التصنيفات
الفلسفة للشعب الأدبية

اساس القيمة الخلقية

اساس القيمة الخلقية


الونشريس

اساس القيمة الخلقية

إن أفعال الإنسان الإرادية يمكن الحكم عليها بأنها أخلاقية أو غير أخلاقية وفق قيم و مبادئنعتبرها ثابتة لا تتغير بتغير الزمان و المكان و الظروف، فالصدق و الوفــاء و الأمانــة و الإخلاص قيم عرفت في كل المجتمعات. و كانت هذه القيم غايات يسعى كل إنسان إلى تجسيدها في سلوكه و من هذا التصور هناك من أعتبر القيم الأخلاقية مبادئ ثابتة، غير أن هذه الأطروحة لا تتفق و مجال ما يعرف بالأخلاق العملية أين تتغير الأخلاق بتغير الظروف و المصالح و المنافع. و من هنا التساؤل ما هو المعيار الذي يغدو الفعل بموجبه أخلاقيا؟ هل القيمة الخلقية لفعل ما تكمن في النتائج أم في المبدأ الذي يصدر عنه؟
-مذهب اللذة و المنفعة: القيمة الخلقية لفعل ما تكمن في النتائج التي تترتب عنه. يعد هذا المذهب من أقدم المذاهب الفلسفيةإذ تعود جذوره الأولى إلى الفكر اليوناني إذ يذهب "أرستيب" إلى تأكيد أن اللذة هيمقياس الفعل، بل هي الخير الأعظم، هذا ما يلائم الطبيعة البشرية التي تنجذب بصورةتلقائية وعفوية إزاء ما يحقق لها متعة الحياة وتنفر في المقابل من كل ما يهدد أويقلل من هذه المتعة هذا هو صوت الطبيعة ، فلا خجل ولا حياء ، أن اللذة المقصودةعنده هي لذة الجسد وأقواها إطلاقا لذة البطن ويلزم على ذلك أن كل القوى تتجه نحوتأكيد وتمجيد هذا المقياس .لكن أتباع هذا المذهب عدلوا من هذا الطرح لأنه يتضمنصراحة الإساءة إلى حياة إنسانية يفترض فيها التميّز عن حياة حيوانية هذاما يؤكدهابيقور والابيقوريون. الذين ميزوا بين لذات يعقبها ألم وأخرى نقية لا يعقبها ألمالأولى ليست مقياسا للفعل الأخلاقي هي لذات حسية ، بينما الثانية هي أساسهوانتهى ابيقور 341-270ق م إلى أن اللذات التي تتوافق أكثر مع طبيعة الإنسان هي اللذاتالروحية من قبيل الصداقة وتحصيل الحكمة ، وهي لذات تستلزم الاعتدال في السلوك،بينما رفع الرواقيوناللذة إلى مستوى روحي أعلى ومقياس اللذة عندهم كلما يحقق السعادة، ولا تتحقق السعادة إلا إذا عاش الفرد على وفاق مع الطبيعة .أما الفلاسفة المحدثون الذين يعد فكرهم امتدادا لمذهب اللذة فقد جعلوا منالمنفعة أساسا للفعل الأخلاقي ويظل الاختلاف بين النفعيين في أي المنافع يصلح مقياسا للفعلفقد حرص جريمي بنتام على وضع مقاييس للمنفعة، كالشدة والدوام واليقين والقربوالخصوبة والصفاء أو النقاء والسعة أو الامتداد ، ومع ذلك لم يخرج بنتام عنالأنانية السائدة في تصوره لمذهب المنفعة فهو يشترط في نقاء اللذة أن تنطوي علىتضحية من جانب الشخص للآخرين وهذا ما رفضه جون استورت مل الذي اثر المنفعة العامةعن المنفعة الخاصة . وهو ما سبقه إليه جون لوك 1704-1632 الذي يذهب إلى أنالغاية من الأخلاق اجتماعية.
-النقد : يتميز هذا المذهب بنظرته الواقعية للأخلاق إذ لاأحد يتصرف ضد مصالحه ومنافعه وهذا ليس أمرا سيئا , لكن السيئ في الموقف هو الاكتفاءباللذة و المنفعة موجها للفعل و إلا ترتب على ذلك تضاربا في القيم نتيجة لتضاربالمصالح، إن اعتبار اللذة معيارا للأخلاق هو نزول بها إلى مستوى الغرائز لذلك فاللذة في حاجة لمعيار أسمى منها، و من هنا فالقيمة الخلقية لا تكمن في نتائج الفعل لأن في ذلك حط من قيمة الأخلاق و جعلها نسبيةغير ملزمة…
