مستشرقون أسلموا
كانت بداية الإستشراق من العمل المضاد للإسلام لجأ إليه الإفرنج في أعقاب الحروب الصليبية ليتمنكوا به من سبر أعماق المجتمع الإسلامي وفهمه والإطلاع على فعل العقيدة الإسلامية في نفوس أبنائه، وكيف تؤثر فيهم، تمهيداً لوضع مخطط جديد للتعامل مع المسلمين والنيل منهم على النحو الذي كان في الحقبة اللإستعمارية السابقة، وبعض مظاهر العدوان والغزو الثقافي التي ما تزال تمارس من حين لآخر، وفي هذه الديار أو تلك، من قبل بعض الدوائر الأجنبية. ولكن هذا لا يعني أن أحداً من المستشرقين لم يكن منصفاً، يقوم بما يقوم به متجرداً من الأهواء بعيداً من الزيغ والتحامل، كما أن هذا لا يعني أن دراسات المستشرقين وجهودهم لم تسد للحضارة العربية الإسلامية خدمات جليلة، بما سبقوا إليه ودرسوه وحققوه من التراث، وبما توصلوا إليه من مناهج البحث والتحليل. فالحقيقة التي لا مراء فيها أن من القوم كثيراً منصفون، وأن جهودهم في مجال خدمة التراث وتحقيقه ودراسته ونشره وحفظه كانت جليلة لا سبيل إلى إنكارها، ولا التقليل من شأنها، وقد أتيح للمستشرقين أن يطلعوا على الدين الإسلامي عن كثب، ولما كانوا لا يتصدون لرحلة الإستشراق إلا بعد أن يتخرجوا في الجامعات ومعاهد الدرس، ويكونوا قد حصلوا على مبلغ من العلم ومناهجه، يوظفونهما في أبحاثهم واستقرائهم، فإن كثيراً منهم كان يدرك – وهو العالم – حقيقة الدين الإسلامي، وصدق رسالته، فكان لا يلبث حتى يشهر إسلامه، ويعتنق هذا الدين الحنيف، مدركاً أن الدين عند الله الإسلام، وأنه من يبتغي غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه.
ولا نشك للحظة واحدة، في أن من القوم من أدرك صدق هذا الدين، وأنه الحق من الله عز وجل، ولكنه لم يسلم، استكباراً وعزة تأخذ بالإثم، أو خوفاً من الكنيسة التي كانت تعاقب من يثني على الإسلام، ناهيك عمن يعتنقه، على نحو ما فعله البابا حين " حُرِم " الكاتب الروسي المشهور ليوتولستوي من رحمة الله، عندما أثنى على الإسلام، وأبدى إعجابه بالنبي صلى الله عليه وسـلم، عندما رأى الحملة الظالمة التي كانت تشن في روسية القيصرية على الإسلام، ونبيّه الأمين.
وقد أكد اللورد هدلي هذه الحقيقة عندما قال إنني أعتقد أن هناك آلافاً من الرجال والنساء أيضاً، مسلمون قلباً، ولكن خوف الإنتقاد والرغبة في الإبتعاد عن التعب الناشئ عن التغيير، تآمروا على منعهم من إظهار معتقداتهم. ونود في هذه المقالة أن نعرف القارئ ببعض علماء المستشرقين الذين هداهم الله عز وجل لدينه الحنيف، بعد أن درسوه درساً، وتعمقوا فيه تعمقاً، فأدركوا أنه الحق من ربهم واتبعوه، ومن هؤلاء:
* جون لويس بوركهارت J. L.Burckhart
وهو سويسري ولد في مدينة لوزان 1784م، التحق بجامعة ليبزج ثم بجوتنجن، فدرس الكيمياء، ثم انتقل إلى إنجلترا، والتحق بجامعة كمبردج حيث درس علوم الطب والفلك والعربية، واتخذ الجنسية البريطانية، وقصد مدينة حلب، حيث واصل دراسة العربية، وقراءة القرآن الكريم، واعتنق الإسلام سنة 1809م، وغير اسمه إلى إبراهيم بن عبد الله، وما لبث حتى حج سنة 1814م وأقام بمكة ثلاثة أشهر، عاد بعدها إلى القاهرة، وتوفي فيها سنة 1817، ودفن في القرافة الكبرى بسفح المقطم، وكتب على قبره: هذا قبر الشيخ إبراهيم المهدي بن عبد الله بركهرت اللوزاني، ولادته في 10 محرم 1199هـ، وتاريخ وفاته رحمه الله بمصر المحروسة في 16 ذي الحجة سنة 1232هـ. ولبوركهارت مؤلفات كثيرة، منها الرحلة إلى بلاد الشام، وقد طبع في لندن سنة 1814، ورحلة إلى الجزيرة العربية ( لندن 1829 ) وسجلات أسفار في الشرق الأدنى، والاتصال بالبدو الوهابيين ( لندن 1831 ) وكتاب الرحلات النوبية وغيرها، وقد وقف ما كان لديه من مخطوطات على مكتبة جامعة كمبردج، وكان ما يزال بعض مخطوطاته لدى ابن أخيه جاكوب بوركهارت رئيس قسم العلاقات الدولية في وزارة الخارجية السويسرية سابقاً.
