من ذكرياتي في ميدان التعليم في( ولاية الجلفة) بالجزائر.
الجزء الأوّل من الموضوع:
منذ اللحظة التي حطّت فيها الطائرة التي تقلّنا في رحلتنا إلى الجزائر الشقيقة،في مطار هواري بومدين في الجزائر العاصمة،ومشاعر الغبطة والسرور ممزوجة بمشاعر الفخر والاعتزاز تتملكني لأنني اليوم سوف أصافح بلد المليون شهيد،وسوف أشدّ بقوة على يد كلّ مناضل ومناضلة دفعوا من دمائهم ضريبة الحرّية،وضحوا بكلّ غال ورخيص ليرتفع علم الجزائر مرفرفاً خفاقاً فوق سارية مطار هواري بومدين،وفوق كلّ مبنى وبيت من بيوت المناضلين الجزائريين الأحرار.
لقد أثبت شعب الجزائر وخلال مراحل كفاحه،ومنذ أن تأجج فتيل أول شرارة للثورة،وحتى أعلن المستعمر الفرنسي جرّ أذيال الخيبة والاندحار والرحيل عن ثرى الجزائر الأبيّة،أثبت وللعالم الحرّ أجمع أنّ الحريّة تؤخذ ولاتعطى،وأنّ ما يستلبه العدوّ منّا بقوة السلاح،لايستردّ بغير قوة السلاح،وأنّ من يريد أن يفرض على عدوّه شروط التفاوض،هو القويّ والمسلّح، بعزيمة وتماسك شعبه وأمته التي تقف وراءه كالبنيان المرصوص،وهذا ماحدث في جزائر العروبة والكفاح،عندما وقفت الأمة العربيّة في مصر وسورية والعراق واليمن،وفي كلّ شبر من أرضها الممتّدة من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر،تشدّ أزر ثوار الجزائر،وتدعم كفاحهم بالمال والسلاح إلى أن بزغ فجر الحريّة والتحرير.
ولكنّ الجزائر بعد أن انتزعت حريتها واستقلالها،وبعد أن قدمّت على مذبح الحريّة مليون شهيد،كان لابدّ لثوار الجزائر أن يكملوا مسيرة التحرير بثورة ثقافية تشمل كلّ قرية ومدينة على امتداد الساحة الثقافية والتعليمية،بل في كلّ حيّ أو شارع فرض المحتلّ عليه ثقافته ولغته،وكأنك عندما كنت تمشي في الجزائر العاصمة بعيد الاستقلال،أو حتى بعد وصولنا إليها،تجد على الأرض غزواً استعمارياً من نوع آخر،ففي الفنادق والمقاهي لايخاطبك النادل إلا بالفرنسيّة،وإذا ماعلم أنك من الشرق،ترفّع عن خدمتك وتلبية طلباتك،وكنا نأخذ هذا بالحسبان ،ونعلم علم اليقين أنّ هزيمة العدوّ في معركته عسكرياً،أمام صمود وتضحيات شعب الجزائر لايعني تقهقره واندحاره ثقافياً،وخاصة وأنّه خلال فترة احتلاله استطاع أن يفرنس كلّ الأسماء والمحال والشوارع وحتى الفنادق والمطاعم أصبحت فرنسية التعامل
والتجاذب مع زبائنها،ومن لايتكلم الفرنسيّة لايحترم بنظر هؤلاء الجهلة،والذين هم من المخلفات العفنة للمحتل الفرنسي المندحر.
ومن هنا كان تخطيط الثورة والثوار إلى محاربة هذه الامتدادات الثقافية لبقايا العدوّ،وذلك عن طريق تعريب كلّ ماهو مفرنس على أرض الجزائر،وما أطلقه الثوار من حملات لتعريب كلّ مرفق من مرافق الجزائر،وبدؤوا بالتعريب من المدارس الابتدائية،وصولاً إلى المدارس الثانوية،ثم الجامعات،حقاً لقد خاض الإخوة الجزائريين بعد استقلاله ثورة ثقافية أشبه بثورة الصين الثقافية.
ومن هنا جاء إيفادنا إلى القطر الجزائري للمساهمة في حملة التعريب التي يشهدها
هذا القطر المناضل الشقيق.
ولم أكن أعلم إلى أيّة مرحلة قطعت ثورة التعريب في الجزائر، عندما وصلت إليها عام 1977 موفداً من قبل وزارة التربية في بلدي سوريا، لأعمل مدرساً للغة العربية في إحدى ثانوياتها،ولكن كلّ ماكنت أعرفه هو: ما أن نهض الشعب الجزائري من كبوة الاحتلال حتى أشعل الشمعة الأولى في مولد ثورة التعريب للقضاء على مخلفات العدوّ الثقافية.
ومضت ثورة التعريب قدماً إلى أن حصدت نتائج طيبة على الصعيد الوطني الجزائري،و تجلت على الصعيد القومي في دعما وإحياء اللغة العربيّة وتراثها الذي حرص الشعب الجزائري وخلال مراحل كفاحه الطويل الحفاظ على ذخائرها وعلومها، ونشرها في شتى الميادين،وبكلّ الوسائل المتاحة ،بدءاً من تعليم القرآن الكريم في الكتاتيب إلى أعلى المستويات في معاهد وجامعات الجزائر.
