصنين بالسهام في عيونهم، حتى أصابوا نحو ألف عين منهم، ثم عمد إلى الإبل الضعاف والهزيلة، فنحرها وألقى بها في أضيق جانب من الخندق، حتى صنع جسرًا استطاع العبور عليه هو وفرسان المسلمين تحت وابل من السهام أطلقه رماته لحمايتهم من الأعداء المتربصين بهم من فوق أسوار الحصن العالية المنيعة. فلما رأى قائد الفرس ما صنع خالد بن الوليد t وجنوده، طلب الصلح، وأصبحت الأنبار في قبضة المسلمين.
في الوقت نفسه كانت الأمور على مسرح عمليات الشام تتطور بصورة خطيرة، فقد جمع الروم قوات ضخمة لمحاربة الفاتحين المسلمين، ولم يكن من بدٍّ من إرسال سيف الله المسلول إلى هناك.
الطريق إلى الشام
رأى أبو بكر الصديق t أن يتجه بفتوحاته إلى الشام، إذ كان خالد بن الوليد t قائده الذي يرمي به الأعداء في أي موضع، حتى قال عنه: "والله لأنسيَنَّ الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد".
ولم يخيِّب خالد بن الوليد t ظن أبي بكر الصديق t فيه، فقد استطاع أن يصل إلى الشام بسرعة بعد أن سلك طريقًا مختصرًا، مجتازًا المفاوز المهلكة غير المطروقة، متخذًا "رافع بن عمير الطائي" دليلاً له؛ ليكون في نجدة أمراء أبي بكر في الشام، فيفاجئ الروم قبل أن يستعدوا له.
وما إن وصل خالد بن الوليد t إلى الشام حتى عمد إلى تجميع جيوش المسلمين تحت راية واحدة؛ ليتمكنوا من مواجهة عدوهم والتصدي له، وكانت أول مهمة تتطلب الحل هي "تقسيم القوات"، فقد كان خالد بن الوليد t يؤمن بنوعية المقاتل، وقدرة هذه النوعية على تحقيق التعادل ضد التفوق الكمي الذي ينفرد به أعداء المسلمين، وكان خالد بن الوليد يعرف أيضًا أن أمامه في الشام معارك حاسمة، فسار إليهم حتى وصل إلى قوات أبي عبيدة بن الجراح t في (بُصرى)، وبدأ بخطبة جيش المسلمين قائلاً: "إن هذا يوم من أيام الله لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي، أخلصوا جهادكم، وأريدوا الله بعملكم؛ فإن هذا يوم له ما بعده، ولا تقاتلوا قومًا على نظام وتعبية على تساند وانتشار؛ فإن ذلك لا يحل ولا ينبغي، وإن من وراءكم لو يعلم علمكم حال بينكم وبين هذا، فاعملوا فيما لم تؤمروا به بالذي ترون أنه الرأي من واليكم ومحبته".
وقد تمكَّن خالد بن الوليد t أن يلحق بالروم هزائم عديدة، حتى استطاع أن يقضي على شوكتهم تمامًا، وصارت بلاد الشام بلدًا إسلاميًّا.
خالد بن الوليد بين القيادة والجندية
لم ينتهِ دور خالد بن الوليد t في الفتوحات الإسلامية بعزل عمر له وتولية أبي عبيدة بن الجراح t أميرًا للجيش، وإنما ظل خالد بن الوليد t يقاتل في صفوف المسلمين، فارسًا من فرسان الحرب، وبطلاً من أبطال المعارك الأفذاذ المعدودين.
وكان لخالد بن الوليد t دورًا بارزًا في فتح دمشق وحمص وقِنَّسْرِين، ولم يفتّ في عضده أن يكون واحدًا من جنود المسلمين، ولم يوهن في عزمه أن يصير جنديًّا بعد أن كان قائدًا وأميرًا؛ فقد كانت غايته الكبرى الجهاد في سبيل الله، ينشده من أي موقع وفي أي مكان.
خالد بن الوليد قائدًا
لعل فن الحرب لم يعرف قائدًا تتمثل في أعماله كل مواصفات القيادي الناجح مثل خالد بن الوليد، فقد برع t في خوض المعارك، وتصميم الانتصارات، ووضع الاستراتيجيات العسكرية التي تجلب له النصر بأيسر الطرق، فمنذ جاهليته وفي عملياته الأولى، برز تفوقه في استراتيجية "الهجوم غير المباشر"، وذلك في موقعة أُحد، عندما هجم على مؤخرة جيش المسلمين، بعد أن استغل غياب الرماة.
ويمكن بعد ذلك استعراض كل أعمال خالد بن الوليد t، حيث تظهر عمليات خالد على شكل مسيرات طويلة للوصول إلى مؤخرات قوات العدو أو مجنباته، وقد عبَّر خالد عن هذه الاستراتيجية عند حديثه مع دليله رافع بن عميرة، إذ قال له: "كيف لي بطريق أخرج فيه من وراء جموع الروم، فإني إن استقبلتها حبستني عن غياث المسلمين؟" وقد اضطر خالد t في موقعتين حاسمتين مجابهة أعدائه، كانت الأولى في حروب الردة في "موقعة اليمامة"، والأخرى في "موقعة اليرموك"، ولكن مع ذلك فقد بقي هدف خالد الدائم البحث عن وسيلة لضرب مؤخرة العدو.
كما امتاز خالد بن الوليد t بحرصه على الانطلاق من قاعدة قوية ومأمونة، كذلك حرص خالد بن الوليد t على بناء المجتمع الجديد بارزًا في فتوحاته، فهو لا يتعامل من منطلق كونه قائدًا عسكريًّا فحسب، وإنما هو ينشر دعوة الله، ويبلغ رسالة الإسلام إلى شعوب الأرض التي يفتحها، فلما وقف في "الحيرة" في مجتمع النصارى العرب، كان حريصًا على اجتذابهم والإحسان إليهم وتأليف قلوبهم، وكان يقول لهم: "لكم ما لنا، وعليكم ما علينا".
خالد بن الوليد والغيرة على دين الله ورسوله
فعن أبي سعيد الخدري t قال: بعث علي بن أبي طالب t إلى رسول اللهمن اليمن بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها. قال: فقسمها بين أربعة نفر بين عيينة بن بدر وأقرع بن حابس وزيد الخيل، والرابع إما علقمة وإما عامر بن الطفيل؛ فقال رجل من أصحابه: كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء. قال: فبلغ ذلك النبي، فقال: "ألا تأمنونني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحًا ومساء".
قال: فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كثّ اللحية، محلوق الرأس مشمر الإزار فقال: يا رسول الله، اتقِ الله. قال: "ويلك! أوَ لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله؟!"
قال: ثم ولَّى الرجل، قال خالد بن الوليد: يا رسول الله، ألا أضرب عنقه؟ قال: "لا، لعله أن يكون يصلي". فقال خالد بن الوليد t: وكم من مصلٍّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه. قال رسول الله: "إني لم أُومَرْ أن أنقب قلوب الناس ولا أشق بطونهم". قال: ثم نظر إليه وهو مُقَفٍّ فقال: "إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطبًا لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية".
وفاة خالد بن الوليد
لما حضرت خالد بن الوليد t الوفاة قال: "لقد طلبت القتل فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي، وما من عمل أرجى من لا إله إلا الله وأنا متتَرِّس بها". ثم قال: "إذا أنا مت فانظروا سلاحي وفرسي، فاجعلوه عُدَّة في سبيل الله". وقد تُوفِّي خالد بحمص في (18 من رمضان 21هـ/ 20 من أغسطس 642م).
شكرا على الموضوع القيم
و انا لدي بعض الاضافات :
خالد بن الوليد سيف الله المسلول
خالد بن الوليد قائد إسلامي عظيم كان من المجاهدين المسلمين الذين عاصروا الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام وأطلق الرسول عليه لقب سيف الله المسلول، كانت بدايته في الجاهلية حتى من الله سبحانه وتعالى عليه بنعمة الهداية، فدخل إلى الإسلام بعد غزوة الأحزاب، وبعد إسلامه قاتل بسيفه أعداءه من المشركين والمنافقين كان قائداً حربياً لا يشق له غبار، وتولى قيادة الجيش الإسلامي في العديد من المعارك الهامة والتي كللت بالنصر من عند الله.
قال عنه الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام " ما مثل خالد من جهل الإسلام ولو كان جعل نكايته وجده مع المسلمين على المشركين لكان خيراً له ولقدمناه على غيره"، وبعد الإسلام قال عليه الصلاة والسلام" الحمد لله الذي هداك ، لقد كنت أرى لك عقلاً رجوت أن لا يسلمك إلا إلى خير" .
النشأة
هو خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي، أبو سليمان، ولد عام 584 م لعائلة رفيعة النسب فكان والده الوليد بن المغيرة أحد أشراف وأثرياء قريش، تدرب خالد منذ الصغر على الفروسية وأظهر فيها الكثير من البراعة حتى أصبح فارساً عظيماً لا يشق له غبار، فكان واحداً من ألمع قادة فرسان قريش، كما تولي مهمة "القبة والأعنة" وراثة عن أبيه.
حارب خالد بن الوليد أولاً ضمن صفوف المشركين ضد المسلمين فخاض عدد من الغزوات ضد المسلمين كأحد القادة المشركين المعادين للإسلام، بل لقد كان صاحب الفضل في تحويل نصر المسلمين في غزوة أحد إلى هزيمة بعد أن هاجم الجيش الإسلامي من الخلف وذلك بعد أن تخلى الرماة عن مواقعهم، وقاتل قتالاً شرساً ضد المسلمين هذا إلى النقيض تماماً مما حدث بعد إسلامه فقد قاتل بعد ذلك في سبيل الله قتالاً رائعاً استبسل فيه واستدعى جميع مهاراته كفارس فكانت له العديد من الانتصارات والبطولات في المعارك التي خاضها لصالح المسلمين.
إسلامه
قام بإعلان إسلامه في العام الثامن للهجرة وذلك قبل فتح مكة بستة أشهر وقبل غزوة مؤتة بنحو شهرين، وقد أعلن إسلامه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كل من عمرو بن العاص وعثمان بن طلحة، ومنذ أن أعلن إسلامه لم يرفع خالد بن الوليد سيفه قط سوى لنصرة الإسلام والمسلمين فكان نعم القائد والفارس الشجاع الذي مكنه الله من تسليط سيفه على رقاب المشركين فكان يعود له هذا السيف بالنصر والعزة للإسلام، وقد أطلق عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقب " سيف الله المسلول"، مما قاله رسول الله عن إسلامه " الحمد لله الذي هداك، قد كنت أرى لك عقلا لا يسلمك إلا إلى الخير".
دوره كقائد إسلامي
كانت أولى الغزوات التي شارك فيها خالد بعد إسلامه غزوة مؤتة التي كانت بين كل من المسلمين والغساسنة والروم، وقد أظهر الكثير من البراعة والحنكة القتالية في هذه الغزوة وقاد الجيش المسلم بعد أن سقط أمرائه الثلاثة زيد بن حارثة وجعفر وعبد الله بن رواحة في المعركة، وقد استبسل في هذه المعركة حتى أنه دقت في يده تسعة سيوف أثناء القتال.
وقد شارك أيضاً في فتح مكة فقد ولاه الرسول عليه الصلاة والسلام على واحدة من الكتائب الإسلامية التي ذهبت للفتح، كما كانت له العديد من المشاركات الأخرى فشارك في حروب الردة التي شنها أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعد وفاة الرسول على المرتدين والمنافقين، فقام أبو بكر بتوكيل مهمة ردع هؤلاء المرتدين لخالد بن الوليد الذي أبلى خير البلاء في هذه المهمة وكان على رأس هؤلاء المرتدين طليحة بن خويلد، مسيلمة بن ثمامة أو الكذاب واللذان أدعيا النبوة، فلقد ارتد طليحة وقام بادعاء النبوة والتف حوله قبيلة بني أسد فسار إليه خالد ودحره هو ورجاله فعاد إلي الإسلام، كما ارتد مسيلمة وادعى النبوة والتفت حوله قبيلة بني حنيفة فسار خالد إليهم أيضاً وكانت من اكبر المعارك التي خاضها المسلمون في حروب الردة وأنتصر خالد وقتل مسيلمة .