* اللورد هيدلي
ولد في لندن 19 يناير 1855 و توفي فيها في 22 يونيو 1935، كان لإسلامه ضجة كبيرة، وذلك لمكانته بين قومه، وعلو قدره العلمي، وقد حج بيت الله الحرام، ومر في طريقه بالإسكندرية، فأقام له أهالي الثغر حفلة كبيرة برعاية الأمير عمر الطوسوني، وبرئاسة الشيخ عبد الغني محمود شيخ علماء الإسكندرية آنذاك. قال في سبب اتجاهه نحو الإسلام " عندما كنت أقضي – أنا نفسي – الزمن الطويل من حياتي الأولى في جو الكنيسة كنت أشعر دائماً أن الدين الإسلامي به الحسن والسهولة، وأنه خلو من عقائد الرومان والبروتستانت. وثبتني في هذا الاعتقاد زيارتي للشرق التي أعقبت ذلك، ودراستي للقرآن الكريم، ويقول: فكرت وصليت أربعين سنة كي أصل إلى حل صحيح. ويقول: أنه إذا أصبح كل فرد في الإمبراطورية الإنجليزية محمدياً حقيقياً بقلبه وروحه لأصبحت إدارة الأحكام أسهل من ذلك، لأن الناس سيقادون بدين حقيقي.
" ليس هناك في الإسلام إلا إله واحد نعبده ونتبعه، إنه أمام الجميع وفوق الجميع، وليس هناك قدوس آخر نشركه معه، إنه لمن المدهش حقاً أن تكون المخلوقات البشرية ذوات العقول والألباب على هذا القدر من الغباوة، فيسمحون للمعتقدات والحيل الكهنوتية أن تحجب عن نظرهم رؤية السماء " .. ويقول في شعوره بعد إسلامه إن الدين الإسلامي: " تملك رشدي صدقاً، وأقنعني نقاؤه، وأصبح حقيقة راسخة في عقلي وفؤادي، إذ التقيت بسعادة وطمأنينة ما رأيتها قط من قبل، كما استنشق هواء البحر الخالص النقي، وبتحققي من سلامة وضياء وعظمة الإسلام ومجده. أصبحت كرجل فر من سرداب مظلم إلى فسيح من الأرض تضيئه شمس النهار.
* الفونس دينيه، أو ناصر الدين
ولد في باريس 28 مارس 1861 وأعلن إسـلامه رسمياً بالجامع الجديد بمدينة الجزائر سنة 1927م في اجتماع حافل، وطلب أن يدفن في قبره مسلماً حنيفاً، وهو القبر الذي شيده لنفسه في بلده " بوسعادة " بالجزائر، وذكرت صحيفة الأهرام في تلغرافاتها الخصوصية أنه ينقل إليها من فرنسـا وفق وصيته، ويقول إنه لم يسلم لطمـع، أو مغنم ( والرجل غني موسر الحال ) إنما أسلم إرضاء ليقينه وضميره، وأنه ناقش الناصرين والطاعنين ( للدين وفيه ) فخرج من ( دينيه ) إلى ( ناصر الدين ) وكان حجه سنة 1928 ووفاته سنة 24 ديسمبر 1929م رحمة الله عليه.
* رينيه جيتو، أو الشيخ عبد الواحد يحيى، هو العالم الفيلسوف على مستوى أمريكا وأوروبا، كان إسلامه ثورة كبرى هزت ضمائر الكثيرين من ذوي البصائر الطاهرة، فاقتدوا به واعتنقوا الإسلام، وكوّنوا جماعات مؤمنة مخلصة تعبد الله على يقين في معاقل الكاثوليكية في الغرب، أراد رينيه أن يعتصم بنص مقدس لا يأتيه الباطل بين يديه ولا من خلفه، فلم يجد – بعد دراسة عميقة – سوى القرآن، وقد كتب السيد محمود سالم في مجلة المنار عنه قال: " قصدت مدينة بونتارليه لمقابلة د. جرينينه المسلم الفرنساوي الشهير الذي كان في السابق عضواً في مجلس النواب، قابلته لأجل أن أسأله عن سبب إسلامه، فقال: إني تتبعت كل الآيات القرآنية التي لها ارتباط بالعلوم الطبية والصحية والطبيعية، والتي درستها من صغري وأعلمها جيداً، فوجدت هذه الآيات منطبقة كل الانطباق على معارفنا الحديثة، فأسلمت لأني تيقنت أن محمداً صلى الله عليه وسلم أتى بالحق الصُّراح من قبل ألف سنة، من قبل أن يكون معلم أو مدرس من البشر.
