الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على نبيه المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن بخير اقتفى.. أما بعد:
يعد الترويح على النفس من الأمور المهمة التي يحتاجها المرء في حياته، وأهمية الترويح عن النفس تبرز في جوانب كثيرة منها: تحقيق التوازن بين متطلبات الكائن البشري ( روحية – عقلية – بدنية) وهو يساهم في إكساب الفرد خبرات ومهارات وأنماط معرفية، كما يساهم أيضاً في تنمية التذوق والموهبة، ويهيأ للإبداع والابتكار، ويساعد الاشتغال بالأنشطة الترويحية في إبعاد أفراد المجتمع عن التفكير أو الوقوع في الجريمة، وبخاصة في عصرنا هذا الذي ظهرت فيه البطالة حتى أصبحت مشكلة, وهو ينقذ الإنسان من الملل والضجر وضيق الصدر، وينسي الإنسان ما لديه من آلام نفسية أو حسية، وذلك أن الإنسان في زحمة الحياة، وضغط العمل بحاجة إلى الترويح عن النفس ليتجدد نشاطه وحيويته.
والترويح عن النفس: هو عبارة عن أوجه النشاط غير الضارة التي يمكن أن يقوم بها الفرد أو الجماعة طوعاً في أوقات الفراغ، بغرض تحقيق التوازن أو الاسترخاء للنفس الإنسانية في ضوء القيم والمبادئ الإسلامية، وهو وسيلة لا غاية، وسيلة من الوسائل التي يستطيع بها الإنسان تحقيق التوازن بين جوانبه المختلفة، وينبغي ألا يكون فيه إفراط ولا تفريط، ولا اختلال بالآداب الإسلامية، وإذا تجاوز النشاط الترويحي هذا الحد وأصبح هدفاً وغاية في ذاته، فإنه يخرج من دائرة المستحب أو المباح إلى دائرة الكراهة أو الحرمة.
وقد أقرت الشريعة الترويح عن النفس ففي حديث حنظلة وفيه قال: "نافق حنظلة يا رسول الله" فقال رسول الله: (وما ذاك؟) قال: "يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأى العين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً " فقال رسول الله: (والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة) ثلاث مرات1. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن الرسول قال: (صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً، وإن لزورك عليك حقاً)2 و في الصحيح عن محمود بن ربيع أنه قال: "إني لأعقل مجة مجها رسول الله في وجهي، وأنا ابن خمس سنين من دلو"3. وما روي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر قالت: "فسابقته فسبقته على رجلي، فلما حملت اللحم سابقته فسبقني" فقال: (هذه بتلك)4 والأدلة في ذلك كثيرة.
والرحلات الترفيهية الدعوية لشباب المسجد أو لرواد المسجد من هذا الباب.
والرحلة الترفيهية الناجحة هي التي يخطط لها ويتفق على جدولها ووجهتها، والهدف منها تحقيق أهداف تربوية وترفيهية وثقافية، أما الرحلات العشوائية فإنها لا تحقق فائدة، ولذلك من الأهمية التخطيط للرحلة، ويحدد مدة الرحلة، ووجهتها، وبرنامجها وتوزيع الأدوار خلالها، وبذلك تتحول الرحلة إلى نوع من التدريب على تحمّل المسئولية، والشورى العملية، دون أن تفقد طابعها الترويحي.
فالرحلات وسيلة دعوية ناجحة، والمهم هو كيف نستفيد منها.. لأن الرحلات شيء محبب للنفوس، ففي الرحلات أُنسٌ بالصديق، وتفريج للضيق، وكسب للمهارات والخبرات، وفوز بالسبق إلى الخيرات. والرحلات كأسلوب من أساليب الدعوة وسيلة ناجحة، فهي طريق للقلب المعنّى ليبث فيها الراحل أشجانه وهمومه، ويفتح فيها قلبه، ومكتوم أسراره، فجدير بالمربين المخلصين أن لا يفوّتوا مثل هذه الفرص السانحة.تغرّب عن الأوطان في طلب العلى وسافر ففي الأسفار خمس فوائدِتفرّج همّ واكتسـاب معيشة وعـلم وآداب وصحبة ماجدِتوجيهات هامة:
لا بد في الرحلة من إخلاص العمل لله، والتضحية من الجميع وكما قيل: "وراء كل عمل ناجح تضحية مجزية" فالأعمال الدعوية تحتاج من الداعية أن يضحي بشيء أو بأشياء من أجل إتمام العمل أو البرنامج المعدّ لعمل دعوي أياً كان.
– والمسئولية الفاعلة: فالداعية إلى الله بحاجة إلى أن يكون عنده قدر كبير من تحمّل المسئولية، وما يتبعها من تبعات، وحين تكون الأعمال تحت مسئولية صورية أو مسئولية المنصب فحسب، فإنها سرعان ما تفقد ثمرتها، لذا كان من المهم التنبيه على الداعية أن يكون على قدر كبير من تحمل المسئوليات، وأن يتحلّى بالصفات التي تؤهله لأن يكون أهلا للمسئولية من الخبرة والدراية والحكمة والصبر والمشاورة واليقين بالله.
– التخطيط لا التخبيط: قبل أن تبدأ الرحلة، عليك بالتخطيط المسبق لها، وافتراض مستلزماتها، وتنسيق الأعمال بين أفرادها، إذ العشوائية والارتجالية من أعظم مقاتل الأعمال، وعدم استمرارها.
عناصر التخطيط لرحلة هادفة: حتى تكون الرحلة هادفة ومفيدة، ولها ذكريات لا تُنسى في نفوس المشتركين ينبغي مراعاة عناصر هامة في التخطيط الجيد لأي رحلة، هذه العناصر هي:
– تحديد نوعية الرحلة: (تربوية، تعليمية، دعوية، ترفيهية، عبادية: حج، عمرة، زيارة المدينة النبوية، جامعة).
– تحديد الهدف أو الأهداف المرحلية من الرحلة، وذلك يكون على ضوء تحديد نوعية الرحلة.
– إعداد الميزانية (الاشتراكات، التبرعات، المساهمات..).
– اللوازم الرئيسية للرحلة (وسائل نقل، أدوات ومستلزمات الرحلة: خيام، مفارش، ملابس..).
– البرنامج المتكامل للرحلة: ينبه أفراد الرحلة على إحضار ما يلزم من (مصحف، وملابس كافية ومناسبة للجو، وملابس رياضية، وربما ملابس سباحة، وكتب ومجلات للاستفادة منها في الإذاعة، وأخرى للتفسير وأشرطة)
– وتوزع الأسر قبل انطلاق الرحلة، ثم تصرف كل أسرة لمقاعدها، بحيث تكون كل أسرة في مقاعد محددة، وبعد كل فترة (ساعتين مثلاً أو نزول لصلاة) تغير المقاعد من خلال مشرف النظام أو أمير الرحلة. وبعد الانطلاق ينبه الشباب على قراءة دعاء السفر، ويقوم أمير الرحلة أو من ينوب عنه بإلقاء كلمة، تشتمل على:
تيسير أمور الرحلة، وحال الإنسان في السفر، والمطلوب من الشباب في هذه الرحلة، وغير ذلك ثم يعلن التشكيل الإداري ويتولى المشرف الإعلامي أو الثقافي الإشراف على البرنامج، بحيث يقسم الإذاعة مدة الذهاب، على جميع الأسر، لكل أسرة نصف ساعة أو نحوها، تقدم فيها فقرات منوعة، من (قرآن، وحديث، ووعظ، ونشيد، وأخبار، ونحو ذلك) ويكون بين كل أسرة وأخرى فترة راحة لمدة ثلث ساعة أو ربع، ويفضل تسمية الأسر، وتتولى لجنة النظام والعقوبات، إضافة إلى رواد الأسر متابعة أفراد الأسر، بحيث لا ينشغل أحد بسماع شريط، أو حديث جانبي، أو نوم، والمخالف ينال عقابه حسب ما يراه أمير الرحلة، من تنظيف للحافلة أو تنزيل للعفش، أو غسل الأواني، ويعلن المشرف الإعلامي نتيجة الإذاعة سواء بعد انتهاء الأسرة الأولى أو انتهاء أسرتين، أو أكثر حسب ما يراه هو، ويتوقف البث الإذاعي عند الدخول للمدن الكبيرة، ويستأنف عند الخروج منها، ويتوقف أيضا عند الوقوف، مع احتساب الوقت ليكون بدلا عن الضائع. وهكذا يكون يوم الذهاب.