قام الخليفة أبو بكر الصديق بتولية خالد على أجناد العراق وذلك من أجل قتال الفرس فأستبسل خالد في قتال الفرس هو وجنود المسلمين وظل يقاتلهم حتى أبادهم، فشهدت ارض العراق تحقيق انتصارات مذهلة لجيش المسلمين تحت قيادة خالد بن الوليد لهم وقام بالسيطرة على أجزاء كبيرة من بلاد فارس.
من المعارك الهامة أيضاً التي قام خالد بقيادة الجيش فيها معركة اليرموك والتي وقعت ضد جيش الروم فقد اظهر فيها خالد الكثير من موهبته القيادية والقتالية على حد سواء، فقام بتوحيد جيوش المسلمين لتصبح قوة واحدة في وجه الجيش الرومي، وتقاسم الإمارة مع غيره من القادة الأكفاء فاتفق معهم على أن يتولى أمارة الجيش كل يوم واحداً منهم، وبدأ بنفسه فاظهر الكثير من المهارة والاستبسال.
وفي هذه المعركة مع جيوش الروم خرج جرجة أحد القادة الروم لمبارزة خالد وعندما خرج خالد لمبارزته سأله القائد الرومي قائلا: هل أنزل الله على نبيكم سيفاً من السماء فأعطاكه فلا تسله على قوم إلا هزمتهم
قال خالد : لا
قال جرجة: فيم سميت سيف الله ؟
قال خالد : إن الله عز وجل بعث فينا نبيه محمد عليه الصلاة والسلام فنفرنا عنه ونأينا عنه جميعاً ثم إن بعضنا صدقه وتابعه وبعضنا باعده وكذبه فكنت فيمن كذبه وباعده وقاتله ثم إن الله أخذ بقلوبنا ونواصينا فهدانا به فتبعناه.
فقال عليه السلام أنت سيف من سيوف الله سله على المشركين ودعا لي بالنصر فسميت سيف الله بذلك، فأنا من أشد المسلمين على المشركين.
قال جرجة: صدقتني فأخبرني إلام تدعوني .
قال خالد : إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله والإقرار بما جاء به من عند الله.
قال جرجة : فما منزلة الذي يدخل فيكم ويجيبكم إلى هذا الأمر اليوم.
قال خالد : منزلتنا واحدة فما افترض الله علينا شريفنا ووضيعنا وأولنا وأخرنا، فأنقلب جرجة إلى صف خالد وقال له : علمني الإسلام وأخذه خالد إلي خيمته وأتاه بماء ليتطهر ثم لقنه الشهادتين وخرجا معاً يقاتلان الروم .
أخلاق الفرسان
توفى أبو بكر الصديق رضي الله عنه واستخلف عمر بن الخطاب مكانه خليفة للمسلمين، ولما علم خالد بذلك لم يخبر احد حتى لا يحدث توتر وهرج في صفوف المسلمين، ومضي يضرب بسيفه يميناً ويساراً في صفوف الروم ويستحث الرجال على الإقدام والقتال حتى تحقق النصر للمسلمين وتقهقر جيش الروم مهزوماً مخذولاً.
وبعد وفاة أبي بكر وتولي عمر الخلافة أمر بتولية أبي عبيدة بن الجراح إمارة جيش المسلمين بدلاً من خالد بن الوليد، وعلى الرغم من هذا لم يقابل خالد هذا الأمر بالغضب أو الضيق بل سلم أبي عبيدة قيادة الجيش كما أُمر وهذا إن دل فإنما يدل على أخلاق عظيمة تمتع بها هذا الفارس المسلم العظيم الذي كان دائماً يؤثر رفعة الإسلام ونصره وإطاعة الخليفة عن أي أطماع شخصية قد تطول غيره، وبعد أن تسلم أبي عبيدة قيادة الجيش قاتل خالد بن الوليد في جيش المسلمين كجندي مخلص ينفذ أوامر قائده.
وفاة الفارس
توفى خالد بن الوليد عام 642م هذا البطل، والفارس المسلم الذي أسلم بعد أن كان مشركاً فأمن بالله والرسول ورفع سيفه من أجل نصرتهم فكان سيفه يرد إليه بالنصر وعلى الرغم من كثرة الحروب التي خاضها إلا أن وفاته لم تكن في أي من هذه المعارك بل جاءته وهو في فراشه وقال في هذا "ما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربة بسيف، أو رمية بسهم، أو طعنة برمح، وها أنا ذا أموت على فراشي حتف أنفي، كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء".
رحم الله خالد بن الوليد ورضي عنه وعن غيره من المسلمين الذين لم يدخروا جهداً من أجل نصرة دينهم والدفاع عنه، وجزاه خير الجزاء عن المسلمين.
شكرا جزيلا لكما على الاضافات الاروع
لا شكر على واجب
هل الأشخاص الذكورون في الفقرة هم فقط الذين قاموا بأدعاء النبوة أم هناك اخرون
ارجوكم ساعدوني ****
thanke you very much …dear leasel.
الإمام أبو حنيفة النعمان
الإمام أبو حنيفة النعمان
ذلك أنه كان يدعو إلي الأخذ بالرأي لا يبالي في رأيه بأحد .. فقد كان عارفا بأحوال الحياة، مستوعبا كل ثقافة من سبقوه ومن عاصروه، خبيرا بالرجال، شديدا على أهل الباطل، مرير السخرية بالمزيفين، لاذعا مع المنافقين من متعاطي الفقه والعلم والثقافة في عصره .. وهو عصر غريب حقا .. عصر ملئ بالتطرفات .. هو ذلك العصر الباهر من الفتوحات والثراء الفكري .. عصر الأئمة العظام: محمد الباقر وزيد بن علي وجعفر الصادق ومالك بن أنس والليث بن سعد .. وهو في الوقت نفسه عصر الصعاليك الكبار، والمنافقين والمزيفين..!! عصر عامر بالبطولات والأحلام والخطر والغنى الروحي والاقتحام والمتاع..!! عصر يدوي على الرغم من كل شيء بأصداء المأساة، تفعمه الأحزان، ملتهب بالأشواق إلي العدل وبالحنين إلي الرحمة والصدق والإحسان وبالشجن! .. في ذلك العصر ولد أبو حنيفة النعمان بالكوفة سنة 80 هـ من أسرة فارسية، وسمي النعمان تيمنا بأحد ملوك الفرس ..
من أجل ذلك كبر على المتعصبين العرب أن يبرز فيهم فقيه غير عربي الأصل .. حاول بعض محبيه أن يفتعل له نسبا عربيا .. ولكنه كان لا يحفل بهذا كله فقد كان يعرف أن الإسلام قد سوى بين الجميع، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم احتضن سلمان الفارسي وبلالا الحبشي، وكانا من خيرة الصحابة حتى لقد كان الرسول يقول "سلمان منا أهل البيت" وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول عن بلال: "سيدنا بلال". ولقد شهد أبو حنيفة في طفولته فظائع الحجاج والي العراق وبطشه بكل من يعارض الأمويين حتى الفقهاء الأجلاء، فدخل في نفسه منذ صباه عزوف عن الأمويين واستنكار لاستبدادهم، ورفض للطغيان .. ثم أنه ورث عن أبيه وأمه حبا لآل البيت فما كان في ذلك العصر رجال ينبذون التفرقة بين المسلمين العرب وغير العرب إلا آل البيت.
وقد تمكن حب آل البيت من قلبه عندما تعرف على أئمتهم وتلقى عنهم، وعندما عاين أشكال الاضطهاد التي يكابدونها في كل نهار وليل! .. حتى لقد شاهد الإمام الصادق واقفا يستمع إليه وهو يفتي في المدينة فوقف قائلا: "يا ابن رسول الله، لا يراني الله جالسا وأنت واقف". وكان أبوه تاجرا كبيرا فعمل معه وهو صبي، وأخذ يختلف إلي السوق ويحاور التجار الكبار ليتعلم أصول التجارة وأسرارها، حتى لفت نظر أحد الفقهاء فنصحه أن يختلف إلي العلماء فقال أبو حنيفة: "إني قليل الاختلاف إليهم" فقال له الفقيه الكبير: "عليك بالنظر في العلم ومجالسة العلماء فإني أرى فيك يقظة وفطنة". ومنذ ذلك اليوم وهب الفتى نفسه للعلم، واتصل بالعلماء ولم تنقطع تلك الصلة حتى آخر يوم في حياته .. ولكم عانى وعانى منه الآخرون في هذا الميدان الجديد الذي استنفر كل مواهبه وذكائه وبراعته!!
وانطلق الفتى الأسمر الطويل النحيل بحلة فاخرة، يسبقه عطره، ويدفعه الظمأ إلي المعرفة، يرتاد حلقات العلماء في مسجد الكوفة .. وكأن بعضها يتدارس أصول العقائد (علم الكلام)، وبعضها للأحاديث النبوية، وبعضها للفقه وأكثرها للقرآن الكريم .. ثم مضى ينشد العلم في حلقات البصرة. وبهرته حلقة علماء الكلام، لما كان يثور فيها من جدل مستعر يرضي فتوته. ولزم أهل الكلام زمنا ثم عدل عنهم إلي الحلقات الأخرى .. فقد اكتشف عندما نضج أن السلف كانوا أعلم بأصول العقائد ولم يجادلوا فيها، فلا خير في هذا الجدل. ومن الخير أن يهتم بالتفقه في القرآن الكريم والحديث. وانتهت به رحلاته بين البصرة والكوفة إلي العودة إلي موطنه بالكوفة، وإلي الاستقرار في حلقات الفقه، لمواجهة الأقضية الحديثة التي استحدثت في عصره، ولدراسة طرائق استنباط الأحكام.
وكان أبوه قد مات، وترك له بالكوفة متجرا كبيرا للحرير يدر عليه ربحا ضخما، فرأى أبو حنيفة أن يشرك معه تاجرا آخر، ليكون لديه من الوقت ما يكفي لطلب العلم وللتفقه في الدين ولإعمال الفكر في استنباط الأحكام .. ودرس على عدة شيوخ في مسجد الكوفة ثم استقر عند شيخ واحد فلزمه .. حتى إذا ما ألم بالشيخ ما جعله يغيب عن الكوفة، نصب أبا حنيفة شيخا على الحلقة حتى يعود .. وكانت نفس أبي حنيفة تنازعه أن يستقل هو بحلقة، ولكنه عندما جلس مكان أستاذه سئل في مسائل لم تعرض له من قبل، فأجاب عليها وكانت ستين مسألة. وعندما عاد شيخه عرض عليه الإجابات، فوافقه على أربعين، وخالفه في عشرين .. فأقسم أبو حنيفة ألا يفارق شيخه حتى يموت.
ومات الشيخ وأبو حنيفة في الأربعين، فأصبح أبو حنيفة شيخا للحلقة وكان قد دارس علماء آخرين في رحلات إلي البصرة وإلي مكة والمدينة خلال الحج والزيارة، وأفاد من علمهم، وبادلهم الرأي، ونشأت بينه وبين بعضهم مودات، كما انفجرت خصومات. ووزع وقته بين التجارة والعلم .. وأفادته التجارة في الفقه، ووضع أصول التعامل التجاري على أساس وطيد من الدين .. كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه هو مثله الأعلى في التجارة: حسن التعامل، والتقوى، والربح المعقول الذي يدفع شبهة الربا .. جاءته امرأة تبيع له ثوبا من الحرير وطلبت ثمنا له مائة .. وعندما فحص الثوب قال لها "هو خير من ذلك" فزادت مائة .. ثم زادت حتى طلبت أربعمائة فقال لها: "هو خير من ذلك" فقالت: أتهزأ بي؟ فقال لها: "هاتي رجلا يقومه" فجاءت برجل فقومه بخمسمائة.
