المعلم والمتعلم هما قطبا العملية التعليمية ، ويرتبطان ارتباطاً عضوياً ، لدرجة أن المربين المسلمين اعتبروا المعلم بمثابة الوالد للمتعلم.
يقول حجة الإسلام الغزالي : على المعلم أن يجري المتعلمين مجرى بنيه ، بأن يقصد إنقاذهم من نار الآخرة ، وهو أهم من إنقاذ الوالدين ولدهما من نار الدنيا ، لذلك صار حق المعلم أعظم من حق الوالدين ، فان الوالدين سبب الوجود الحاضر والحياة الفانية، والمعلم سبب الحياة الباقية .
المعلم هو محور الرسالة التربوية والركيزة الأهم في نجاحها ، فمهما كان الكتاب المدرسي جيد العبارة ، رفيع الأسلوب وافي الفكرة ، وأنه مهما روعي في وضعه من القواعد والأسس فإنه لن يحقق الهدف المنشود إذ لم يقم على تدريسه مُعلم يتمتع بالكفاءة والقدرة والوعي والإخلاص والتقوى.
من هو المعلم ؟؟
المعلم هو القائد التربوي الذي يتصدر لعملية توصيل الخبرات والمعلومات التربوية وتوجيه السلوك لدى المتعلمين الذين يقوم بتعليمهم .
نعم إنه قائد تربوي ميداني يخوض معركته ضد الجهل والتخلف ببسالة فائقة سلاحه الإيمان بالله تعالى ، ونور العلم الذي يتحلى به، وهو يحقق الانتصار تلو الانتصار في الصباح وفي المساء ، وبذلك فهو يسعد الناس من حوله حتى وَصَفوه بالشمعة التي تحترق لتضيء الطريق أمام الآخرين، ولا شك أن هذا التشبيه له دلالته الهامة على مكانة المعلم على الرغم من أن تشبيه المعلم بالشمعة لا يروقني ، لأن الشمعة إذا انتهت خلّفت رماداً وفاقد الشيء لا يعطيه ، ولكنني أشبه المعلم بالشمس الساطعة التي تضيء لنفسها وتضيء للآخرين
أخي المعلم / أختي المعلمة
إن المحبة المتبادلة بينك وبين تلاميذك من أهم عوامل نجاح العملية التعليمية فكيف تكسب محبة تلاميذك ؟
لا شك أخي المعلم أن شخصية المعلم تعلب دوراً مهما في إيجاد المحبة والمودة بين المعلم وتلاميذه ، فما هي مقومات الشخصية التي يجب أن تتوفر في شخصية المعلم حتى تكسبه محبة تلاميذه ؟
أثبتت التجارب العملية أن اتصاف المعلم بالصفات التالية تكسبه محبة تلاميذه .
1 – الإخلاص والتقوى :
الإخلاص والتقوى عاملان ضروريان لنجاح المعلم في أداء رسالته . قال تعالى:
" الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيّكم أحسن عملاً "( الملك الآية (2))
وإحسان العمل لا يكون إلا بالإخلاص والتقوى .وشعور المعلم بأن ما يقوم به هو رسالة سامية يستحق عليها الأجر والثواب من الله تعالى يدفعه للعمل بفاعلية وكفاءة وإتقان امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم :" أن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه "
إن شعور التلاميذ بإخلاص معلمهم وحرصه على مرضاة الله تعالى يغرس في نفوسهم شعوراً عميقاً بالمسئولية وتدفعه لأداء واجباتهم برغبة وبصورة مستمرة كما أنه يغرس في نفوسهم محبة معلمهم ومدارسهم .
2- قوة الشخصية :
إن قوة الشخصية عامل مهم جداً في نجاح المعلم في إدارة صفه وحسن قيادته لتلاميذه ، من خلال حديثه ونظراته إليهم ، ودون أن يلجأ إلى الصراخ أو رفع الصوت أو حمل العصا والتهديد والوعيد بل بما يملكه من قدرات قيادته وغزارةٍ علمٍ ومحبةٍ لتلاميذه .
ونعني بقوة الشخصية في التدريس القوة المعنوية التي تمكن المدرس في أن يمتلك
زمام صفه وَتحمل تلاميذه على أن يقبلوا عليه ، ويمتزجوا به ويستجيبوا له، وطبيعي أن هذه الشخصية لا ترتبط دائما بضخامة الجسم أو جهامة الوجه أو غلظ الصوت .
ومن ميزات الشخصية القوية الجاذبية التي نقصد بها أن يكون المعلم عادياً في طريقة مشيته وجلوسه وحديثه بحيث لا يكون ملفتاً للنظر أو تشتيت الفكر أو مدعاة للنفور من المتعلمين .
لقد اشتكى بعض المعلمين في أحد المدارس الثانوية من تصرف طلابهم في أحد الصفوف ومشاكستهم في الحصص ، و عندما حققت الإدارة في الموضوع فوجئت أن أحد المعلمين له من الحب والاحترام والتقدير عند ذلك الصف ما يجعلهم يستمعون إليه بكل أدب واحترام واستمتاع وعند سؤالهم قالوا إن هذا المعلم يتمتع بشخصية قوية أخاذة ، فما أن يدخل الصف حتى يمتلك قلوبنا وعقولنا بمظهره وتعامله وقوة إقناعه ومحبته ، الأمر الذي يجعلنا نسمع له برغبة وحب بينما غيره من المعلمين لا يفهمنا ولا نفهمه .
3- الذكاء
الذكاء من أهم الصفات التي يحتاج إليها المدرس كما يحتاج إلى العقل المرن وبعد النظر وتنويع الأساليب لأصناف الناس ، كما يحتاج إلى تفهم نفسيات المخاطبين وعقولهم وواقعهم ومستوياتهم الخلفية واتجاهاتهم .
ومن مقومات الذكاء في أداء المعلم قدرته على الإبداع والتأمل في التعامل مع المعلومات ، لأن دور المعلم يتعدى مجرد تقديم المعلومات وشرح المفاهيم إلى استثارة تفكير التلاميذ نحو التأمل والتحليل والوقوف على مشارف حقائق وتفسيرات ونظرات جديدة
وهنا لا بد أن أذكر إخواني المعلمين أن من علامات ذكاء المعلم أن يحفظ أسماء تلاميذه ويناديهم بها، لا أن تنتهي السنة الدراسية وهو لم يحفظ نصف أسمائهم .
إن مناداة التلميذ باسمه يرفع معنوياته ويجذبه إلى أستاذه الأمر الذي يقوى العلاقة
بينهما بينما مناداته ب ( يا هذا ) أو ( أنت ) ( أنت ) يغرس في نفسه الجفاء والبعد .
ومن علامات الذكاء أن يحفظ المعلم مواعيده مع طلابه فلا ينساها أو يتناساها .
ويذكر كل طالب بما قام به من عمل أو نشاط أو جهد .
4- الحماس
من الخصائص الانفعالية اللازمة للمعلم قدرته على إظهار الحماس اللازم في عمله بدرجة إيجابية لتثير المتعلمين وتدفعهم نحو عملية التعلم والمشاركة فيها بفاعلية وحماس .
ومن علامات حماس المعلم أن يظهر اعتزازه بمهنته وأن يذكرها في المجالس بافتخار واعتزاز ، وأن يرفع رأسه عالياً ويقول – أنا معلم ولا فخر -، أما المعلم الذي يخجل من مهنته، ويتوارى من الناس حياءً وخجلاً منها ليس بمعلم ، ولا يمكن أن يحبه طلابه ، إن من أراد أن يحبه تلاميذه يفخر أمامهم بعمله فيفخرون به ويحبونه ، أما عندما يرى التلاميذ أستاذهم يسخر من مهنته فإنه يسقط من عيونهم ويكون سبباً في احتقار التلاميذ لمهنة التعليم والمعلمين جميعاً .
وكم آلمني أن أسمع معلماً سأله أحد أقاربه عن مهنته قائلاً .. وأنت ماذا تفعل ؟ وما وظيفتك ؟ فكان الجواب : " والله .. والله .. إهه ، طلعت معلم !!!" . فما كان من قريبه أن قال له " يا لله … الشغل مش عيب !!".
من كان من المعلمين هذه نفسيته كيف يحبه طلابه ويحترمونه ؟؟ . وما رأيك أخي المعلم فيمن يقول :" بئس التعليم مهنة " ؟ وفيمن يقول :" إن سوء حظي هو الذي القاني في مستنقع التدريس الآسن "!!
أخي المعلم :-
إن هذه العبارات القاسية ليست من نسج الخيال ، بل إنها حقائق ، وللأسف قالها
معلمون خبرتهم في التعليم ليست قليلة .