– البرنامج اليومي الثابت: بعد صلاة الفجر، بعد الوصول للمكان المحدد: يبدأ البرنامج الرياضي ومدته ساعة وثلث تقريباً، ويقترح إقامة زيارات لبعض المرافق الحكومية والمخيمات الدعوية والشخصيات البارزة.
– ولا بد من تحديد موعد الرحلة وإعلام المشاركين به قبل موعد الرحلة بوقت كاف. والحصول على الإذن المسبق من الجهة المرتبط بها الراحلون، وكذلك الإذن من ولي أمور الطلاب (المتربين) والحصول على الإذن المسبق بالزيارة إذا كانت الرحلة إلى مكان لأحدٍ له عليه مسئولية. وتحديد طبيعة مكان الرحلة، من حيث مسافة الطريق ذهابا وإيابا، وطبيعة المكان قربه أو بعده عن المنافع العامة، وتوفر المستلزمات (أدوات الرحلة) قبل الرحلة بوقت كاف، لأن العشوائية والارتجالية تضر بالرحلة، والحرص على أن يكون وقت الرحلة خاصاً بتحقيق أهدافها، وأن لا يصرف شئ من الوقت في إكمال النواقص أو غيرها. وينبغي تحديد المسئوليات تجاه تأمين المستلزمات والتوسط بين الإسراف والتقتير في المستلزمات الغذائية، والتنبيه على إخلاء سيارات النقل من الأشياء غير المسموح بها نظاماً والحرص على اختيار المكان المناسب، وذلك بأن يكون:
– بعيداً عن السيّاح والمصطافين ومساكن الناس.
– واسعاً غير ضيّق. وسهلاً غير وعر. – قريباً نسبياً من المنافع العامة (أماكن جلب المياه، الأسواق، المستشفيات..)
– إن كانت أول رحلة فيفضل أن يكون المكان قريباً غير بعيد. وأن تكون الرحلة قصيرة، وأن لا يكون المكان مرعباً، وخصوصاً في أول رحلة، وتجهيز مكان الرحلة قبل موعدها بوقت كاف، وذلك بإرسال سريّة استطلاعية إلى مكان الرحلة، لحجز المكان، وحتى لا يضيع وقت الرحلة في البحث عن مكان مناسب.
– البرامج الثقافية للرحلة: البرامج الثقافية في الرحلة هي روح الرحلة وجوهرها، وبقدر ما يكون البرنامج الثقافي فاعلاً ومفيداً، بقدر ما تكون الرحلة ناجحة مفيدة لها ذكريات خالدة !! والبرنامج الثقافي للرحلات على مرحلتين:
المرحلة الأولى: برنامج لحالات التنقل والأسفار (برنامج الطريق) ومقصود هذا البرنامج إشعال وقت المسير إلى المكان المقصود بالرحلة، وينبغي أن يراعى في هذا البرنامج:
من الأفكار لبرنامج الطريق: (المسابقات السريعة، الأناشيد والحداء، التعارف، قصة التزام، الذكر، سماع شريط والسؤال بعد كل مقطع من المسموع..).
المرحلة الثانية: برنامج لحالات الاستقرار. هذا البرنامج، إنما يكون بعد الوصول إلى مكان الرحلة والاستقرار، ووضع الرحال، وهو يختلف عن سابقه بالتركيز والانضباط. عادة ما يشتمل هذا البرنامج على المحاضرات والندوات والأمسيات وحفلات السمر والأنشطة الرياضية، والتدريبات المهارية والدعوية.
