تداخلات النباتات الطبية مع الأدوية Medicinal plants – drug interactions ))
يعرف النبات الطبي على أنه النبات الذي يحتوي في عضو أو أكثر من أعضائه المختلفة أو تحوراتها على مادة كيميائية واحدة أو أكثر بتركيز منخفض أو مرتفع ولها القدرة الفسيولوجية على معالجة مرض معين أو على الأقل تقلل من أعراض الإصابة بهذا المرض إذا ما أعطيت للمريض إما في صورتها النقية بعد استخلاصها من المادة النباتية أو إذا ما تم استخدامها وهي ما زالت على سيرتها الأولى في صورة عشب نباتي طازج أو مجفف أو مستخلص جزئيا .
والنباتات الطبية تم استخدامها منذ القدم لأن الإنسان خلق ليجد نفسه بين النباتات ، فوجد فيها غذاؤه وكساؤه . لكن مع تقدم العلوم الصيدلانية وخصوصا علم العقاقير الذي من خلاله بلغ علماء العقاقير قدرا كبيرا من العلم في مجال تصنيع الأدوية كيميائيا ، حيث حلت هذه الأدوية محل التداوي بالنباتات الطبية . إلا أن الرجوع إلى الطبيعة يراود الإنسان بين الفينة والأخرى فيعود لاستخدام النباتات الطبية ، وفي الوقت الحاضر ، أخذت المداواة بالأعشاب والإقبال عليها حيزا كبيرا وخصوصا بعد أن أدرجت منظمة الغذاء والدواء الأمريكية الأعشاب الطبية تحت قائمة المكملات الغذائية عام 1990 ، دلت الدراسات التي أجريت في الولايات الأمريكية على موضوع استخدام هذه الأعشاب ، بأن المبيعات السنوية بلغت ما بين 2 – 3 بليون دولار أمريكي ، وفي عام 1997 أجريت دراسات مسحية قدرت عدد المستخدمين للأعشاب الطبية في أمريكا الى ما يقارب 60 مليون شخص ، وأن ربع هذا العدد ( 15 مليون شخص ) كانوا يستخدمون المستحضرات العشبية والفيتامينات مع أدوية كانت موصوفة لهم من قبل الأطباء ، ونتيجة لذلك فان الكثير منهم عرضة لأخطار التداخلات . ومن الأشياء التي تزيد الأمر سوء هو أن حوالي 47 – 72 % من المرضى لا يعيرون اهتماما بذكر الأعشاب الطبية ومستحضرات الفيتامينات عند الأطباء ولا عند الصيدلاني الذي يقوم بصرف الوصفة الطبية .
ولسوء الحظ فان الأوراق العلمية التي تتحدث عن التداخلات بين الأدوية والنباتات الطبية تكاد تكون معدومة ، وقد يكون السبب في ذلك هو عدم القدرة على التعرف وتحديد آلية التداخل ، ذلك أن النبات الطبي يحتوي على عدد كبير من المواد الكيميائية الأمر الذي يصعب معه تحديد المادة التي أحدثت التداخل . ولهذا فان أمام الطاقم الطبي وخصوصا الذين لهم علاقة مباشرة مع المريض مثل الأطباء والصيادلة مسؤولية الحد من خطر التداخلات التي قد تتسبب في إيذاء المريض وخصوصا إذا كان المريض يأخذ أدوية ذات دليل علاجي ضيق مثل ثيوفلين و فينايتون ودواء ديجوكسين .
معظم التداخلات الدوائية مع الأعشاب الطبية هي نظرية وقد تكون متوقعة الحدوث بناء على أسس علمية وليست مبنية على أسس تجريبية ( الا في حالات محدودة جدا ) .
ومن الأمثلة على ذلك ما يلي :
1- نبات الجنسنينغ وأسمه العلمي هو ( Panax Ginseng ) ، ويسمى العشبة السحرية ، وهو نبات منتشر في شرق قارة آسيا وبعض أنحاء كوريا ، وله أنواع عديدة وأن النوع الجيد منه إذا تعرض للبخار قبل أن يجف صار لونه أحمر . والنبات ينبت في الأمكنة المظلمة والرطبة بعيدا عن أشعة الشمس ، والجزء المستخدم هي الجذور . استخدام نبات الجنسنغ يؤدي إلى تثبيط استقلاب دواء هكساباربيتال ( hexabarbital ) ، ويؤدي الى زيادة طرح بعض الفيتامينات مثل فيتامين ب1 ، وفيتامين ب2 ، وفتيتامين ج . وتوقعات بحدوث تداخلات دوائية مع الأدوية الخافضة لسكر الدم ، وأدوية القلب .
2- الثوم : الاسم العلمي هو ( allium sativum ) ينتمي إلى الفصيلة النرجسية ( amarylliaceae ) يمكن أن يزيد من فعالية أدوية مانعة تخثر الدم ( anticoagulants ) والأدوية المانعة لتجمع الصفائح الدموية
3- العرقسوس : الاسم العلمي هو ( glycyrrhiza glabra ) ، يعتبر العرقسوس مشروبا شعبيا في معظم بلدان الشرق الأوسط وبلدان حوض البحر الأبيض المتوسط ، وكثير من البلدان ذات المناخ القاري ( الحار الجاف صيفا ) لتقليل الإحساس بالعطش . يحتوي العرقسوس على مركبات عديدة ، منها : جلايكوزايد الجليسرهيزين (glycyrrhizin glycoside) وهو المسؤول عن المذاق الحلو ، والذي يعتبر أحلى من السكر خمسين مرة . وجلايكوزايد السابونين ( saponin glycoside ) المسؤول عن تكوين الرغوة ، والمركبات السابونية تؤدي الى تحلل كريات الدم الحمراء ، ولذلك فان حقن ( 1 سم3 ) من عرق السوس في الدم تؤدي إلى الوفاة بعكس شربه . كما يحتوي العرقسوس على مادة كاربينوكسولون ( carbenoxolone ) التي تعمل على حبس عنصر الصوديوم والماء في الجسم محدثة ارتفاعا في ضغط الدم . لا ينصح شرب العرقسوس اذا كان الشخص يشكو من ارتفاع التوتر الشرياني بسبب حدوث تداخل دوائي ما بين العرقسوس والأدوية الخافضة لارتفاع التوتر الشرياني .
4- جنكو بيلوبا ( Ginkgo biloba ) : من الأشجارالمتعارف عليها منذ القدم ( مذكرة ومؤنثة ) ، وتعود الى حوالي 250 مليون سنة ، قد يصل ارتفاعها الى 30 – 40 متر وانتشار مقداره 8 م وقد يصل قطر الجذع الى 3 – 4 م ، والشجرة مستقيمة الجذع عمودية وتشكل أغصانها في فصل الربيع . وأوراقها فريدة ومثيرة للاهتمام مروحية الشكل ( fan – shaped ) ، جلدية الملمس وناعمة ، والورقة مقسومة بشق واضح من الوسط يشق الورقة الى نصفين ، ومن هنا جاء اسم النبتة ( Biloba ) وتعني ( two lobes ) . وقد تم تحديد مستخلص هذه الأوراق ووجد بأنها تحوي على مواد فعالة تنتمي الى مجموعتين هما : ( ginkgolides ) ومن أهمها هي مادة ginkgolide B ومجموعة Bilobide وقد أمكن أيضا تحديد فعاليتها البيولوجية على أنها مضادة لعمليات الأكسدة وتحفيف نشاط الجذور الحرة المؤذية للجسم ، كما أن مستخلص أوراق النبات يحسن نشاط الدماغ عن طريق منع تجمع الصفائح الدموية ، وبسبب زيادة التروية الدموية فانها تفيد في معالجة مرض الزهايمر عندما يكون في مراحله الأولى وحالات الكآبة المستعصية وحالات طنين الأذن وضعف الانتصاب الجنسي ، بجرعات تتراوح من 120 – 240 ملغم.
ولقد نشر في أوراق علمية محدودة تحدثت عن احتمالية زيادة النزيف الدموي لمرضى يأخذون هذه النبتة مع أدوية تمنع تجمّع الصفائح الدموية كدواء أسبرين ودواء دايبيراديمول ( dipyridamole ) وكذلك مع دواء وارفارين المانع لتخثر الدم .
