جمعها
أبوعبد الرحمن
محمود بن محمد الملاح
هذه مجموعة من الفوائد جمعتها لنفسي ومن شاء من المسلمين من تفسير الحافظ ابن كثير -رحمه الله- وحرصت على نقلها بدون تعليق إلا وضع عنوان مناسب لها وذكر مكانها من التفسير بذكر اسم السورة ورقم الآية وسنوالي ذكر الفوائد لكل سورة بمفردها، وسنبدأ ب (25) فائدة من سورة النساء، أرجو أن ينفع الله بها وألا يحرمنا الأجر.
استنباط الأذكياء
1- وقد استنبط بعض الأذكياء من قوله تعالى: { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ } أنه تعالى أرحم بخلقه من الوالد بولده، حيث أوصى الوالدين بأولادهم، فعلم أنه أرحم بهم منهم، كما جاء في الحديث الصحيح وقد رأى امرأة من السَّبْي تدور على ولدها ، فلما وجدته أخذته فألْصَقَتْه بصَدْرها وأرضعته. فقال رسول الله لأصحابه: "أتَروْن هذهِ طارحةَ ولدها في النار وهي تَقْدِرُ على ذلك؟ " قالوا: لا يا رسول الله: قال:"فَوَاللهِ للَّهُ أًرْحَمُ بعبادِهِ من هذه بِوَلَدِهَا"( النساء:11)
2- قال الإمام أحمد: حدثنا علي بن عَيَّاش وعصام بن خالد، قالا حدثنا ابن ثَوْبان، عن أبيه، عن مكحول، عن جُبَير بن نُفَيْر عن ابن عُمَرَ، عن النبي قال: "إنَّ الله يَقْبلُ تَوْبَةَ العبدِ ما لم يُغَرغِر"
.[و] رواه الترمذي وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، به وقال الترمذي: حسن غريب. ووقع في سنن ابن ماجه: عن عبد الله بن عَمْرو. وهو وَهْم، إنما هو عبد الله بن عُمَر بن الخطاب(سنن ابن ماجه ، كتاب الزهد ، باب ذكر التوبة ، حديث (4394) ، الموجود عبد الله بن عمرو كما قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله-)( النساء:18)
3- قال الإمام مالك، عن ابن شهاب، عن قَبيصة بن ذُؤيب: أن رجلا سأل عثمان بن عفان عن الأختين في ملك اليمين، هل يجمع بينهما؟ فقال عثمان: أحلتهما آية وحَرمتهما آية، وما كنت لأصنع ذلك، فخرج من عنده فلقي رجلا من أصحاب النبي ، فسأله عن ذلك فقال: لو كان لي من الأمر شيء ثم وجدت أحدا فعل ذلك لجعلته نكالا. قال مالك: قال ابن شهاب: أرَاه علي بن أبي طالب: قال: وبلغني عن الزبير بن العوام مثل ذلك.
قال الشيخ أبو عمر بن عبد البر النَّمَري، رحمه الله، في كتابه "الاستذكار": إنما كني قبيصة بن ذُؤيب عن علي بن أبي طالب، لصحبته عبد الملك بن مروان، وكانوا يستثقلون ذكر علي بن أبي طالب، رضي الله عنه.
ثم قال أبو عمر، رحمه الله: حدثني خلف بن أحمد، رحمه الله، قراءة عليه: أن خلف بن مطرف حدثهم: حدثنا أيوب بن سليمان وسعيد بن سليمان ومحمد بن عمر بن لبابة قالوا: حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن إبراهيم، حدثنا أبو عبد الرحمن المقري عن موسى بن أيوب الغافقي، حدثني عمي إياس بن عامر قال: سألت علي بن أبي طالب [رضي الله عنه] فقلت: إن لي أختين مما ملكت يميني، اتخذت إحداهما سرية فولدت لي أولادًا، ثم رغبت في الأخرى، فما أصنع؟ فقال علي، رضي الله عنه: تعتق التي كنت تطَأُ ثم تطأ الأخرى. قلت: فإن ناسًا يقولون: بل تَزَوّجها ثم تطأ الأخرى. فقال علي: أرأيت إن طلقها زوجها أو مات عنها أليس ترجع إليك؟ لأن تعتقها أسلم لك. ثم أخذ علي بيدي فقال لي: إنه يحرم عليك ما ملكت يمينك ما يحرم عليك في كتاب الله عز وجل من الحرائر إلا العدد -أو قال: إلا الأربع-ويَحْرُم عليك من الرضاع ما يحرم عليك في كتاب الله من النسب.
ثم قال أبو عمر: هذا الحديث رحلة لو لم يصب الرجل من أقصى المشرق أو المغرب إلى مكة غيره لما خابت رحلته.