وأرادت امرأة أخرى أن تشتري منه ثوبا فقال: "خذيه بأربعة دراهم" فقالت له: "لا تسخر مني وأنا عجوز" فقال لها "إني اشتريت ثوبين فبعت أحدهما برأس المال إلا أربعة دراهم، فبقى هذا الثوب على أربعة دراهم". وذهب إلي حلقة العلم يوما،في المتجر، وأعلمه أن ثوبا معينا من الحرير به عيب خفي، وأن عليه أن يوضح العيب! .. وظل أبو حنيفة يبحث عن المشتري ليدله على العيب، ويرد إليه بعض الثمن، ولكنه لم يجده، فتصدق بثمن الثوب كله، وانفصل عن شريكه .. بهذا الحرص كان يتعامل في تجارته مع الناس، وفي فهمه للنصوص، وفي استنباطه للقواعد والأحكام .. وعلى الرغم من أنه كان يكسب أرباحا طائلة، فقد كان لا يكنز المال .. فهو ينفق أمواله على الفقراء من أصدقائه وتلاميذه.
ويحتفظ بما يكفيه لنفقة عام ويوزع الباقي على الفقراء والمعسرين .. فإذا عرف أن أحدا في ضيق، أسرع إليه، وألقى إليه بصرة على بابه، ونبهه إلي أنه وضع على بابه شيئا، ويسرع قبل أن يفتح صاحب الحاجة الصرة .. وكان على ورعه وتقواه واسع الأفق مع المخطئين .. كان له جار يسكر في الليل ويرفع عقيرته بالغناء:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر
وكان صوت الجار يفسد الليل على أبي حنيفة .. حتى إذا كانت ليلة سكت فيها صوت الجار السكير، فلما أصبح سأل عنه فعلم أنه في السجن متهما بالسكر .. وركب أبو حنيفة إلي الوالي فأطلق سراح السكير. وعندما عادا معا سأله أبو حنيفة "يا فتى هل أضعناك؟" فقال له "بل حفظتني رعاك الله". ومازال به أبو حنيفة حتى أقلع عن الخمر. وأصبح من رواد حلقات العلم ثم تفقه وصار من فقهاء الكوفة .
ولقد كان في حرصه على إرضاء أمه. يحملها على دابة، ويسير بها الأميال، لتصلي خلف أحد الفقهاء يرى هو نفسه أن أبا حنيفا افضل منه، لأن الأم كانت تعتقد بفضل ذلك الفقيه! وكانت الأم لا ترضى بفتوى ابنها أحيانا، فتأمره أن يحملها إلي أحد الوعاظ، فيقودها إليه عن طيب خاطر .. ولقد قال لها الواعظ يوما: "كيف أفتيك ومعك فقيه الكوفة؟" ومع ذلك فقد ظل أبو حنيفة حريصا على إرضائها، لا يرد لها طلبا، حتى إذا عذب في سبيل رأيه، طلبت منه أمه أن يتفرغ للتجارة وينصرف عن الفقه وقالت له: "ما خير علم يصيبك بهذا الضياع؟" فقال لها: "إنهم يريدونني على الدنيا وأنا أريد الآخرة وإني أختار عذابهم على عذاب الله". ولكم تحمل أبو حنيفة من عذاب!!
كان مخالفوه في الرأي يغرون به السفهاء والمتعصبين والمتهوسين ويدفعونهم إلي اتهامه بالكفر، وإلي التهجم عليه، فيقابلهم بالابتسام. ولقد ظل أحد هؤلاء السفهاء يشتمه، فلم يتوقف الإمام ليرد عليه، وعندما فرغ من درسه وقام، ظل السفيه يطارده بالسباب، والإمام لا يلتفت إليه، حتى إذا بلغ داره توقف عند باب الدار قائلا للسفيه: "هذه داري فأتم كلامك حتى لا يبقى عندك شيء أو يفوتك سباب فأنا أريد أن أدخل داري"..! كان خصوم أبي حنيفة صنفين: بعض الفقهاء ممن وجدوا انصراف الناس عن حلقاتهم إلي حلقة أبي حنيفة، وحكام ذلك الزمان. أما أعداء أبي حنيفة من الفقهاء فقد كان على رأسهم ابن أبي ليلى وتابعه شبرمة.
كان أعداؤه فقهاء للدولة في العصر الأموي، حتى إذا جاء العصر العباسي تحولوا إلي الحكام الجدد، واحتالوا عليهم بالنفاق حتى أصبحوا هم أهل الشورى، يزينون للحكام الجدد كل ما زينوه للحكام السابقين من طغيان وعدوان وبغي واستغلال وبطش بالمعارضين .. واصطنعوا من الآراء الفقهية، وقبلوا من الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة ما يسند الطبقة الحاكمة والمستغلين، وما يصرف الناس عنهم من أمور الدنيا، وعن سياسة حياتهم، لينقطع الناس إلي التقشف، ويتركوا مستغليهم يستبدون ويعمهون! وكان أبو حنيفة يحتفظ باستقلاله أمام الحكام فيحترم الحكام .. وهو يلبس أغلى الفراء في الشتاء، ويتحلى طوال العام بثياب فاخرة، ويتعطر، ويتنعم بالطيبات من الرزق، وبزينة الحياة التي أحلها الله لعباده .. وكان يقاوم كما قاوم أستاذه وصديقه الإمام جعفر الصادق من قبل بدعة تزيين التقشف والانصراف عن هموم الحياة، وترك الأمر كله لطبقة بعينها تملك وتستغل وتحكم وتستبد!
على أن ميل أبي حنيفة إلي الأئمة من آل البيت أوغر عليه صدور الأمويين والعباسين على السواء. ففي العصر الأموي قالوا "أن تكون كافرا أو مشركا خير من أن تكون علويا" .. وفي العصر العباسي توالت المحن على العلويين، وأبو حنيفة يفتي بأن العلويين أصحاب حق .. على أنه مال إلي العباسيين أول الأمر، وتوسم فيهم الخير، ولكنه إذ وجد الفقهاء الذين نافقوا الأمويين وزينوا لهم العدوان، هم الذين يشيرون على الخلفاء العباسيين، أصابته خيبة الأمل فيهم .. ثم أن العباسيين بطشوا بأبناء عمومتهم العلويين، فساء رأي أبي حنيفة في العباسيين. وأبو حنيفة على الرغم من سماحته لا يسكت عن خطأ الفقهاء من الذين جعلوا كل همهم نفاق الحكام وإرضاءهم .. كان بعضهم يفتي في المسجد إلي جوار حلقة أبي حنيفة، فإذا أخطأ انبرى له أبو حنيفة يكشف ذلك الخطأ ويعلن الصواب على الناس.
وكان ينتقد أخطاء ابن أبي ليلى نقدا أوغر عليه صدر الرجل .. حتى نقد حكما فاحش الخطأ فانفجر غضب ابن أبي ليلى .. "وذلك أن امرأة مجنونة قالت لرجل" "يا ابن الزانيين" فأقام عليها ابن أبي ليلى الحد في المسجد، وجلدها قائمة، وأقام عليها حدين: حدا لقذف الأب وحدا لقذف الأم. وبلغ ذلك أبا حنيفة فقال: أخطأ ابن أبي ليلى في عدة مواضع: أقام الحد في المسجد ولا تقام الحدود في المساجد. وضربها قائمة والنساء يضربن قعودا. وضرب لأبيه حدا ولأمه حدا، ولو أن رجلا قذف جماعة ما كان عليه غير حد واحد، فلا يجمع بين حدين. والمجنونة ليس عليها حد. وحد لأبويه وهما غائبان ولم يحضرا فيدعيا .. وذهب ابن أبي ليلى إلي الخليفة يشكو أبا حنيفة، واتهمه بأنه لا يفتأ يهينه، ويظهره للناس بمظهر الجاهل، وفي ذلك إهانة للخليفة نفسه لأن ابن أبي ليلى إنما ينوب عن الخليفة في القضاء ويحكم بين الناس..!
وأصدر الخليفة أمرا بمنع أبي حنيفة من التعليق على أحكام القضاة، وبمنعه من الفتوى .. حتى إذا احتاج الخليفة إلي رأي في أمر معقد لا يطمئن فيه إلي فتاوى الفقهاء من متملقيه، أرسل يستفتي أبا حنيفة، فامتنع عن الفتوى إلا أن يأذن الخليفة له في أن يفتي للناس جميعا. فأذن له. وعاد يفتي، وعاد ينتقد الأحكام!. وأراد الخليفة المنصور أن يكتب عقدا محكما فلم يسعفه الفقهاء الذين يصانعونه، فلجأ إلي أبي حنيفة فأملى العقد من فوره فأزرى الفقهاء من بطانة الخليفة بما صنعه حسدا من عند أنفسهم. ولكن الخليفة زجرهم، وصرح بأن أبا حنيفة هو أفقه الجميع، وإن كان يكره مواقفه وآراءه. وعندما وقع خلاف بين الخليفة المنصور وزوجته لأنه أراد أن يتزوج عليها، أراد أن يحتكما إلي فقيه، فرفضت الزوجة الاحتكام إلي قاضي القضاة ابن أبي ليلى أو إلي تابعه شبرمة أو إلي أحد الفقهاء من بطانة المنصور! وطلبت أبا حنيفة.
وعندما حضر أبو حنيفة أبدى الخليفة رأيه أن من حقه الزواج لأن الله أحل للمسلم الزواج بأربع، والتمتع بمن يشاء من الإماء مما ملكت يمينه. فرد أبو حنيفة: "إنما أحل الله هذا لأهل العدل. فمن لم يعدل فواحدة. قال الله تعالى:
{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَ***1648;حِدَةً}(النساء،الآية:3).
فينبغي علينا أن نتأدب بأدب الله ونتعظ بمواعظه. وضاق الخليفة بفتواه. ولكنه أخذ بها. وخرج أبو حنيفة إلي داره. فأرسلت له زوجة الخليفة خادما ومعه مال كثير وأحمال من الثياب الفاخرة النادرة، وجارية حسناء، وحمار مصري فاره هدايا لأبي حنيفة. فقال أبو حنيفة للخادم: "أقرئها سلامي. وقل لها إني ناضلت عن ديني وقمت بذلك المقام لوجه الله. لم أرد بذلك تقربا إلي أحد ولا التمست به دنيا ورد الجارية الحسناء والثياب والمال والحمار المصري جميعا.
كان أبو حنيفة لا يقف عند النصوص، وإنما يبحث في دلالاتها، ويحاول أن يواجه بالأحكام ما يقع من أحداث، وما يتوقع حدوثه من الأقضية والحالات. الواقع والمتوقع هما ما كان يعني باستنباط الأحكام لمواجهتها إن لم يجد نصا في الكتاب أو السنة أو الإجماع. وكان يناصر الفقهاء ببديهة حاضرة يقلب الرأي على وجوهه، ويفترض، ويستقرئ ويستنبط، ويحسن الخلوص إلي الغاية، والخلاص من المأزق، ويلزم المناظر الحجة. وهو مع ذلك يقول: "ربما كان ما قلته خطأ كله، لا الصواب كله". ولقد اقتحم عليه الحلقة في يوم عدد من الخوارج على رأسهم قائدهم وفقيههم، وكان الخوارج يقتلون مخالفيهم. وكانوا يقتلون من أقر علي بن أبي طالب على التحكيم. كان أبو حنيفة يؤيد عليا ويقره على التحكيم. وخيره شيخ الخوارج بين التوبة أو القتل، فسأله أبو حنيفة أن يناظروه، فرضى، فقال له "فإن اختلفنا؟ قال الخارجي نحكم بيننا رجلا .. فضحك أبو حنيفة قائلا: أنت بهذا تجيز التحكيم." فانصرف عنه الخوارج وتركوه سالما.