5- بعض الخضروات مثل القرنبيط ( cauliflower ) والملفوف ( cabbage ) تحتوي مواد لها القدرة على تحفيز نشاط الانزيمات المسؤولة عن عملية الاستقلاب . لقد وجد بأن هذه الخضروات تحتوي على مركبات تنتمي الى مجموعة الاندول ( indoles ) والتي لها تأثير بيولوجي ولها القدرة على التدخل في استقلاب الأدوية ، فدواء باراسيتامول يستقلب بدرجة أعلى بتناول مثل هذه الخضروات ، وكذلك دواء وارفارين، وأن التوافر الحيوي لدواء فيناسيتين ( phenacetin ) يقل بنسبة 50 % مقارنة بتناول طعام خالي من الخضروات التي لا تحتوي على مركبات الاندول .
6- الخضروات والحمضيات التي تحتوي مركبات فلافونويدية ( flavonoids ) ، مثل ليمون الجنة ( الليمون الهندي ) ( grapefruit ) والذي يحتوي على مواد فلافونويدية – نارينجين – تعمل على زيادة كمية بعض الأدوية في الدم عن طريق تقليل استقلاب الأدوية المبكر ( first – pass metabolism ) . فشرب عصير ليمون الجنة مع دواء فيلوديبين ( felodipine ) يرتفع توافره الحيوي بنسبة 206 و 284 % عند مقارنته عندما يؤخذ مع الماء ، وكذا دواء نيفيديبين ( nifedipine ) الذي يرتفع توافره الحيوي الى أكثر من الضعف عند أخذه مع هذا العصير . عصير ليمون الجنة يزيد من التوافر الحيوي للأدوية التالية : ميدازولام ( midazolam ) ، ترايازولام ( triazolam ) ، تيرفينادين ( terfenadine ) ، سيمفاستاتين ( simvastatin ) ، ودواء ميثيل بريدنيزول ( methylprednisolone ) . أشارت الدراسات إلى أن الجرعات القليلة من شراب عصير ليمون الجنة في بادئ الأمر يثبط نشاط أنزيمات الأمعاء ، ولهذا تكون الزيادة في التوافر الحيوي لمثل هذه الأدوية قليلة . بينما الجرعات المتكررة تعمل على تثبيط أنزيمات الكبد المسؤولة عن استقلاب مثل هذه الأدوية ، ولهذا فان زيادة التوافر الحيوي تكون ملحوظة بشكل كبير . وأن الأنزيمات التي يثبطها عصير ليمون الجنة تتبع لنظام أنزيمي متعدد يطلق عليه سايتوكروم ب450 ( cytochrom P 450 ).
6 – عشبة القديس يوحنا ( St.John’s Wort – Hypericum perforatum ) :
تباع هذه النبتة وتوصف بدون وصفة طبية في كثير من البلدان باعتبارها نبتة طبية تقليدية لمعالجة الاكتئاب . وقد أشارت عدة أوراق حديثة عن حدوث تداخلات بين هذه النبتة وبين الأدوية التالية : دواء سيكلوسبورين ( ciclosporin ) , وارفارين ( warfarin ), اندينافير ( indinavir ) , ديجوكسين ( digoxin ) , ثيوفللين ( theophylline ) , وموانع الحمل الفموية . ( oral contraceptives ) وأن آلية التداخل هذه ناتجة في معظمها عن التحفيز الانزيمي لبعض الانزيمات التابعة لنظام سايتوكروم ب450 ( cytochrome P450 ) ، والذي قد يؤدي الى تقليل تركيز الأدوية التي تستقلب عن طريق هذه الانزيمات وبالتالي تقليل فعاليتها ، وأن وقف أخذ هذه النبتة يمكن أيضا أن يزيد من تركيز الأدوية والوصول الى تراكيز عالية قد ينتج عنها ظهور الآثار السامة .
المصدر : الحنيطي ، راتب : كتاب التداخلات الدوائية