[35]
الفصـل الثالث
أهمّ شعراء المعلّقات
ـ امرؤ القيس
ـ عمرو بن كلثوم
ـ زهير بن أبي سُلمى
ـ طرفة بن العبد ونموذج من شعره
ـ عنترة بن شدّاد
[36]
[37]
المعلّقات
تحتلّ المعلّقات المقام الأوّل بين قصائد الجاهلية.
هي قصائد طوال من أجود ما وصل إلينا من الشعر الجاهلي. وقد زعم ابن عبد ربّه وابن رشيق وابن خلدون أنّها سبع قصائد، فكتبت بماء الذهب وعلّقت على أستار الكعبة، وسمّيت بـ: المعلّقات تارةً والمذهّبات تارةً اُخرى، وسمّيت بالسبع الطوال ثالثة وأيضاً بالسموط.
وقد ذهب الرواة إلى أنّ أوّل قصيدة نالت إعجاب المحكمين في سوق عكاظ هي معلّقة امرئ القيس.
أهمّ شعراء المعلّقات:
ونتحدّث عن:
1 ـ امرؤ القيس الكندي: لُقِّب بالملك الضليل، لقبٌ ذكر في نهج البلاغة، توفّي سنة 540م.
2 ـ طرفة بن العبد البكري: كان أقصرهم عمراً، اشتهر بالغزل والهجاء، توفّي سنة 569م.
3 ـ الحارث بن حلزة اليشكري: اشتهر بالفخر، وأطول الشعراء عمراً، توفّي سنة 580م.
[38]
4 ـ عمرو بن كلثوم: كان مشهوراً بالفخر، اُمّه ليلى بنت المهلهل، توفّي سنة 600م.
5 ـ علقمة الفحل: كان شاعراً بدوياً، توفّي سنة 603م.
6 ـ النابغة الذبياني: زعيم الشعراء في سوق عكاظ، توفّي سنة 604م.
7 ـ عنترة بن شدّاد العبسي: اشتهر بأنّه أحد فرسان العرب، وأكثر شعره بالغزل والحماسة، توفّي سنة 615م.
8 ـ زهير بن أبي سُلمى: كان أعفّهم قولاً، وأكثرهم حكمةً، ابنه كعب بن زهيرمن شعراء صدر الإسلام، توفّي زهير سنة 627م.
9 ـ الأعشى الأكبر (أعشى القيس)، أراد أن يلتحق بالإسلام فخدعه قومه حيث قالوا له: نعطيك مائة ناقة لكي تؤجّل إسلامك إلى السنة القادمة، فوافق، وبعد ستّة أشهر توفّي أي مات كافراً وذلك سنة 629م.
10 ـ لبيد بن ربيعة العامري: الوحيد الذي أسلم، وقال الشعر في العهد الجاهلي والإسلامي حيث قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «أصدق كلمة قالتها العرب كلمة لبيد:
ألا كلّ شيء ما خلا ال*****له باطل وكلّ نعيم لا محالة زائل»((1))
فاستدرك رسول الله(صلى الله عليه وآله) وقال: إلاّ نعيم الآخرة.
يتبيّن لنا أنّ لبيداً كان من شعراء الجاهلية الأشراف، حيث أجمعت المصادر على أنّ لبيداً قال في الإسلام:
ــــــــــــــــــــ
(1)دول الإسلام / أبو عبدالله الذهبي: ص30. لبيد بن ربيعة العامري / الدكتور يحيى الجبوري: ص180.
[39]
الحمد للهِ إذْ لم يأتِني أجَلي *****حيث اكتسيتُ من الإسلام سربالاً((1))
وعندما تقدّم به السنّ كان رجل حكمة وموعظة ورزانة، لذا نلاحظ نماذج من غرر ما يتمثّل من الأبيات الشعرية المستحسنة للشاعر لبيد حين يقول:
وإذا رُمتَ رحيلاً فارْتحل ***** ْواعْصَ ما يأمرُ توصيمَ الكسلْ
واكْذبِ النَّفسَ إذا حدّثْتها ***** إن صدقَ النفس يُزري بالأملْ
وما المالُ والأهلونَ إلاّ وديعة ***** ولا بدَّ يوماً أن تُرَدَّ الودائع
وما المرؤ إلاّ كالشِّهابِ وضوئهِ ***** يحورُ رماداً بعد إذْ هو ساطعُ
كانت قناتي لا تلينُ لغامز ***** فألانها الإصْباح والإمْساءُ
ودعوتُ ربِّي بالسلامةِ جاهداً ***** ليُصحني فإذا السَّلامةُ داءُ
ذهبَ الذين يُعاشَ في أكنافِهم ***** وبقيتُ في خلَف كجلْدِ الأجْربِ((2))
وقد توفّي سنة 661م، وله من العمر أكثر من مائة سنة.
وفيما يلي نتحدّث عن خمسة من هؤلاء، مع ذِكر نماذج من شعرهم.