قلت:وقد روي عن علي نحو ما تقدم عن عثمان.( النساء:24)
4- وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زُرْعة، حدثنا إبراهيم بن موسى، أنبأنا هشام -يعني ابن يوسف-عن ابن جريج، حدثني إبراهيم بن عبيد بن رفاعة، أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان قال: كانت عندي امرأة فتوفيت، وقد ولدت لي، فوجِدْت عليها، فلقيني علي بن أبي طالب فقال: مالك؟ فقلت: توفيت المرأة. فقال علي: لها ابنة؟ قلت: نعم، وهي بالطائف. قال: كانت في حجرك؟ قلت: لا هي بالطائف قال: فانكحها. قلت: فأين قول الله [عز وجل] { وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ } قال: إنها لم تكن في حجْرك، إنما ذلك إذا كانت في حجرك.
هذا إسناد قوي ثابت إلى علي بن أبي طالب، على شرط مسلم، وهو قول غريب جدًّا، وإلى هذا ذهب داود بن علي الظاهري وأصحابه. وحكاه أبو القاسم الرافعي عن مالك، رحمه الله، واختاره ابن حزم، وحكى لي شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي أنه عَرَض هذا على الشيخ الإمام تقي الدين ابن تيمية، رحمه الله، فاستشكله، وتوقف في ذلك، والله أعلم. ( النساء:23)
5- وقال ابن جرير: حدثني يعقوب، [حدثنا] ابن علية، عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: طلاق الأمة ست بيعها طلاقها، وعتقها طلاقها، وهبتها طلاقها، وبراءتها طلاقها، وطلاق زوجها طلاقها. ( النساء:24)
قلت)الملاح): لكن المذكور في كلام ابن عباس خمس فقط.
6- وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زُرْعة، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن مغيرة قال: كان يقال شَتْمُ أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما، من الكبائر.
قلت: وقد ذهب طائفة من العلماء إلى تكفير من سَبَّ الصحابة، وهو رواية عن مالك بن أنس، رحمه الله: وقال محمد بن سيرين: ما أظن أحدا ينتقص أبا بكر، وعمر، وهو يحب رسول الله . .( النساء:31)
7- وقوله: { إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا }أي: مختالا في نفسه، معجبا متكبرا، فخورا على الناس، يرى أنه خير منهم، فهو في نفسه كبير، وهو عند الله حقير، وعند الناس بغيض.( النساء:36)
8- وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن رجل عن المِنْهال بن عمرو، عن سعيد بن جُبَيْر قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: أشياء تختلف علي في القرآن. قال: ما هو؟ أشك في القرآن؟ قال: ليس هو بالشك. ولكن اختلاف. قال: فهات ما اختلف عليك من ذلك. قال: أسمع الله يقول: { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ }[الأنعام: 23] وقال { وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا } ؛ فقد كتموا! فقال ابن عباس: أما قوله: { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } فإنهم لما رأوا يوم القيامة أن الله لا يغفر إلا لأهل الإسلام ويغفر الذنوب ولا يغفر شركا، ولا يتعاظمه ذنب أن يغفره، جحد المشركون، فقالوا: { وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } ؛ رجاء أن يغفر لهم. فختم الله على أفواههم، وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، فعند ذلك: { يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا }
وقال جُوَيْبِرٌ عن الضَّحَّاك: إن نافِعَ بن الأزْرَقِ أتى ابنَ عباس فقال: يا ابن عباس، قول الله: { يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا } وقوله { وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } ؟فقال له ابن عباس: إني أحسبك قمت من عند أصحابك فقلت ألْقي عَلَى ابن عباس متشابه القرآن. فإذا رجعت إليهم فأخبرهم أن الله جامع الناس يوم القيامة في بقيع واحد. فيقول المشركون: إن الله لا يقبل من أحد شيئا إلا ممن وحده، فيقولون: تعالوا نَقُلْ فيسألهم فيقولون: { وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ }قال: فَيُخْتَم على أفواههم، وتُسْتَنطق جوارحهم، فتشهد عليهم جوارحُهم أنهم كانوا مشركين. فعند ذلك تَمَنَّوْا لو أن الأرضَ سُوِّيَتْ بِهِم { وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا } رواه ابن جرير ( النساء: 42)
9- وقوله: { حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ } هذا أحسن ما يقال في حد السكران: إنه الذي لا يدري ما يقول فإن المخمور فيه تخليط في القراءة وعدم تدبره وخشوعه فيها.( النساء: 43)
10- وقد ذكر كثير من المفسرين أن هذه الآية نزلت في شأن عثمان بن طلحة بن أبي طلحة، واسم أبي طلحة، عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب القرشي العبدري، حاجب الكعبة المعظمة، وهو ابن عم شيبة بن عثمان بن أبي طلحة، الذي صارت الحجابة في نسله إلى اليوم، أسلم عثمان هذا في الهدنة بين صلح الحديبية وفتح مكة، هو وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص، وأما عمه عثمان بن أبي طلحة، فكان معه لواء المشركين يوم أحد، وقتل يومئذ كافرا. وإنما نبهنا على هذا النسب؛ لأن كثيرا من المفسرين قد يشتبه عليهم هذا بهذا، وسبب نزولها فيه لما أخذ منه رسول الله مفتاح الكعبة يوم الفتح، ثم رده عليه.( النساء: 58)