ستظلّ رابطةً تؤلّف بيننا = = فهي الرّجاء لناطقٍ بالضّاد
إن لم نكن كلّنا في أصلنا عرباً = = فنحن تحت لواها كلّنا عرب
ومساهمة منّي في الحفاظ على لغتنا العربيّة،عنوان هويتنا الحضارية والثقافية كتبت محاضرة بعنوانالعربيّة أمّ اللغات)ألقتها في المركز الثقافي العربي في سلمية،بدعوة من نقابة المعلمين،بمناسبة اليوم العالمي للغة الأم،أقتطف بعضاًمما جاء في أحد محاورها حول التعريب في القطر الجزائري الشقيق:قلت:
(ومن خلال تجربتي بالتّعليم فـي القطر الجزائري الشّقيق, أجــد أنّ التّعريب ساهم مساهمـة فعّالة بالحفاظعلى اللّغة العربيّة في هذا القطر, الّذي تعرّض لأكبر اعتداء في التاريخ على أرضه وشعبه وثقافته ولغتهمـن قبل العـدوان الفرنسي ومن قبل الشّعوبيّة.وأذكر حادثة شخصيّة وقعت معي وأنا اركب الحافلة متّجهاًمن ولايــة الجلفة إلى الجزائر العاصمة, فقد جرى حوار بيني وبين من يشاركني المقعد عن اللّغة العربيّةبعــد أن علم أنّني أعمـل مدرّساً لها بدار المعلّمين قـال : نــحن الجزائريّين لا يربطنا بالعروبة إلا الإسلامنافياً كونه عربيّ ويتكلّم العربيّة, وطبعاً كان هذا الرّجل بربرياًّ. فأجبته: هذا جيّد, مادمت تعترف بالإسلامديناً.فلا بدّ أنّك تقرأ القران الكريم كتاب الإسلام الذي نزل على نبينا محمد (ص) فهلا أجبتني بأيّة لغة نزلالقران الكريم ؟ وهنـا هزّ برأسه ولم يجب وكأنّه لم يقتنع وقطع الحديث.
وكــان أن صارت دعـوة التّعريب إعـلان ثورة, وشعار مـرحلة, وهتاف جهــاد, ونداء معركة, أصدرها الرئيس الرّاحل " هواري بو مدين " في نيسان عام 1968م. تذكر الدكتورة بنت الشّاطئ : ( لقد كان مـن جديد ما شاهـدت من معالم الجزائر العربيّة الحـرّة, مكتبة الجامعة في مبناها الشّامخ الأنيق, الّذي شيّد في تلك المرحــلة الّتي حــدّد فيها الرئيس بو مدين موعــداً أقصاه عـام 1970م. لاستكمال تعريب كافة دوائر ومؤسسات الدّولة, ونفض بقـايا الصّبغة الدّخيلة التي ترفضهــا الأمّـة. )
وممّا أثلج صدري ،وادخل السّرور إلى قلبي، ماكتبه د. عبد الكريم الأشترأستاذي في جامعة دمشق كتب في مجلّة المعرفةالعدد /531 / للعام السّابق، عن تجربة التّعليم في الجزائرقال: (لقد أمضيت في الجزائر أربع سنوات،في مطلع السّبعينات،عملت فيها في جامعة وهران،في الغرب الجزائري الذي تأثّر كثيرا بدعاوى الفرنسة فكنت أدخل بعض المؤسّسات الرّسمية فما أكاد أسمع إلاّ الحديث بالفرنسيّة .وكانت لنا جارةٌ لطيفةٌ لاتنقطع عنّا،فكانت إذا نادت ولدها ردّ عليها مجيباّّ: (وي) وكان لايتعدّى السّابعة فكنت أقول لنفسي :ماأفدح ما أصابنا من أذى هؤلاء الغزاة !ثلاثة أجيالٍ طويلةٍ رزحت الجزائر فيها تحت كلكلهم،وأورثت أولادها هذه الهويّة المهوّشة،حتّى بات يصعب عليها أحياناّ أن تفرّق بين لسانها ولسان الغزاة).ويتابع الأشتر الحديث غبت عن وهران عشر سنين ثمّ عدت إليها،فأطللت يوماً من نافذة الفندق وكنّا في جوار إحدى المدارس الابتدائيّة،فرأيت حشود الأولاد،في انصرافهم من المدرسة،ينشدون في الطّريق،بالعربية المدويّة،أناشيد الثّورة التي تعلموها وأحبّوها.فمن أين يتخطّى أولئك النّاس هذا المدّ البشري العظيم؟ ومن أين لهم أن يخترقوا هذه الأسوار).
والحـقّ أنّنـا نعيش اليوم نضالاً مستمراً مـن أجل المحـافظة على لغتنا التي هي خـزانة ثقافتنا. ومـا نضال إخواننــا في الجزائر, أو في كلّ الأمصار العربيّة, ضدّ العـــدوّ الذي عمد إلى طمس معالم لغتنــا وثقافتنا ونشر لغته وثقافته, إلا مــرحلة مـن مــراحل هـذا النّضال, الذي تقع مسؤوليّته على مفكّرينا وأدبائنا, كما يقول الدّكتـور شوقي ضيف في كتــابه ( في النقد الأدبي) : ( إنّنا نعيش اليوم في عصر صراع, ومــن واجب الأديب أن يصارع مـع أمّته, وأن يكون جزءاً حيوياً في هذا الصّراع بل جزءاً متداخلاً فيه, يستمدّ منه بـواعثه, وأفكاره ومبــادئه, ويرتبط ارتباطـاً قويـاً متّصلاً, لا أن يبقى انعزاليّاً, كـأنّه يعيش فــي برج عـاجيّ, لأنّ هـذا البرج يلتصق بأمّته, أراد ذلك أم لم يرد ).فحــذار…حــذار, مــن الدعوات الإقليميّة, والنّزعات الشعوبيّة و الطائفيّة, لأنّ لغتنــا لا تعظم إلا بعظمة قومهـا. وفي هذا المعنى يقول شاعر النّيل (حافظ إبراهيم):
أرى لرجال الغرب عزّا ومنعةً
== وكم عزّ أقوام بعز ّلغــــــــات
أتــوا أهلهم بالمعجزات تفننّــــا
==فيـا ليتكم تـــأتون بالكلمـــــات
فلا تكلوني للزّمــــان فــــــإنّني =
==أخاف عليكم أن تحين وفــاتي
وكان أدوات التعليم أيام نضال الجزائر ضد الاحتلال، كما ذكرت آنفاً،تعتمد فيما تعتمد على مشايخ الكتاتيب في تلقين أبناء الجزائر علوم القراءة والكتابة،وكان كلّ من يعرف القراءة والكتابة قد اشترك في العملية التعليمية لمحو أميّة الصغار والكبار،ولمّا استقلت الجزائر،وبوشر بثورة التعريب،اعتمدت وزارة التربية الجزائرية على الأخوة المدرسين المعارين والمتعاقدين الوافدين إليها من مصر وسورية وغيرهما من الدول العربيّة الشقيقة،بموجب اتفاقيات تعليمية وثقافيّة أبرمتها مع هذه الدول.
في إكمال خططها الوطنيّة،لتعريب كافة مرافق الدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية، وبدأ مدّ التعريب ينتشر… وينتشر حتى شمل الجزائر كلّها،وعلى مستوى رسمي نشط التعريب في المدارس والمعاهد والكليات، بدءاً من المرحلة الابتدائيّة وحتى الجامعة.ولرفع مستوى المعلمين الجزائريين الذين كانوا يقومون أعباء التعليم أيام الاحتلال البغيض،فإنّ وزارة التربية الجزائرية أقامت لهم دورات تعليمية لمدة عام،فمن نجح في هذه الدورة ثبّت معلماً وبقي على رأس عمله،ومن لم ينجح في هذه الدورة،ترك التعليم ،ليعمل في ميدان آخر.
وكان تعييني في أحد معاهد المعلمين المتوسطة في ولاية الجلفة،وهي ولاية تقف حدّاً فاصلاً بين الأطلس التلي والأطلس الصحراوي،ولكنّها مرتفعة وارتفاعها هضابي،باردة كثيراً في الشتاء، ومعتدلة في فصل الصيف،يقصدها سكان المناطق الصحراوية من الأغواط وغيرها للاصطياف بها في فصل الصيف، هرباً من شدّة قيظ وحرارة مناطقهم.
كان معهد المعلمين الذي عينت به في ولاية الجلفة جديد الإحداث ،ويبنى له بناء
مستقل ،لذلك أقيم في بناء غير ملائم يقع مكانه انب مديرية التربية في ذلك الوقت أي عام 1977
ولم يقتصر التعليم في المعهد على دورات المعلمين القدماء فقط،والذين أشرت إليهم آنفاً،وإنما شمل طلاباً حصلوا على شهادة التعليم المتوسط،وكانت خطة وزارة التربية تقضي بأن يدرس هؤلاء الطلاب في المعهد لمدة عامين،ثم يتخرجون
ويعينون كمعلمين في المدارس الابتدائية،ولا أعلم إن كان تعيينهم سيتم لصالح ولايتهم فقط،أم يعينون لصالح ولايات أخرى.
وكان يشاركني تدريس اللغة العربيّة في المعهد أستاذ آخر من مصر،ولم يكن هناك كتاب مطبوع،ولا إدارة مستقلة له ،تباشر شؤونه وتشرف عليه،
بل أذكر أنّ مديرية التربية التي كانت تشرف على المعهد،قد ألحقت شؤونه الإدارية والمحاسبية بالثانوية الوحيدة في ذلك الوقت في مدينة الجلفة،ومنذ بداية العام وزع علينا نحن المدرسين خطة عامة،بمواد منهاج اللغة العربيّة،وكان علينا أن نسير وفق هذه الخطة ،فنحضّر النصوص المناسبة،ونمليها نصاً،وشرحاً وتطبيقاً على الطلاب الذين لم يكن بحوزتهم أيّ كتاب مطبوع في مادة اللغة العربية ولا في غيرها من المواد.
وكان للوقت الطويل الذي تستغرقه الحصّة الدرسيّة؛ على مدى ستين دقيقة،وفي أكثر الأحيان ،يتمّ الجمع بين حصتين متتاليتين،أي مائة وعشرين دقيقة،كان لهذا
الوقت الطويل فائدته وجدواه،والذي يجب عليك أن تشغله، وتشغل به أكثر من خمس وثلاثين طالباً وطالبة،يحدقون بك،ويصغون إلى ما تقوله أو تشرحه لهم،أوما ما تمليه عليهم، دون أن تجعلهم يشعرون بالضجر أو الملل من درسك،لذلك كنت ألجأ إلى كتابة أكثر أبيات أو مقاطع النص الأدبي على السبورة؛مع شرح مفرادته الغامضة.وبعد نسخ الطلاب النص على دفاترهم،وقراءته النموذجيّة من قبلي،ثم قراءته قراءات متعددة من قبل الطلاب وبمشاركتهم أيضا أعمد إلى شرحه والتطبيق عليه بيتاً بيتاً،فلا ننتهي منه شرحاً وتطبيقاً إلا مع انتهاء الوقت المقرر،وهو ساعتان كاملتان،دون أن أترك فرصة لحديث غير نافع مع طلاب اغلبهم كان في مرحلة مراهقة فكريّة وشبابية.
ومما يجدر التنويه عنه،ولفت الانتباه إليه،هو ما كنت ألحظه من وجود كثيف لطلبة المعهد في حصتي اكثر من العدد المسجل في دفتر حضور الطلاب،وعندما كنت أسال الحارس المكلّف باستلام دفتر التفقد أو الحضور،عن سبب وجود مثل هذا العدد الكبير من الطلاب في حصتي،كان يقول لي:إنهم يحضرون معنا من الفصول الأخرى،لأنّ شيخ الفصول الأخرى لايعطيهم إلا أربعة أو خمسة أبيات،ثم يطلب منهم حفظها غيباً كقطعة استظهار.
وهكذا يمضي العام الدراسي بمذاكراته واختباراته دون حاجة لوجود مشرف أو موجه أو مراقب،فالمشرف والموجه والمراقب في الصف دائماً وأبداً هو ضمير المعلم وخلقه.
وأذكر عندما نجتمع مدرسي المعهد مع مدير الثانوية الذي كان مكلفاً كما قلت بالإشراف الإداري على المعهد،لتقييم مستوى تحصيل الطلاب،ومدى انضباطهم الذي لم نكن لأنا ولاغيري يجد مشكلة فيه،لأنّ ماكان عليه طلاب المعهد من وعي ومن رغبة في طلب العلم، كافيان لتحديد سلوكية الطلاب جميعاً وهذه نقطة إيجابية،أقدرها لمن أعددناهم ليكونوا معلمي جزائر الغد المشرق.
أما بالنسبة للمستوى التعليمي،أذكر أنّ السيّد المدير يستعرض معنا درجات كلّ طالب،وما أعطاه المدرسون لكلّ طالب من درجات في مختلف المواد،كان السيد المدير يقف عند بعض الدرجات العالية التي أعطاها زملائي لطلابهم ويعقب عليها
بالقول،لو نعلم أنّ عندنا طه حسين في اللغة العربيّة،أو فيثاغورث في العلوم،لما استعنا بكم وأحضرناكم من بلادكم لتعليم(الدراري بتاعنا)باللهجة الجزائرية الدارجة.
إنّ الدرجة التي تمنح لأي طالب،لاتعطي لتقييمه في الاختبار،وإنما تعطى لتقييم مستوى الطالب في المادة بشكل عام،ويكمل:هذا هو الأستاذ حيدر ،لم يعط لأي طالب أكثر من أربع عشرة درجة في اللغة العربيّة،هل يعني هذا أنهم لايستحقون أكثر من هذه الدرجة في اختبارهم؟؟إنّ هذه الدرجة المعطاة من قبله لطلابه هي لتحديد مستواهم العقلي والدراسي في مادة اللغة العربيّة.
وكان زملائي مدرسو المواد الأخرى،ينصتون بانتباه إلى ما يقول ولا يستطيعون أن يجيبوا على نقد المدير الذي أعتقد أنه كان محقاً فيه،لا لأنه كان يمدحني أمامهم،فأنا وإياه دائماً كنا على خلاف في كثير من الأمور التربوية التي لامجال لذكرها هنا،وإنما لأنني اكتشفت خطأنا في دول المشرق العربي،الذي كان وما زال تقييمنا لطلابنا، يعطى حتى في الجامعات على أساس الاختبار الذي قدمه الطالب،وليس على أساس المستوى العام للطالب ،والذي لحظه المدرس من خلال تصحيحه ورقة إجابته على الأسئلة المقررة.
وهنا لابدّ لي أن أقف وقفة تذكر وحنين إلى بعض الصحبة من المدرسين،الذين ما أن ينتهي الاجتماع بالمدير،كانوا يعقبونه على نقده وأقواله،بالقولنيالك يا أبا محمود )،انبسط بلهجتنا السورية وليس باللهجة العراقية،انبسط المدير رضيان عنّك،ونضحك..على معنى الكلمة باللهجة العراقية..).
لقد كان الأستاذ (زكي..) مدرس العلوم وهو من مدينة الموصل في العراق.والذي لاأعرف عنه شيئاً بعد أن غادرنا الجزائر،ولابعد الأحداث الجسام التي مرّت على عراقنا الحبيب،ولا أعرف إن كان حيّاً،وأتمنى ذلك لعلّ تحياتي التي أزجيها له ولزوجه التي كانت ترافقه في إعارته إلى الجزائر،وكانت تحضن أولادي الصغار(خلود عامان،ومحمود عام واحد)كانت تحضنهما وترعاهما وكأنهما ولديها،أما زوجها الأستاذ زكي مدرس مادة العلوم في المعهد،فكان يتصف بروح مرحة،وكن ترى الابتسامة لاتفارق ثغره،وهو يتجوّل بين الطلاب أثناء الاستراحة يتحدث معهم ويمازحهم وكأنهم زملاؤه لاطلابه،وهذا ما لم أستطع أن أقوم به خلال المدة التي قضيتها في التعليم، والتي استمرت لمدة أربعة عقود تقريباً،تنقلت فيها في محافظات قطرنا،وعلّمت فيها في الجزائر واليمن.مهنة نظيفة وشريفة أحببتها،وأفنيت فيها عمري،وجهدي العقلي والبدني..ولكن لم أحصد منها إلا على ذكريات…وهكذا المعلّم عزيزي القارئ لايحصد من جهوده المضنية،في سبيل نشر أهداف العملية التعليمية والتربوية،لايحصد إلا الذكريات على ما بذله وقدمّه من جهود وتضحيات.
سلمية في/22/11/2009
الكاتب:الأستاذ حيدر حيدر
للموضوع:تتمة ،أرجو متابعته مستقبلاً.