امرؤ القيس:
هو أبو الحارث جندج بن حجر الكندي، اُمّه اُخت المُهَلهَل وكليب. ولد في نجدسنة 500 ميلادي، وعاش في اللهو ونظم الشعر، فطرده أبوه; فسمّي بالأمير
ــــــــــــــــــــ
(1)المصدر المتقدّم: ص379. شرح نهج البلاغة / ميثم البحراني: ج1، ص45. الاشعاع القرآني في الشعر العربي / محمّد عبّاس الدرّاجي: ص12. من وحي الأدب العربي / ههفال محمّد أمين: ص109. الأمالي في الأدب الإسلامي / الدكتورة ابتسام مرهون الصفّار: ص33. منتخب من كتاب الشعراء / أحمد عبدالله: ص24. تاريخ الأدب العربي / أحمد حسن الزيّات: ص69.
(2)التمثيل والمحاضرة / عبدالملك الثعالبي: ص61.
[40]
الطريد، فراح يتنقّل بين الأحياء فلقّب بالملك الضّليل.
أجمع النقّاد بأنّه شاعر وجداني وله المنزلة الاُولى بين الشعراء الجاهليّين، حيث قالوا في معلّقته (قِفا نبكِ) التي تتكوّن من ثمانين بيتاً: إنّه وقف واستوقف، وبكى واستبكى، وذكر الحبيب والمنزل في بيت واحد، فهو أوّل شاعر أطال الوقوف على الأطلال وبكى، وإن كان قد سبقه الشاعر ابن جذام; لذلك فإنّه أمير لهو وصيد ومغامرات وبطل متشرّد.
عندما سمع بمقتل أبيه قال: «ضيّعني أبي صغيراً، وحمّلني دمه كبيراً»، فودّع اللهو والترف، فأخذ يستعدّ للمطالبة بالثأر.
لقد تفشّى في جسده داء الجدري وأودى بحياته سنة 540م.
ترجم ديوانه إلى اللاّتينيّة والألمانية.
المختار من شعره:
كان امرؤ القيس ذا نفس عاطفيّة شديدة الانفعال، فشعره يمتاز ببديع المعنى ودقّة النسيب ومقاربة الوصف، فمعلّقته تحتوي على الهمّ والغمّ والبكاء على الحبيب ومنزل الحبيب، وفيه الغزل العفيف والماجن، وفيه وصف الليل، خاصّة ونحن نعلم أنّ ابن البادية يزداد همّه في الليل، فتلاحظ في شعره اللهو والذي يحزّ في قلب الشاعر صفة التشرّد بعد حياة الترف التي أدّت إلى أن يسكب الشاعر عبرات تسيل على أقواله الغزليّة لتطغى حرارة حسراته فيقول:
قِفا نبكِ مِنْ ذكرى حبيب ومنزل *****ِبِسِقْطِ اللوى ((1))بين الدخول فحومل ِ((2))
تَرَى بَعَرَ الأرْآمِ في عَرَصاتِها ***** وقِيْعَانِهَا كأنَّهُ حَبُّ فُلْفُلِ
كأَنِّي غَدَاةَ البَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلُوا ***** لَدَى سَمُرَاتِ الحَيِّ ناقِفُ حَنْظَلِ
ــــــــــــــــــــ
(1)اللوى: ما التوى من الرمل.
(2)حومل: اسم مكان.
[41]
وقوفاً بها صَحْبي عَليَّ مَطِيَّهُمْ ***** يَقُولونَ لا تَهْلِكْ أَسىً وَتَجَمَّلِ
فَدَعْ عَنْكَ شَيْئاً قَدْ مَضَى لِسَبِيْلِهِ ***** وَلكِنْ على ما غَالَكَ اليْوْمَ أَقْبلِ
وَقَفْتُ بِها حَتَّى إذا ما تَرَدَّدَتْ ***** عَمايَةُ مَحْزُون بِشَوْق مُوكَّلِ
وَإنَّ شِفَائي عَبْرَةٌ إِنْ سَفَحْتُها ***** وَهَلْ عِنْدَ رَسْم دارس مِنْ مُعَوَّلِ((1))
وقد يجمع امرؤ القيس في غزله وبوقت واحد المناجاة والعتاب والرجاء والذلّة والعزّة والرقّة، كما في قوله:
أفاطم مهلاً بعد هذا التَّدلّل ***** وإن كنت قد أزمعتِ صرمي فأجملي
أعزّكِ منّي أنّ حبكِ قاتلي ***** وأنّك مهما تأمري القلبَ يفعلِ
فقالت: يمين الله ما لك حيلةٌ ***** وما إن أرى عنك الغوايةَ تنجلَي((2))
أمّا شعره في الخيال والطبيعة يقول:
وليل كموج البحر أرخى سدوله ((3))***** عليَّ بأنواع الهموم ليبتلي((4))
فقلتُ له لما تمطّى بصلبه((5)) ***** وأردف إعجازاً((6)) وناءَ بكلكلِ((7))
ألا أيّها الليل الطويل ألا انجلي ***** بصبح وما الإصباح منك بأمثل
فيا لك من ليل كأنّ نجومه ***** بأمراسِ كَتَّان إلى صُمِّ جَندَلِ((8))
ــــــــــــــــــــ
(1)الموجز في الأدب العربي وتاريخه / حنّا الفاخوري: ج1، ص78.
(2)المصدر المتقدّم: ص186. أغاني الأغاني / جمع: الخوري يوسف عون: ص290.
(3)سدول: ستائر.
(4)ابتلاه: اختبره وجرّبه.
(5)تمطّى بصلبه: مدّ ظهره.
(6)إعجاز: مؤخّرة الجسم.
(7)بكلكل: الصدر.
(8)الموجز في الأدب العربي وتاريخه: ص183. تاريخ الشعر العربي / نجيب محمّد: ص95. أغاني الأغاني: ص290.
[42]
فامرؤ القيس في حياته وبعد مماته يُعدّ من كبار شعراء العرب وزعيم الشعر القديم.
ونلاحظه يصف الحياة بقوله:
مِكَرٍّ مِفرٍّ((1)) مُقبل مُدبر معاً ****** كجلمودِ صَخْر خَطَّهُ السَّيلُ من عَلِ((2))
عمرو بن كلثوم :
عمرو بن كلثوم بن مالك، من بني تَغلُب، اُمّه ليلى بنت المهَلهَل الشاعر.
وُلد عمرو بن كلثوم في مطلع القرن السادس للميلاد، وقيل: إنّه عاشمائة وخمسين عاماً، وكان فارساً شجاعاً معجباً بنفسه حيث «إنّه قَتلَ عمرو بن هندملك الحيرة في عام 570م، العام الذي وُلد فيه نبيّنا(صلى الله عليه وآله)»((3))، وقيل: إنّه مات قبل الإسلام.
عمرو بن كلثوم شاعر مطبوع يقال: إنّ معلّقته كانت تبلغ مائة بيت، وكانت تدور على الحماسة والفخر والهجاء والمدح والغزل وذكر الخمر ومخاطبة الحبيبة ووصفها، حيث إنّه اشتهر بمعلّقته نظراً لحسن لفظها وانسجام عبارتها وغلوّ فخرها.
شرح معلّقته الزوزني والتبريزي، وطبعت سنة 1819م، وقد تُرجمت إلى اللاّتينيّة والألمانية والإنكليزية والفرنسية.
المختار من معلّقته:
مطلع المعلّقة في الخمر والغزل:
ألا هُبّي بصبحكِ فاصبحينا ***** ولا تُبقي خمور الأندرينا((4))
ــــــــــــــــــــ
(1)مكر مفر: سريع الكرّ والفرّ.
(2)تاريخ الأدب العربي: ج1، ص119. الموجز في الأدب العربي وتاريخه: ص180.
(3)تاريخ الأدب العربي: ص142.
(4)الأندرينا: قرية بالشام.
[43]
قفي قبل التفرّق يا ظغينا ***** نخبركِ اليقين وتُخبرينا((1))
وله في مخاطبة عمرو بن هند بالوعد والوعيد والفخر:
أبا هند، فلا تعْجَلْ علينا ***** وأنظرنا نخبرْكَ اليقينا
بأنّا نُورد الراياتِ بيضاً ***** ونُصْدِرهنّ حُمْراً قد روَينا
وأيام لنا غُرٍّ طوال ***** عَصَيْنا المَلْكَ فيها ان نَدينا
وَرِثْنا المجدَ قد علمت مَعَدٌ ***** نُطاعن دونَه حتّى يَبِينا
وأنّا المانعون لما أردنا ***** وأنا النازلون بحيث شيناً * * *
ونشرب، إن وردنا الماء صفواً ***** ويشرب غيرنا كدراً وطيناً
على آثارنا بيضٌ حسانٌ ***** نحاذر أن تُقَسّم أو تهونا
تُهدّدنا وتوعدنا رُويداً ***** متى كُنّا لاُمّكَ مُقتوينا
ألا لا يجهلنّ أحدٌ علينا ***** فنجهل فوق جهل الجاهلينا((2))
ومن شعره في الخيال الملحمي، حيث يتّخذ الاُسلوب القصصي والتصوير الحسن حيث يقول:
ملأنا البرّ حتّى ضاق عنّا ***** وظهر البحر نملأه سفينا
لنا الدنيا ومن أضحى عليها ***** ونبطش حين نبطشُ قادرينا
ــــــــــــــــــــ
(1)شعر عمرو بن كلثوم / إعداد: طلال حرب: ص23. ديوان عمرو بن كلثوم: ص51.
(2)تاريخ الأدب العربي: ص145. شعر عمرو بن كلثوم: ص26. الجاهلية / الدكتور يحيى الجبوري: ص26. صناعة الكتابة / الدكتور رفيق خليل عطوي: ص114. الأساس في تاريخ الأدب العربي / أساتذة من الاُدباء: ص48.
[44]
إذا بلغ الفِطامُ لنا صبيٌّ ***** تخرّ له الجبابر ساجدينا((1))
توفّي عمرو بن كلثوم عام 570م((2))، وقيل 600((3)) للميلاد.
زهير بن أبي سُلمى :
ولد زهير في الحاجر سنة 520م، وعمّر 90 عاماً، وقيل 97 عاماً، قضاها رزيناً حليماً ناصحاً بما فيه الخير والسلام محبّاً للحقّ.
وقد ذهب المؤرّخون بأنّه كان نصرانياً لما رأوا في شعره من النزعة الدينية والإيمان بالبعث والحساب، وأكثر من ذلك الموعظة للكفّ عن الأخطاء والرجوع عن سفك الدماء.
وتوفّي زهير بن أبي سُلمى قبل مبعث رسول الله(صلى الله عليه وآله)، أي قبل عام 610م.
أجمع النقّاد بأنّه لم يمدح أحداً إلاّ بما فيه، وبرعَ بالمديح، حيث امتاز مدحه بالصدق، وكثرت الحكمة في شعره. كما وتتّصف قصائده بالتنقيح والتهذيب، حتّى زعموا أنّه كان ينظم القصيدة في أربعة أشهر، وينقّحها في أربعة أشهر، ثمّ يعرضها على أصحابه في أربعة أشهر. فيتمّ قصيدته في حَوْل (عام كامل)، لذلك عُرفت قصيدته بالحوليّات.
المختار من شعر معلّقته:
فأقسمتُ بالبيت الّذي طافَ ***** رجالٌ بَنَوهُ من قريش وجُرهُمِ
ــــــــــــــــــــ
(1)ديوان عمرو بن كلثوم: ص71. تاريخ الأدب العربي: ص145. شعر عمرو بن كلثوم: ص26. المنهاج في الأدب العربي وتاريخه / عمر فرّوخ: ص24.
(2)شعر عمرو بن كلثوم: ص42.
(3)الجامع في تاريخ الأدب العربي: ص198.
[45]
يميناً لَنِعمَ السيّدان وُجدْتُها ***** على كلّ حال من سَحيل((1)) ومُبرمِ((2))
لقد نشبت حرب عُرفت بحرب داحس والغبراء دامت طويلاً، فقد حذر الفريقين (بنو أسد وغطفان) من شرِّ الخيانة وإضمار الحرب ووصف نتائجها المشؤومة، فيقول:
الا أبلغ الأحلاف عنّي رسالة ***** ًوذبيان: هل أقسمتم كل مُقسَمِ
فلا تكتمن الله ما في صدوركم ***** ليخفى ومهما تكتم الله يعْلم
وما الحرب إلاّ ما علمتم وذُقتمُ ***** وما هو عنها بالحديث المرجّمِ
متى تبعثوها تبعثوها ذميمةً ***** وتَضرّ إذا ضربتموها فتضرمِ((3))
وممّا جاء في الحكمة:
ومن يجعل المعروف من دون عِرضه ***** يَفِرْهُ ومن لا يتّقِ الشتم يُشتم
ومن يجعل المعروف في غيرِ أهلهِ ***** يكُن حمدُهُ ذمّاً عليه ويَندمِ
لسانُ الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤاده ***** فلم يبقَ إلاّ صورةُ اللحمِ والدمِ((4))
هكذا كان زهير، كان قاضي صلح، يصدر أحكامه شعراً، فهو يصِفُ صديقاً إلى غايته، وهو وصّافاً ماهراً، حيث تأخذ قصيدته بالمقدّمة وبالموضوع والخاتمة.
وقد شرح ديوانه مرّات، وفي عدّة أقطار من العالم.
ــــــــــــــــــــ
(1)سحيل: الخيط الواحد ضدّ المبرم، وهو الخيط المفتول، ويستفاد من الأوّل الرخاء والضعف، والثاني الشدّة والقوّة.
(2)ديوان زهير بن أبي سُلمى / تحقيق: كرم البستاني: ص79.
(3)تاريخ الأدب العربي / الدكتور عمر فرّوخ: ج1، ص198.
(4)المصدر المتقدّم: ص199. شعر زهير بن أبي سُلمى / تحقيق: الدكتور فخرالدين قباوة: ص29.
[46]
توفّي ابن أبي سلمى سنة 627 للميلاد.
طرفة بن العبد :
ولد طرفة بالبحرين سنة 543م. اشتهر بالوصف ـوخاصّة وصف الناقةـ بالاضافة إلى الهجاء والعتاب والشكوى والغزل والحكمة.
كان طرفة أقصر فحول شعراء الجاهلية عمراً، حيث قُتل وهو دون الثلاثين، ولطرفة أبيات في الحكمة يصوّر ظلم قومه كالسيف القاطع حيث يقول:
وظلم ذوي القربى أشدُّ مضاضةً ***** على المرء من وقع الحسام المُهنَّدِ
ستُبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ***** ويأتيك بالأخبار من لم تُزوّدِ((1))
ومن جيّد شعر طرفة في الهجاء:
وأعلمُ علماً ليس بالظنّ أنّه ***** إذا ذلّ مولى المرء فهو ذليلُ
وأنّ لسان المرء ما لم تكن له ***** حَصاة((2)) على عوراته((3)) لذليلُ((4))
عنترة بن شدّاد :
ابن شدّاد العبسي، أحد فرسان العرب ممّن يضرب به المثل في الشجاعة
ــــــــــــــــــــ
(1)أشعار الشعراء الستّة الجاهليّين / يوسف بن سليمان الشنتمري: ج1، ص57. تاريخ الأدب العربي / الدكتور عمر فرّوخ: ج1، ص140. صناعة الكتابة / الدكتور رفيق عطوي: ص37.
(2)حصاة: عقل.
(3)عوراته: الواحدة عورة، كلّ أمر يستحيا منه.
(4)ديوان طرفة بن العبد / تحقيق: كرم البستاني: ص81.
[47]
والنجدة. وُلد عنترة في نجد سنة 525م، واشتهر بالفخر والوصف والحماسة والغزل العفيف والمدح والرثاء، ومن آثاره ديوان شعره الذي يحتوي حوالي 1500 بيت، وفي معلّقته وصف ملحمي جميل بين الحبّ والحرب، وأشهر ما في معلّقته البالغة 79 بيتاً والتي مطلعها:
هل غادر الشعراء من مُتردّمِ ***** أم هل عَرَفْتَ الدار بعد توهُّمِ
ولقد ذكرتك والرماح نواهلٌ ***** مني وبيض الهِنْدِ تقطُرُ من دمي
فوددتُ تقبيلَ السيوف لأنّها ***** لَمَعَتْ كبارقِ ثغركِ المُتَبَسِّمِ((1))
وله واصفاً شخصيّته:
إنّي امرؤٌ سمحُ الخليقة ماجدلا أتبع النفسَ اللجوج هواها((2))
وعندما سُئل عن عبلة قال:
ولئن سألتَ بذلك عبلةَ خَبَّرتْ ***** أنْ لا اُريدُ من النساء سواها((3))
ــــــــــــــــــــ
(1)تاريخ الأدب العربي / الدكتور عمر فرّوخ: ج1، ص210.
(2)أشعار الشعراء الستّة الجاهليّين: ص163.
(3)المصدر المتقدّم: ص164.
[48]
[49]
الفصـل الرابع
أهم الشعراء المخضرمين
ـ أبو طالب(رضي الله عنه)
ـ كعب بن زهير
ـ الخنساء
ـ حسّان بن ثابت
[50]
[51]
المخضرمون
جمع مخضرم، وهم من أدرك العهدين الجاهلي والإسلامي((1))، ويمتاز بتلك النفحة الدينيّة الذي تلمس به ارتياحاً شديداً إلى نعيم الآخرة، حيث استخدم الشاعر ألفاظاً لم تكن مألوفة من قبل على حقيقتها ومعانيها الأصلية، كما واكتسب الشعر نوعاً جديداً وهو الهجاء السياسي.
أشهر الشعراء المخضرمين:
1 ـ أبوطالب، : سيّدنا ومولانا شيخ البطحاء وسيّد الحجاز بعد أبيه، توفّي قبل الهجرة بثلاث سنين أي في آخر السنة العاشرة من مبعث الرسول(صلى الله عليه وآله).
2 ـ كعب بن زهير: بن أبي سلمى، توفّي سنة 26هـ.
3 ـ الخنساء، تماضر: بنت عمرو، توفّيت سنة 24هـ.
4 ـ لبيد بن ربيعة : بن مالك العامري، المتوفّى سنة 41هـ.
5 ـ الحُطيئة: (جرول بن أوس بن مالك العبسي)، المتوفّى نحو 45هـ، والذي لم يتأثّر بالإسلام كثيراً.
6 ـ حسّان بن ثابت : (شاعر الرسول(صلى الله عليه وآله))، توفّي سنة 50هـ.
ــــــــــــــــــــ
(1)إتحاف الأمجاد: ص65.
[52]
7 ـ النابغة الجعدي: (قيس بن عبدالله العامري)، توفّي سنة 50 هـ.
ونرى من الضروري ذكر شيء عن حياة بعضهم ونماذج من شعرهم.
أبو طالب : (رضي الله عنه)
اسمه: عبدمناف بن عبدالمطّلب بن هاشم، أمّا عمران فقد ذكر في الكتب القديمة، وهو اسم عبري غير عربي، وقد لُقّب بشيخ البطحاء، والبطحاء أرض مكّة. إذن هو سيّد الحجاز، وزعيم القوم بعد أبيه عبدالمطّلب، حيث استلم مسؤولية الكعبة وخدمة الحجّاج وحماية مكّة والحرم.
لقد اعتبرت بعض الفئات المتعصّبة بأنّ أبا طالب كافر ـ والعياذ بالله ـ بالرغم من وجود بعض المنصفين من أهل السنّة الذين يعتبرون أبا طالب مسلماً، وعندما ندرس التاريخ وبالأخصّ ما ذكره ابن عساكر في تاريخه، نلاحظ أنّ مكّة اُصيبت بقحط شديد، فقال القوم: يا أبا طالب، أقحَطَ الوادي، فهلمّ واستسقي، فذهب أبوطالب إلى الكعبة ومعه غلام كأنّه الشمس، فأسند ظهره بالكعبة ولاذ باصبعه حوله، فأقبل بوجهه إلى السماء، وأخذ يدعو، فأقبل السحاب((1))، في الحال من هنا وهناك. وانفجر الوادي ونزل المطر، وبدعاء أبي طالب وبشفاعة هذا الطفل الصغير الكبير استجابت السماء، حيث يقول(رضي الله عنه) في هذا المقام:
وأبيضُ يُستَسقى الغَمامُ بوجهِهِ ***** ثمالُ ((2)) اليتامى عِصمةٌ للأراملِ((3))
ــــــــــــــــــــ
(1)ديوان شيخ الأباطح أبي طالب / جمع: أبي هفان المهزمي: ص30. الغدير / الشيخ عبدالحسين الأميني: ج7، ص46.
(2)ذكر «ربيع اليتامى» بدل «ثمال اليتامى» في معجم الشعراء / الدكتور عفيف عبدالرحمن: ص134، وكذلك فيالبحار: ج18، ص3، وكذا في ديوان شيخالأباطح أبيطالب: ص30.