وكم مرة خرج من المأزق بسرعة بديهته وسعة حيلته وقوة حجته..! ولكنه لم يستطع أن يفلت من مصائد أعدائه من المرتزقة في بلاط الأمراء .. كانت صلابته، واحترام الحكام له، وإيثارهم إياه على الفقهاء المرتزقة من بطانتهم، تثير هؤلاء الفقهاء وتحرك حسدهم .. فأوغروا صدور الحكام حتى أوقعوا به. وحاولوا أن يقتنصوه بفضائله. إنه لشجاع في الحق .. وإذن فلينصبوا له شركا من جسارته وتقواه .. إن مواقفه في تأييد آل البيت لتؤجج غضب الحكام عليه. ثم كانت آراؤه تزيد سخطهم عليه اشتعالا: فقد نادى بالرأي إن لم يكن هناك نص في الكتاب أو السنة، واتجه في استنباط الأحكام إلي إلحاق الأمور غير المنصوص على أحكامها بما نص على حكمه في حدود ما يحقق مصلحة الأمة ويتسق مع عرف البلد وعاداته، إن لم تخالف هذه العادات والأعراف روح الشريعة أو نصوصها.
أما عن مواقفه في تأييد آل البيت فقد أعلن أن العلويين أولى بالحكم من العباسيين، وجاهر بالانحياز إلي العلويين. ولم يكتم هذا الميل قط، وظل يذيعه بلا تهيب.! على أن الموقف ليس جديدا عليه. فقد أيد ثورة الإمام زيد بن علي زين العابدين بن الحسين أيام الحكم الأموي. وسمى خرج زيد جهادا في سبيل الله، وشبهه بيوم بدر وحاول أن يخرج مع الإمام زيد، ولكن كانت لديه ودائع للناس أراد أن يسلمها لابن أبي ليلى فرفض. ولم يجد أبو حنيفة إلا ماله يجاهد به فأرسل إلي الإمام زيد مالا كثيرا يمير به جيشه ويقويه. وحين ولى العباسيون أيدهم أول الأمر، ولكنهم بطشوا بمعارضيهم، وصادروا حرية الرأي، ونكلوا بالعلويين، ونكلوا عن العدل الذي بايعهم عليه، فأعلن عدم رضاه عنهم في حلقات الدروس .. وكان المنصور قد جمع رءوس العلويين وسجنهم. وصادر أموالهم وأراضيهم.
ثار العلويون بقيادة محمد النفس الزكية وأخيه إبراهيم بن عبد الله، فبعث المنصور جيشا ضخما ليحصد العلويين. أعلن أبو حنيفة تأييده للثورة، وبكى مصائر العلويين بعد أن نجح المنصور في إخماد الثورة والقضاء على قائدها وفتك بأهل المدينة المنورة الذين أيدوا الثورة .. وكان عبد الله بن الحسن شيخ أبي حنيفة والد محمد النفس الزكية وإبراهيم في سجن المنصورة يعذب حتى الموت. وحين مات أعلن أبو حنيفة أن واحدا من افضل أهل الزمان قد استشهد في سجنه. وبكاه وأبكى عليه. وأما آراؤه التي أشعلت سخط الحاكم وحاشيته عليه فهي تلك التي استنبطها بالقياس حتى لقد اتهمه بعض الفقهاء من خصومه بأنه يفضل القياس على الحديث.
وما كان هذا صحيحا، فقد رأى أبو حنيفة ظاهرة خطيرة، فأراد أن ينجو بدينه منها، وينجى معه الناس: ذلك أنه خلال الصراعين السياسي والاجتماعي، انتشر وضع الحديث خدمة لهذا الجانب أو ذاك، وتأييدا لهذه المصلحة أو تلك، فوقف أبو حنيفة من الحديث موقف أستاذه وصديقه الإمام جعفر الصادق .. تحرى الرواة وصدقهم، وتحرى معاني الأحاديث، ورفض منها ما يشك في صدق رواتها وتقواهم، أو ما يخالف نصا قرآنيا، أو سنة مشهورة، أو مقصدا واضحا من مقاصد الشريعة. وقد فحص الأحاديث الموجودة في عصره وكانت عشرات الآلاف فلم يصح في نظره منها إلا نحو سبعة عشر.
وذهب إلي أن القياس الصحيح يحقق مقاصد الشارع، ويجعل الأحكام أصوب وهو خير من الاعتماد على أحاديث غير صحيحة .. وللقياس ضوابط هي تحقيق المصلحة وهذا هو هدف الشريعة. لقد كان تحرج أبي حنيفة وذمته وتقواه هي العوامل التي دفعته إلي الحذر في قبول الأحاديث إذا شك في صحتها على أي نحو، وكان عليه إذن أن يجد طريقا آخر لاستنباط الأحكام الجديدة قياسا على أحكام ثابتة في القرآن الكريم أو السنة الصحيحة أو أقوال الصحابة السابقين من أهل الفتيا كعمر ابن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود .. وكان عبد الله بن مسعود يفضل أن يفتي باجتهاده بدلا من أن يسند إلي الرسول صلى الله عليه وسلم حديثا لا يرى عين اليقين أنه حديث صحيح.
وقد جد في عصر أبي حنيفة كثير من الحوادث والأقضية والأحوال، بعد اتساع الدولة وتشابك الأمور، وظهور ألوان كثيرة من النشاط التجاري والاجتماعي، وواجه الإمام هذا كله بالاجتهاد لاستنباط الأحكام التي تضبط العلاقات. وما كان يبتدع في قياسه كما رماه خصومه، وما كان يهدر السنة كما حاول ابن أبي ليلى وتابعه شبرمة أن يصوراه كيدا له، بل كان منهجه في استنباط الأحكام في وصية لأحد تلاميذه ممن تولوا القضاء .. قال: "إذا أشكل عليك شيء فارحل إلي الكتاب والسنة والإجماع، فإن وجدت ذلك ظاهرا فاعمل به، وإن لم تجده ظاهرا فرده إلي النظائر واستشهد عليه بالأصول، ثم اعمل بما كان إلي الأصول اقرب وبها أشبه".
وقاده هذا الاجتهاد إلي عديد من الآراء الحرة: الدعوة إلي المساواة بين الرجل والمرأة، في عصر بدأت المرأة فيه تتحول إلي حريم للمتاع! فأفتى بأن للبالغة أن تزوج نفسها .. وهي حرة في اختيار زوجها. كما أفتى بعدم جواز الحجر على أحد، لأن في الحجر إهداراً للآدمية وسحقا للإرادة .. وأفتى بعدم جواز الحجر على أموال المدين، حتى لو استغرقت الديون كل ثروته. لأن في هذا مصادرة لحريته .. وفي كل أمر من أمور الحياة تتعرض فيه حرية الإنسان لأي قيد، أفتى الإمام أبو حنيفة باحترام الحرية وكفالتها، لأن في ضياع حرية الإنسان أذى لا يعدله أذى .. لقد أفتى بكل ما ييسر الدين والحياة على الإنسان فذهب إلي أن الشك لا يلغي اليقين، وضرب لذلك مثلا بأن من توضأ ثم شك في أن حدثا نقض وضوءه، ظل على وضوئه، فشكه لا يضيع يقينه.
وأفتى بأنه لا يحق لأحد أن يمنع المالك من التصرف في ملكه. ولا يحق لأحد أن يحكم على مسلم بالكفر ما ظل على إيمانه بالله ورسوله حتى لو ارتكب المعاصي. ومن كفر مسلما فهو إثم. وأفتى بأن قراءة الإمام في الصلاة تغني عن قراءة المصلين خلفه، فتصح صلاتهم دون قراءتهم اكتفاء بقراءة الإمام وحده. ولقد أثار هذا الرأي بعض الناس، فذهبوا إلي الإمام ليحاوروه في رأيه فقال لهم "لا يمكنني مناظرة الجميع فولوا أعلمكم" فاختاروا واحدا منهم ليتكم عنهم. وسألهم أبو حنيفة إن كانوا يوافقون على أنه إذا ناظر من اختاروه يكون قد ناظرهم جميعا، فوافقوا، فقال لهم أبو حنيفة: "وهكذا نحن اخترنا الإمام فقراءته قراءتنا وهو ينوب عنا" فانصرفوا مقتنعين. ودعا إلي ضرورة العفو عن المخطئ إن لم تثبت عليه أدلة الإدانة ثبوتا قطعيا لا يشوبه الشك أو الظن، اعتمادا على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بدرء الحدود قدر المستطاع .. فالحدود تدرأ بالشبهات "فإن كان للمذنب مخرج أخلى سبيله. وأن يخطئ الإمام في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة".
وهو يطالب الناس بأن يسألوا في العلم بلا حرج، على أن يحسنوا السؤال. وكان يقول: "حسن السؤال نصف العلم". وهو في اجتهاده يعرف مكانته، إذ كان واثقا بنفسه، معتزا بكبريائه العلمي على الرغم من تواضعه الشديد. ولقد سئل: "إذا قلت قولا وظهر خبر لرسول الله يخالف قولك؟" قال: "أترك قولي بخبر رسول الله وكل ما صح عن رسول فهو على العين والرأس. فقال السائل: فإذا كان قول الصحابي يخالف قولك؟" قال: "أترك قولي بقول الصحابي فقال السائل "فإذا قول التابعي يخالف قولك؟ قال أبو حنيفة: "إذا كان التابعي رجلا فأنا رجل". ويروي عنه أنه ذهب إلي المدينة المنورة فجادل الإمام مالك بن أنس يوما في أمور اختلفا عليها وحضر المناظرة الإمام الليث بن سعد إمام مصر وهو الإمام الذي عاش في عصر الإمام جعفر الصادق وأبي حنيفة والإمام مالك وقال عنه أحد الفقهاء المتأخرين إنه حقا أفقه الناس ولكن المصريين أضعوه فلم يحفظوا فقه واستمرت المناظرة طويلا حتى عرق الإمام مالك. وعندما خرج أبو حنيفة قال مالك لصديقه الليث: إنه لفقيه يا مصري!
قام فقه الإمام أبي حنيفة على احترام حرية الإرادة ذلك أن أفدح ضرر يصيب الإنسان هو تقييد حريته أو مصادرتها .. وكل أحكامه وآرائه قائمة على أن هذه الحرية يجب صيانتها شرعا، وأن سوء استخدام الحرية أخف ضررا من تقييدها! فإساءة الفتاة البالغة في اختيار زوجها أخف ضررا من قهرها على زواج بمن لا تريده. وسوء استخدام السفيه لماله، يمكن علاجه بإبطال التصرفات الضارة به، أما الحجر على حريته فهو إهدار لإنسانيته، وهو ضرر لا يصلحه شيء!! وعلى أية حال فأذى الحجر أخطر من أذى ضياع المال ـ فالحجر إيذاء للنفس، وإهدار للإرادة، واعتداء على إنسانية الإنسان!! وأبو حنيفة لا يجيز الوقف إلا للمساجد .. لأن الوقف أو الحبس يقيد حرية المالك في التصرف .. بل إن الإمام إمعانا منه في الدفاع عن الحرية لا يجيز للقاضي أن يقيد حرية المالك، حتى إذا أساء التصرف على نحو يهدد الغير .. وهو يطالب أن يترك هذا كله للشعور بالتعاون الاجتماعي الذي يجب أن يسود أفراد الأمة .. فيحترم كل منهم حرية الآخرين، ويمارس حريته بما لا يمس مصالح الغير أو حريته هذا أمر يجب أن يترك للناس فيما بينهم ولا سبيل للحاكم أو القضاء إلي التدخل لتقييد حرية المرء في التصرف مهما يكن من شيء.
