فلسفة التفاؤل…
فلسفةُ التفاؤل …بقلم يمينة منصور
متوسطة بوعافية
حاسي بحبح الجلفة
كُلّما حفرتَ عميقاً في روحكَ، كلّما نزل إليكَ المِصعد إلى السطح، وفي كلّ وقفةُ تفاؤلٍ، سجلّتْ لكَ فلسفتُكَ… الآتي :
خُذلتَ حين أُريد بكَ أن تكون و أنتَ لم تَتُقْ مطلقا إلى ذلك، في مُطلقِ الأحوال…
خُذِلتَ حينَ أتيتَ، طفلاً يتيم الرّوح، سَوداويَ الأماني، غاضبَ المُناخ، مُتأّزّمَ الهُوّية، مُظلمَ البُقعة، منبوذَ المكَان، مُعتّل الفعل، مشرّد الحرف،مُتورّطَ الماضي، مشلُول النخاع، مُنهكَ الانفعالات، مُكفهّر السمّاء، مُتطرّف الانكسار، مُنتشي اليأس، فِطريَ التعاسة، مُوجزَ الأماني، مُتناهي التفاؤل…وُلدتَ في ذات الزّمان وذات المكان البعيدين عن مقّر الوجود و مِحور الكَيَان ، حيث تنتهي كلّ المحطّات و تموتُ كلّ القافيات و تُمحى حروفُ كلّ الأبْجديات…
خذلتَ حين الْتَمَسْتَ العطفَ والاهتمام مِمَن اسْتقالاَ عنْ َ فِطرَتِهِمَا، وصادَرَاكَ حقّكَ الطبيعي في الشَغَب، واللّعب، والتمرّغ، والتسرّع والاندفاع والحلمِ والشعور بنشوة الطفولة كالشمس السخّيةِ المتدّفقةِ على وجهك، فالشمسُ لم تبخلْ عنكَ أبداً بدفئها… ثم ّ رَمَقَاَكَ إلى الأبد، بتلك النّظرة المُتجبرّة ،التّي سَتُوحي لكَ، بكلّ الأعباء، إلى يوم الفناء… …حينها… جمعتَ كلّ الفصول واختصرتَها في شتاءٍ واحد، أبديُ التَمَوْقُع… حصرِيُ المُعاهَدة، مُتردّد الهُدنة…
خُذلت حين فرَشتَ كلّ قواميسِ اللّوم والعتاب والنَّهْرِ و الزّجْرِ،والترويع و التصغير،والتشكيك و التفكيك و التقصير والتدمير و المَحْوِ والإلغاء… تبحث بقلبكَ الصغير، عن كلمة واحدة، ولم تجد مكانها سوى كلمة "اصْمُت" و بعدها صمتتَ إلى الأبد و جلستَ إلى الأبد على كرسيّ الانتظار، وأنت تقرأُ "الكلمة"، قراءةً صامتة، وتلبس منَ الجدران مِئزرا يضيق عليك شيئًا فشيئَا…
جلستَ تَتَرَّقب…فقط تترّقب… وبعد أن طال بكَ المُقامُ في ذاتِ المكان ، تعلّمتَ كيف تخرج من دائرة الزمان، كيف تصيرُ مُشّمعًا غيرُ نَفُوذ، ذو مناعة دونَ لقاح، صامتاً كالعاصفة قبل العاصفة ومُعبّداً كالطريق، تتردّدُ عليك بضعُ ضحكاتِ مآسي، وتحدّك من الجانبين، خطوطُ الرّصيف الصفراء، المُوازية…
خذلت حين اكتشفتَ غُربَتكَ في عالمٍ أنتَ لستَ منه، وليس به من شيء يربطكَ بٍبَهْرَجَتِهِ أو بجُنونه، ثمّ زرعتَ جذوركَ عبر الطيْف واقتلعتَ صرختكَ من أجراسها ثمّ أرسلتَها خارج مجال الصوت و التغطية…
خُذلت حين سقطتَ في بئرٍ عميقةِ اللاّشعور، وحين استفقتَ وجدتَ نفسك، خارج محور الشعّور، مِن دون شعور…
خُذلتَ حين اختنقتَ وحدكَ بداخلك، ولم يكترثِ الهواءُ الوَفِير إلى أنفاسك السوداء المُتداخنة والمُتداخلة…
خُذلت عندما شَدَدْتَ رأسك بين يديكَ وفكّرتَ في الانْعِتَاقْ، من الزّمان و المكان،ومنكَ فهاجرتَ مِنْ حوْلك قيدَ أُنْمُلَة وصرت من حولكَ: شِبْهَ أنت…
خُذلتَ حين جَعلتَ من قلبكَ الصغّير جبلاً و حَمّلتَ الشّتاءَ حُزنكَ وزُكامكَ وسُعالكَ وارتجاف
أهدابكَ …وحمّلتَ الصّيفَ غليلكَ، ولم تَكُ تسمح بأن تَرَى لكَ بوادرَ ثلجٍ في واحةٍ أو تلوّنَ شعاعٍ في رَاحَة…
خُذلتَ حينَ انتزعْتَ عَينيكَ و قرّرتَ أن تعيش مُظلماً، ثمّ بقيت تبحث بحاسة اللّمس عن النّور وعن زرقةِ شعلةِ عود الكبريت، وعن شكل هيكلِ الشمعدان…
خُذلت حين شَدَدْتَ الوثاقَ على جسدك، وحمّلتَه سُوءَ الطالعِ، وبُعدَ النجوم، واحتيالَ الزّمن ،وتلوّث الأقدار، و تجمّد الماء في عينيكَ و أحزان الصّحاب…
خُذلت حين كَبُرَتْ طُفولتُكَ فيكَ، بعيداً عن كلّ صغيرٍ وبعدها، كَبُِرَتْ فيكَ المعاركُ و الحُروب والتحدّيات و التطرّفات…
خُذلت حين خبّأتَ أحلامكَ كُلّهَا، بحذائكَ المُخْمَلِيُ ومشيتَ بها خِلسةً، كالسّارق على وحشةِ الطرّيق المُهْمَلِ و المَحفُوفِ بالضمائر الخائبة…
خُذلت حين جعلتَ منكَ ذاك الإناء الخاوي وملأتَ أنفاسكَ بالتأفّف والمرارة و التحّسر والتذّمر و التعّثُر والتأزّم والانفطار والانصهار الانشطار و التقّلب والتعلّب، والتأّسي والتكدّر والترّدي والانفصال و الانفصام و الانعدام…
خُذلتَ حين أنكرتَ على نفسكَ وعليكَ حقّكَ في التَخَاذل…
و أنت لا تملك لروحك مأوىً، سوى ذلكَ الجسد المُهْترِئِ البُنيان، الذي يحمل عنكَ زوايا مَوَاجعَ قد ضاقتْ، و أكوام تحجرّاتٍ سَاذَجَة قد لاَنَتْ، و شَرَرٌ من نيران ٍ ،قد بَرُدتْ في ذات المكانِ وذاتِ الزّمان…
أنت لم تخذلْ حين علمتَ أنّك لاَ تستطيع العيشَ،…دون كلِّ ذلك…إنّها فقط، أسبابُ سَعَادتِكَ و تفاؤلكَ………………………………..، كُلُّها…كلّها،مُجتمِعَةٌ…
Yamina Yamina
CEM de Bouafia
Hassi Bah Bah Djelfa.
17/ 10/ 2022