السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين ، و على آله و صحبه
أجمعين أما بعد :
في المـاضي القريب كانت الثقة بين الناس موجودة في أي معاملة تتم فيما بينهم , لأن الإيمان
بالله موجود في قلـوبهم ، أمـا اليوم فقـد تغير الناس حول هذا الموضوع ، إلا القليل منهم
يتمسكون بهذه الصفة الإسلامية العظيمة … فقد كان الناس يعيشون حياة ملؤها الود و الوئام
فرسموا بعلاقاتهم مع بعضهم البعض شكلا و مثلا عليا لعائلة متماسكة الأواصر و الروابط , و
كان الفرد منهم يعرف بكلمته التي لا مـرد لها و لا تنازل عنها مهما كلفه ذلك , صادق مع
نفسه فتجلي صدقه مع غيره من الناس , و هذا الشكل من التعامل بينهم وطأ لترسيخ معالم ثقة
كبيرة و قوية بينهم و في تعاملاتهم اليومية , فكان الجار يأتمن جاره على داره و أهله و ماله و
يسافر و هو مطمئن البال على أهله و ماله من النـوائب و المخـاطر غيرها … قد يتبادر إلى
أذهان البعض منا عندما يسمعون هذه الكلمات و هذه الأسطر أنها قصص و روايات خرافية و
خيالية و بـل و أساطير لا يمكن تصديقها لا واقعا و لا شكلا و تفصيلا …
بقفزة إلى حـاضرنا المشتت و المؤلم و عصرنا الغريب العجيب , فالواحد لا يثق حتى في
نفسه التي بين أضلعه فكيف بمن حوله حتى و لو كان صدقه و أمانته و أخـلاقه الفضيلة
على كل لسان , و لست متشائما بالإطلاق من الوضع فهناك خير مهما كانت الظلمات
التي تغطى الأفق الذي نراه , فبقراءة موضوعية و واقعية للأمر الناس اليوم , نجد أن الثقة
قد استغـلت و سببت للبعض مشاكل و مخـاطر , بل أصبحت ستار يستتر به البعـض
لتحقيق مآرب شريرة و غير محمودة , فالكذب و الخداع و الاحتيال أصبح صفة رائجة و
سلعة ذات صيت و ذات حـركية واسعة لأهلها الذين يتصفـون بها , و هذا يدلل على
المستـوى الذي أصبحت تساق به الأمور و أحوال الناس في هذا الزمان الموحش , إذن
الكل متهم في نظر الكل حتى يثبت عكـس ذلك مع مر الأعوام و جـر السنين لبعضها
البعض و ربما لا يعرف صاحب المروءة إلا بعد أن يـوارى الثرى و ينقطـع عمله عندها
يقول الناس كان مثالا للخيـر و يعـددون صفاته التي ربما لا يكن منها في شيء , أمثال
هؤلاء تجدهم للمكائد صناع محتـرفون و للمكر مقتـدرون حاذقون , و الناس تفتتن بما
يعملون ظاهرا من الفعل فقط و لا يدرون الباطن الخفـي عنهم , أما الطيب الساذج و
الأحمق في منظور الناس اليوم و الأمر ليس بالعمـوم و لكنه عند الغالبية العظمى هو ذلك
الشخص الذي تجد الحيـاء يعلو محياه , و هو الشخص الذي يتمسك بقيم إسلامنـا و
عاداتنا و تقاليدنا و ليس ذلك الشخص الذي شوهها لينال المراد و يستغلهم و هذا مربط
الغرابة و غربة هذا الزمان …
إذن مسألة الثقة المتبادلة بين الناس تجعل أي مجتمع , راقي في معاملات أفراده و مكوناته
لبعضهم البعض , و ليس غابة من الوحوش يخشى بعضها البعض , بل و تطور أساليب و
طرقا جديدة لتصبح أشد قوة أشد مكرا و خداعا , فالبائع لا يأتمن المشتري و العكس و
لا المحكوم تجاه حاكمه و الأمر متبادلا مـن الطرفين على حد السواء و حتى في المناقشات
عندما يطرح أحدهم فكرته أو قصته تجد الكثير لا يصدقه حتى يعظـم لهم اليمن الغليظة
على صدقه … و إنه من أعظم أشكال عدم تجلي الثقة , بين أهل البيت الواحـد و تحت
السقف الواحد , فالزوج لا يثق في زوجته و الأب لا يثق في أولاده و الزوجة في زوجها
و هكذا … فما هو الفرق بين الأمس و اليوم يا ترى ؟ و ما هو التعـريف الصحيح
للثقة و الطيبة في نظرك أخي أختي ؟ و هل للظن بحسنه و سيئه دور في ذلك كله ؟ و
هل تمثل الخيانة ممن وثقت فيهــم درسا لك لعـدم الثقة في أحد مرة أخرى ؟ …