(3)شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد: ج3، ص311. الجوهرة في نسب النبيّ / ï ًمحمّد بن أبي بكر: ج2، ص37. الدرّة الغرّاء / جمع وتحقيق: باقر قرباني زرّين: ص125. الغدير: ج7، ص466. أبوطالب مؤمن قريش / عبدالله الخنيزي: ص412. إيمان أبي طالب / نجار بن معد الموسوي: ص315. السيرة النبوية لابن هشام / تحقيق: مصطفى السقّا: ج1، ص276.
[53]
يلوذُ به الهلالُ من آلِ هاشم ***** فهم عنده في نعمة وفواضلِ
بميزان قسط لا يُخِسّ شَعيرة ***** لهُ شاهدٌ من نفسه غير عائلِ((1))
فأيّده ربّ العباد بنصره ***** وأظهرَ ديناً حقّهُ غيرُ باطل((2))
ثمّ نلاحظه في الليلة التي وُلد فيها عليّ، أشرقت الأرض، فخرج أبوطالب وهو يقول: «أيّها النّاس، وُلد في الكعبة وليّ الله». فلمّا أصبح دخل الكعبة وهو يقول:
أيّها الناس:
ياربَّ هذا الغسقِ الدُجيّ *****ِوالقمرِ المُنبَلِجِ المُضيِّ
بَيِّنْ لنا من أمرِكَ الخفيِّ ***** ماذا ترى في إسم ذا الصبيِّ
وممّا يثبت أنّ قلبه طافح ممتلئ بالإيمان بالنبيّ(صلى الله عليه وآله) أنّه قال:
إنّ عليّاً وجعفراً ثقتي ***** عند ملَم الزمان والنُّوَب
لا تخذلا وانصرا ابن عمّكما ***** أخي لاُمّي من بينهم وأبي
إنّ أبا معتب قد أسلمنا ***** ليس أبو معتب بذي حَدَب
والله لا أخذل النبيّ ولا ***** يخذله من بنيّ ذو حَسَب
حتّى ترون الرؤس طائحةً ***** منّا ومنكم هناك بالقضب
نحن وهذا النبيّ اُسرته ***** نضرب عنه الأعداء كالشهب
ــــــــــــــــــــ
(1)عائل: الحائل.
(2)السيرة النبوية لابن هشام: ص299. شعر أبي طالب وأخباره / عبدالله المهزمي: ص26. أبو طالب كفيل الرسول / سعيد عسيلي: ص196.
[54]
إن نلتموه بكلّ جمعكم ***** فنحن في الناس الأم العرب((1))
لذلك نلاحظ الإمام ابن أبي الحديد المعتزلي قال:
اختلف الناس في إيمان أبي طالب، فقالت الإمامية وأكثر الزيدية: ما مات إلاّ مسلماً، وقال بعض شيوخ المعتزلة بذلك، منهم الشيخ أبو القاسم البلخي وأبو جعفر الإسكافي وغيرهما.
من هذا نتمكّن أن نقول: إنّ أبا طالب يعتبر المظلوم الأوّل في الإسلام، نظراً لتضحياته وجهاده في سبيل الإسلام. توفّي رضوان الله عليه في النصف من شهر شوّال في السنة العاشرة من مبعث الرسول(صلى الله عليه وآله) وسمّي بعام الحزن أي قبل الهجرة بثلاث سنين، أي في سنة 619 ميلادي((2)).
كعب بن زهير :
يعتبر كعب بن زهير بن أبي سلمى أحد فحول المخضرمين، وكانت له المكانة العالية والحظّ المرموق في الشعر والشهرة.
ولمّا ظهر الإسلام تأخّر كعب عن الدخول فيه، وعندما انتشر الإسلام دعاه رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى الإسلام فلم يُجبْه بالرغم من أنّ بُجير بن زهير أخا كعب استجاب لنداء الإسلام. نتيجةً لذلك غضب كعب على أخيه وهجاه، وهجا الإسلام
ــــــــــــــــــــ
(1)أبو طالب كفيل الرسول: ص213. تاريخ الأدب العربي / السيّد جعفر باقر الحسيني: ص329. أبو طالب مؤمن قريش: ص155.
(2)نهاية الارب / أحمد النويري: ج1، ص277. السيرة الحلبية / علي برهان: ج1، ص466. سيرة الذهبي / محمّد الذهبي: ص235. الكامل في التاريخ / ابن الأثير: ج1، ص507. السيرة النبوية لابن هشام: ج2، ص57. حياة النبيّ / الشيخ محمّد قوام الوشنوي: ج1، ص163.
[55]
والرسول(صلى الله عليه وآله)، فأهدر النبيّ(صلى الله عليه وآله) دمه، فراح يستجير بالقبائل، وما من مجير، ولـمّا ضاقت عليه الأرض في وجهه بعد أن استيأس من المجير والنصير جاء وتوسّل إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله)وآمن بالدين الجديد وأنشد قصيدته «بانت سعاد» المعروفة بالبردة، والتي تتكوّن من 58 بيتاً، حيث تناولها العلماء والشعراء فشرحوها، منهم ابن دريد والتبريزي وابن هشام والباجوري. وقد طبعت أكثر من مرّة في برلين وباريس والقسطنطينيّة، وكذلك في بيروت، وتُرجمت كثيراً إلى اللاّتينيّة والفرنسية والألمانية والإنكليزية والإيطالية.
إنّ قصيدة البردة يمكن تقسيمها من حيث الأغراض إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ مقدّمة غزلية، كما هو عادة الشعراء الجاهليّين.
2 ـ وصف الناقة.
3 ـ الاعتذار ومدح رسول الله والمهاجرين، حيث ذهب إلى حسن التوسّل والتذلّل ووصف الجزع.
لاحظ عزيزنا القارئ كلمات هذا الشاعر الجذّابة، وهو يقول:
بَانَتْ((1)) سُعَادُ فقلْبِي اليومَ مَتْبُولُ((2))***** مُتَيّمٌ ((3)) إثْرَهَا لم يُجْزَ مَكْبُولُ((4))
وما سُعَادَ غَدَاةَ البَيْن إذ عَرَضَتُ ***** إلاّ أَغَنّ((5)) غَضِيضُ الطَّرْفِ مَكْحُولُ((6))
وما تَدُومُ على العَهْدِ الذي زَعَمَتْ ***** إِلاّ كما تُمْسِكُ الماءَ الغَرَابِيلُ
ــــــــــــــــــــ
(1)بانت: فارقت.
(2)متبول: الذي ضعفه الحبّ.
(3)متيّم: الذي استولى عليه الهوى.
(4)مكبول: المقيّد.
(5)اغنّ: الذي في صوته غنّة.
(6)المكحول: من كان فيه كحل.
[56]
كانَتْ مَوَاعِيدُ عُرْقُوب لها مَثَلاً ***** وما مَوَاعِيدُه إلاّ الأباطيلُ
نُبِّئتْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ أَوْعَدَني ***** والعَفْوُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ مَبْذُولُ((1))
مَهْلاً هَدَاكَ الذي أَعْطَاكَ نَافِلَةَ الــ ***** ــقُرْآنِ فيها مواعيظٌ وَتَفْصِيلُ
لا تأْخُذَني بأَقْوَالِ الوُشاةِ، ولم ***** اُذْنِبْ ولو كَثُرَتْ فيَّ الأَقاويلُ
فلمّا بلغ قوله:
إنّ الرَّسُولَ لَنُورٌ يُسْتَضاءَ به ***** وصارمٌ من سُيُوفِ اللهِ مَسْلُولُ((2))
في عُصْبَة من قُرَيْش قال قَائِلُهُمْ ***** بِبَطْنِ مَكَّةَ لَمَّا أَسلَمُوا: زُولُوا((3))
زَالُوا، فما زالَأَنْكَاسٌ((4)) ولا كُشُفٌ((5)) ***** يَوْمَ اللِّقَاء ولا سُودٌ مَعَازِيلُ((6))
وقال في النصيحة:
لا تُفْشِ سِرِّكَ إلاّ عند ذي ثِقَة ***** أوْ لاَ، فأَفْضَلُ ما اسْتَوْدَعْتَ أَسرارا
صَدْراً رَحِيباً وقَلْباً واسِعاً صَمِتاً ***** لم تَخْشَ منه لِمَا اسْتَوْدَعْتَ إِظْهاراً ((7))
ــــــــــــــــــــ
(1)في: الاشعاع القرآني في الشعر العربي: ص12. في الأدب الديني: ص151. الوسيط في الأدب العربي وتاريخه / الشيخ أحمد الاسكندري ومصطفى عناني: ص153 «مأمول» بدل «مبذول».
(2)مسلول: منتزع.
(3)زولوا: زال يزول ذهب.
(4)النكس: الضعيف.
(5)الكشف: الذين ينهزمون عند أوّل صدمة.
(6)الأساس في السُّنّة / سعيد حوي: ج2، ص954. دراسات تطبيقيّة في الشعر العربي / الدكتور عبده بدوي: ص63. شعراء الرسول / وليد الأعظمي: ص299. ديوان كعب بن زهير / وضعه: الحسن بن الحسين السكري: ص12. تاريخ الأدب العربي: ج1، ص284. شرح ديوان كعب بن زهير / الحسن بن الحسين السكري: ص6. معازيل: الذي لا سلاح له.
(7)ديوان كعب بن زهير: ص188.
[57]
توفّي كعب بن زهير سنة 26هـ.
الخنساء :
هي تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد الملقّبة بالخنساء. وُلدت سنة 575م.
قُتل أخوها معاوية وصخراً في الجاهلية فحزنت عليهما حزناً شديداً، وجزعت عليهما وأخذت برثائهما وبالبكاء عليهما، وقد خصّت أخاها صخراً بدموعها السخيّة لما تحلّى به من الشجاعة والكرم والوفاء وبذل المال.
عاشت الخنساء ولها من العمر 89 سنة، واعتنقت الإسلام، حيث وفدت على رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأنشدته من شعرها، وأسلمت بين يديه، هي وقومها مع بنيها، وقدّمت أولادها الأربعة في سبيل الإسلام، وحرّضتهم على الثبات في القتال حتّى قُتلوا. وعندما وصلها خبر مقتلهم هتفت: «الحمد لله الذي شرّفني بقتلهم، وأرجو من ربّي أن يجمعني بهم في مستقرّ الرحمة»((1)). ويُذكر أنّها سُئلتْ عن عدم رثاء أولادها الأربعة ورثائها المستمرّ لاخوانها فقالت: أولادي أحسبهم عند الله، أما اخوتي فسيذهبون إلى النار. وممّا جاء في رثائها لصخر:
الا ما بعينيك أم مالها ***** لقد اخضلّ الدمع سربالها
ساحمل نفسي على خطّة ***** فأمّا عليها وأمّا لها
فإن تصبر النفس تلق السرور ***** وان تجزع النفس أشقى لها((2))
ــــــــــــــــــــ
(1)تاريخ الأدب العربي: ص260.
(2)تاريخ آداب اللغة العربية / جرجي زيدان: ج13، ص225. المجاني الحديثة / شرح: لجنة من الأساتذة: ج2، ص11. جمهرة أشعار العرب / محمّد بن أبي الخطّاب القرشي: ج2، ص789.
[58]
للخنساء ديوان شعر أكثره رثاء، طبع في بيروت، وتُرجم إلى الفرنسية، وطبع عدّة مرّات. وأخيراً طبع كتاب شرحه عدد من العلماء بعنوان «أنيس الجلساء في شرح ديوان الخنساء»((1)).
ويُذكر أنّه قيل لجرير: «من أشعر الناس؟ قال: أنا لولا الخنساء»((2)).
كانت الخنساء تتذكّر صخراً عند طلوع الشمس وغروبها، فإذا طلعت تذكّرها بغارات صخر وعند غروب الشمس تذكّرها بضيافة صخر، حيث تقول:
يذكّرني طلوع الشمس صخراً ***** وأذكره لكلّ غروب شمس
وقد بلغت عاطفتها حدّاً كادت تؤدّي بحياتها لولا كثرة الباكين حولها على إخوانهم حيث قالت:
لولا كثرة الباكين حولي ***** على إخوانهم لقتلت نفسي
فلا والله ما أنساك حتّى ***** اُفارق مهجتي وينشقّ رمسي((3))
من هذا يتبيّن أنّ شعر الخنساء يجمع بين صور الشعر الجاهلي وصور الشعر الإسلامي((4))، والذي يمتاز بالسهولة واللين لأنّه فيه اُسلوب العاطفة الهائجة وحرارة الثورة والتي تنطلق من غير تكلّف، ونتمكّن من القول بأنّ شعر الخنساءهو شعر عاطفة فحسب.
توفّيت الخنساء سنة 24هـ.
ــــــــــــــــــــ
(1)تاريخ الأدب العربي / عمر فرّوخ: ج1، ص319.
(2)أعلام النساء / عمر كحالة: ص360.
(3)شرح ديوان الخنساء / أبو العباس ثعلب: ص12. جواهر الأدب / السيّد أحمد الهاشمي: ج2، ص141. تاريخ الأدب العربي / عمر فرّوخ: ج1، ص318. الخالدات / محمود درويش: ص59. الأساس في تاريخ الأدب العربي: ص172.
(4)الخنساء في مرآة عصرها / إسماعيل القاضي: ج2، ص98.
[59]
حسّان بن ثابت :
هو حسّان بن ثابت بن المنذر الأنصاري الخزرجي، وُلد في المدينة في سنة 65 قبل الهجرة، وكان منصرفاً إلى اللهو، فوصف مجالس اللهو والخمر والغزل، وقد دافع عن قومه وافتخر بأمجادهم. وعندما ظهر الإسلام أسلم مع الأنصار فمدح الإسلام والنبيّ(صلى الله عليه وآله)، وقد دافع عن الدين الجديد ونظّم قصيدةً بمناسبة الغدير.
وقد ذكره المرحوم العلاّمة الأميني في كتابه «الغدير»، واستشهد بشعره الفصيح وأبياته البليغة، ومن شعره:
وأحسن منك لم تَرَ قطُّ عيني ***** وأحسن منك لم تلد النساءُ
خُلقتَ مبرءً من كلّ عيب ***** كأنّك قد خُلقتَ كما تشاءُ((1))
وقد أجاد في وصف النبيّ والرسالة الجديدة حيث يقول:
نبي أتانا بعد يأس وفترة ***** من الرسل والأوثان في الأرض تُعبدُ
فأمسى سراجاً مستنيراً وهادياً ***** يلوح كما لاح الصقيل المهنّدُ
وأنذرنا ناراً وبشّر جنّةً ***** وعلّمنا الإسلام فالله نحمَدُ
مع المصطفى أرجو بذلك جواره ***** وفي نيل ذاك اليوم أسعى وأجهد((2))
توفّي قبل سنة 40هـ، وقيل: سنة 50هـ، وقيل: سنة 54هـ، وهو ابن 120 سنة((3)).
ولا يخفى أنّ هناك عشرات الشعراء المخضرمين اكتفينا بذكر من ذكرنا منهم.
ــــــــــــــــــــ
(1)ديوان حسّان بن ثابت / شرح: عبد أ. مهنّا: ص21.
(2)الموجز في الأدب العربي وتاريخه: ج1، ص460. ديوان حسّان بن ثابت: ص54.
(3)تاريخ الصحابة / محمّد البستي: ص68. مشاهير علماء الأمصار / محمّد البستي: ص19. تقريب التهذيب / العسقلاني: ص161. تهذيب تهذيب الكمال / صفي الدين الخزرجي: ص306. مشاهير الشعراء والاُدباء / عبد أ. عليّ مهنّا وعلي نعيم خريس: ص13.
منقول للفائدة