وكانت هذه الآراء كلها تناقض روح العصر الذي عاش فيه وهو عصر يقوم نظام الحكم فيه على تكفير الخصوم، وإهدار دمائهم، وتقييد الحريات، وإطلاق يد الحاكم، وتمكين ذوي السطوة من الضعفاء. من أجل ذلك اتهمه خصومه من الفقهاء أصحاب المناصب بالخروج عن الإسلام..! ثم إنه أفتى بتحريم الخروج لقتال المسلمين والفتك بهم. وبهذا صرف بعض قواد الجيش في عصره عن حرب العلويين وخصوم الحكام ومعارضي آرائهم.! ومن ذلك أن الحسن بن قحطبة أحد قواد المنصور دخل على أبي حنيفة يسأله: "أيتوب الله علي؟" وكان الحسن هذا قد قاد جيوشا للمنصور فقتل العلويين وخصوم العباسيين فقال له أبو حنيفة: "إذا علم الله تعالى أنك نادم على ما فعلت، فلو خيرت بين قتل مسلم وقتل نفسك لاخترت ذلك على قتله، وتجعله مع الله عهدا على ألا تعود لقتل المسلمين، فإن وفيت فهي توبتك"، فقال القائد إني فعلت ذلك وعاهدت الله على ألا أعود إلي قتل مسلم" ثم ثار العلويون فأمر المنصور القائد أن يفتك بهم، فجاء القائد إلي أبي حنيفة يسأله الرأي فقال له أبو حنيفة "فقد جاء أوان توبتك. إن وفيت بما عاهدت فأنت تائب وإلا أخذت بالأول والآخر".
فامتنع القائد عن تنفيذ أمر المنصور، وسلم نفسه إلي العقاب وهو القتل، إذ دخل على المنصور فقال أنه لن يقتل المسلمين بعد! فغضب الخليفة عليه وأمر بقتله، حتى استشفع له أخوه قائلا "إننا لننكر عقله منذ سنة، وأنه قد جن". وسأل الخليفة عمن يخالط القائد المتمرد فقيل: إنه يتردد على أبي حنيفة! وأسرها الخليفة لأبي حنيفة. على أن خصوم أبي حنيفة انتهزوا الفرصة فأغروا صدر الخليفة وأوحوا إليه أن يقضي على أبي حنيفة واتهموه بإثارة الفتنة، وتثبيط قواد الجيش، وتأليب العامة على ولي الأمر، وتكوين حلقة من الفقهاء كلهم يدعو إلي الثورة على الخليفة. وكان من هؤلاء الخصوم فقيه أفتى للناس بأن تلاميذ أبي حنيفة خارجون على ولي الأمر ومرتدون عن الإسلام. فأن يقال إن بالحي خمارا خير من أن يقال إن فيه أحدا من أصحاب أبي حنيفة.
وكان منهم فقه آخر عرف وهو في الحج أن أحد أصحاب أبي حنيفة سيصلي بالناس فلم يستطع كظم غيظه وصاح: "الآن يطيب لي الموت" ..! ورفض أبو حنيفة أن يقبل المناصب .. عرض عليه الأمويون منصب القاضي، فرفضه فسجنوه وعذبوه في السجن .. وظلوا يضربونه كل يوم بالسياط حتى ورم رأسه .. ومع ذلك فلم يقبل المنصب .. لأنه كان يرى أن تحمل المسئولية في عهد يعتبر هو حاكميه ظالمين مغتصبين، إنما هو مشاركة في الظلم وإقرار للاغتصاب .. وفي السجن تذكر أمه الحزينة فبكى .. وسأله جاره السجن عما يبكيه وهو الفقيه الجليل الصلب، فقال من خلال دموعه: "والله ما أوجعتني السياط، بل تذكرت أمي فآلمتني دموعها".
وساءت صحته في السجن. وبدأت الثورة تتجمع ضد الخليفة الأموي احتجاجا على ما يحدث لأبي حنيفة فأطلق سراحه. ولم يعد له مقام في الكوفة التي شهدت عذابه .. فترك مسقط رأسه، ومرح شبابه، بكل ما فيها من ذكريات عزيزة وآمال عذبة، وأقام بالحجاز حتى سقطت الدولة الأموية، فعاد إلي موطنه. ولكن العباسيين لم يتركوه .. فمنذ شعر بخيبة الأمل فيهم لبغيهم واضطهادهم للعلويين، واصطناعهم المرتزقة من الفقهاء، بدأ يجهر برأيه في استبدادهم وطغيانهم. ورفض كل هداياهم، كما رفض هدايا الأمويين من قبل. وعرضوا عليه منصب قاضي القضاة فأبى .. وتمسك بالتفرغ للعلم. قالوا له أنه قد حصل من العلم ما يجعله في غنى عنه فرد: "من ظن أنه يستغني عن العلم فليبك على نفسه".
بعد أن فرغ الخليفة من بناء بغداد، وأقام فيها معتزا بها، حرص على أن يجعل أكبر فقهاء العراق قاضي القضاة فيها. وكان أبو حنيفة قد أصبح اكبر الفقهاء بالعراق حتى سماه أتباعه ومريدون: الإمام الأعظم. ولكن الإمام صمم على الرفض. كان يعرف ما ينتظره .. فأين أبي ليلى لا يكف عن الكيد له، وهو لا يغفر لأبي حنيفة ما يوجهه من نقد لاذع لأحكامه. وقد ضم ابن أبي ليلى حاجب الخليفة وزيره الأول، وكان أبو حنيفة قد أحرجه وكشف أكاذيبه أمام الخليفة في محاورة حاول فيها الوزير الأول أن يوقع بالإمام ففضحه الإمام وأفسد حيلته. وقد أفتى أبو حنيفة بأن الوزير لا تصح شهادته لأنه يقول للخليفة أنا عبدك "فإن صدق فهو عبد ولا شهادة له. وإن كذب فلا شهادة لكاذب"!! وقد أخذ أحد تلاميذ أبي حنيفة بهذا النظر فيما بعد حين ولى القضاء فرد شهادة الوزير الأول لخليفة آخر، لأنه قبل الأرض بين يدي الخليفة قائلا له: أنا عبدك! اتسعت الفتوحات حتى أصبح البحر الأبيض المتوسط بحيرة إسلامية، وحتى ارتفعت الراية الإسلامية فوق شرق أوروبا وجنوبها والأندلس، وكل بلاد العالم التي عرفها إنسان ذلك العصر .. وعلى الرغم من ازدهار الحضارة، فقد شغل رجال الحاشية بالكيد لأبي حنيفة يظاهرهم بعض الفقهاء أصحاب المناصب وأهل الحظوة عند الخليفة. وأخذ الوزير الأول يكيد عند الخليفة لأبي حنيفة. وانتهز فرصة خروج أهل الموصل على الخليفة، وكانوا قد شرطوا على أنفسهم إن هم خرجوا على الخليفة أن تباح دماؤهم وأموالهم. وأرسل الخليفة إلي ابن شبرمة وابن أبي ليلى ليسألهما رأي الدين في أهل الموصل، وكان قد أعد جيشا للفتك بهم. واقترح الوزير الأول على الخليفة أن يدعو أبا حنيفة وكان يعرف أن تقواه وشجاعته وكل فضائله ستقوده إلي مخالفة رأي الخليفة. وحضر الفقهاء الثلاثة فسألهم عن حكم الشرع في أهل الموصل. وسكت أبو حنيفة وأفتى الآخران بأن أهل الموصل يستحقون الفتك بهم..!
وأفتى أبو حنيفة بأن الخليفة لا يحق له الفتك بأهل الموصل، لأنهم بإباحتهم أرواحهم وأموالهم إنما أباحوا ما لا يملكون. وسأل: "لو أن امرأة أباحت نفسها بغير عقد زواج أتحل لمن وهبته نفسها؟ فقال له الخليفة "لا" .. فطلب الإمام أبو حنيفة منه أن يكف عن أهل الموصل فدمهم حرام عليه، وأن يوجه الجيش إلي حماية الثغور، أو إلي فتح جديد لنشر الإسلام، بدلا من أن يضرب به المسلمين. وضاق به الخليفة وأمره أن ينصرف .. ومن حول الخليفة أعداء الإمام يستفزونه للبطش به في مقدمتهم ابن أبي ليلى قاضي القضاة وتابعه شبرمة. ومضى أبو حنيفة إلي داره يقول لصاحب: "إن ابن أبي ليلى ليستحل مني مالا أستحله من حيوان!" وفي الحق أن ابن أبي ليلى وشبرمة والعصابة المعادية لأبي حنيفة في قصر الخليفة زينت للخليفة أن يقهر أبا حنيفة على قبول ما يعرضه عليه من مناصب، فإذا أبى فقد امتنع عن أداء واجب شرعي فحق عليه العقاب، ووجب أن يشهر به في الأمة، لأنه يتخلى عن خدمتها.!
واقترحوا على الخليفة أن يبدأ فيمتحن ولاءه، فيرسل إليه هدية .. وكانوا يعرفون سلفا أن الإمام أبا حنيفة لن يقبل الهدية..! وأرسل له الخليفة مالا كثيرا وجارية .. فرد الهدية شاكرا .. ثم أرسل الخليفة إليه يلح عليه في ولاية القضاة أو في أن يكون مفتيا للدولة يرجع إليه القضاء فيما يصعب عليهم القضاء فيه .. بما أنه يكثر من لوم القضاة على أحكامهم، ويكشف للعامة جهل شيخهم ابن أبي ليلى وتابعه شبرمة! ورفض أبو حنيفة .. فاستدعاه الخليفة يسأله عن سبب رفضه فقال له: "والله أنا بمأمون الرضا فكيف أكون مأمون الغضب؟ ولو اتجه الحكم عليك ثم هددتني أن تغرقني في الفرات أو الحكم عليك لاخترت أن أغرق. ثم إن تلك "حاشية يحتاجون إلي من يكرمهم لك، فلا أصلح لذلك". وكانت الحاشية كلها تحيط بالخليفة، وعلى رأسها وزيره الأول والفقيهان ابن أبي ليلى وابن شبرمة، فأبدوا التذمر وبان عليهم استنكار ما يقوله الإمام أبو حنيفة، فقال الخليفة محنقا: "كذبت".
فقال أبو حنيفة في هدوء قد حكمت على نفسك. كيف يحل لك أن تولي قاضيا على أمانتك وهو كاذب؟! وبعد قليل سأله الخليفة عن سبب رفض هداياه .. فقال له أبو حنيفة أنها من بيت مال المسلمين ولا حق في بيت المال إلا للمقاتلين أو الفقراء أو العاملين في الدولة بأجر وهو ليس واحدا من هؤلاء! فأمر الخليفة بحبسه. وبضربه بالسياط حتى يقبل منصب قاضي قضاة بغداد. وهاهو ذا شيخ في السبعين أثقلته المعارك والدسائس والهموم، ومكابدة الفقه والعلم والتحرج .. هاهو ذا يضرب، ويظل يضرب بالسياط في قبو سجن مظلم، ورسل الخليفة يعرضون عليه هدايا الخليفة، ومنصب القضاء والإفتاء .. وهو يرفض .. فيعاد إلي السجن ليعذب من جديد .. ويكررون العرض، وهو يكرر الرفض داعياً الله: "اللهم أبعد عني شرهم بقدرتك".
وظل في سجنه يعرضون عليه الجاه والمنصب والمال فيأبى .. ويعذب من جديد! وتدهورت صحته، وأشرف على الهلاك. وخشي معذبوه أن يخرج فيروي للناس ما قاسى في السجن، فيثور الناس!. وقرروا أن يتخلصوا منه فدسوا له السم. وأخرجوه وهو يعاني سكرات الموت، وما عاد يستطيع أن يروي لأحد شيئا بعد!! وحين شعر بأنها النهاية أوصى بأن يدفن في أرض طيبة لم يغتصبها الخليفة أو أحد رجاله. وهكذا مات فارس الرأي الذي عرف في السنوات الأخيرة من حياته باسم الإمام الأعظم. وشيعه خمسون ألفا من أهل العراق واضطر الخليفة أن يصلي على الإمام الذي استقر إلي الأبد في ركن هادئ من الدنيا لم يشبه غصب، والخليفة يهمهم: "من يعذرني من أبي حنيفة حيا وميتا؟".
وهكذا مضى بطل الفكر الشجاع شهيدا لحرية الرأي في محنة من العذاب لم يعرفها أحد من الفقهاء من بعده حتى كانت محنة الإمام احمد بن حنبل إمام أهل السنة .. في عصر زري كذلك العصر: عصر تحكمه الدسائس والسموم وسياط الجلادين، على الرغم من روعة الفتوحات العسكرية، وانتصارات العقل الإنساني، ويبطش فيه المزيفون برهبان الحرية وفرسان الفكر .. وتظل المنارات الشامخة فيه مضيئة على الرغم من كل شيء، تقدم للإنسانية جيلا بعد جيل خالدا من شعاع المعرفة، والقوة، وجسارة الكلمة الصادقة الأبية الفاضلة
سيرة سيدة نساء العالمين
إذا افتخرت بنت بأبيها ، فيكفي سيدة نساء العالمين أنها بنت إمام المتقين صلى الله عليه وسلم .
وإذا افتخر مُفتخر بنسبه ، فإن سيدة نساء العالمين تفوق بذلك من افتخر .
وإذا تعاظم شخص في نفسه ، فحسب سيدة نساء العالمين هذا اللقب ( سيدة نساء العالمين ) .
هي :
فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال الإمام الذهبي : سيدة نساء العالمين في زمانها البضعة النبوية والجهة المصطفوية .
أم أبيها ، بنت سيد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشية الهاشمية ، وأم الحسنين .
كانت فاطمة أصغر بنات النبي صلى الله عليه وسلم وأحبهن إليه .
مولدها : قبل المبعث بقليل .
وتزوجها الإمام علي بن أبي طالب في ذي القعدة أو قُبيله من سنة اثنتين بعد وقعة بدر .
وقال ابن عبد البر : دخل بها بعد وقعة أُحد ، فولدت له الحسن والحسين ومحسنا وأم كلثوم وزينب ، وروت عن أبيها .
وروى عنها ابنها الحسين وعائشة وأم سلمة وأنس بن مالك وغيرهم ، وروايتها في الكتب الستة .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُحبها ويكرمها ويُسرّ إليها .
ومناقبها غزيرة ، وكانت صابرة ديّنة خيرة صيّنة قانعة شاكرة لله .
وقد غضب لها النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن أبا الحسن همّ بما رآه سائغا من خطبة بنت أبي جهل فقال : والله لا تجتمع بنت نبي الله وبنت عدو الله ، وإنما فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ، ويؤذيني ما آذاها . رواه البخاري ومسلم .
فترك عليٌّ الخطبة رعاية لها ، فما تزوّج عليها ولا تسرّى ، فلما توفيت تزوج وتسرّى رضي الله عنهما ، ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم حزنت عليه وبكته وقالت : يا أبتاه إلى جبريل ننعاه . يا أبتاه أجاب ربا دعاه . يا أبتاه جنة الفردوس مأواه .
وقالت بعد دفنه : يا أنس كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
وقد قال لها في مرضه : إني مقبوض في مرضي هذا . فبكت وأخبرها أنها أول أهله لحوقاً به ، وأنها سيدة نساء هذه الأمة ، فضحكت ، وكتمت ذلك فلما توفي صلى الله عليه وسلم سألتها عائشة فحدثتها بما أسرّ إليها .
وقالت عائشة رضي الله عنها : اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم فلم يُغادر منهن امرأة ، فجاءت فاطمة تمشي كان مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : مرحبا بابنتي . فأجلسها عن يمينه أو عن شماله ، ثم أنه أسرّ إليها حديثاً ، فبكت فاطمة ، ثم إنه سارّها ، فضحكت أيضا . فقلت لها : ما يبكيك ؟ فقالت : ما كنت لأفشي سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقلت : ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن . فقلت لها حين بَكَتْ : أخصّك رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديثه دوننا ثم تبكين ، وسألتها عما قال ، فقالت : ما كنت لأفشي سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا قُبض سألتها ، فقالت : إنه كان حدثني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل عام مرة ، وأنه عارضه به في العام مرتين ، ولا أراني إلا قد حضر أجلي ، وإنك أول أهلي لحوقاً بي ، ونعم السلف أنا لك ، فبكيت لذلك ، ثم إنه سارّني ، فقال : ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين ، أو سيدة نساء هذه الأمة ، فضحكت لذلك . رواه البخاري ومسلم .
وكان عليه الصلاة والسلام يقوم لها وتقوم له ، ويُقبّلها وتُقبّله رضي الله عنها .
صداقها :
أصدق عليّ رضي الله عنه فاطمة درعه الحُطمية .
فأي خير بعد ذلك في التفاخر بكثرة الصداق ؟
وأي خير في غلاء المهور ؟
وهل نساء الدنيا أجمع خير أم فاطمة ؟
خدمتها في بيت زوجها :
كانت فاطمة رضي الله عنها تعمل في بيت زوجها ، حتى أصابها من ذلك مشقّة .
قال عليّ رضي الله عنه : شَكَتْ فاطمة رضي الله عنها ما تلقى من أثر الرّحى ، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم سبي ، فانطلقت فلم تجده ، فوجدت عائشة فأخبرتها ، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته عائشة بمجيء فاطمة ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلينا وقد أخذنا مضاجعنا ، فذهبت لأقوم ، فقال : على مكانكما ، فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري ، وقال : ألا أدلكما على خير مما سألتماني ؟ إذا أخذتما مضاجعكما تكبران أربعا وثلاثين ، وتسبحان ثلاثا وثلاثين ، وتحمدان ثلاثا وثلاثين ، فهو خير لكما من خادم . رواه البخاري ومسلم .
فإذا كان هذا هو حال سيدة نساء العالمين ، فما في حياة الترف خير .
حياؤها رضي الله عنها :
قالت فاطمة رضي الله عنها لأسماء بنت عميس رضي الله عنها : إني أستقبح ما يصنع بالنساء ، يُطرح على المرأة الثوب فيصفها. قالت : يا ابنة رسول الله ألا أريك شيئا رأيته بالحبشة ؟ فَدَعَتْ بجرائد رطبة ، فَحَنَتْها ، ثم طرحت عليها ثوباً . فقالت فاطمة : ما أحسن هذا وأجمله ، إذا متّ فغسليني أنت وعلي ، ولا يدخلن أحد عليّ .
قال ابن عبد البر : هي أول من غُطي نعشها في الإسلام على تلك الصفة .
أولادها :
تقدّم ما لها من أبناء في ترجمة عليّ رضي الله عنه .
وكان لها من البنات :
أم كلثوم زوجة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وزينب زوجة عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما .
فيكيف يجتمع حب آل البيت وبغض أصهارهم ؟!
فعمر رضي الله عنه زوج أم كلثوم بنت عليّ رضي الله عنه وعنها .
وإذا ضاقت عليهم المذاهب أنكروا زواج عمر رضي الله عنه من أم كلثوم !
فاطمة رضي الله عنها وميراث أبيها :
قال الإمام الذهبي رحمه الله :
ولما توفي أبوها تعلقت آمالها بميراثه ، وجاءت تطلب ذلك من أبي بكر الصديق ، فحدّثها أنه سمع من النبي يقول : لا نورث ما تركناصدقة ، فَوَجَدَتْ عليه ، ثم تعللت . انتهى كلامه رحمه الله .
وحدّث الشعبي قال : لما مرضت فاطمة أتى أبو بكر فاستأذن ، فقال عليٌّ : يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك ، فقالت : أتحبّ أن آذن له ؟ قال : نعم . فأذِنَتْ له ، فدخل عليها يترضّاها ، وقال : والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله ورسوله ومرضاتكم أهل البيت . قال : ثم ترضّاها حتى رضيت . رواه البيهقي في الكبرى وفي الاعتقاد .
شُبهات وجوابها :
صح أن النبي صلى الله عليه وسلم جلل فاطمة وزوجها وابنيهما بكساء وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي ، اللهم فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا .
وهذه منقبة لهم ، ولا يُفهم منه انحصار آل البيت في هؤلاء كما تفهمه الرافضة .
وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم : فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني . رواه البخاري .
تقول الرافضة : إن أبا بكر أغضب فاطمة رضي الله عنها ، فهو داخل في هذا الحديث .
وليس الأمر كما زعموا ، فإن أبا بكر رضي الله عنه عمِل بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما سيأتي ، وعمِل بما اتفق عليه الخلفاء من بعده ووافقوه عليه بما في ذلك عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه .
فهل يُقال : إن علياً رضي الله عنه أغضب فاطمة بهذا ؟
وتقدّم سبب ورود الحديث في سيرة أبي الحسن رضي الله عنه وأرضاه .
روى الإمام البخاري في صحيحه أن فاطمة رضي الله عنها أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النبي صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم تطلب صدقة النبي صلى الله عليه وسلم التي بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر . فقال أبو بكر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا نورث . ما تركنا فهو صدقة . إنما يأكل آل محمد من هذا المال . يعني مال الله . ليس لهم أن يزيدوا على المأكل ، وإني والله لا أغير شيئا من صدقات النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت عليها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولأعملن فيها بما عمل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتشهد عليّ رضي الله عنه ، ثم قال : إنا قد عرفنا يا أبا بكر فضيلتك ، وذَكَرَ قرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقهم ، فتكلم أبو بكر فقال : والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي .
فأين هذا من زعم الظلم لبنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟؟؟؟
وروى الإمام مسلم في صحيحه أن عمر رضي الله عنه كان في مجلسه فاستأذن عليه عباس وعلي رضي الله عنهما ، فأذن لهما فقال عباس : يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا ، فقال القوم : أجل يا أمير المؤمنين ، فاقض بينهم وأرِحهم .
فقال عمر : اتئدا . أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا نورث ما تركنا صدقة ؟
قالوا : نعم .
ثم أقبل على العباس وعلي فقال : أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا نورث ما تركناه صدقة ؟
قالا : نعم .
فقال عمر : إن الله جل وعز كان خصّ رسوله صلى الله عليه وسلم بخاصة لم يخصص بها أحدا غيره . قال : ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول )
ثم إن الرافضة تزعم أن أبا بكر وعمر ظلما فاطمة ميراثها
وها هو العباس رضي الله عنه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم
وها هو علي رضي الله عنه زوج ابنته يُقرّان بقول النبي صلى الله عليه وسلم ويتذكّرانه يوم ذكّرهما به عُمر رضي الله عنه ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم :
((( لا نورث ما تركناه صدقة )))
ثم إن كان الظلم وقع كما زعموا
لـِـمَ لَـمْ يردّه علي رضي الله عنه يوم تولّى الخلافــة ؟؟؟
لِمَ لَمْ يَردّ الحق إلى ورثة فاطمة من زوج وأولاد ؟؟؟
أم أن علياً رضي الله عنه ظلم فاطمة بعد موتها ولم يفِ لها بحقّها الذي كان يُطالب به ؟
سبحانك هذا بهتان عظيم .
ولكن الرافضة قوم لا يعقلون .
ومع أن أبا بكر رضي الله عنه لم يظلم فاطمة رضي الله عنه ، إلا أنه ترضّاها عند موتها رضي الله عنها حتى رضيت ، كما تقدّم .
وإنما ذكرت هذا لأن الرافضة يُشنّعون به ، ويُدندنون حوله ، ويهرفون بما لا يعرفون !
وفاتها : توفيت رضي الله عنها بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر أو نحوها ، وعاشت أربعا أو خمسا وعشرين سنة وأكثر ما قيل إنها عاشت تسعا وعشرين سنة .
أمين العلم منقول
بارك الله فيك أخي على الموضوع الرائع
بارك الله فيك اخي هي وامثالها من يجب الاقتداء بهن وتقبل مروري
بارك الله فيك اخي امين وربي ينير طريقك
بارك الله فيك و جزاك الله الف خير يا رب
حقا هي سيدة نساء العالمين و من افاضل النساء
اللهم صلي و سلم على الحبيب محمد و على اله و صحبه و سلم
بارك الله في الجميع وأنار الله قلوبكم .
الامام حسن البصرى
لقد حاولت ان اجمع لكم هذه المعلومات عن حياة الامام حسن البصرى _ رحمه الله_ و ارجو ان اكون قد وفقت فى ذلك لان هدفى ان نتعرف على علمائنا الكبار
من أعلام الصالحين وإماماً من أئمتهم ورجلاً من رجالتهم، ما إن يذكر اسمه إلا ويذكر الزهد – وما إن يذكر الزهد إلا ويذكر اسمه. رجل هو الزهد، والزهد هو. غير أنه لم يدرك النبي وإنما كان على درجة من الفطنة والزكاة، والخشية والإنابة والعقل والورع، والزهد والتقوى ما جعله يشبه الصحابة الكرام بل قال عنه علي بن زيد لو أدرك أصحاب رسول الله وله مثل أسنانهم ما تقدّموه.
قال عنه أحد العلماء: كان جائعاً عالماً عالياً رفيعاً فقيها ثقة مأموناً عابداً ناسكاً كبير العلم فصيحاً جميلاً وسيماً. قال عنه أحد الصحابة: لو أنه أدرك أصحاب رسول الله لاحتاجوا إلى رأيه. كانت أمه خيرة مولاة لأم سلمة زوج النبي وكان مولده قبل نهاية خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بسنتين. وكانت أمه تخرج إلى السوق أحياناً فتدعه عند أم سلمة فيصيح جوعاً فتلقمه أم سلمة ثديها لتعلله به، إلى أن تجيء أمه – وإذا برحمة الله تنزل على الثدي فيدر لبناً فيرضع الطفل حتى يرتوي. فإذا هو يرتوي حكمة وفصاحة وتقى، فما إن شب صاحبنا إلا وينابيع الحكمة تنبع من لسانه وجمال الأسلوب ورصانة العبارة وفصاحة اللسان تتحدر من كلامه. إنه الحسن بن أبي الحسن يسار، الإمام شيخ الإسلام أبو سعيد البصري المشهور بالحسن البصري، يقال: مولى زيد بن ثابت، ويقال: مولى جميل بن قطبة. وأمه خيرة مولاة أم سلمة، نشأ إمامنا في المدينة النبوية وحفظ القرآن في خلافة عثمان. وكانت أمه وهو صغير تخرجه إلى الصحابة فيدعون له، وكان في جملة من دعا له عمر بن الخطاب. قال: اللهم فقهه في الدين، وحببه إلى الناس. فكان الحسن بعدها فقيهاً وأعطاه الله فهماً ثابتاً لكتابه وجعله محبوباً إلى الناس. فلازم أبا هريرة وأنس بن مالك وحفظ عنهم أحاديث النبي ، فكان كلما سمع حديثاً عن المصطفى ازداد إيماناً وخوفاً من الله. إلى أن أصبح من نساك التابعين ومن أئمتهم ومن وعاظهم ودعاتهم، وصار يرجع إليه في مشكلات المسائل وفيما اختلف فيه العلماء، فهذا أنس بن مالك ، سُئل عن مسألة فقال: سلوا مولانا الحسن، قالوا: يا أبا حمزة نسألك، تقول: سلوا الحسن؟ قال: سلوا مولانا الحسن. فإنه سمع وسمعنا فحفظ ونسينا. وقال أنس بن مالك أيضاً: إني لأغبط أهل البصرة بهذين الشيخين الحسن البصري ومحمد بن سيرين. وقال قتادة: وما جالست رجلاً فقيهاً إلا رأيت فضل الحسن عليه، وكان الحسن مهيباً يهابه العلماء قبل العامة، قال أيوب السختياني: كان الرجل يجالس الحسن ثلاث حجج (سنين) ما يسأله عن مسألة هيبة. وكان الحسن البصري إلى الطول أقرب، قوي الجسم، حسن المنظر، جميل الطلعة مهايباً. قال عاصم الأحول: قلت للشعبي: لك حاجة؟ قال: نعم، إذا أتيت البصرة فأقرئ الحسن مني السلام، قلت: ما أعرفه، قال: إذا دخلت البصرة فانظر إلى أجمل رجل تراه في عينيك وأهيبه في صدرك فأقرئه مني السلام، قال فما عدا أن دخل المسجد فرأى الحسن والناس حوله جلوس فأتاه وسلّم عليه. وكان الحسن صاحب خشوع وإخبات ووجل من الله، قال إبراهيم اليشكري: ما رأيت أحداً أطول حزناً من الحسن، وما رأيته قط إلا حسبته حديث عهد بمصيبة. وقال علقمة بن مرثد: انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين، فأما الحسن بن أبي الحسن البصري. فما رأينا أحداً من الناس كان أطول حزناً منه، وكان يقول أي الحسن: نضحك ولا ندري لعل الله قد اطلع على بعض أعمالنا. فقال: لا أقبل منكم شيئاً، ويحك يا ابن آدم، هل لك بمحاربة الله طاقة؟ إن من عصى الله فقد حاربه، والله لقد أدركت سبعين بدرياً، لو رأيتموهم قلتم مجانين، ولو رأوا خياركم لقالوا ما لهؤلاء من خلاق، ولو رأوا شراركم لقالوا: ما يؤمن هؤلاء بيوم الحساب. قال مطر الوراق: الحسن كأنه رجل كان في الآخرة ثم جاء يتكلم عنها، وعن أهوالها. فهو بخبر عما رأي وعاين. وقال حمزة الأعمى: وكنت أدخل على الحسن منزله وهو يبكي، وربما جئت إليه وهو يصلي فأسمع بكاءه ونحيبه فقلت له يوماً: إنك تكثر البكاء، فقال: يا بني، ماذا يصنع المؤمن إذا لم يبكِ؟ يا بني إن البكاء داع إلى الرحمة. فإن استطعت أن تكون عمرك باكيا فافعل، لعله تعالى أن يرحمك. ثم ناد الحسن: بلغنا أن الباكي من خشية الله لا تقطر دموعه قطرة حتى تعتق رقبته من النار. وقال حكيم بن جعفر قال لي من رأى الحسن: لو رأيت الحسن لقلت: قد بث عليه حزن الخلائق، من طول تلك الدمعة وكثرة ذلك النشيج. قال يزيد بن حوشب: ما رأيت أخوف من الحسن وعمر بن عبد العزيز، كأن النار لم تخلق إلا لهماً. وعن حفص بن عمر قال: بكى الحسن فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: أخاف أن يطرحني غداً في النار ولا يبالي. لله ما أطهر هذه القلوب، ولله ما أزكى هذه النفوس، بالله عليك قل لي: هل أرواحهم خلقت من نور أم أطلعوا على الجنة وما فيها من الحور أو عايشوا النار وما فيها من الدثور أم إنه الإيمان يكسى ويحمل فيكون كالنور نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء. سبحان الله لا إله إلا الله، ما الذي تغيّر هل لهم كتاب غير كتابنا أم أرواح غير أرواحنا أم لهم أرض غير أرضنا، لا والله لكنها القلوب تغيرت والنفوس أمنت والأجساد تنعمت، غيرتها الذنوب وقيدتها المعاصي حتى أصبحنا لا نرى هذه الصور الإيمانية ولا النفوس القرآنية وصرنا نذكرها كفقير يذكر غناه أو بئسٍ ينادي فرحة دمناه، أين إخبات الصالحين، أو خشوع المؤمنين أو دموع التائبين أو أنين الخائفين. أين أهل الإيمان، كمدتُ ألا أراهم إلا في كتاب أو تحت تراب. وكان الحسن البصري صاحب مواعظ وتذكير، ولكلامه أثر في النفوس وتحريك للقلوب. قال الأعمش: ما زال الحسن يعي الحكمة حتى نطق بها. وكان أبو جعفر الباقي إذا ذكره يقول: ذاك الذي يشبه كلامه كلام الأنبياء. ومن كلامه رحمه الله: روى الطبراني عنه أنه قال: إن قوماً ألهتهم أماني المغفرة، رجاء الرحمة حتى خرجوا من الدنيا وليست لهم أعمال صالحة. يقول أحدهم: إني لحسن الظن بالله وأرجو رحمة الله، وكذب، ولو أحسن الظن بالله لأحسن العمل لله، ولو رجا رحمة الله لطلبها بالأعمال الصالحة، يوشك من دخل المفازة (الصحراء) من غير زاد ولا ماء أن يهلك. عن حميد قال: بينما الحسن في المسجد تنفس تنفساً شديداً ثم بكى حتى أرعدت منكباً ثم قال: لو أن بالقلوب حياةً، لو أن بالقلوب صلاحاً لأبكتكم من ليلةٍ صبيحتها يوم القيامة، إن ليلة تمخض عن صبيحة يوم القيامة ما سمع الخلائق بيوم قط أكثر من عورة بادية ولا عين باكية من يوم القيامة. وجاء شاب إلى الحسن فقال: أعياني قيام الليل (أي حاولت قيام الليل فلم استطعه)، فقال: قيدتك خطاياك. وجاءه آخر فقال له: إني أعصي الله وأذنب، وأرى الله يعطيني ويفتح علي من الدنيا، ولا أجد أني محروم من شيء فقال له الحسن: هل تقوم الليل فقال: لا، فقال: كفاك أن حرمك الله مناجاته. وكان يقول: من علامات المسلم قوة دين، وجزم في العمل وإيمان في يقين، وحكم في علم، وحسن في رفق، وإعطاء في حق، وقصد في غنى، وتحمل في فاقة (جوع) وإحسان في قدرة، وطاعة معها نصيحة، وتورع في رغبة، وتعفف وصبر في شدة. لا ترديه رغبته ولا يبدره لسانه، ولا يسبقه بصره، ولا يقلبه فرجه، ولا يميل به هواه، ولا يفضحه لسانه، ولا يستخفه حرصه، ولا تقصر به نغيته. وقال له رجل: إن قوماً يجالسونك ليجدوا بذلك إلى الوقيعة فيك سبيلاً (أي يتصيدون الأخطاء). فقال: هون عليك يا هذا، فإني أطمعت نفسي في الجنان فطمعت، وأطعمتها في النجاة من النار، فطمعت، وأطمعتها في السلامة من الناس فلم أجد إلى ذلك سبيلاً، فإن الناس لم يرضوا عن خالقهم ورازقهم فكيف يرضون عن مخلوق مثلهم؟ وسُئل الحسن عن النفاق فقال: هو اختلاف السر والعلانية، والمدخل والمخرج، ما خافه إلا مؤمن (أي النفاق) ولا أمنة إلا منافق، صدق من قال: إن كلامه يشبه كلام الأنبياء. توفي الإمام الحسن البصري وعمره 88 سنة عام عشر ومائة في رجب منها. بينه وبين محمد سيرين مائة يوم. رحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جنانه وجمعنا وإياه في دار كرامته.
و هذه بعض اقواله _ رحمه الله_
قال الحسن : إذا نظر إليك الشيطان فرآك مداوماً في طاعة الله ، فبغاك وبغاك- أي طلبك مرة بعد مرة – فإذا رآك مداوماً ملـَّكَ ورفضك ، وإذا كنت مرة هكـذا ومرة هكذا طمع فيك .
وكان يقول : ما رأيت مثل النار نام هاربها ، ولا مثل الجنة نام طالبها .
وكان يقول : تفـقـَّـد الحلاوة في ثلاثة أشياء : في الصلاة والقرآن والذكر ، فإن وجدت ذلك فأمضي وأبشر ، وإلا فاعلم أن بابك مغلق فعالج فتحه .
وكان يقول : ابن آدم ! إنما أنت ضيف ، والضيف مرتحل ، ومستعار ، والعارية مؤدَّاة ومردودة ، فما عسى ضيف ومقام عارية . لله در أقوام نظروا بعين الحقيقة ، وقدموا إلى دار المستقر.
وكان يقول : ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل .
وكان يقول : إنما أنت أيها الإنسان عدد ، فإذا مضى لك يوم ، فقد مضى بعضك .
وكان يقول : رحم الله امرءاً نظر ففكر ، وفكر فاعتبر فأبصر ، وأبصر فصبر . لقد أبصر أقوام ثم لم يصبروا فذهب الجزع بقلوبهم ، فلم يدركوا ما طلبوا ، ولا رجعوا إلى ما فارقوا ، فخسروا الدنيا والآخرة ، وذلك هو الخسران المبين .
وكان يقول : إن من أفضل العمل الورع والتفكر .
يا ابن ادم عملك عملك فانما هو لحمك و دمك فانظر على اى شىء تلقى عملك ان لاهل التقوى علامات يعرفون بها صدق الحديث و الوفاء بالعهد و صلة الرحم و رحمة الضعفاء و قلة الفخر و الخيلاء و بذل المعروف و قلة المباهاة للناس و حسن الخلق و سعة الخلق مما يقرب لله عز و جل
يا ابن ادم دينك دينك فانه هو لحمك و دمك ان يسلم لك دينك يسلم لك لحمك و دمك و ان تكن الاخرى فنعوذ بالله فانها نار لا تطفأ و جرح لا يبرأ و عذاب لا ينفذ ابدا و نفس لا تموت
و قال لشاب يمر به و عليه بردة فدعاه و قال …ايه يا ابن ادم معجب بشبابك معجب بجمالك معجب بثيابك كأن القبر قد وارى بدنك و كأنك لاقيت عملك فداوى قلبك فان حاجة الله لعباده صلاح قلوبهم
و سمع رجل يشكو الى رجل كانما يشكو القدر فقال له انما تشكو من يرحمك الى من لا يرحمك اتشتكى الخالق الذى يرحمك الى المخلوق الذى لا يرحمك
و وصف السلف فقال من سبق ادركت من صدر هذه الامة قوم كانوا اذا اجنهم الليل فقيام على اطرافهم يفترشون وجوههم تجلرى دموعهم على خدودهم يناجون مولاهم فى فكاك رقابهم اذا عملوا الحسنة سرتهم و سألوا الله ان يقبلها منهم و اذا عملوا سيئة ساءتهم و سالوا الله ان يغفرها لهم
و كان يقول
رحم الله امرىء خلا بكتاب الله فعرض عليه نفسه اى عرض نفسه على القرآن فان وافقه حمد ربه و ساله الزيادة من فضله و ان خالفه اعتقب و اناب و رجع من قريب
رحم الله رجلا و عظ اخاه و اهله فقال يا اهلى صلاتكم صلاتكم …زكاتكم زكاتكم …جيرانكم جيرانكم…اخوانكم اخوانكم …مساكينكم مساكينكم …لعل الله يرحمكم فان التبارك و تعالى له اثنى على عبده من عباده و قال كان يامر اهله بالصلاة و الزكاة و كان عند ربه مرضيا يا ابن ادم كيف تكون مسلما و لم يسلم منك جارك و كيف تكون مؤمنا و لم يأمن منك الناس
انما المرض ضربة سوط من ملك كريم فاما ان يكون العليل بعد المرض فرسا جوادا او ان يكون حمارا عثورا عكورا …اى ان يتعظ العبد فيحمد الله ان شفه من المرض و يقترب من الله و يشكر او لا يتعلم فهو فى غفلة و كان لم يفهم الرسالة الالهية …و هذا حالنا مع الابتلاء ايضا
المؤمن فى الدنيا كالغريب لا ينافس فى خيرها و لا يجزع من ذلها للناس حال و له حال الناس منه فى راحة و نفسه منه فى شغل
و فى الانفاق فى سبيل الله من امن بالخلف جاز بالعطية اى ان آمنت ان كل ما تنفقه ستعوض عنه خيرا اى مخلوف عليك فترى الجائزة
ان من خوفك حتى تلقى الامن خير لك ممن امنك حتى تلقى الخوف فاذا جاءك واحد خوفك من يوم القيامة لا تتضايق منه انه افضل من واحد يعطيك الامل و الفسحة و يعطلك عن معرفة الله و طاعته فيضلك رغم انك تحب صحبته
و بلغه ان احد الصالحين لا ياكل الفالوذج و هى حلوى نفيسة كانت فى هذا الزمان فساله عن التفسير فقال له اخاف الا اؤدى شكره فقال له يا لكع و هل نؤدى شكر الماء البارد فلو قيدنا ما ناكل بتادية شكره ما اكلنا شيئا
و قيل له ان فلانا اغتابك فبعث اليه طبق حلوى و قال بلغنى انك اهديت الى حسناتك فكفاك
– بئس الرفيقان، الدينار والدرهم، لا ينفعانك حتى يفارقاك .
– ثلاثة ليست لهم حرمة في الغيبة: فاسق يعلن الفسق، والأمير الجائر، وصاحب البدعة المعلن البدعة.
– لا تجالسوا أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلوب.
-ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلوب، وصدقته الأعمال.
– من أخلاق المؤمن: قوة في دين، وحزم في لين، وحرص على العلم، وقناعة في فقر، وعطاء في حق، وبر في استقامة، وفقه في يقين، وكسب في حلال.
– ميت غد يُشيع ميت اليوم .
– حقيقة حسن الخلق بذل المعروف، وكف الأذى وطلاقة الوجه .
– ينبغي للوجه الحسن أن لا يشين وجهه بقبح فعله، وينبغي لقبيح الوجه أن لا يجمع بين قبيحين.
– أحبوا هونا وأبغضوا هونا فقد أفرط قوم في حب قوم فهلكوا.
– قال الحسن البصري لما رأى بهلوانا يلعب على الحبل هذا أحسن من أصحابنا فإنه يأكل الدنيا بالدنيا وأصحابنا يأكلون الدنيا بالدين.
– الطمع فساد الدين والورع صلاحه.
– المصافحــة تزيـــد في الود
– المؤمن في الدنيا كالأسير يسعى في رقبته، لا يأمن شيئا حتى يلقى الله.
– إن لأهل التقوى علامات يعرفون بها: صدق الحديث، وفاء بالعهد، صلة الرحم، رحمة الضعفاء، قلة المباهاة للناس، حسن الخلق، وسعة الخلق فيما يقرب إلى الله.
– ابن آدم إنما أنت أيام كلما ذهب يوم ذهب بعضك.
– ما أعز أحد الدرهم إلا أذله الله.
– إذا نظر إليك الشيطان فرآك مداوماً في طاعة الله، فبغاك وبغاك- أي طلبك مرة بعد مرة – فإذا رآك مداوماً ملـَّكَ ورفضك، وإذا كنت مرة هكذا ومرة هكذا طمع فيك.
-ما رأيت مثل النار نام هاربها، ولا مثل الجنة نام طالبها.
– تفـقـَّـد الحلاوة في ثلاثة أشياء: في الصلاة والقرآن والذكر، فإن وجدت ذلك فأمضي وأبشر، وإلا فاعلم أن بابك مغلق فعالج فتحه.
– ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل .
– إنما الدنيا حلم، والآخرة يقظة، والموت متوسط بينهما، ونحن أضغاث أحلام من حاسب نفسه ربح، ومن غفل عنها خسر. من نظر في العواقب نجا، ومن أطاع هواه ضل. فإذا زللت فارجع، وإذا ندمت فأقلع، وإذا جهلت فاسأل. وإذا غضبت فأمسك، واعلم أن أفضل الأعمال ما أكرهت النفوس عليه.
– من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياك فألقها في نحره .
– فضح الموت الدنيا فلم يترك لذي عقلٍ عقلاً .
– أكثروا من ذكر هذه النعم فإن ذكرها شكراً .
– أيها الناس! احذروا التسويف، فإني سمعت بعض الصالحين يقول: نحن لا نريد أن نموت حتى نتوب ، ثم لا نتوب حتى نموت .
– ما رأيت شيئاً من العبادة أشد من الصلاة في جوف الليل .
– إذا لم تقدر على قيام الليل ولا صيام النهار فاعلم أنك محروم قد كبلتك الخطايا.
– إن النفس أمارة بالسوء، فإن عصتْك في الطاعة فاعصها أنت في المعصية.
– يا ابن آدم نهارك ضيفك فأحسن إليه، فإنك إن أحسنت إليه ارتحل بحمدك، وإن أسأت إليه ارتحل بذمك.
– احذر ممن نقل إليك حديث غيرك، فإنه سينقل إلى غيرك حديثك.
– مثقال ذرة من الورع خير من ألف مثقال من الصوم والصلاة .
– العلم علمان: علم اللسان فذاك حجة الله على ابن آدم، وعلم في القلب فذاك العلم النافع.
شكرا ..بارك الله فيك
و فيك بارك نورتى صفحتى و صح رمضانك
الشيخ عبدالله الجهني
فضيلة الشيخ عبدالله الجهني
إمام المسجد الحرام ذلك الصوت الندي فقد أتاة الله مزمار
من مزمير آل داود .هو الشيخ : عبدالله عواد فهد معيوف عبدالله محمد
كديوان الهميمي الذبياني الجهني
الشيخ عبدالله أصغر الأبناء وإخوانه الذكور
ثلاثة (عايد ،لافي،محمد) وأختان
من مواليد المدينة المنوره 11/1/1396هـ (1975)
متزوج ولديه ولدان (محمد، عبدالعزيز) وإبنتان
حفظ القرآن صغيرا وذلك لحرص والديه واهتمامهم
والمتابعه الدائمة وقبل كل هذا التوفيق من الله
فقد كان يذهب للتحفيظ في مسجد الاشراف بالحرة
الغربية بالمدينة المنوره
درس الجامعة: بكلية القرآن الكريم بالجامعة الاسلامية
الشيخ عبدالله تخرج من الجامعه الاسلاميه دراسات قرانيه
واول ماتخرج اصبح معيد في كلية اعدادالمعلمين بالمدينه
وبعدها ذهب ليكمل الماجستير بمكه وهو الآن طالب دراسات عليا
بجامعة أم القرى و كان قد شارك وعمره 16 سنه
في مسابقة لحفظة كتاب الله بمكة
وحصل على المركز الأول مكرر و الشيخ عبدالله لم ينشأ لايتيم الاب
ولاالام كما تناقلته المنتديات وأمه وابوه على قيد الحياة
أطال الله في أعمارهم
ويعتبر الشيخ عبدالله الوحيد الذي اكرمه الله بإمامة أكبر المساجد
من ناحية مكانتها للمسلمين وهي
المسجد الحرام الشريف.
المسجد النبوي الشريف.
مسجد قباء.
مسجد القبلتين.
( والله يرزقنا ويرزقه بالصلاة بالمسجد الاقصى إن شاء الله)
ووهنالك معلومة صغيرة قبل الصلاة بالمسجد النبوي الشريف
عام 1419هـ كان هنالك توجية للشيخ عبدالله بالصلاة بأحد المساجد
الكبرى بواشنطن ولكن الله اكرمه بأمر من الملك عبدالله
(عندما كان ولي للعهد) بالصلاة بالمسجد النبوي الشريف.
اما الآن فهو إمام بالمسجد الحرام بمكة المكرم
يتمتع الشيخ عبدالله بالصوت الجميل والقراءة المتقنة والمجودة
مع امتلاكه جهورة الصوت, حاليا هو طالب دراسات عليا لمرحلة
الماجستير جامعة أم القرى في مكة المكرمة
دعاؤنا له بالتوفيق والسداد…
شكرا لك اخي على مجهوداتك الرائع وجعله في ميزان حسناتك