من المعوقات في طريق العلم الشرعي : تـرك العمـل بالعـلم :
ترك العمل بالعلم يكون على قسمين :
الأول : ترك الائتمار بالواجبات الشرعية ، وترك الانتهاء عن المحرمات ، وهذا كبيرة من الكبائر ، وعليه تُحمل الآيات والأحاديث المتوعدة مَن تركَ العمل بالعلم .
الثاني: ترك المستحبات والوقوع في المكروهات ، وهذا يذم لما ورد في الوعيد لمن وقع فيه ، يقول ابن الجوزي – رحمه الله – : " والمسكين كل المسكين من ضاع عمره في علم لم يعمل به ؛ ففاتته لذات الدنيا وخيرات الآخرة ، فقدم مفلسا مع قوة الحجة فيه ، فالعملُ بالعلم مدعاةٌ لحفظه وثباته ، وعدمُ العمل به مدعاةٌ لضياعه ونسيانه "
ومن المعوقات أيضا : الاعتماد على الكتب دون العلماء :
يرى بعض من أفاء الله عليه من العلم من نفسه قدرة على أخذ العلم من بطون الكتب ، دون الرجوع إلى العلماء في توضيح عباراته وحل مشكلاته ؛ وهذا داء عُضال ابتلينا به ، قال الإمام الشافعي – رحمه الله – : " من تفقه من بطون الكتب ضيّع الأحكام ".
ومن المعوقات في طريق العلم الشرعي : أخذ العلم عند الأصاغر:
وهذه ظاهرة فشت ، وهي أن كثيراَ من طلاب العلم يأخذونه من صغار الأسنان وهو داء عُضال ؛ لأن أخذ العلم عن صغار الأسنان الذين لم ترسخ لهم قدم في العلم ولم تَشِب لحاهم فيه مع وجود من هو أكبر منهم سناً وأرسخ قدما يُضعف أساس المبدأ ، ويحرمه من خبرة العلماء المشهود لهم بالعلم والفضل ، واكتساب أخلاقهم التي قوّاها العلم والزمن ،
يقول ابن مسعود – رضي الله عنه – " لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم وعن أمنائهم وعلمائهم ، فإذا أخذوه عن صغارهم وشرارهم هلكوا " .
وذهب ابن قتيبه – رحمه الله – إلى أن الصغار صغار الأسنان ، فقال عن أثر ابن مسعود : " يُريد : لا يزال الناس بخير ما كان علماؤهم المشايخ ، ولم يكن علماؤهم الأحداث ؛ لأن الشيخ قد زالت عنه متعة الشباب وحدّته وعجلته واصطحب التجربة والخبرة ، ولا يدخل عليه في علمه الشبهة ، ولا يغلب عليه الهوى ، ولا يميل به الطمع ، ولا يستزلّه الشيطان استزلال الحدث ؛ فمع السن الوقار والجلال والهيبة ، والحدث قد تدخل عليه هذه الأمور التي أمنت على الشيخ فإذا دخلت عليه وأفتى هلك و أهلك " .
وعن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال : " قد علمت متى صلاح الناس ومتى فسادهم ، إذا جاء الفقه من قبل الصغير استعصى عليه الكبير ، وإذا جاء الفقه من الكبير تابعه الصغير فاهتديا " .
وعن أبي الأحوص عن عبدالله – رضي الله عنهما – قال : " إنكم لن تزالوا بخير ما دام العلم في كباركم ، فإذا كان العلم في صغاركم سفّه الصغير الكبير "
وهذا الحكم ليس على إطلاقه فقد أفتى ودرس جمع من الصحابة والتابعي في صغرهم بحضرة الأكابر ،فإذا وجد الصغير وظهرت رصانته في العلم ، وأُمنت منه الفتنه : فليؤخذ عنه ، فمن أراد العلم من منابعه الأصلية فهاؤم العلماء الكبار الذين شابت لحاهم وذبلت قواهم فليلزموهم قبل أن يفقدوهم .
إننا في زمان اختلّ فيه معيار كثير من العامة في تقييم العلماء ، فجعلوا كل من وعظ موعظة بليغة ، أو ألقى محاضرة هادفة ، أو خطب مرتجلا يوم الجمعة ، عالماً يُرجع إليه في الإفتاء !! ويُؤخذ عنه العلم !
وهذه ظاهرة مزرية ؛ فليحذر طالب العلم من أخذ العلم عن هؤلاء ، وعدم رفعهم إلى منازل العلماء .
ومن المعوقات في الطلب أيضا : عدم التدرج في أخذه :
والتدرج سنة من سنن الله في الكون ، مُخالفتها في باب العلم الشرعي: باب شر كبير ، وضلال مستطير .