إن المعلم المتحمس لمهنته ومادته ، يعتبر نموذجاً سلوكياً جيداً لتلاميذه ويدعوهم إلى حبه وتقليده لا شعورياً في هذه الصفات ، وعلى النقيض من ذلك ، فإن المعلم الخمول واللا مبالي يبعث في تلاميذه شعوراً بالملل والرتابة ، والجمود فيؤدي إلى فتور المتعلمين وسلبيتهم وكراهيتهم للمادة الدراسية
إن من مظاهر حماس المعلم لمهنته اعتزازه وافتخاره بها وإقباله عليها بنفس راضية مطمئنة العمل بجد واجتهاد وفاعلية يشارك في الأنشطة العامة والخاصة ، لا يتخلف عن اجتماع ولا عن دورة تربوية أو مهنية ، يتقبل التوجيهات والتوصيات ويطبق اللوائح والتعليمات ويلتزم بأخلاقيات المهنة . ويعتبر عمله قبل أن يكون واجباً رسالة سامية ينتظر ثوابها من الله عز وجل .
5- الحلم والحزم :
قال تعالى :" فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لا نفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين " ( آل عمران الآية 159) .
توجيه رباني من الله عز وجل موجَّه إلى المعلم الأول محمد صلى الله عليه وسلم يبين له أن لينه ورحمته كانت سبباً في التفاف الصحابة من حوله وحبهم له ، وإنه لو كان فظاً وغليظ القلب لا نفضوا من حوله .
أخي المعلم :
رسول الله صلى الله عليه وسلم هو قدوتك في تعاملك مع تلاميذك فكن عطوفاً ليناً محباً كن معلماً حليماً تمتص أسوء التصرفات التي يمكن أن تصدر عن تلاميذك لأن الطلاب بفطرتهم يميلون إلى الحركة واللعب ، وعدم تقدير المسؤولية وعدم الانضباط ، مما يستدعي أن يكون المعلم متصفاً بالأناة والحلم في معالجة مواقفهم .
ولا شك أن التلاميذ يحبون المعلم الحنون العطوف اللّيّن الجانب وتزداد محبتهم له عندما يعلمون أن حلمه وعطفه ليس نابعاً من ضعف شخصيته وإنما من محبته لهم ، فهو حازماً حكيماً في معالجة المواقف معالجة مناسبة متزنة بقوة وحزم وبعيداً عن العصبية والانفعال وبعيداً عن التهاون أو القسوة والشدة والبطش ، متمثلاً قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس الشديد بالصرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب "
6- حسن المظهر
المعلم محط أنظار التلاميذ الذين تبقى عيونهم شاخصة إليه طوال الوقت الذي يقضيه بينهم ، ولذلك كان واجب المعلم أن يهتم بمظهره ولا ينسى نفسه لأن التلاميذ ( يحترمون معلميهم ويحبونهم بغض النظر عن اختلاف أحجامهم أو أطوالهم وأعمارهم وذلك إذا توافرت فيهم سمات ومميزات معينة ، فمن خلال هندامك المتزن وملابسك ونظافتها وترتيبها وتناسقها ومن خلال طريقة تصفيف شعرك والعناية به ،ومن خلال نبرات صوتك بين علوه وانخفاضه يقترب منك التلاميذ ويلتفون حولك )
7-الصدق في القول والعمل
قال تعالى :" يا أيها الذين آمنوا لما تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " (الصف ، الآية 6)
من القضايا الهامة في حياة المعلم أن يكون صادقاً مع نفسه ومع طلابه ، وأن يلتزم بما يقول وأن يكون صادقاً فعلاً في هذا الأمر ، فعندما يرى التلميذ أستاذه ملتزماً بما يقول ولا يناقض قوله فعله لا شك أن ذلك يدفعه إلى حبه وإلى احترامه . أما إذا خالف المعلم قوله فعله فإنه سيخسر دينه أولاً ، ثم يخسر ثقة تلاميذه ومحبتهم ثانياً .
عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" يُؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار ، فتندلق أقتاب بطنه ، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى فيجتمع إليه أهل النار ، فيقولون : يا فلان ما لك ؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول بلى قد كنت آمرٌ بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه "( ).
فعلى المعلم أن يكون صادقاً مع طلابه ويكون قدوة لهم
قال الشاعر ( )
لا تنه عن خلق وتأتي بمثله عار عليك إذا فعلت عظيم
يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى كيما يصح به وأنت سقيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيّها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم