خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وحباه بالتكريم «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً» الإسراء 70.
وعندما خلق الله سبحانه وتعالى آدم أمر الملائكة أن تسجد له «وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوْا لآِدَمَ» البقرة 34.
وقد جعل الله الإنسان بمثابة خليفة له على الأرض «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَة» البقرة 30.
وقد منح الله سبحانه الإنسان العديد من المواهب فوهبه العقل الذي يميز به بين الصحيح والخطأ والمفيد والضار، والخير والشر.
ووهبه القدرة على التعلم والرغبة في التعلم والتعليم «الرَّحْمنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ» الرحمن1ـ 4، «اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ» العلق3ـ 5 .
وقد أعطى للإنسان حرية الاختيار في الكثير من الأشياء فالإنسان قادر على اختيار ما يريد اتباعه أو ما يريد القيام به، ولهذا صار مسؤولاً ومحاسباً «وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُوْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكُفُرْ» الكهف 29.
وزوّده بقوة الإرادة ليحقق وينفذ ما يختاره: «قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا» الشمس: 9 ـ10.
كل ذلك كان مظاهر تكريم الله للإنسان، واحترامه له وتفضيله على كل المخلوقات التي تشاركه العيش على سطح هذه الأرض ولكي تصان هذه الكرامة وتحفظ هذه المنزلة، فقد شرع الله سبحانه للإنسان العديد من التشريعات نذكر منها:
1ـ أمره بالعدل ومنعه عن الظلم، لقد أمر الله الإنسان أن يكون عادلاً مع نفسه، مع الآخرين من بني جنسه (أي البشر) ومع باقي المخلوقات التي تشاركه العيش، فالظلم في نظر الإسلام انتهاكات لكرامة الإنسان فالظالم يفقد إنسانيته بالظلم، والمظلوم يفقد كرامته بالتعرض للظلم.
2ـ نهاه عن إيذاء نفسه أو تعريضها للخطر بدون سبب مشروع فكل الأعمال التي تضر ضرراً بالغاً بصورة كلية أو جزئية جسم الإنسان أو روحه أو عقله بصورة مباشرة أو غير مباشرة هي أعمال ممنوعة ومحرّمة، فقطع الأعضاء، أو الانتحار، أو التشويه، أو تناول المخدرات، والقيام بأي عمل يضعف عقل الإنسان أو يوقعه في الأمراض النفسية، كلها ممنوعة ومحرمة، كما أن عمليات الإضرار بالبيئة بما يؤثر على وجود الإنسان على سطح الأرض، أو هدر الثروات أو الإسراف في استخدامها بدون ضرورة كل ذلك مما لا يرضاه الله وتمنع عنه شريعته «وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ» البقرة 205.
3ـ لقد بين سبحانه وتعالى بما لا يقبل الشك والتأويل على وحدة الجنس البشري، مؤكداً على أن البشر كلهم أخوة ونظراء في الخلق، وكلهم لأب واحد ولأم واحدة يتساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا فرق بينهم في اللون أو الدم، أو الذكورة والأنوثة، وإنهم خلقوا ليتقاربوا وليتعارفوا ويتعاونوا على الخير ولما فيه مصلحة الإنسان «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ » الحجرات 13.
4ـ محاربة الجهل، فقد مدح سبحانه وتعالى العلم والعلماء، وحث على طلب العلم، ورفع منزلة أهله، كما حث سبحانه وتعالى الإنسان على التفكير واستخدام العقل، لأن الإنسان إذا لم يستخدم عقله، ولم يكتسب المعرفة، يكون قد أضرّ بكرامته الإنسانية، وقد أمر الله سبحانه وتعالى بطلب الحكمة فقال: «وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً» البقرة 269.
5ـ منع الإنسان من التقليد الأعمى، والسير على أي طريق وهو مغمض العينين، فالمطلوب من الإنسان أن ينتخب وعن وعي كامل طريقه، وإن يخضع الأفكار والعادات والتقاليد الاجتماعية للتقويم المنطقي، وبما يتفق مع العقل والشرع، لأن التقليد الأعمى والإنسان وراء كل صيحة ونداء، تخِل بكرامة الإنسان «وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ الْسَّمْعَ وَالْبَصَرَ كُلُّ أُوْلئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً» الإسراء 36.
6ـ كما منح الإنسان الحرية الشخصية، فالبشر يولدون أحراراً، ومنحه حرية التعبير وغيرها من أنواع الحريات كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) «لا تكن عبد غيرك وقد خلقك الله حراً».
فلم يسمح للإنسان بأن يتنازل عن حريته مهما كانت الأسباب، ولا أن يصادر حريات الآخرين.
7ـ رسم للإنسان طريق الفضيلة وأمره بها وحثه عليها ومنعه من الرذيلة، لأن في الفضيلة صيانة لكرامة الإنسان، بينما في الرذيلة هدرها وضياعها.
8 ـ حثه على تأمين كل ما يحفظ كرامته من صيانة للنظافة والهندام الحسن والمظهر الجيد، ورائحة الطيب المنبعثة منه والتصرف اللائق في قوله وفعله، كل ذلك إعزازاً له وإكراماً لإنسانيته.
وما على الإنسان بعد كل ذلك إلا أن يعرف قدر نفسه والمنزلة التي وضعه الله سبحانه وتعالى فيها، فيعمل جاهداً على حفظ كرامته وصيانة عزته ليسعد في الدنيا والآخرة.