شكرا لأخينا الفاضل على هذه الشهادة و هذه الحقائق التي أدلى بها اعتمادا على واقع الشارع الجزائري …غير أن الفنادق في بلادنا تختلف درجاتها و طبيعة المشرفين عليها و لهذا الصراع القديم و الطويل أسباب و مقدمات و حقائق خفية قد يعرفها من درس طبيعة مجتمعنا
وتاريخه منذ الاستعمار ليدرك بعد ذلك أن الاستعمار الفرنسي خرج بجسده و لكنه بقي بروحه و تقاليده ليتحكم فينا بلغته التي غرسها في حقول مدارسنا و شتى مؤسساتنا وزادنا تعلقا بها انهزام أمتنا العربية المسلمة التي ضيعت لغتها في بعض البلدان أو ضيعت دينها في بلدان أخرى و أصبح الضعف و الانهزام ديدنها ببعض التفاوت من بلد إلى بلد آخر و كلنا في الهم غرب و شرق…………….
شكرا اخي الكريم هذه شهادة يعتز بها كل جزائري ويفتخربها
بارك الله فيك وجعلها في ميزان حسناتك
بارك الله فيك جزاك الله أحسن الجزاء
شكرااااااااااااااا هذه شهادة نعتز بها
شكرا على هذه الشهادة ..
بارك الله فيك جزاك الله أحسن الجزاء
سؤال في الاسلوبية
ماذا نقصد بالانحراب في مقياس الاسلوبية
من فضلكم
هل تقصدين الانحراف في مقياس الاسلوبية
هذا ما وجدته لك تستطيعين الاستفادة منه نقلت لك كل شيئ ولكن انت اقراي جيدا ثم اختاري فقط ما يناسبك لانه فيه معلومات تحتاجينها
قدم د. هاشم ميرغني هذا الموضوع الجدير بالنشر وهذا مضمونه
في مقاربة سابقة لرواية أحمد الملك عصافير اخر أيام الخريف – صحيفة الخرطوم فبراير 1998- أشرنا الي انّ هذه الرواية التي تسعي لغتها دون كلل لانتهاك العلاقات الدلالية النمطية المألوفة لتغرس جماليتها في أفق القراءة، والتي يحتل فيها السلوك المباغت للوحدات اللغوية النازحة عن نمطية السياق ملمحا أسلوبيا بارزا وقطبا استراتيجيا لشعريتها، هذه الرواية تقترح التعامل معها، علي صعيد القراءة والنقد، عبر أسلوبية الانحراف التي يمكن ان تقدم الكثير لاضاءة المشهد اللغوي لعالم أحمد الملك الروائي الخصب ببذور القراءة واحتمالات التأويل.
وتجازف هذه المقاربة بالاقتراب من هذا العالم مستهدية ببعض المفاهيم النظرية لاسلوبية الانحراف التي تعاني وبشكل حاد من شح تطبيقاتها، وندرة فعالياتها النقديةسيما في حقل الدراسات الأسلوبية العربية التي سيّجت نفسها في الغالب، خلف مفاهيم نظرية بحتة حرمتها النفاذ الي فعالية تطبيقية تتقدم صوب النص.
إنها إذن مقاربة تستضئ ببعض الاجراءات والمفاهيم الاسلوبية محاولة الوصول عبرها إلي البنى العميقة للنص التي لا يمكن استشرافها الا عبر هذا الابحار الشاق بيم اللغة، اللغة التي كفت في الخطاب الأدبي الحديث أن تشير بوصلة تجاه المسمي، بل سعت بشراسة لاحتضان العالم داخلها دون أن تكف لحظة عن تأمل ذاتها والاخر.
نتوسل بالتحليل اللغوي الأسلوبي إذن، للابحار صوب جذر النص، مضمره، مخفيه، والمسكوت عنه، صوب ما تفتحه الأنساق اللغوية لأحمد الملك من مهاو تنشق تحت قدمي القارئ حيث تبدأ حيرة الاستدلال: أي يبدا الفخ الذي يقتنص الجانب الاخر للمعرفة، الجانب اللامسكون (1). ولا تسوّر مثل هذه المقاربة، بداهة، أفق القراءة النقدية لأحمد الملك داخلها بقدر ما تدلل علي تعدد المداخل النقدية لحقل هذا النص الخصب بثمار التأويل،
يمكن للناقد ان يرصد جذور هذا الوعي للأسلوب باعتباره انحرافا
Deviation
او خروجا
distortion
عن المعيار بتجربة الدراسات البلاغية العربية، ويبدو ذلك جليا من تعبيرا مثل أصل الكلام، أصل المعني، مقتضي الحال، التي كانت محكا فارقا بين النحويين والبلاغيين فاذا كان النحوي يهتم بما يفيد أصل المعني، فإن البلاغي يبدأ منطقة حركته فيما يلي هذه الافادة من عناصر جمالية (2). يبدا من الخروج عن هذا الاصل المعيار النموذج ليحقق بلاغته وشعريته، أي ادبيته أساسا.
ويميّز د. محمد عبد المنطلب في هذا النص الذي اقتبسناه بين مستويين للغة:
المستوي المثالي: الذي اقامه النحويون واللغويون والذي يقترب من أصل المعني حيث تتجلي اللغة باعتبارها نموذجا او اصلا ينحو نحو المعيارية والصحّة.
المستوي البلاغي : الذي يقوم علي انتهاك هذه المثالية، والعدول عنها في الاداء الفني، أي الاستخدام الفردي الخلّاق للغة، زحزحتها من معياريتهاقليلا لتقترب من صبوات القلب، وخبيئات الذات، توسيع امادها حدّ الانفجار.
هذان المستويان هما اللذان سيعاد تأسيسهما فيما بعد علي يدي دي سوسير وهما مستويا اللغة والكلام بحيث سيغدوان ركيزة أساسية في علم اللغة.
وقد كان رصد البلاغيين الاول للالتفات وتعريفهم له بأنه العدول من أسلوب في الكلام الي اسلوب اخر مخالف للاول (3) محاولة باكرة لتتبع الانحرافات اللغووية وتحليلها.
