التصنيفات
القرآن الكريم و السنّة النبويّة الشريفة

مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه

مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه


الونشريس

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أسلم عمر قوياً، وهاجر قوياً، وقتل قوياً، شمر قميصه في اليقظة فجره في المنام ، أراد صلى الله عليه وسلم أن يدخل قصره في الجنة فذكر غيرته فلم يدخل.
انتقل من عمير إلى عمر ، إلى الفاروق ، إلى أمير المؤمنين.
إسلامه فتح هز مكة ، ووقف النصر على بوابة مدينة الإسلام منادياً: ((ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ)).

وهجرته نصر لأنه هاجر متحدياً شامخاً ظاهراً، وخلافته رحمة؛ لأنه أول الجائعين والمساكين والزاهدين.

شكراً لذاك الفذ ليت حياته طالت وليت سنينه أحقابا

وضع يمينه في يمين الرسول صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم بن أبي الأرقم، فعز الإسلام، وارتفعت الأعلام، وانهزمت الأصنام، واندك الباطل، وسحق الزيف، وقمع الضلال، وغربت شمس الزور.
وضعها في يمين أبي بكر في سقيفة بني ساعدة، فساد الأمن، وتوطدت الخلافة، وحسمت الفتنة، كسر بسيف الشرع ظهر كسرى، وقصر بالحق آمال قيصر، وأرهق بكتائب الله هرقل .
إذا سمع الباطل أزبد وأرعد، وتهدد، وقام وقعد، وأنجز ما توعد، وإذا سمع القرآن بكى وشكى وتململ وتزلزل.
كان عمر في جبين الدهر درة؛ لأنه قرع الظلم بالدرة، فلله دره.

حلف الزمان ليأتين بمثله حنثت يمينك يا زمان فكفر

خاف منه الشيطان، وارتعد لرؤيته الهرمزان ، وانتهت به دولة آل ساسان.

أيا عمر الفاروق هل لك عودة فإن جيوش الروم تنهى وتأمر


تناديك من شوق مآذن مكة وتبكيك بدر يا حبيبي وخيبر

درته لله درها، وما أدراك ما هي: درة عمر لخفق رءوس الضلال، وضرب أكتاف الظلمة الجهال، وتأديب العمال.
قميص عمر مرقع تغير لونه بدم عمر يوم طعن، فصاح لسان حال عمر : اذهبوا بقميصي، وائتوني بكفن فقد مللت الحياة.
طاش عقل صبيغ بن عسل بالترهات وفاش، فأحضر عمر الدرة، وخفقه حتى فقد وعيه ثم أيقظه وقال: كيف تجدك؟
فصاح: أصبحنا وأصبح الملك لله.

تشفي بسيفك داء الناكثين له وتجعل الرمح تاج الفارس البطل

طعن في الصلاة، ومات في المحراب، ودفن في الروضة:

بنفسي ذاك الربع ما أحسن الربى وما أحسن المصطاف والمتربعا

هدمت به قصور فارس؛ لأن بيته من طين، وكسرت به سيوف رستم ؛ لأن في يده درة، وخلعت به تيجان آل كسرى؛ لأن قميصه مرقع.
له ثلاث وقفات، وثلاث رؤى، وثلاث كلمات، وطعن بثلاث طعنات.
وقفة يوم أسلم ويوم هاجر ويوم بايع الصديق ، ورؤيا القميص يجره في المنام، ورؤيا قصره في الجنة، وطعنة الشهادة والبطولة والانتصار.
تعرض للموت في كل مكان، فما وجده إلا في المحراب، دوخ ملوك العالم فقتله عبد، قتل ساجداً؛ لأن قاتله لم يسجد أبداً، خرج اللبن الذي شربه يوم طعن؛ لأنه اكتفى بفضل ما شربه من لبن الرسول صلى الله عليه وسلم.

في عروق الحب يسري دافقاً من دماء الجرح أو دمع الحبيب

يقول وهو يتنهد: يا ليتني كنت شجرة فأعضد، فنال الشهادة في المسجد:

وفاة قامت الدنيا تعزى وناح الدهر واهتز الزمان

وافق الوحي، وخالف الهوى، وتابع المعصوم، وتلا الصديق ، وسبق الملوك، وصحب العدل، وجد في الأمر، وعزم على الرشد.
في الصلاة باكياً، في المعركة غاضباً، من الدنيا واجماً، إلى الآخرة ضاحكاً، إلى الرعية قريباً.
عمر كالطائر الحذر لا يصاد بالشباك، ولا يقع في الأشراك، ولا يهبط على الأشواك.
لماح يقظ نبيه، جاءته كنوز فارس والروم، فوزعها على القوم، رفض الديباج؛ لأنه على منهاج، لا يرى لبس الحرير، ولا الجلوس على السرير، ولا أكل الطرير؛ لأنه تلميذ البشير النذير، إن وجد ضالاً نصحه، وإن عاند مكابر بطحة، وإن انتشر ضلال فضحه.
سمع الوحي فقال: الله أكبر، وقرقر بطنه من الجوع فقال: قرقر أو لا تقرقر، فبقر في سبيل الله بالخنجر، طالت همته فقصر أمله، وكبرت نيته فصغرت نفسه، واتسع فهمه فضاق وهمه، كان للظلم بالمرصاد، فكم من ظالم قد صاد، ظنه يقين؛ لأنه صحب الأمين، وردد وراءه آمين.
قيل له الروم بالجيوش رموك، فقال: الموعد اليرموك؛ أطلق كسرى الرصاص، فكتب عليه القصاص، وأرسل له سعد بن أبي وقاص :

رمى بك الله ركنيها فحطمها ولو رمى بك غير الله لم يصب

جاع يوم الرمادة حتى شبعت الرعية، ولبس المرقع حتى توشح الناس بالأقبية، وقتل حتى تحيا الملة، فلا تموت أبداً.

جزى الله خيراً من إمام وباركت يد الله في ذاك الأديم الممزق

هو باب دون الفتنة كسر، فدخلت منه الطوائف، كلما دخلت منه أمة فاقت في الشر أختها، أراد أهل الضلال العبث في الكتابة، فضرب بينهم بسور له باب، خرج من الدنيا فأطلت برأسها الخوارج ، ورفض العيش فأقبلت الرافضة ، ولقي قدره فعشعشت القدرية ، افترش فارس بـسعد الفوارس، ورمى الروم بـخالد فطاش راميها، وبعثر سجستان بـالنعمان ، وأرغم هرقل وأنو شروان ، وجبى خزائنهما، يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان.
قتل عمر ولكنه عاش، وارتحل لكنه أقام، هو فينا في ضمائرنا، في عروقنا، في دمائنا، في قلوبنا، في عيوننا، في الأبطال، في الرجال، في الأطفال.

فكيف تذهب يا من حبه أبداً في كل قلب وهل للحب من أجل

عمر : الحزم عند ورود القلق، والعزم مع طائف التردد، واقتناص الفرصة قبل أن تدبر، قوي حتى تضعف صولة الباطل، شديد حتى تلين قناة الزور، صعب حتى تسهل طريق النجاح، همه تحقيق العدل، ورسوخ المساواة، وحفظ الحقوق، وكسر أنف الأنفة، وقمع جولة الجبروت، عنده حكمة للقلوب، ودرة للأكتاف، وسيف للرقاب.
طبت يا عمر حياً وطبت ميتاً لبست جديداً وعشت حميداً، ومت شهيداً.




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.