-المذهب العقلي: يذهب العقلانيون إجمالا إلى اتخاذ العقل مقياسا للفعل الأخلاقي فالقيمة الخلقية للفعل تكمن في مبادئه فقدقرن سقراط الفضيلة بالمعرفة بقوله:" العلم فضيلة و الجهل رذيلة" و أعتبر أفلاطون القيم الخلقية مطلقة و يجسدها الخير المطلق الموجود في عالم المثل, يقول :"الخير فوق الوجود قوة و شرفا". كما اعتبر "كانط" العقل مصدرا للقيم الخلقية، عندما أكد أن الفعل الأخلاقي هو القيام بالواجب من أجل الواجب، فالصدقة و التعاون بهدف المساعدة أو تحقيق منفعة هو فعل لا أخلاقي، لكونه مشروطا و غير منزه، و يتنافى مع ما تقره الإرادة الخيرة كما يتنافى مع شروط و قواعد الواجب الأخلاقي .و بهذا ميز بين نوعين من الأوامر: أوامر شرطية مقيدة بنتائج الفعل و هي لا أخلاقية. و أخرى قطعية مطلقة و هي التي تكون أخلاقية و تتحدد من خلال القواعد التالية: قاعدة الكلية: " اعمل دائما بحيث تستطيع أن تجعل منقاعدة فعلك قانونا كليا شبيها بقانون الطبيعة".قاعدة التنزيه: اعمل دائمابحيث تعامل الإنسانية في شخصك وفي أشخاص الآخرين دائما كغاية لا كوسيلة".قاعدة الحرية أو الإرادة: "اعمل دائما بحيث تستطيع أن تجعل من إرادتك الإرادة الكليةالمشرعة للقانون الأخلاقي."بهذه القواعد يكون عمل الإرادة الخيرة بدافع الواجب لا طبقا للواجب.لأن هناك أعمال يمكن أن تتم طبقا للواجب لكن بدافع المنفعة لا بدافع الواجب.
النقد: رغم أن أنصار الأخلاق العقلية كان طموحهم هو تأسيس أخلاق ثابتة وعامة بهدف تامين اليقين للقيم الأخلاقية وتجاوز كل تضارب أخلاقي يفقدها طابعها الإنساني وهو مسعى لا نعترض عليه ولكن هذا الطرح يتجاوز الوقائع من جهة ويتجاوز الحياة الإنسانية من جهة ثانية لذلك واجه جملة من الانتقادات ،بالنسبة لربط الأخلاق بالمعرفة يمكن القول إن هناك من يعلم الشر و مع ذلك يقوم به كما يمكن أن نعلم الخير و لا نعمل به. وبالنسبة لكانط فقد سعى إلى تأسيس أخلاق ثابتة و مطلقة و ذلك بجعلهامتعالية منزهة ومع ذلك كانت هذه الأخلاق عرضة لانتقادات شديدة وخاصة من قبل الفيلسوف الألمانيفريدريك نيتشة الذي لم ير في مساواة الناس جميعا في واجب مطلق يختفي وراءه هؤلاءالضعفاء في الوقت الذي يفترض فيه أخلاق القوة (أخلاق السادة) تلك التي تعبر عنإرادة الحياة .كما أن أخلاق كانط مثاليـة و لا يمكن ممارستها على أرض الواقع باعتبار أن الإنسان تتجاذبه أهواء و رغبات. يقول ج/بياجي:" يدا كانط نقيتان و لكنه لا يملك يدين". كما يرى دوركايم أن الواجب عند كانط هو واجب أجوف و ليس هناك ما يلزمني للقيام به.
التركيب: إن التعارض بين النفعيين و العقليين ليس له ما يبرره على مستوى الواقع، إذ أنه ليس هناك تعارضا بين العقل و الطبيعة البشرية التي تتميز بالأنانية و السعي إلى تحقيق المنافع و المصالح. لذلك نجد أن الإسلام في مسألة الأخلاق قد راعى ثنائية الإنسان، العقـل و الطبيعة البشرية . و عليه فالإسلام و إن كان قد رفع الأخلاق فإنه لم يؤسسها على مبدأ واحد اللذة أو العقل أو المجتمع بل حاول التوفيق بين كل هذه الجوانب تماشيا مع طبيعة الإنسان المركبة.
الخاتمة: و كمخرج من الإشكالية يمكن القول مع شبنهاور :" إنه من السهل الدعوة إلى الأخلاق لكن من الصعب التأسيس لها". وعليه فلا يمكن تحديد أساس واحد، ثابت و مطلق للأخلاق. فاللذة و المنفعة لا تكفي كمعيار للأخلاق فهي في حاجة إلى معيار العقل ليوجهـها و يكيّفها حسب مقتضيات الواقع وأوامر الدين و نواهيه و المصلحة العامة، و هذا ما يجسد الأبعاد المكونة لشخصية الفرد.




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.