ومن المعوقات في طريق العلم الشرعي: الغرور والعُجب والكبر :
معصية الله تعالى عائقة عن نيل العلم ؛ لأن العلم نور من الله يقذفه في قلوب من شاء من عباده ، ولا يجتمع في قلب نور وظلمة ، ولذا يقول ابن مسعود – رضي الله عنه – : " إني لأحسب أن الرجل ينسى العلم قد علمه بالذنب يعمله " . ويرحم الله الإمام الشافعي حيث قال :
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نـــور ونور الله لا يُهــدى لــعاصي
فالتكبر والتعاظم والغرور والعُجب من أقبح الصفات التي يتلبس بها طالب العلم ؛ فيزدري هذا ، ويترفع عن هذا ، ويتبختر في مشيته ، ويتشدّق في حديثه … إلى غير ذلك من صفات العُجب التي نهى الله تعالى عنها (( ولا تمش في الأرض مرحا ً ..إن الله لا يحب كل مختال فخور )).
قال في( تهذيب الإحياء) : " من أعظم الآفات وأغلب الأدواء : الكبر بالعلم ، وأبعدها عن قبول العلاج ؛ ذلك لأن قدر العلم عظيم عند الله ، عظيم عند الناس ، وهو أعظم من قدر المال والجمال وغيرهما " .
فيجب على طالب العلم أن يعلم أن حجة الله على أهل العلم اآكد ، وأنه يحتمل من الجاهل ما لا يحتمل عُشرُه من العالم ، فإن من عصى الله عن معرفة وعلم فجنايته أفحش ؛ إذ لم يقض نعمة الله عليه في العلم .
ومن المعوقات في طريق العلم الشرعي: استعجــــال الثمر :
بعض الناس يظن أن العلم لقمة سائغة ، أو جرعة عذبة ، سرعان ما تظهر نتائجها ، وتتبين فوائدها ، فيأمل في قرارة نفسه أنه بعد مضي سنة – أو أكثر أو أقل – سيصبح عالما نحريرا لا يُشق غباره ولا يُدرك شأوه !
وهذه نظرة خاطئة وتصور فاسد وأمل كاسد ، أضراره وخيمة ، ومفاسده عظيمة ؛ إذ يُفضي بما لا تحمد عقباه من القول على الله بغير علم ، والثقة العمياء بالنفس ، وحب العلو والتصدر ، وغالبا ما ينتهي مطافه إلى هجر الانتساب للعلم وأهله ، لأن العلم بعيد المرام لا يُصاد بالسهام ولا يرى في المنام ولا يدركه إلا من اعتضد الدفاتر وحمل المحابر وقطع القفار وواصل في الطلب الليل والنهار .
ومن العوائق في طلب العلم الشرعي: دنـــوُّ الهمّـــــة :
من الطلاب من هو قليل البضاعة يكتفي بقليل من الأحاديث ولا يتعداها ، وبضع آيات من القرآن لا يبرحها ، بضاعته في العلم قليلة ، قد قعدت به همّتُه فمحقت مواهبه ، وأزالت بهاء نبوغه ، يقنع بيسير من المعلومات ويأنف من القراءة والمطالعة ، ويتشاغل عن الطلب والتحصيل ،
قال الفراء – رحمه الله -: " لا أرحم أحدا كرحمتي لرجلين : رجل طلب العلم ولا فهم له ، ورجل يفهم ولا يطلب ! وإني لأعجب ممن في وسعه أن يطلب العلم ولا يتعلم "
فينبغي للعاقل ألا يبغي بالعلم بدلا ، ومن أنس في نفسه النبوغ والذكاء لا يتشاغل بسواه أبدا ، وإلا فما أشد خسارته ! وما أعظم مصيبته !
على طالب العلم أن يتحلى بالصبر والجد والمثابرة ، وبهذا السبيل يستطيع التحصيل ، فمن طلب شيئا وجدّ وجد ، ومن قرع الباب ولجّ ولج ، وبقدر ما تتعنّى تنال ما تتمنى .
وبقدر الكد تكتسب المعـالي ومن طلب العلا سهر الليالي
تروم العـز ثـم تنام ليـلا يغوص البحر من طلب اللآلي
وقد قيل للشعبي : من أين لك هذا العلم كله ؟ قال : " بنفي الاعتماد ، والسير في البلاد ، وصبر كصبر الجماد ، وبكور كبكور الغراب " .
والمثابرة على طول طريق التعلم عنوان الهمة .
ومن عوائق طلب العلم الشرعي: التسويف والتمني :
قيل لبعض الحكماء : من أسوأ الناس حالا ؟ قال : " من بَعُدت همته ، واتسعت أمنيته ، وقصرت آلته ، وقلت مقدرته ، فليدع الأماني الكاذبة ، والخيالات الكاسدة وأحلام اليقظة التي تضيّع الوقت وتطيش في الميزان..
منقول