يقول تبارك و تعالى: و اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي يريدون وجهه و لا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا، ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا و اتبع هواه و كان أمره فرطا (الكهف 28)
غذاء القلوب: ذكر علام الغيوب، وقد نادى منادي حي على الفلاح، فأجابته الأرواح الصحاح.
جلس أهل الشهوات يدنسون ألسنتهم بانتهاك الأعراض، و الوثوب على الحرمات، واقتحام أستار المؤمنين، شادوا دورهم،
و خربوا قبورهم، زخرفوا برودهم، و هدموا لحودهم.
عندها هب أهل الإيمان على بريد التوفيق مجيبين بلال العزم في سحر الأيام، فأما قلوبهم فمطمئنة بذكر ربهم، و أما ألسنتهم ففي زجل بمدح ربهم، و أما عيونهم فجارية بماء الحب، باعوا دمائهم من الله، فهم ينتظرون الذبح في سبيله، و أرخصوا أنفسهم في خدمته، فكل تعب في مرضاته راحة، و كل سهر في عبادته أنس، وكل جوع لأجله غنيمة.
إذا رأيت خدام الدنيا يلوحون بالدنانير الملس، و يتهافتون كالذئاب العلس،….. فاصبر نفسك.
و إذا دعاك الناكثون في السهرات، الغافلون في الخلوات، المتثاقلون عن الطاعة، المتفلتون عن صلاة الجماعة،.
إذا سمعت نغمة الوتر، و صولة أهل البطر، و جموح المترفينن و استفزاز المرجفين…..،فاصبر نفسك.
عندنا خير مما عندهم، حياتنا جد، و حياتهم هزل، ولايتهم في اضطراب، و ولايتنا لا تقبل العزل، كلما كذنا نرضخ، صاح النذير:واصبر نفسك.
أيها المؤمنون ، هل شممتم مسكا أزكى من أنفاس التائبين؟ هل سمعتم بماء أعذب من دموع النادمين؟ هل رأيتم لباسا أجمل من لباس المحرومين؟ هل رأيتم زحفا أقدس من زحف الطائعين؟
فالعيـن ساكبـة و الطـرف مكتمـل……………………من السهاد و ذو الأشواق لم ينم
يا مسلما ، هل من ركعتين و دمعتين؟ فالحياة بلا ركوع دمار، و العمر بلا دموع خسار.
خلا رسولنا في الغار، فهبطت عليه الأنوار، فأتت من الغيب بشرى النبوة تتنفس في السحر كالشذى، و شقت صمت العالم و أنسام التوفيق تحملها السكينة من دار إلى دار، فاستقامت مكة على هدهدة أنامل الرسالة، فإذا بشمس الوحي تتهادى من خلف تلال التاريخ، و في عينيها أسرار عشاق المبادئ و سمار المجد، و في كف اليتيم شعل من طور سيناء، و في دمه عقيدة حارة تتحدى الطواغيت و الجبابرة، و في ملامحه وعد يقرؤه أتباعه من القراء و الآيبين.
شب اليتيم و نجم سعوده يهوي في بادية بني سعد، و الملحمة تنادي: و النجم إذا هوى، ما ضل صاحبكم و ما غوى ( النجم 1-2) ، فأشرقت شمسه، فكل أرض لم تسعد بها فهي شقية، و كل عين لم تشاهدها فهي عمياء، ذلك بأن الله يهدي برسوله من يشاء و يضل من يشاء.
وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان و لكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا و إنك لتهدي إلى صراط مستقيم. ( الشورى:52) .
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته