لشرح هذا المفهوم يتطلب منا الأمر شرح مفهوم العلم, وتمييزه عن بقيه المصطلحات.
ـ مفهوم العلم:
تستخدم كلمة علم في عصرنا هذا, للدلالة على مجموعة المعارف المؤيدة بالأدلة الحسية, وجملة القوانين التي اكتشفت لتعليل حوادث الطبيعة تعليلا مؤسسا على تلك القوانين الثابتة.()وقد تستخدم للدلالة على مجموعة من المعارف لها خصائص معينة, كمجموعة الفيزياء أو الكيمياء أو البيولوجيا.
وإذا رجعنا إلى تعريفه في اللغة والاصطلاح, نجد أن كلمة " علم "
في اللغة تعني إدراك الشيء على ما هو عليه, أي على حقيقته, وهو اليقين والمعرفة(). والعلم ضد الجهل, لأنه إدراك كامل.
وأمَّا في الاصطلاح فهو: " جملة الحقائق والوقائع والنظريات ومناهج البحث التي تزخر بها المؤلفات العلمية."()
أو هو ـ كما جاء في قاموس وبستر ـ: " المعرفة المنسقة التي تنشأ عن الملاحظة والدراسة والتجريب, والتي تقوم بغرض تحديد طبيعة وأصول وأسس ما تتم دراسته."()
وجاء تعريفه في قاموس أكسفورد لعام 1974 بأنه: " … ذلك الفرع من الدراسة, الذي يتعلق بجسد مترابط من الحقائق الثابتة المصنفة, والتي تحكمها قوانين عامة, تستخدم طرق ومناهج موثوق بها لاكتشاف الحقائق الجديدة في نطاق الدراسة."()
وقد عرفه جوليان هكسلي في كتابه " الإنسان في العالم الحديث " بأنه: "هو النشاط الذي يحصل به الإنسان على قدر كبير من المعرفة لحقائق الطبيعة وكيفية السيطرة عليها."
وتدور جل محاولات تحديد مفهوم العلم وتعريفه حول حقيقة أن العلم هو " جزء من المعرفة, يتضمن الحقائق والمبادئ والقوانين والنظريات والمعلومات الثابتة والمنسقة والمصنفة, والطرق والمناهج العملية الموثوق بها لمعرفة واكتشاف الحقيقة بصورة قاطعة يقينية ".
وليتضح لنا معنى العلم أكثر, علينا أن نميزه عن غيره من المصطلحات والمفاهيم المشابهة له واللصيقة به, في غالب الأحيان مثل: المعرفة, الثقافة, الفن… وغيرها من المصطلحات. وكذا تحديد وبيان أهدافه ووظائفه.
ـ معنى المعرفة:
تعني المعرفة في أبسط معانيها تصورا عقليا لإدراك كنه الشيء بعد أن كان غائبا, وتتضمن المعرفة المدركات الإنسانية أثر تراكمات فكرية عبر الأبعاد الزمانية والمكانية والحضارية والعلمية, أو بعبارة أخرى المعرفة هي كل ذلك الرصيد الواسع والضخم من المعلومات والمعارف التي استطاع الإنسان أن يجمعها عبر التاريخ، بحواسه وفكره. وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ المعرفة الحسية:
وتكون بواسطة الملاحظات البسيطة والمباشرة والعفوية, عن طريق حواس الإنسان المعروفة, مثل تعاقب الليل والنهار, طلوع الشمس وغروبها, تهاطل الأمطار…الخ, وذلك دون إدراك للعلاقات القائمة بين هذه الظواهر الطبيعية وأسبابها.
2 ـ المعرفة الفلسفية: وهي مجموع المعارف والمعلومات التي يتحصل عليها الإنسان بواسطة استعمال الفكر لا الحواس, حيث يستخدم أساليب التفكير والتأمل الفلسفي, لمعرفة الأسباب, الحتميات البعيدة للظواهر, مثل التفكير والتأمل في أسباب الحياة والموت, خلق الوجود والكون.()
3 ـ المعرفة العلمية والتجريبية: وهي المعرفة التي تتحقق على أساس الملاحظات العلمية المنظمة, والتجارب المنظمة والمقصودة للظواهر والأشياء, ووضع الفروض, واكتشاف النظريات العامة والقوانين العلمية الثابتة, القادرة على تفسير الظواهر والأمور تفسيرا علميا, والتنبؤ بما سيحدث مستقبلا والتحكم فيه().
وهذا النوع الأخير من المعرفة, هو وحده الذي يكَّون العلم.
والمعرفة بذلك تكون مشتملة على العلم, وهو جزء من أجزائها.
ـ الثقافـة:
عرّفت الثقافة عدة تعريفات, لعلَّ أشهرها تعريف تايلور القائل أن الثقافة: " هي ذلك الكل المعقد الذي يشمل المعرفة والعقيدة والفن والأخلاق والقانون والعادات وسائر القدرات التي يكتسبها الإنسان كعضو في المجتمع."
أو تعرّف أنها: " أنماط وعادات سلوكية ومعارف وقيم واتجاهات اجتماعية, ومعتقدات وأنماط تفكير ومعاملات ومعايير, يشترك فيها أفراد جيل معين, ثم تتناقلها الأجيال جيلا بعد جيل."()
وعرفها آخر بأنها: " مجموعة العادات والتقاليد والقيم والفنون المنتشرة داخل مجتمع معين, حيث ينعكس ذلك على اتجاهات الأفراد وميولهم ومفاهيمهم للمواقف المختلفة."()
فالثقافة بذلك تشمل العلم والمعرفة والدين والأخلاق والقوانين والعادات والتقاليد وأنماط الحياة والسلوك في المجتمع.
ـ الفـن:
الفن في اللغة حسن الشيء وجماله, والإبداع وحسن القيام بالشيء().
ويعرف (l`art ) قاموسيا بأنه: " نشاط إنساني خاص, ينبئ ويدل على قدرات وملكات إحساسية وتأملية وأخلاقية, وذهنية خارقة مبدعة."()
كما تدل كلمة " فن " art على المهارة والقدرة الاستثنائية الخاصة في تطبيق المبادئ والنظريات والقوانين العلمية, في الواقع والميدان:
الفنون الأدبية, الفنون العسكرية, فن القيادة السياسية والاجتماعية والإدارية, الفنون الرياضية, فن الموسيقى والغناء…
أمَّا كلمة " فن " في الاصطلاح فإنها تعني: " المهارة الإنسانية والمقدرة على الابتكار والإبداع والمبادرة, وهذه المقدرة تعتمد على عدة عوامل وصفات مختلفة ومتغيرة مثل: درجة الذكاء, قوة الصبر, صواب الحكم, الاستعدادات القيادية لدى الأشخاص."()
يرى بعض المفكرين والعلماء أن عناصر الفن الأساسية شبيهة إلى حد كبير بعناصر العلم, لأن كلاهما يستنكر الاعتماد على حفظ الحقائق والمعلومات المجردة والجامدة, وكلاها يدعو إلى ضرورة اكتشاف وتفهم العلاقات بين الظواهر المختلفة, والتي بدورها تؤدي إلى الابتكار والانطلاق الفكري, وكما أن العلم يؤدي بالضرورة إلى ابتكار علمي, فإن الفن أيضا ينتهي بابتكار فني.
وهناك فريق آخر من المفكرين والعلماء يرون أن هناك فروقا جذرية بين العلم والفن منها:
أن العلم يقوم على أساس مجموعة من القوانين العلمية الموضوعية والمجردة, التي تحدد العلاقة بين ظاهرتين أو أكثر من الظواهر التي يتناولها بالدراسة, وهذه العلاقات معيارها الحتمية والاحتمال, ويبحث العلم فيما هو موجود وكائن, بينما الفن يقوم ويعتمد على أساس المهارة الإنسانية, ويرتكز على الملكات الذاتية والمواهب الفردية, وهو يستند إلى الاعتبارات العملية أكثر من استناده إلى الاعتبارات النظرية.
خصائص المعرفة العلمية:
1 ـ التراكمية: تعود المعرفة بجذورها إلى بداية الحضارات الإنسانية, وقد بنيت معارفنا فوق معارف كثيرة أسهمت فيها حضارات إنسانية مختلفة, لأن المعرفة تبنى هرميا من الأسفل إلى الأعلى, نتيجة تراكم وتطور المعرفة العلمية.
والتراكمية العلمية إما أنها تأتي بالبديل, فتلغي القديم مثل: فيزياء نيوتن التي اعتقد بأنها مطلقة إلى أن جاء انشتاين بنسبيته, وبالمثل فإن الكثير من النظريات والمعارف العلمية في مجالات مختلفة, استغنى عنها الإنسان واستبدلها بنظريات ومفاهيم ومعارف خاصة في مجال العلوم الإجتماعية التي تتسم بالتغير والنسبية.
2 ـ التنظيم: إن المعرفة العلمية معرفة منظمة تخضع لضوابط وأسس منهجية, لا نستطيع الوصول إليها دون إتباع هذه الأسس والتقيد بها.
كما أن التطور العلمي يقتضي من الباحث التخصص في ميدان علمي محدد, وذلك بحكم التطور العلمي والمعرفي, وتزايد التخصصات وتنوع حقولها. مما يسمح للباحث بالاطلاع على موضوعاته وفهم جزئياته وتقنياته.
3 ـ السببية: يعرف السبب بأنه مجموع العوامل أو الشروط وكل أنواع الظروف التي متى تحققت ترتب عنها نتيجة مطردة, ونستطيع القول بوجود علاقة سببية بين متغيرين: سبب ( علة ) ونتيجة (معلول), عندما نجري تجارب عديدة وبنفس الهدف نتحصل على نفس النتيجة().
4 ـ الدقـة: يخضع العلم لمبادئ ومفاهيم متعارف عليها بين ذوي الاختصاص تتضمن مصطلحات ومعاني ومفاهيم دقيقة جدا ومحددة.
ويجب استعمال هذه المصطلحات بدقة وتحديد مدلولها العلمي, لأنها عبارة عن اللغة التي يتداولها المختصون في فرع من فروع المعرفة العلمية().
وتقتضي الدقة الاستناد إلى معايير دقيقة, والتعبير بدقة عن الموضوعات التي ندرسها.
5 ـ اليقين: إن المعرفة العلمية لا تفرض نفسها إلا إذا كانت يقينية, أي أن صاحبها تيقن منها عمليا, فأصبح يستطيع إثباتها بأدلة وبراهين وحقائق وأسانيد موضوعية لا تحمل الشك, وهذا ما يعرف باليقين العلمي.
فالنتائج التي نتوصل إليها يجب أن تكون مستنبطة من مقدمات ومعطيات موثوق من صحتها.
6 ـ الموضوعية: إن الباحث ينبغي أن يكون حياديا في بحثه, يتجرد من ذاتيته, وينقل الحقائق والمعطيات كما هي في الواقع, وأن لا يخفي الحقائق التي لا تتوافق مع وجهة نظره وأحكامه المسبقة.
7 ـ التعميم:
ـ وظائف وأهداف العلم:
أولا: غاية ووظيفة الاكتشاف والتفسير:
إن الغاية والوظيفة الأولى للعلم, هي اكتشاف القوانين العلمية العامة والشاملة للظواهر والأحداث المتماثلة والمترابطة والمتناسقة, وذلك عن طريق ملاحظة ورصد الأحداث والظواهر المختلفة, وإجراء عمليات التجريب العلمي للوصول إلى قوانين عامة وشاملة تفسر هذه الظواهر والوقائع والأحداث.()
ثانيا: غاية ووظيفة التنبؤ:
وهي التوقع العلمي والتنبؤ بكيفية عمل وتطور وسير الأحداث والظواهر الطبيعية وغير الطبيعية, المنظمة بالقوانين العلمية المكتشفة, فهكذا يمكن التنبؤ والتوقع العلمي بموعد الخسوف والكسوف, بمستقبل حالة الطقس, وبمستقبل تقلبات الرأي العام سياسيا واجتماعيا إلى غير ذلك من الحالات والأمور التي يمكن التوقع والتنبؤ العلمي بمستقبلها, وذلك لأخذ الاحتياطات والإجراءات اللازمة والضرورية.
ثالثا: غاية ووظيفة الضبط والتحكم:
بعد غاية ووظيفة الاكتشاف ووظيفة التنبؤ, تأتي وظيفة التحكم العلمي في هذه الظواهر والسيطرة عليها, وتوجيهها التوجيه المرغوب فيه, واستغلال النتائج والآثار لخدمة مصلحة الإنسانية.
ووظيفة التحكم, قد يكون نظريا, وذلك عندما يقتصر العلم على بيان وتفسير كيفية الضبط والتوجيه والتكييف للظواهر, وقد يكون عمليا, وذلك حين يتدخل العالم لضبط الأحداث والسيطرة عليها, كأن يتحكم في مسار الأنهار, ومياه البحر, والجاذبية الأرضية, وكذلك يتحكم في الأمراض, والسلوك الإنساني وضبطه وتوجيهه نحو الخير, والتحكم في الفضاء الخارجي واستغلاله عمليا.
تعريف البحث العلمي:
يمثل البحث العلمي مرتكز محوري للوصول إلى الحقائق العلمية, ووضعها في إطار قواعد أو قوانين أو نظريات علمية كجوهر للعلوم, خاصة وأن العلم مدركات يقينية مؤكدة ومبرهن عليها كتصديق مطلق, ويتم التوصل إلى الحقائق عن طريق البحث وفق مناهج علمية هادفة ودقيقة ومنظمة, واستخدام أدوات ووسائل بحثية.
هناك عدة تعريفات للبحث العلمي, تحاول تحديد مفهومه ومعناه, ومن جملتها:
ـ " هو وسيلة للاستعلام والاستقصاء المنظم والدقيق, الذي يقوم به الباحث, بغرض اكتشاف معلومات أو علاقات جديدة, بالإضافة إلى تطوير أو تصحيح أو تحقيق المعلومات الموجودة فعلا, على أن يتبع في هذا الفحص والاستعلام الدقيق, خطوات المنهج العلمي."()
ـ " البحث العلمي هو البحث النظامي والمضبوط الخبري التجريبي, في المقولات الافتراضية عن العلاقات المتصورة بين الحوادث الطبيعية."()
ـ " هو فن هادف وعملية لوصف التفاعل المستمر بين النظريات والحقائق, من أجل الحصول على حقائق ذات معنى, وعلى نظريات ذات قوى تنبؤية."()
ـ " هو محاولة لاكتشاف المعرفة والتنقيب عنها وتنميتها, وفحصها وتحقيقها بتقص دقيق, ونقد عميق, ثم عرضها عرضا مكتملا بذكاء وإدراك, يسير في ركب الحضارة العالمية, ويسهم فيه إسهاما إنسانيا حيا شاملا."()
والذي نستطيع أن نخلص إليه من خلال كل هذه التعريفات أن البحث العلمي الأكاديمي: " هو الاستخدام المنظم لعدد من الأساليب والإجراءات للحصول على حل أكثر كفاية لمشكلة ما، عما يمكننا الحصول عليه بطرق أخرى، وهو يفترض الوصول إلى نتائج ومعلومات أو علاقات جديدة لزيادة المعرفة للناس أو التحقق منها".
أسس ومقومات البحث العلمي
1 ـ تحديد الأهداف البحثية بدقة ووضوح:
خاصة في اختيار الموضوع, فماذا يريد الباحث؟ وأي مشكلة أو ظاهرة تم اختيارها؟ وما هو التخصص الدقيق للباحث؟ وماذا يريد وكيف ومتى وإلى أين؟
2 ـ قدرة الباحث على التصور والإبداع:
وإعمال فكره وموهبته, وإلمامه بأدوات البحث المتباينة, والتمكن من تقنيات كتابة البحث العلمي.
3 ـ دقة المشاهدة والملاحظة:
للظاهرة محل البحث, وتحديد المقولات حولها, وإعمال الفكر والتأمل, مما يقود إلى بحث المتغيرات المحيطة بالظاهرة, بحيث تكون المحصلة وضع قوانين تتفق مع واقع الملاحظات والمتغيرات.
4 ـ وضع الفروض المفسرة للظاهرة:
ليتم إثباتها والبرهنة عليها, وتوضع كأفكار مجردة وموضوعية ينطلق منها الباحث, بحيث تقوده إلى جمع الحقائق المفسرة للفروض, وبالتالي إجراء التجارب على ضوئها, بعيدا عن تطويعها لما يريد الباحث إثباته والوصول إليه.
5 ـ القدرة على جمع الحقائق العلمية بشفافية ومصداقية:
وذلك من مختلف المصادر والمراجع, وغربلتها وتصنيفها وتبويبها وتمحيصها بدقة, ثم تحليلها.
6 ـ إجراء التجارب اللازمة:
بهدف الحصول على نتائج علمية تتفق مع الواقع العملي, وتتطلب التجارب في العلوم الاجتماعية تحليل السبب والمسبب والحجج, واستمرارية متابعة المتغيرات. واختبار الفروض والتأكد من مدى صحتها.
7 ـ الحصول على النتائج واختبار مدى صحتها:
وذلك بتمحيصها ومقارنتها وصحة انطباقها على الظواهر والمشكلات المماثلة, إثبات صحة الفرضيات.
8 ـ صياغة النظريات:
تعتبر النظرية إطار أو بناء فكري متكامل يفسر مجموعة من الحقائق العلمية في نسق علمي مترابط يتصف بالشمولية, ويرتكز على قواعد منهجية لمعالجة ظاهرة أو مشكلة ما.
وتمثل النظرية محور القوانين العلمية المهتمة بإيضاح وترسيخ نتائج العلاقات بين المتغيرات في ظل تفاعل الظواهر.
فيجب أن تكون صياغتها وفق النتائج المتحصل عليها من البحث, بعد اختبار صحتها والتيقن من حقائقها العلمية, وصحتها مستقبلا للظواهر المماثلة.
خصائص البحث العلمي:
للبحث العلمي جملة من الخصائص والمميزات, نستطيع استخلاصها من التعريفات السابقة, أهمها الخصائص التالية:
أولا: البحث العلمي بحث منظم ومضبوط:
أي أن البحث العلمي نشاط عقلي منظم ومضبوط ودقيق ومخطط, حيث أن المشكلات والفروض والملاحظات والتجارب والنظريات والقوانين, قد تحققت واكتشفت بواسطة جهود عقلية منظمة ومهيأة جيدا لذلك, وليست وليدة مصادفات أو أعمال ارتجالية, وتحقق هذه الخاصية للبحث العلمي, عامل الثقة الكاملة في نتائج البحث.()
ثانيا: البحث العلمي بحث نظري:
لأنه يستخدم النظرية لإقامة وصياغة الفرض, الذي هو بيان صريح يخضع للتجارب والاختبار.()
ثالثا: البحث العلمي بحث تجريبي:
لأنه يقوم على أساس إجراء التجارب والاختبارات على الفروض, والبحث الذي لا يقوم على أساس الملاحظات والتجارب لا يعد بحثا علميا. فالبحث العلمي يؤمن ويقترن بالتجارب.()
رابعا: البحث العلمي بحث حركي وتجديدي:
لأنه ينطوي دائما على تجديد وإضافات في المعرفة, عن طريق استبدال متواصل ومستمر للمعارف القديمة بمعارف أحدث وأجد.
خامسا: البحث العلمي بحث تفسيري:
لأنه يستخدم المعرفة العلمية لتفسير الظواهر والأشياء بواسطة مجموعة من المفاهيم المترابطة تسمى النظريات.
سادسا: البحث العلمي بحث عام ومعمم:
لأن المعلومات والمعارف لا تكتسب الطبيعة والصفة العلمية, إلا إذا كانت بحوثا معممة وفي متناول أي شخص, مثل الكشوف الطبية.
هذه بعض خصائص البحث العلمي التي تؤدي معرفتها إلى توسيع آفاق معرفة مفهوم البحث العلمي.
أنواع البحث العلمي
أولا: حسب الاستعمال:
أ ـ المقالة:
وهي بحوث قصيرة يقوم بها الطالب الجامعي, خلال مرحلة الليسانس, بناء على طلب أساتذته في المواد المختلفة, وتسمى عادة بالمقالة أو البحوث الصفية. ( نسبة إلى الصف أي القسم )
وتهدف إلى تدريب الطالب على تنظيم أفكاره, وعرضها بصورة سليمة, وعلى استخدام المكتبة ومصادرها, وتدريبه على الإخلاص والأمانة وتحمل المسؤولية في نقل المعلومات, وقد لا يتعدى حجم البحث عشر صفحات.
ب ـ مشروع البحث:
ويسمى عادة " مذكرة التخرج ", وهو يطلب في الغالب كأحد متطلبات التخرج بدرجة الليسانس, وهو من البحوث القصيرة, إلا أن أكثر تعمقا من المقالة, ويتطلب من الباحث مستوى فكريا أعلى ومقدرة أكبر على التحليل والمقارنة والنقد.وهنا يعمل الباحث مع أستاذه المشرف على تحديد إشكالية ضمن موضوع معين يختاره الطالب, والغرض منه هو تدريب الطالب على اختيار موضوع البحث, وتحديد الإشكالية التي سيتعامل معها, ووضع الاقتراحات اللازمة لها, واختيار الأدوات المناسبة للبحث, بالإضافة إلى تدريبه على طرق الترتيب والتفكير المنطقي السليم, والاستزادة من مناهل العلم, فليس المقصود منه التوصل إلى ابتكارات جديدة أو إضافات مستحدثة. بل تنمية قدرات الطالب في السيطرة على المعلومات ومصادر المعرفة, في مجال معين والابتعاد عن السطحية في التفكير والنظر.
ج ـ الرسالة:
وهو بحث يرقى في مفهومه عن المقالة أو مشروع البحث, ويعتبر أحد المتممات لنيل درجة علمية عالية ـ عادة ما تكون درجة الماجستيرـ.والهدف الأول منها هو أن يحصل الطالب على تجارب في البحث تحت إشراف أحد الأساتذة ليمكنه ذلك من التحضير للدكتوراه.
وتعتبر امتحانا يعطي فكرة عن مواهب الطالب, ومدى صلاحيته للدكتوراه. وهي فرصة ليثبت الطالب سعة اطلاعه وعمق تفكيره وقوته في النقد, والتبصر فيما يصادفه من أمور.
وتتصف الرسالة بأنها بحث مبتكر أصيل في موضوع من الموضوعات، أو تحقيق مخطوطة من المخطوطات التي لم يسبق إليها. وتعالج الرسالة مشكلة يختارها الباحث ويحددها, ويضع افتراضاتها, ويسعى إلى التوصل إلى نتائج جديدة لم تعرف من قبل, ولهذا فالرسالة تحتاج إلى مدة زمنية طويلة نسبيا, قد تكون عاما أو أكثر.
د ـ الأطروحة:
يتفق الأساتذة ورجال العلم على أن الأطروحة هي بحث علمي أعلى درجة من الرسالة, وهي للحصول على درجة الدكتوراه, ولهذا فهي بحث أصيل, يقوم فيه الباحث باختيار موضوعه, وتحديد اشكاليته, ووضع فرضياته, وتحديد أدواته واختيار مناهجه, وذلك من أجل إضافة لبنة جديدة لبنيان العلم والمعرفة.
وتختلف أطروحة الدكتوراه عن الماجستير في أن الجديد الذي تضيفه للمعرفة والعلم يجب أن يكون أوضح وأقوى, وأعمق وأدق, وأن تكون على مستوى أعلى.
وقد يمتد الزمن بالباحث لأكثر من سنة أو سنتين ـ ربما عدة أعوام ـ.
وتعتمد رسالة الدكتوراه على مراجع أوسع, وتحتاج إلى براعة في التحليل وتنظيم المادة العلمية, ويجب أن تعطي فكرة عن أن مقدمها يستطيع الاستقلال بعدها بالبحث, دون أن يحتاج إلى من يشرف عليه ويوجهه.
ثانيا: حسب أسلوب التفكير:
1 ـ التفكير الاستقرائي:
يقوم البحث الاستقرائي بعملية ملاحظة الجزئيات والحقائق والمعلومات الفردية, التي تساعد في تكوين إطار لنظرية يمكن تعميمها. وقد أخذ "سقراط" بهذا الأسلوب, وتعرف على نوعين منه: الاستقراء التام والاستقراء الحدسي. لكن عملية الاستقراء أخذت معنى أكثر دقة وتحديدا عند "هيوم ", الذي لخصها بأنها: " قضايا جزئية تؤدي إلى وقائع أو ظواهر, وتعتبر مقدمة إلى قضية عامة, ويمكن اعتبارها نتيجة تشير إلى ما سوف يحدث."()
ولعل من أشهر أمثلة الاستقراء حادثة سقوط التفاحة وما استنتجه العالم نيوتن من النتائج والحقائق.
ويتفق الباحثون على أن البحث الاستقرائي عادة ما ينتهي بمجموعة من الفروض, التي تستطيع تفسير تلك الملاحظات والتجارب, ثم تحقيق هذه الفروض بعد اختبارها(), فالبحوث الاستقرائية تساهم في التوصل إلى الإجابات عن الأسئلة التقليدية المعروفة: ماذا, كيف, من, أين, أي.
2 ـ التفكير الاستنباطي:
ويطلق عليه أيضا " طريق القياس", وهو يسير في اتجاه معاكس للتفكير الاستقرائي الذي يتبعه التجريبيون, وهذا يعني أنه مكمل للأسلوب الاستقرائي وليس مناقضا له.
وهذا الأسلوب ينقل العالم الباحث بصورة منطقية من المبادئ والنتائج التي تقوم على البديهيات والمسلمات العلمية, إلى الجزئيات وإلى استنتاجات فردية معينة. فالأسلوب الاستقرائي يهدف إلى التحقق من الفروض وإثباتها عن طريق الاختبار, أما الأسلوب الاستنباطي فهو الذي ينشأ من وجود استفسار علمي, ثم يعمل الباحث على جمع البيانات والمعلومات وتحليلها لإثبات صحة الاستفسار أو رفضه.
وقد اعتمد الدكتور أحمد بدر على العديد من العلماء, في قوله أن الاستقراء يبدأ بالجزئيات ليتوصل إلى القوانين والمسلمات العلمية, في حين أن الاستنباط أو القياس يبدأ بالقوانين ليستنبط منها الحقائق. وبهذا يكون الاستقراء من نصيب المتخصصين الذين يهتمون بالتعليلات العلمية القريبة, بينما يكون الاستنباط من نصيب الفلاسفة الذين يهتمون بالتعليلات الفلسفية البعيدة. فعالم البيولوجيا مثلا يهتم بتركيب الأعضاء ووظائفها, بينما ينظر الفيلسوف إلى كلية العلم ويحاول تفسير الحياة نفسها.
ويمكن القول أن هناك علاقة تبادلية بين الاستقراء والاستنباط, فالاستقراء عادة ما يتقدم القياس أو الاستنباط, وبذلك فإن القياس يبدأ من حيث ينتهي الاستقراء, وبينما يحتاج الاستقراء إلى القياس عندما يطبق على الجزئيات للتأكد من الفروض, فإن القياس يحتاج إلى الاستقراء من أجل التوصل إلى القواعد والقوانين الكلية().
ثالثا: حسب النشاط:
أ ـ التنقيبي الاكتشافي:
ويتركز المجهود والنشاط العقلي فيه على اكتشاف حقيقة جزئية معينة ومحددة بواسطة إجراء عمليات الاختبارات والتجارب العلمية والبحوث التنقيبية من أجل ذلك, ولا يقصد به تعميم النتائج أو استخدامها لحل مشكلة معينة, إنما جمع الحقائق فقط دون إطلاق أحكام قيمية عليها.
ومن أمثلة البحوث التنقيبية, البحوث التي يقوم بها العالم الطبيب في معمله لاختبار دواء جديد ومدى نجاعته, والبحوث عن السيرة الذاتية لشخصية إنسانية معينة, والبحث الذي يقوم به الطالب في اكتشاف مجموعة المصادر والمراجع المتعلقة بموضوع أو فكرة معينة.()
ب ـ البحث التفسيري النقدي:
وهو نوع من البحوث العلمية التي تعتمد على الإسناد والتبرير والتدليل المنطقي والعقلي, من أجل الوصول إلى حل المشكل. ويتعلق هذا النوع من البحوث غالبا ببحث وتفسير الأفكار لا الحقائق والظواهر.
ويعتبر البحث التفسيري النقدي ذو قيمة علمية هامة, للوصول إلى نتائج عند معالجة المشاكل التي تحتوي على قدر ضئيل من المعلومات والحقائق. ويشترط فيه الشروط التالية:
ـ أن تعتمد المناقشة التفسيرية وتتركز حول الأفكار والمبادئ المعروفة والمسلم بها, أو على الأقل أن تتلاءم الدراسة والبحث وتتفق مع مجموعة الأفكار والنظريات المتعلقة بموضوع البحث.
ـ يجب أن يؤدي البحث التفسيري إلى بعض النتائج والحلول, أو أن يؤدي إلى الرأي الراجح في حل المشكلة المطروحة للدراسة.
ـ يجب أن تكون الحجج والمبررات والأسانيد ومناقشتها أثناء الدراسة التفسيرية والنقدية واضحة ومعقولة ومنطقية ومضبوطة.
ج ـ البحث الكامل:
وهو البحث الذي يستهدف إلى حل مشكلة والتعميم منها, ويستخدم هذا النوع من البحوث كلا من النوعين السابقين ( التنقيبي والتفسيري ), أي جمع الحقائق والتدليل عليها, إلا أن يذهب إلى أبعد من كليهما, حيث يضع الافتراضات المناسبة ثم يقوم الباحث بجمع الحقائق والأدلة وتحليلها, من أجل قبول الافتراضات أو رفضها, وبالتالي يتوصل إلى نتائج منطقية, تقوم لحل المشكلة على التدليل الحقائقي, والتي تمكنه من وضع التعميمات التي تستخدم في الحالات المماثلة.
د ـ البحث العلمي الاستطلاعي:
البحث الاستطلاعي أو الدراسة العلمية الكشفية الصياغية الاستطلاعية, هو البحث الذي يستهدف التعرف على المشكلة فقط. وتقوم الحاجة إلى هذا النوع من البحوث, عندما تكون المشكلة محل البحث جديدة لم يسبق إليها, أو عندما تكون المعلومات أو المعارف المتحصل عليها حول المشكلة قليلة وضعيفة.
هـ ـ البحث الوصفي والتشخيصي:
وهو الذي يهدف إلى تحديد سمات وصفات وخصائص ومقومات ظاهرة معينة تحديدا كميا ونوعيا.()
و ـ البحث التجريبي:
يتحدد عن طريق التعرف على المنهج التجريبي, الذي سنأتي إلى دراسته دراسة مفصلة, ويكفي هنا القول: أن البحث التجريبي هو الذي يقوم على أساس الملاحظة والتجارب لإثبات صحة الفروض, وذلك باستخدام قوانين علمية عامة.
بارك الله فيكم وشكرا جزيلا