وحتى ننجح في ذلك لابد من مراعاة أمور منها: تأمين الأدوات التي تخدم البرامج الثقافية في الرحلة (مكبر صوت، جهاز تسجيل، لوحات، أقلام، دفاتر،…) مراعاة التجديد والتغير سواءً في البرامج المطروحة، أو تغيير أسلوب طرح البرامج أو تغير أوقات الطرح مما يبعث في النفس الرغبة في إنجاح البرنامج وعدم الملل أن يغلب فيها البرنامج الترفيهي، وأن تكون البرامج الجادة فيها متوسطة لأنها ليست رحلة علمية, وإنما هي رحلة ترفيهية. وتنسق البرامج الثقافية، وتحدد المسئوليات فيها (المسابقات الثقافية، الدروس، الكلمات، حفلات السمر،…) والانضباط في أوقات البرامج سواء التربوية أو العبادية، إذا أن ذلك يعوّد المشترك (المتربي) على تقدير أهمية الوقت والحرص عليه وعلى الداعية أن يتحمل أخطاء المشاركين، وأن يكون عنده البديل الجاهز لأي برنامج قد يعتذر عنه من كُلِّف به، وأن يتسم الداعية بحسن التصرف في أمثال هذه المواقف، وأن يكون حكيماً في معالجتها.
– وتوزيع المشاركين في الرحلة إلى مجموعات أو شُعب، وينبغي أن يراعى في هذا التقسيم: العدل في تقسيم أصحاب المواهب والطاقات بين الشُعب ومراعاة فارق العمر بين المشاركين. وأن يكون التقسيم مبني على معرفة مسبقة بالمشاركين من حيث أعمارهم وقدراتهم ويفضّل أن تتم عملية التقسيم قبل الوصول إلى مكان الرحلة.
– تحديد البرنامج السياحي من حيث الأماكن والمناطق التي ستزار.
– الاستعداد الرياضي: هناك عدد من الأمور ينبغي مراعاتها في هذا الجانب منها:
– تجهيز الأدوات الخاصة بالجانب الرياضي من ملابس وأدوات رياضية (كرة، ملابس سباحة، بالونات، الخ)
– اختيار الألعاب الرياضية المناسبة للمشاركين في الرحلة، وتجهيز الأدوات الخاصة بها. – تجهيز الفتاوى المتعلقة بالسفر.
– قراءة الكتب المتعلقة بالمنطقة المزارة من حيث المواقع والأماكن المناسبة.
– قراءة بعض القصص المثيرة، وذلك للاستفادة منها في أوقات الفراغ أثناء الرحلة.
– اصطحاب بعض الكتب: (القرآن الكريم – تفسير السعدي-مثلاً- كتاب رياض الصالحين شرح ابن عثيمين – هذا الحبيب يا محب)..
– أشرطة ننصح بالاستماع إليها: (القرآن الكريم – الأناشيد الإسلامية ذات المواضيع الهادفة – أشرطة السيرة النبوية – سيرة الصحابة – التاريخ الإسلامي)
– وإنهاء الرحلة قبل قضاء الوطر منها، يحيي في النفس حب التشوّق للمزيد والتشوّق إلى رحلة أخرى.
– عقد جلسة ختامية مع جميع الأفراد يستمع فيها المشرف (المربي) لآراء المشتركين في الرحلة، وتسجيل السلبيات والإيجابيات في الرحلة، وقد يتخلل هذه الجلسة كلمة وداع واعتذار، ويحبذ أن يستغل المشرف هذا اللقاء الأخوي المؤثر في جمع القلوب والتأليف بينها.
– تقسيم مهام العمل الذي سيكون عند الوصول إلى البلد أو المدرسة (كيفية إيصال مستلزمات الرحلة إلى المستودع، وكيفية إيصال المشتركين إلى منازلهم، وتنسيق ذلك قبل مغادرة مكان الرحلة. وترك المكان نظيفاً بعد انقضاء الرحلة. والتنبيه على عدم العبث بالممتلكات الخاصة بالمكان إن وُجد. ويستحسن الرجوع مبكراً من الرحلة لما فيه من تطييب نفوس أهالي المشاركين في الرحلة5.
هذا ما تيسر ذكره في الرحلات الترفيهية الدعوية، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
شكرا لكم و دمتم في رعاية الله
شكرا على الطرح المميز.
شكـــــــــــــــــــــــــــــــــرررررررررررررررررررراااااااااااااااااااااااااااااااااا