أخذ مصطلح الانحراف يكتسب ثقله المفاهيمي الخاص منذ أن أطلق بول فاليري صيحته النافذة : عندما ينحرف الكلام انحرافا معينا عن التعبير المباشر – اي عن اقل طرق التعبير حساسية- وعندما يؤدي بنا هذا الانحراف الي الانتباه بشكل ما الي دنيا من العلاقات متميزة عن الواقع العملي الخالص فإننا نري إمكانية توسيع هذه الرقعة الفذة، ونشعر بأننا وضعنا يدنا علي معدن كريم نابض بالحياة قد يكون قادرا علي التطور والنمو (4).
هذه الصيحة التي ما لبث أن تلقفها الاسلوبيون لتأسيسها نظريا، للدرجة التي عرف فيها علم الاسلوب بأنه علم الانحراف، وعرّف الاسلوب بانه شكل منحرف عن المعيار وانتهاك نظام اللغة (5). وفي اجابتهم علي السؤال الهام: ما الانحرافات التي يمكن رصدها وتحليلها في النص الادبي؟ أي ما الذي يجعلنا نصم اسلوبا ما بالانحراف والانزياح عن نظام اللغة، رصد الأسلوبيون العديد من الانحرافات الهامة ربما كان أهمها :
الانحرافات الجدولية:
وتتمثل في اختيار المؤلف لوحدة قاموسية غير متوقعة بدلا عن الاخري التي كان ينبغي او يتوقع استخدامها.
وبالرغم أننا الان لسنا بصدد تحليل الانحرافات الاسلوبية بعصافير اخر ايام الخريف الأ ان بعض انزياحاتها منذ الصفحة الاولي للرواية تملك قوة حضور ساطعة لذاكرة هذه القراءة :
تجلس علي حصير السعف في شمس امشير ترقب جنون الحياة من حولها.
كعادتها منذ ان احترفت مكافحة الحزن.
ففي المثال الاول تنبثق عبارة جنون الحياة فجاة من ركام العادي والنمطي، تجلس علي حصير السعف، فالمتوقع هنا كان :
تجلس علي حصير السعف ترقب الشمس، الشارع، أو حتي الحياة، ولكن ما حدث هنا هو مباغتتنا بجنون الحياة التي تبدو وكأنها ارتجال مخيلة عابثة، تثير ما اسماه ليوشيبتسر بذلك الشعور بالارنياح علي اثر انهيار مؤقت لطمأنينتنا.
في المثال الثاني تأتي كلمة الحزن بعد التقديم لها بهذه الجملة المغرقة في قالبيتها ورصانتها: كعادتها منذ ان احترفت مكافحة ، لتنقلنا فجأة من طمأنينة عالم مرتب واقعي الي عالم لا واقعي، من اسنتاتيكية النمط الي نقيضه، حيث تنبثق كنار مفاجئة اندلاعات المجاز بخشب المألوف. هذه الانحرافات وغيرها كثير كما سنري، يمكن لنا ادراجها تحت الانحرافات الجدولية.
الانحرافات التركيبية:
وتتمثل في وقوع الكلمة او الوحدة الصوتية في موقع يخالف المكان الصحيح حسب المعيار او النظام اللغوي في اللغة المعنية، وهي انحرافات نحوية وذلك نحو بدء الجملة بظرف او حرف عطف بدلامن المبتدا او الفعل لتأثير بلاغي معين، ويندرج ذلك في باب التقديم والتأخير الذي استفاض فيه البلاغيون الاوائل ( سيما عبد القادر الجرجاني) وبحثوا دلالاته البلاغية علي نحو مدهش لن يسعنا المجال هنا لمقاربتها. تحدث الانحرافات التركيبية خلخلة للبني الثابتة لترتيب اجزاء الجملة، أي خلخلة العلاقة بين المسند والمسند اليه، ومتعلقاتهما في مستواها النحوي النمطي، واعادة بنائها وفق رؤية مغايرة تسمح لنا برؤيتها من زاوية جديدة لها استيعاباتها الجمالية والدلالية علي مستوي التلقي.
علي مستوي اولي يمكن ان ندرج في محيط هذه الانحرافات التركيبية النحوية: تقديم الخبر علي المبتدأ، او الحال علي صاحبه، او الابتداء بالنكرة، او حذف ما لايحذف كهمزة الاستفهام، والموصوف مع ابقاء الصفة، وحرف الجر والابقاء علي عمله. او اضافة( ال) الي العلم والفعل.. الخ الخن وربما كان من المؤسف أن نشير هنا الي أن البلاغيين والنقاد الاوائل قد قصروا جواز مثل هذه الانحرافات علي الشعر دون النثر، مما كان له اكبر الاثر في الحد من تنوعات الجملة النثرية العربية.
علي مستوي اكثر تعقيدا يمكن لنا ان ندرج في مثل هذه الانحرافات: ابتداء النص بحرف الاستئناف الواو بحيث يبدو النص استئنافا لنص اخر مخفي، مفسحا المجال أمام المتلقي لتوسيع اماد النص صوب اللامكتوب والمسكوت عنه، واستقباله ضمن شبكة أوسع من العلاقات الدلالية.
فيستهل النص ب:
ونازل
من نهار سري
مغبّر ثرثرة مهمل، حليق الكف
عاطف خيري: تلوين.
او ابتداءه ب ( اذن) التي لا تأتي في التركيب النحوي النمطي الا جوابا وجزاء لما سبق معرفته:
إذن،
كيف تمضي الظهيرة
دون أن يجلس رجل ما
في مكان ما
متفقدا أسماك غربته
وما تبقي من سيئات بالجلوس؟
عاطف خيري : جلوس.
أو هجرة ما هو عامي (رغم التحفظ علي المصطلح) لجسد نص فصيح:
طيّب
من علّم الطمي الكتابة
بالدم النوري
الصادق الرضي : مسودة الاغاني.
الانحرافات الدلالية:
وهي الانحرافات التي تحدث علي مستوي المجاز، أي علي مستوي الدلالة أو البنية العميقة للنص، وواضح هنا تداخلها مع الانحرافات الجدولية وان تنحي قليلا فيها الانحراف المباغت علي مستوي السياق، لتبحث علي مستوي تحليل الاستعارة، الكتابة ، التشبيه .. الخ الخ.
الانحرافات الخطية:
أي تلك التي تحدث علي مستوي خط الكتابة، وعلي نحو أكثر تعقيدا علي مستوي العلاقة بين بياض الورقة وسوادها أو ما يعرف بجغرافيا النص، بما هو رؤية بصرية دلالية ( الامثلة الاكثر حضورا ودلالة هنا قصيدة رمية نرد لملارميه واسماعيل لادونيس.
ويثير برنرد شبلنر وغيره من الاسلوبيين عددا من الاسئلة الهامة هنا: علي أي مستوي لغوي ينبغي أن تكون الانحرافات ممكنة؟ كيف يمكن للمتلقي اكتشاف هذه الانحرافات؟ تحليلها؟ كيف يتحدد مستوي المعيار الذي ينحرف عنه النص؟ أي : عن أي شئ بدقة ينحرف النص؟(6)
وفي اجابته علي هذه الاسئلة يستعرض شبلنر عددا من المحاولات التي اقتربت من تحديد المعيار وتقعيده:
اعتبار المعيار هو النظام اللغوي للغة المعينة، ويدرك الاسلوب في هذه الحالة باعتباره انتهاكا لنظام هذه اللغة.
ويتماهي هذا التصور مع حقيقة أن ظواهر الكلام – بوصفها تحقيقات فردية شخصية – تنحرف بدرجة مؤكدة عن الوصف العام لنظزام اللغة، ويستقي جذوره من تفريق دي سوسير الهام بين اللغة والكلام. ويثير شبلنر في وجه هذا التعريف تساؤلا هاما وهو مدي إمكانية اعتبار كل الظواهر اللغوية المخالفة للنظام هامة اسلوبيا.
كما يمكن ان يثار في وجه هذا التحديد للمعيار أنه يعتبر كل انتهاك للنظام اللغوي انحرافا بالضرورة، وبذلك تتسع دائرة الانحراف لاماد لا حصر لها لتضم في جوفها كل المقول والمكتوب.
تحديد المعيار باعتباره امكانية محايدة في التعبير او الاراء، وهو التحديد الذي قدمه جبوير، ويمكن تصنيف التغييرات اللغوية الي عناصر محايدة واخري اسلوبية اضافية ويقترب هذا التعريف من تصور بعض الاسلوبيين للاسلوب باعتباره تعميقا بلاغيا واضافة جمالية.
المعيار باعتباره المتوسط الاحصائي لكل الوسائل اللغوية لمجموع النصوص الموجودة والاسلوب حينئذ انحراف بعض الوسائل اللغوية في النص مجال البحث عن المتوسط.
والاعتراض الاساسي الذي يثيره شبلنر في وجه هذا التعريف للمعيار هو صعوبة تحقيقه، وكذلك صعوبة تسخير جميع النصوص الممكنة لاسباب نظرية: لأنها غير محددة ولاسباب عملية: لأنها ضخمة (7).
كما تنبه لأن الانحرافات الاحصائية غالبا ما تكون خادعة، أي خاوية من أية دلالات معنوية، وانها غالبا ما تأتي ذات علاقة وثيقة بسياق النص أي لا تمثل انحرافا عن المعيار.
وقد وصم اولمان الطرق الاحصائية بافتقارها للحساسية الكافية لالتقاط الخبايا الدقيقة للنص، وعدم احتفالها بالسياق، وتقديمها الكم علي الكيف، وحشدها لعناصر متباينة علي صعيد واحد بناء علي تشابه سطحي بينهما (8).
المعيار باعتباره النظام النحوي للغة:
وهو تصور النحويين التحويليين التوليديين للمعيار، يقول انكفست: سنستعمل مصطلح انحراف لنقصد به الخلاف بين النص والمعيار النحوي العام للغة، ولهذا فالانحراف يعني عدم النحوية وعدم القبول (9). واشكالية هذا التصور تكمن في حصره للانحرافات في اطار الانحراف النحوي، واهماله للانحرافات الاخري (الدلاليةن الجدولية.. الخ) مما يحصر الانحراف في دائرة ضيقة يقاس نصف قطرها بالنحو وقواعده.
جوبهت هذه التصورات وغيرها للمعيار باعتراضات منهجية شرسة – كما رأينا – ينبثق اغلبها من نواة مركزية واحدة : صعوبة تحديد المعيار أو اختزاله. لذلك كان لابد من مجئ ميشيل ريفاتير ليستبدل مصطلح المعيار الغامض، غير المحدود، الخاضع في رأيه لعرف غامض، او لحس لغوي متغير، بمصطلح السياق .
Context.
لقد اتجه ريفاتير توا الي قلب النص، ناقلا محور الاهتمام لداخل النص بدلا عن خارجه، ليفحص المقابلة بين وحدات النص المتتابعة أفقيا، هذه المقابلة التي تنبع قيمتها الاسلوبية من نظام العلاقات التي تقيمه بين العنصرين المتصادمين، التي ما كانت لتحدث اي تأثير بدون وصلهما في متتابعة(10).
ويعرّف ريفاتير السياق الاسلوبي بأنه نسق لغوي يقطعه عنصر غير متوقع (11)، أي مضاد للسياق، وغير متنبأ به.