* مارمادوك وليم بكثول، إنجليزي ولد في لندن سنة 1875م، ولكنه لم يتابع تعليمه نظراً لضعف صحته، تعلم الفرنسية في نيوشاتل، كما تعلم الإيطالية والألمانية والإسبانية، فتوجه إلى سورية حيث تعلم العربية، ودرس عادات المشرق، وأعلن إسلامه حوالي سنة 1918م، ثم دُعى إلى الهند حيث تولى رئاسة تحرير صحيفة " حديث بمباي ". وفي سنة 1927م أصدر مجلة الثقافة الإسلامية في بمباي، ومن مصنفاته في العربية: الثقافة الإسلامية، والتربية الإسلامية، وترجمة معاني القرآن وكان بكثول قد تولى منصب إمام المسلمين في لندن إلى أن توفي سنة 1936م.
* فريدرش كرنكوف ( محمد سالم الكرنكوي )، كانت ولادته عام 1872م في مدينة شنبرج شمالي ألمانيا، تعلم عدة لغات من بينها الفارسية، وفي عام 1892 انتقل إلى برلين حيث التقى المستشرق ساخاو، وبعد سنوات ارتحل إلى بريطانيا حيث تجنس بجنسيتها، وما لبث حتى أنشأ مصنعاً للملابس في ليسـتر، وكان المستشرق سير تشارلز ليل يحثه على تعلم العربية والفارسية، فحقق عدداً من المخطوطات، لا سيما بعد اتصاله بدائرة المعارف العثمانية بحيدر أباد الدكن بالهند، واعتنق الإسلام لما وجده فيه من أسباب القناعة والإقناع، وأسمى نفسه محمد سـالم، وانتخب عضواً في المجمع العلمي العربي بدمشـق، وكانت وفاته سنة 1953م، ومن أشهر أعماله الأصمعيات بشرح ابن السكيت، وديوان أبي دهبل الجمحي، وكتاب الجيم لأبي عمرو الشيباني، وكتاب المجتنى من المجتبى لابن دريد، وكتاب التيجان في تواريخ ملوك حمير وغيرها كثير.
* ليوبولد وايس Weiss.L، ولد في أواخر القرن التاسع عشر، وأشهر إسلامه، وتسمى بمحمد أسد وايس، وأنشأ، بالتعاون مع وليم بكثول ( الذي مر آنفاً )، مجلة الثقافة الإسلامية في حيدر أباد الدكن، وذلك سنة 1927م، وكتب فيها دراسات كثيرة، معظمها في تصحيح أخطاء المستشرقين عن الإسلام. ومن أشهر مؤلفاته: كتاب الإسلام على مفترق الطريق، وقد نقله إلى العربية الدكتور – عمر فرّوخ – بيروت 1946م ومبادئ الدولة والحكومة في الإسلام، وهو من منشورات قسم الدراسات الشرقية في جامعة كاليفورنيا. كما ترجم صحيح البخاري، وألف أصول الفقه الإسلامي والطريق إلى مكة.
* عبد الكريم جرمانوس (Germanous. J )، ولد جرمانوس في بودابسـت ( عاصمة المجر اليوم ) وتعلم اللغات العربية والتركية على المستشرقين فامبيري وجولد تسيهر، فأورثاه ولعهما بالشرق الإسلامي، وفي سنة 1905م اتجه إلى استانبول، ومن ثم إلى فينا حيث تابع دراسته، وسافر من بعد إلى المتحف البريطاني حيث استكمل فيه دراسته، وفي عام 1912م عاد إلى بلاده، وعين أستاذاً للعربية والتركية والفارسية وتاريخ الإسلام في المدرسة العليا الشرقية في بودابست، ثم أستاذاً ورئيساً للقسم العربي بجامعة بودابست سنة 1948م، واستمر في تدريس العربية حتى أحيل على التقاعد سنة 1965م. وكان طاغور – شاعر الهند – قد دعاه إلى زيارة بلاده، وهناك عمل في جامعات دلهي ولاهور وحيدر إباد ( 1929-1932)، وأشهر إسلامه في مسجد دلهي الأكبر، وقد انتخب عضواً في المجتمع الإيطالي، ومراسلاً للمجمع اللغوي في القاهرة، والمجمع العلمي العراقي. ومن أشهر مؤلفاته: التيارات الحديثة في الإسلام، ودراسة عن أثر الأتراك في التاريخ الإسلامي، وشوامخ الأدب العربي وغيرها.
نتمنى لك دوام التألق والابداع
في إنتظار جديدك…
شكرا كلثومة على الموضوع
شكراااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا