التصنيفات
التنمية البشرية

مكافحة الفساد بالمرايا

مكافحة الفساد بالمرايا


الونشريس

يقول "ألفرد أدلر": "الدعوة للفضيلة والدفاع عنها، أسهل بكثير من الالتزام بها. فلو كانت شركة "إنرون" التزمت باثنتين فقط من القيم الأربع التي أعلنتها وهي: الاحترام والنزاهة والشفافية والتميز لما أفلست."

من التقاليد الدستورية أنالشخصيات العامة من وزراء تنفيذيين وبرلمانيين مشرعين وقضاة محققين وقادة سياسيينيؤدون القسم وهم يضعون أيديهم على القرآن الكريم فيقولون مثلاً: "أقسم باللهالعظيم أن أحافظ على الدستور وأن أخدم الأمة وأن أقوم بواجبي خير قيام." هذا القسميعني أن من يؤديه يخاف (من) الله، ويخاف (على) الدستور، ويخاف (لـ) الشعب. لكن قلةفقط من هؤلاء يتلعثمون ويرتبكون وهم يتقلدون أعباء السلطة ويتحملون أثقالالمسؤولية. وأظن أن الذين يرتبكون وهم يقسمون، هم من يدركون معنى ما ينطقون. وربما يكون هؤلاء هم الذين يعقدون العزم على أن يحولوا أيمانهم إلى التزاماتأخلاقية وأن يواجهوا تحدياتهم ويتحملوا مسؤولياتهم.

فما الذي يحدث لمعظمالقياديين والسياسيين والإداريين والبرلمانيين عندما تتعاظم سلطاتهم ويتفاقمنفوذهم؟ يبدأ هؤلاء حياتهم العملية الرسمية وهم أناس أنقياء وأحيانًا أتقياء. وماهي إلا بضعة شهور أو بضع سنوات حتى تتمكن السلطة من نفوسهم، وينقلبوا من مثاليينإلى فاسدين، إذ تتحول ذات مواهبهم ونقاط قوتهم التي أوصلتهم للقمة من نعمة إلىنقمة. فالسلطة تكبر وتتضخم مثل كرة الثلج التي تتدحرج وتزيد كتلتها وتتعاظم قوتهاوشهوتها ويصبح من الصعب التخلي عنها. فما أن يقدم المسؤول أول تنازل عن أول مبدأ،حتى تتوالى التنازلات، ويتحول صاحب النفوذ من إنسان مستقل ويعتمد عليه، إلى مسعوربالسلطة ويعتمد عليها، مثل المدمن الذي لا يستطيع ممارسة حياته الطبيعية إلا إذاتخلص من إدمانه؛ فمشكلته ليست النجاح أو التميز أو الوفاء، بل التخلص من كل مايحوله من مستقل إلى معتل، ومن قائد إلى مقود، ومن مبادر إلى مقامر.

وماينطبق على الأفراد، يسري أيضًا على الشركات والمجتمعات والقارات. فقد حاربت أوروباوأمريكا لعقود وسنوات طويلة قبل أن تعتبر تقديم شركاتها الكبرى الرشا للمسؤولين فيدول العالم الثالث للحصول على الصفقات سلوكًا مخالفًا للمبادئ وخارقًا للقانون. فقد كنا نظن أن الشعوب المتقدمة هي أقل اعتمادًا على الرشوة والمحسوبية في إدارةشؤونها، ولذا فهي أقل تعرضًا للسقوط من الدول الفاشلة. لكن تجارب الفشل الأخيرةأثبتت أن آليات الحرية التجارية والديمقراطية السياسية لا تعمل بقوة الدفع الذاتيوليست درعًا واقيًا من الفساد. فهناك أيضًا خضوع واعتماد على المال كوسيلة للحفاظعلى السلطة، وهو اعتماد يحول البرلمانات الديمقراطية المنتخبة من سلطات تشريعيةمستقلة، إلى مجموعات ضغط منحلة ومحتلة. وهذا ما عناه "بنجامين دزرائيلي" عندماقال: "القانون لا يفيد الشرفاء لأنهم لا يحتاجونه، ولا يردع الفاسدين لأنهم لايحترمونه"؛ أي أن القانون ناقص دائمًا – بدون الأخلاق – وهو غير مفيد في الحالتين،لأن كل عمل – حتى الفساد – يصبح نظاميًا وعاديًا إذا ما قام به مئات الأشخاص في نفسالوقت.

فما هو الحل إذن؟ من السهل تقديم الوصفات والحلول من خارج دائرةالسلطة، ومن الصعب الاستماع إليها وفهمها من داخل دائرة الفساد المظلمة! ومع ذلكفإن عقد ورش عمل لتدريب وتذكير المسؤولين بالفرق بين: "كيف" نؤدي القسم، وبين "لماذا" نؤدي القسم يمكن أن يعيد لذوي النفوذ السياسي والاقتصادي والتشريعيوالإعلامي شيئًا من وعيهم المفقود. فقد يدفعهم هذا الوعي، أو على الأقل يحفز بعضهمإلى التساؤل:
لماذا وكيف يمكنني توجيه سلطتي لفعل الخير؟
لماذا وكيف أجنبسلطتي مسالك الشر؟
لماذا وكيف أحافظ على تواضعي ومواهبي وطاقتيالإيجابية؟
وأخيرًا، لماذا وكيف سأنظر كل صباح في المرآة وأسأل الشخص الذيأراه: هل ما زلت أحترمك؟

فهل حقًا يجب تذكير كل من يؤدي القسم بمعناهومغزاه؛ وبأنه يجب أن يخاف من الله وعلى الدستور وللأمة؟! الإجابة هي: نعم.. نعم.. نعم. معظم من يقسمون يفعلون ذلك بطريقة آلية، مركزين على البعد التقنيوالميكانيكي في أداء القسم، وهو بعد سطحي وقصير المدى، وغير مدركين للبعد القيميوالأخلاقي والمستقبلي، وهو بعد عميق وصعب المنال لأنه بعيد المدى. وكجزء منالتدريب اليومي والمستمر يمكن تثبيت المرايا أمام كرسي المكتب الفاخر وخلف كرسيالسيارة الفاخرة. ولتوفير النفقات يمكن استيراد مرايا رخيصة من الصين، لأنالمواصفة الوحيدة المطلوبة فيها هي عبارة: "هل ما زلتأحترمك؟".

مقال للمدرب الإداري: نسيـــــم الصمــــادي

منقول




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.