ولاضاءة مفهومه للانحراف عن السياق يضيف ريفاتير مصطلحين هامين وهما: الارتداد والتناصي، ويعني بالاول تلك الوقائع الاسلوبية التي سبق للقارئ اكتشاف قيمها ثم لا تلبث أن تعدّل معانيها بآخرة بناء علي ما يكتشفه القارئ وهو ماض في قراءته، كما يعني بالتناصى ذلك الاثر الذي ينشأ عن تراكم عدد من المسالك الاسلوبية لتحدث قوة تعبيرية لافتة، والتي يعدها مثالا للوعي البالغ باستعمال اللغة (12).
جوبهت اسلوبية الانحراف كغيرها من المفاهيم والتصورات الاسلوبية، باعتراضات حادة (13) يمكن لنا هنا دراستها ومناقشتها ولكننا نفضل ان نثير تساؤلا اساسيا هنا: كيف يمكن ان تساعدنا اسلوبية الانحراف والبحث الاسلوبي بعامة في التقدم صوب النص وفض علاقاته المعقدة، أي كيف يمكن القفز من قيد التحليل الاسلوبي اللغوي لرحابة الشبكات الداخلية الخفية التي ينسجها النص؟ أن النص بما هو حدس متراكب تضافرت مختلف العوامل المحسوسة وغير المحسوسة في انتاجه يتأبي دائما علي الاختزال في ذلك الحيّز الضيق المسمي بالتحليل الاسلوبي، ثمة ما يطفر دائما من قبضة هذا التحليل: رؤيا النص، حدوسه، اندلاعات جنونه، مضمره، والمسكوت عنه.
وربما كان الاسلوبي ليوشيبتسر من اهم من انتبهوا الي الاشكاليات التي تعاني منها الاسلوبية في هذا المجال، لذا كانت مطالبته الهامة للاسلوبيين بالتقدم من السطح الي مركز الحياة الباطنية للنص: بأن يبدأ بملاحظة التفاصيل عن المظهر السطحي للعمل.. ثم تجمع هذه التفاصيل محاولا ان تتكامل في مبدأ ابداعي لعله كان موجودا في نفسية الفنان (14).
وهي المطالبة الهامة رغم انكفائها اساسا، علي التحليل النفسي المنطلق من وقائع لغوية في النص ، التي تصطدم باقتراحات ريفاتير الصارمة بضرورة تخلي القارئ عن جميع استجاباته الثانوية تجاه المثيرات الاسلوبية، لينطلق من الوقائع اللغوية الصلبة للنص، اذ يقترح ريفاتير ما يسميه بالقارئ العمدة
Archilecteur
لضبط عملية الاستقبال والحد من عملية التأويل تخوفا من تغول الذات القارئة علي خصوصية النص، واسقاط ثقافتها وفلسفتها عليه.
ورغم ما يمكن ان تقدمه رؤية ريفاتير هذه في ضبط عملية التلقي لصالح العلمية والمنهجية الا انها كفيلة بتسييج التحليل الاسلوبي خلف الرصد الكمي دون أن تقوي كلية علي اكتشاف خبايا النص.
هذه المقاربة للمفهوم النظري لاسلوبية الانحراف ربما ساهمت في اضاءة مشهد هذا المفهوم بذهن القارئ، مما يسمح لنا أن نتقدم أبعد صوب بقاع عصافير اخر ايام الخريف.
هوامش:
مذاهب المعني : سليم بركات. مجلة الكرمل العدد 44 1992 -1
البلاغة والاسلوبية: د محمد عبد المطلب. الهيئة المصرية العامة للكتاب 1984-2
ومن ذلك قوله تعالي ( حتي اذا كنتم في الفلك وجرين بهم) يونس 22، حيث عدل عن مخاطبة الجمع كنتم الي الاخبار (جرين بهم) ، وانماط الالتفات التي رصدها البلاغيون عديدة جدا.
الرؤيا الابداعية تحرير هاسكل بلوك، هيرمان سالنجر وترجمة اسعد حليم. مكتبة نهضة مصر بالفجالة 1966.-4
علم اللغات والدراسات الادبية. شبلنرن ترجمة وتعليق د محمود جاد الرب الدار الفنية 1987.-5
المصدر السابق ص 68-6
السابق ص 70-7
انظر مقال استيفن اوطان الهام اتجاهات جديدة في علم الاسلوب في كتاب اتجاهات البحث الاسلوبي ، شكري عياد، – دار العلوم للطباعة الرياض 1985.
علم اللغة والدراسات الادبية ص 79-9
اتجاهات البحث الاسلوبي ص 148-10
المصدر السابف.-11
السابق ص 150 وما بعدها.-12
انظر علم اللغة والدراسات الادبية ص 72- 74-13
اتجاهات البحث الاسلوب
مركزية البنية وامبريالية التأويل
مقال منشور بمجلة كتابات معاصرة:عدد:70/2008
الملف مرفق
رحلة كتاب
سنسافر اليوم مع كتاب افراح الروح للكاتب المبدع سيد قطب
| الامتحان الثاني في مقياس المدارس اللسانية للسنة الثالثة أدب عربي
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
إليكم و حصرياً طلبة المستوى الثالث قسم اللغة العربية نموذج امتحان السداسي الثاني في مقياس المدارس اللسانية ليوم الأحد 12 جوان2011 جامعة حسيبة بن بوعلي – كلية الآداب و اللغات – الشلف التحميل من الملفات المرفقة
|
رد: الامتحان الثاني في مقياس المدارس اللسانية للسنة الثالثة أدب عربي
هذا المقياس الدي كنت لا أحبه
| دراسات في الشعرية الجزائرية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إليكم في هذا الموضوع دراسات في الشعرية الجزائرية التحميل من الملفات المرفقة منقول للفائدة
|