اعجبتني هذه المواضيع فنقلتها لكم لتستيدوا منها اكثر سواء في تحليل النصوص في بناء مقالة فلسفية
بنية المقالة التحليلية المقدمة: تشكل المقدمة ضربا من القراءة الإشكالية للنص من حيث أنها تستهدف تأطير النص في سياق إشكالي يجعله ممكنا ويبرر وجوده باعتبار أن هذه المحاولة الفلسفية التي نتوق تحليلها تصبح عديمة المعنى إن لم نستطع الوقوف عند دوافعها الإشكالية . و ينبغي أن نفهم أن الغرض الرئيسي من العملية التحليلية كلها ليس الاشتغال التاريخي على فيلسوف ما بل إن النص الفلسفي يستهدف باعتباره محاولة سبقتنا للبت في مشكل يشغلنا بحيث أن المشكل الفلسفي يصبح ذات الشاغل الذي يشغلنا و الفيلسوف بالكيفية نفسها.وتنقسم المقدمة إلى: أ.التمهيد الإشكالي : -إن الوظيفة الأساسية للتمهيد هي الكشف عن المشكل الفلسفي العام الذي يحاول النص الفلسفي حله و إبراز دواعي ومبررات المشكل بغية التمهيد لتناول خصوصي للمشكل من خلال الطرح الإشكالي . ويمكن أن نقترح على سبيل الذكر لا الحصر أصنافا من التمهيدات هي الآتية: -تمهيد ينطلق من رأي شائع: إن من بين أبرز دواعي طرح الإشكال الرغبة في مجاوزة نظرة عامية مغلوطة سائدة حول مسألة ما بحيث يكون الحس النقدي الحاضر في الفلسفة بما ينبني عليه من منطق تجاوزى وما يحدوه من عزم التأسيس دافعا قويا للمساءلة. -تمهيد يستحضر أطروحة مضادة شريطة ألا تكون عنصرا من عناصر التحليل: إن هذا الصنف من التمهيدات يكشف عدم استكانة القول الفلسفي إلى أي بداهة وقدرته على تجديد ذاته وعلى ممارسة النقد الذاتي لمصادراته عبر المساءلة المستكشفة لآفاق جديدة من النظر المجدد للأشياء. تمهيد يستحضر معضلة أو مفارقة: يمكن لنا أن نستحدث توترا إشكاليا عبر استثمار أوجه البس التي قد تلتفع بها المفاهيم مما يجعلها تحيل على الشيء و ضديده وتتركنا أمام حيرة الاختيار بين حلول متباينة ومتناقضة بحيث تكون المساءلة السبيل الأقوم لإزالة ما يكتنفها من لبس و غموض. ب.الطرح الإشكالي: إن الإشكالية كما تكشف عنها الدلالة اللغوية (من أشكل الأمر عليه أي غمض و التبس فحار و لم يهتدي سبيلا ) هي الصعوبة الفعلية التي يحاول النص حلها و السؤال الفلسفي يتميز عن السؤال الوقائعي (المرتبط بالتساؤل حول المتداول واليومي ) من ناحية كونه يستحضر صعوبة فعلية لا صعوبة مفتعلة. يمكن أن نصوغ الإشكالية بطريقتين: – أن نطرح سؤالا عاما ثم نفرعه إلى أسئلة جزئية ليتسنى حله بصورة أفضل وأكثر دقة – أن نطرح جملة من الأسئلة المتعاقبة تشكل في مجموعها ما يسمي بالطرح الإشكالي ج. السؤال التقييمي: وهو سؤال يشير إلى نقائص وثغرات الأطروحة ومهمته تنسيبها و إبراز حدودها . – إذا ما كانت الإشكالية تحيل على المهمة التحليلية فإن السؤال التقييمي يرتبط بالجزء النقدي من المقالة الفلسفية . – نقترح لأنجاز السؤال التقييمي الإمكانيات الآتية: -الكشف عن المسلمة أو المسلمات: المسلمة هي ما يقره الفيلسوف دون برهنة باعتبار أن المسلمة هي ما يصادر عليه الفيلسوف دون برهنة كأن تكون مصادرة أو ضربا من الإقرار اللاواعي المستمد من خلفية نظرية ما (ميتافيزيقية،وضعية….إلخ) – مساءلة المسلمة : يمكن اللجوء إلي أسلوب الاستفهام الإنكاري لبلورة السؤال التقييمي باعتباره يقوم على مبدأ إنكار المضمون المصاحب لصيغة الاستفهام و بالتالي إنكار مضمون المسلمة والكشف عن الحدود و إمكانات التجاوز أو أن نلتجئ إلى الصيغ التنسيبية " إلى أي مدى ، إلى أي حد، ما مدي وجاهة الإقرار……" للمسلمة التي نريد تجاوزها. الجوهر: 2.2القسم التحليلي: – يرتكز على رصد أطروحة النص و التدرج إلى نظام البرهنة . – بيان النظام الحجاجي من خلال : + الاشتغال السياقي علي مفاهيم النص وعلى الشبكة المنطقية لها . ضرورة الاشتغال الوظيفي على المفاهيم والتمييز بين المفهوم النواتي و المفاهيم الرئيسية و المفاهيم الوظيفية في حدود ما تتطلبه البرهنة على الأطروحة ."دون الإنسياق في السرد" + الاشتغال علي الأسلوب + الوقوف عند الحجج المعتمدة: المثال، المقارنة، البرهنة بالخلف…..الخ ==} إن لحظات الحجاج تصبح هي ذاتها مستويات التحليل و ينبغي أن تكون الكتابة فعلا قصديا بمعنى أن يتخذ التلميذ أهدافا تحليلية جزئية تعد البرهنة عليها شرطا ضروريا للبرهنة على الأطروحة. – ضرورة أن يكون التدعيم النظري وظيفيا أي أن لا يتخذ التلميذ من النص ذريعة للانزياح إلى مرجعية أخرى يتمكن من مضمونها المعرفي إذ ينبغي أن يورد فقط مضمونا يتأقلم مع ما يراد البرهنة عليه. – ضرورة أن يلتزم التلميذ بصيغ الاحتراز في التدعيم الخارجي كأن يقر بأن فيلسوفا ما يبدو متفقا مع آخر في نقطة معينة توجب ضبطها لتحذر الخلط بين المرجعيات. 3.2القسم النقدي: أ/ المكاسب: إن وظيفة المكاسب هي تثمين أطروحة الفيلسوف من خلا ل إبراز إسهاماتها في تجاوز المشكل الفلسفي المطروح في المقدمة مع الكشف عن رهانات النص التي يمكن إقرارها سواء كانت نظرية أو عملية. ب/الحدود: تشير إلى نقائص و ثغرات الأطروحة أي ما ينبغي تجاوزه باعتباره لا يسهم فعليا في حل الإشكال. -من الأنسب في إنجاز الحدود أن ينطلق التلميذ من إبراز تناقض المنطق الداخلي للأطروحة كأن تكون فيها بعض المفاهيم بحاجة إلى التطوير أو المراجعة الجذرية مما قد يؤدي إلى إعادة النظر بكيفية تامة أو جزئية في الأطروحة. – يمكن إنجاز الحدود انطلاقا من الحاجة إلى تجاوز مسلمات الأطروحة أو الكشف التأويلي عن ضمنياتها كرصد ما يتولد عنها من سلبية على المستوى العملي مثلا أو أن ثمة مسكوت عنه ينبغي إبرازه – ضرورة تجنب النقد السردي كأن ننتقل من مرجعية إلى مرجعية أخرى مضادة دون أن يكون الانتقال مبررا منطقيا مثال: يرى الفيلسوف, في حين أن فيلسوفا آخر يرى. الخاتمة: – غالبا ما يهمل التلاميذ الخاتمة أو لا يولوها العناية اللازمة إما لاعتبارات زمنية(عدم التحكم في زمن الإنجاز) أو نتيجة لغياب تمثل واعي لأهداف ومقاصد المقالة الفلسفية أي باعتبارها تفكيرا متدرجا في مشكل قائما على الانطلاق من تشخيصه وطرحه على نحو متدرج و الانتقال من تبين مقومات حل فلسفي ما إلى تقييمه على نحو يدفع التفكير إلى ما أبعد من نقطة انطلاقه أي إلى تساؤل يفضي إلى افتتاح فضاء إشكالي جديد.و انطلاقا من جملة هذه المعطيات فإن الخاتمة تكون في المقالة لحظة تأليفية قائمة على استحضار النتائج التحليلية التي تم الحصول انطلاقا من مسار الحجاج وكذلك لحظة التقييم (التحليل+النقاش)دون إسهاب أو استفاضة لأن التلميذ غير مطالب باسترجاع أساليب الحجاج التي توخاها للوصول إلى هذه النتائج وتكون هذه اللحظة التأليفية منطلقا لاستكمال عملية التساؤل عبر الانفتاح على فضاءات إشكالية جديدة تمكن من تعميق النظر في المشكل الأصلي.
مهارات منهجية فلسفية
الخطوة الأولى:المُـفـْـهِـمَـة اعلم أن الدرس الفلسفي يعمل على بناء مجموعة من المفاهيم وذلك عبر التدرج بها من دلالاتها الاعتيادية إلى اللغوية وصولا إلى العلمية، إن كانت، والفلسفية في الأخير. لماذا ننطلق من الدلالة الاعتيادية؟ يبدأ الدرس الفلسفي في دراسته للمفهمة -موضوع الدرس- ، للانتقال من الكلمة في دلالتها المتداولة الملتبسة التي تكون مشحونة بمعان متضاربة تكون عائقا يحول دون رصد الكلمة في شموليتها وإنما في ضيقها ومحدوديتها لكونها تعبر عن الانطباع الفردي أو الجمعي، وهذا ما يفرض أهمية تجاوز الكلمة بالمعنى التداولي إلى المفهوم . ما الهدف؟ أن يصبح المتعلم قادرا على تجاوز تمثلاته العفوية الضيقة والرقي بها إلى مستوى المفهوم في شموليته واتساعه واكتسابه القدرة على التفكير المفهومي. مثال أول: الموضوع المقترح: ما هي السعادة؟ ليس المطلوب هنا سرد مختلف النظريات الفلسفية التي تم اكتسابها في حجرة الدرس عن كلمة " سعادة" بل تحليل الدلالات المختلفة لهذه الكلمة قصد الوقوف على المفهوم الملائم لسياق الموضوع. فلسعادة دلالات مختلفة، يمكن عرضها كما يلي: – تفيد تحقيق الإشباع والإرضاء الحسي، وحسن العيش و… (دلالة متداولة حسب التمثل الشائع ). – كما تفيد السعادة اليمن والخير وهي ضد الشقاء والنحس. – تفيد السعادة تلبية لميولاتنا كلها. إذن كلمة السعادة تحدث مفارقات وتقابلات تكشف عنها مواقف الفلاسفة والمفكرين، وبالتالي لا يمكن الحديث عن مفهوم السعادة إلا في السياق الذي بُني عليه. والذي يمكن استخلاصه من الطابع الإشكالي الذي يحسم في تحديد المفارقات داخل المفهوم. نتيجة: إذن نشاهد أن كلمة السعادة مثلا قد تدرجنا بها من دلالتها العفوية الضيقة التي تحصر لنا الكلمة في تحقيق الإشباع والإرضاء الحسي… وصولا على المفهوم الذي يقف عند كلمة " سعادة" في شموليتها ويعتبرها تلبية لميولاتنا كلها. وهذا ما يجعلنا نعمل على الكشف عن معنى " ميولاتنا كلها". هل هي ميولات مادية أم ميولات فكرية أم ميولات قلبية؟ ملحوظة؟ في النص الذي يحتوي على مجموعة من المفاهيم، يطلب من المتعلم إستخراجها ثم ترتيبها وفق جدول مزدوج من التقابلات وتبيان العلاقات القائمة بينها، وذلك لتجنب سوء فهم النص الخطوة الثانية: الإشكال يهتم الدرس الفلسفي عموما أثناء الانتقال من الكلمة إلى المفهوم، أهمية إحداث التقابلات بين التي يحدثا المفهوم في دلالاته وصياغتها صياغة إشكالية. وبهذا فالإشكال يعتبر ركنا أساسيا في التفكير الفلسفي، وهو يتكون من طرفين من السؤال أو أكثر، يمتازان بعلاقة التقابل والتضاد ويشترط فيهما الانسجام أي؛ أن يكونا من نفس الطبيعة والجنس أو الموضوع. الإشكال إذن قضية تساؤلية تنطلق مما هو جوهري في الموضوع، هدفه إحداث التقابل والإحراج بين الطرفين " الموقفين" والهدف من هذا التقابل والتناقض هو معالجة مختلف الإجابات الممكنة. مثلا في مفهوم السعادة يمكن أن نحدث التقابل في طرح إشكالي كما هو واضح من خلال هذا الإشكال: هل السعادة إرضاء للبدن أم للعقل أم للقلب؟ الإشكال هنا ينصب داخل نفس الطبيعة، وهو البحث عن مصدر السعادة، ويمتاز بالتقابل بين أطراف أسئلته المكونة له، والتي تتفرع إلى ثلاثة أسئلة نفصل بينها ب " أَمْ ". وتروم إحداث التقابل والتناقض بين الأطراف التي يتشكل منها هذا الإشكال، وذلك بغية معالجة مختلف الإجابات الممكنة، وبهذا نخلص أن الإشكال يهدف هو الآخر الإحاطة بالكل وليس بالجزء الخطوة الثالثة:الحجاج كثيرا ما يقال أن حقل الفلسفة هو حقل توليد المشكلات وإثارة الأسئلة، وهو أيضا حقل تتواجد فيه الأجوبة بنفس قدر تواجد الأسئلة والإشكالات، غير أن طبيعة الجواب في الفلسفة مبرهن عليه، يقوم على الحجاج والمحاجة. وهو يتميز عن البرهان، لأن هذا الأخير يشكل خاصية للعلم، في حين يشترط الحجاج استهداف إقناع المتحاور أو المتلقي وإحداث أثر لديه، وبالرغم من هذا التمييز فإمكانية حضورهما معا في الخطاب الفلسفي واردة مع غلبة الجانب الحجاجي. إن الحجاج تقنية يستعملها الفيلسوف من أجل حمل/ دفع أكبر عدد من ممكن من المتلقين على قبول خطابه والاقتناع بآرائه، إنه عملية إقناعية تأثيرية بطريقة عقلية. من جهة، ومن جهة أخرى، الحجاج عملية تستعمل لدحض وتفنيد أطروحة الخصوم وذلك بإظهار ضعفها أو عدم صلاحيتها …ومن آليات الحجاج الأشكال التالية: – حجاج برهانية: حجة البرهان المنطقي، حجة البرهان الاستدلالي، حجة البرهان بالخلف. – حجاج بلاغية: توظيف التشبيه، المجاز، الاستعارة، المماثلة… – حجة توظيف المثال والأساطير والقصص…، والحجاج باللجوء إلى السلطة الموثوقة إلخ… كيف يمكن التعرف على أنماط الحجاج الفلسفي من خلال النصوص؟ نعلم أن الفلاسفة في تناولهم للمشاكل الفلسفية يعتمدون على أشكال مختلفة من الحجاج من أجل دفع عدد ممكن من المتلقين على قبول خطاباتهم، أو بغية دحض أطروحة الخصوم. وهذه أمثلة على بعض أنواع الحجاج التي يمكن العثور عليها في النصوص الفلسفية، ويمكن تصنيفهما إلى صنفين: أ : حجاج برهانية: ويمكن الحديث فيها عن ثلاثة أنواع هي: – حجة البرهان بالخلف: يمكن تقديم تعريف بسيط لهذه الحجة حيث تقتضي وجود فكرتين متعارضتين الثانية تعمل على نفي ودحض وتفنيد أطروحة الخصم الأولى وذلك بإظهار ضعفها أو عدم صلاحيتها . مثال: يقول ميرلوبونتي في شان علاقة الفكر بالكلام :" … يؤخذ المعنى من الكلام، والكلام هو الوجود الخارجي للمعنى. إننا لا نقبل أيضا القول المعتاد بان الكلام هو مجرد وسيلة للتثبيت، أو إنه غلاف الفكر، ولباس له. فلو كانت الصور الكلامية المزعومة في حاجة إلى إعادة تركيبها في كل مرة، فلماذا نتذكر كلمات أو جملا على نحو أيسر مما نتذكر أفكارا؟ ولو كانت الأصوات لا تحمل في ذاتها مناها، فلماذا يسعى الفكر حينئذ إلى أن يزدوج بسلسلة من الأصوات ويتلبسها؟ ليس في وسع الفكر أن تكون "عتاد الفكر ". ولا في وسع الفكر أن يبحث عن التعبير إلا إذا كانت الكلمات ذاتها نصا مفهوما، وكان للكلام قوة للدلالة خاصة به. فلابد أن تكف الكلمة والكلام/ على نحو ما، عن أن يكونا كيفية للإشارة إلى الموضوع أو إلى الفكر، ليصيرا هما حضور الفكر داخل العالم المحسوس، ليس لباسا له، بل شعارا أو رمزا له، أو جسده…" نلاحظ هنا ان ميرلوبونتي حاول عرض موقف أول في شأن علاقة اللغة بالفكر، هذا الموقف يعتبر أن اللغة ما هي إلا وسيلة وأداة للكشف عن الفكر ويطهر ذلك من خلال قوله:" إننا لا نقبل أيضا القول المعتاد بان الكلام هو مجرد وسيلة للتثبيت، أو إنه غلاف الفكر، ولباس له " وهي فكرة أولى عمل على نفيها بفكرة ثانية في قوله : "ليس في وسع اللغة أن تكون "عتاد الفكر ". ولا في وسع الفكر أن يبحث عن التعبير إلا إذا كانت الكلمات ذاتها نصا مفهوما، وكان للكلام قوة للدلالة خاصة به. فلابد أن تكف الكلمة والكلام/ على نحو ما، عن أن يكونا كيفية للإشارة إلى الموضوع أو إلى الفكر، ليصيرا هما حضور الفكر داخل العالم المحسوس، ليس لباسا له، بل شعارا أو رمزا له، أو جسده…" بمعنى أن العلاقة بين اللغة والفكر ليست علاقة تباعد وأسبقية وإنما هي علاقة تلازم وتزامن وشبه علاقتهما بعلاقة الرمز بدلالته والروح والجسد . – حجة البرهان المنطقي: بمعنى الانتقال من مقدمات وقضايا للوصول إلى نتائج. مثال: يقول ديكارت :" أنا اشك، أنا أفكر، إذن أنا موجود" ينطلق ديكارت منى مقدمات محددة وهي: الشك، والشك كما تابع عملية لا يمكن أن تتم بمعزل عن التفكير، فالشك عملية عقلية، الانطلاق من هذه المقدمتين نتج عنهما الوصول على نتيجة لهما وهي إثبات وجوده. والوجود هنا ليس وجودا جسديا وإنما وجود عقلي. – حجة البرهان الرياضي: وهي الحجة التي يتم فيها الانتقال من البسيط إلى المركب وتعتمد البناء الرياضي. ويمكن معرفتها من خلال الأساليب الشرطية مثلا: ( لدينا…بما أن …فإن….إذن…./ إذا كان ….فإن… وبالتالي فإن….) ب: حجاج بلاغية : من بين الحجاج البلاغية التي يمكن العثور عليها في النصوص الفلسفية قيد التحليل نجد : توظيف التشبيه، المجاز، الاستعارة، وهناك أيضا: حجة المماثلة: ويقصد بالمماثلة منهجا استقرائيا، والمماثلة هي مبدأ استكشافي خصب يسمح بالتعرف على التماثل أو التشابه القائم بين وقائع مختلفة في ما بينها. حجة المقابلة: وهي حجة تهدف إلى استكشاف أوجه التقابل القائم بين وقائع مختلفة فيما بينها. حجة المقارنة: ويقصد منها استكشاف أوجه التشابه والتقابل بين وقائع مختلفة فيما بينها . حجة توظيف المثال والأساطير والقصص…، والحجاج باللجوء إلى السلطة الموثوقة كالاستشهاد بأقوال الفلاسفة مثلا.
مشروع مقاربة الإنشاء الفلسفي
ما هو الإنشاء الفلسفي؟ هو تمرين عقلي، أي إبراز القدرة على التفكير أو الاستدلال. ومن ثمة فالإنشاء الفلسفي كتابة منظمة ومترابطة المراحل، بدء من طرح مشكل، وانتهاء بالإجابة عنه.
( نقدم نموذجا ممكنا لتحليل السؤال المفتوح، في أفق الاستئناس به، على اعتبار أنه لا توجد طريقة نمطية وأحادية لتحليل السؤال، لكن مع ذلك للسؤال المفتوح خصوصية، تميزه عن القولة والنص. إلا أنه لا يجب التبسيط من مشكلة تحليل السؤال المفتوح ، مقارنة مع القولة والنص.
صيغة السؤال المفتوح:
1- لحظة الاشتغال القبلي على السؤال المفتوح. تفاديا للتحليل المتسرع لما قد يتضمنه موضوع السؤال المفتوح، من الأفيد أن نقوم بعمل تحضيري من خلال الاشتغال على اللحظات التالية: أ- تحديد رهان السؤال: إن الاشتغال على إبراز رهان التفكير ونوع الإشكالات المتضمنة في السؤال، يساعد على تلمس المقدمات الضرورية للتفكير في ما يطلبه منا السؤال المفتوح. وتحديد الرهان مرتبط بطريقة تشكّل مفاهيم السؤال. مثال: *- هل للتجربة وحدها دور في بناء النظرية؟ لفهم رهان السؤال، نحذف كلمة وحدها، لتصبح صيغة السؤال كالتالي : هل للتجربة دور في بناء النظرية؟ يبدو أن رهان السؤالين مختلف، بحيث تراهن صيغة السؤال الأول على نفي التخصيص ، لهذا جاءت الصيغة مشابهة لصيغة سؤال استنكاري، يرفض اعتبار أن التجربة وحدها هي التي تؤسس للنظرية، وبالتالي يراهن على أن شيئا آخر بالإضافة للتجربة له أيضا دور في بناء النظرية، ومن ثمة يستحسن قراءة (هل) ب(وحدها) لأن في تعالقهما يتحدد رهان السؤال.أما الصيغة الثانية، فالرهان مختلف، بالقول: نعم. لكن في الصيغة الأولى الرهان هو لا.لكن يجب التذكير أننا نحن الذين نكتب الإنشاء الفلسفي المعنيين بالإجابة والمناقشة والمقارنة، إذ سيختلف الأمر لو طرح السؤال على نيوتن ممثل الموقف الاختباري، وإنشتاين ممثل الموقف العقلاني التطبيقي ، سيجيب الأول بنعم، والثاني بلا بخصوص الصيغة الأولى. كما سيجيب نيوتن بخصوص الصيغة الثانية بنعم، بينما سيتحفظ إنشتاين لأنه متيقن بأن النظرية العلمية تكون صحيحة أكسيوميا دونما حاجة للتجربة التي تعتبر تحصيل حاصل، مادامت صحة النظرية تستمد من العقل الرياضي لا من التجربة. مع الإشارة إلى اختلاف إشكالية نيوتن عن إشكالية ومجال اشتغال إنشتاين.) لهذا يجب الانتباه إلى طريقة تشكّل المفاهيم المكونة للسؤال. مثال ثان: هل يمكن تأسيس الحق على العنف؟ سيكون الرهان لا، لماذا؟ -1 لأن هناك تعارضا بين مفهوم الحق ومفهوم العنف.وسيكون الرهان هو: تأسيس الحق على التعاقد. مع العلم أننا في التفكير الفلسفي يجب أن ندافع عن الحق وليس على العنف، بالرغم من وجود بعض الفلاسفة الذين يظهر أنهم يبررون العنف باعتباره لحظة من لحظات الوجود الإنساني في مسيرته التاريخية المرتبطة بحالة الطبيعة( هوبز، ماكيافيلي..) ، أو بمرحلة الاجتماع الأول الذي أفسد حالة الطبيعة الخيرة ( روسو)، أو العنف باعتباره أداة طبقية للسيادة في المجتمع الرأسمالي( الماركسية اللينينية) أو العنف باعتباره إرادة هي من صميم وجود المجتمع، باعتباره كميات من القوة في علاقة توتر(نيتشه)، أو العنف ( العدوانية) باعتباره رغبة طبيعية لغريزة التناتوس (غريزة الموت) فرويد.أو العنف المشروع كما دافع عنه ماكس فيبر. 2- يجب الأخذ بعين الاعتبار كلمة ( يمكن )، مع العلم أن هل حرف استفهام قد يحتمل الجواب بنعم في حالة الإثبات، وبلا في حالة النفي. لكن سياق السؤال هو الحق بين الطبيعي والثقافي، وبالتالي نحن أمام افتراض تاريخي اتفق كل الفلاسفة على صحته، والمتمثل في استحالة استمرار وجود الإنسان في الحفاظ على حقه الطبيعي في الحياة بواسطة العنف، لأن الواقع أثبت أن وسيلة العنف( الإفراط في استعمال القوة) أصبح يتناقض مع الهدف الذي هو الحق في البقاء.إذن هل يمكن؟ الرهان لا، بحجة فشل العنف في الحفاظ على الحق الذي كان سيضيع لو لم يهتد العقل إلى فكرة التعاقد التي أوجدت الدولة، كسلطة تنظم وتحافظ على حقوق الناس.إذن لا يكمن تأسيس شيء على ما يُناقضه في وجوده. وحتى الدولة- باعتبارها رمز النظام، أي دولة الحق- لا يمكن أن يتأسس وجودها على العنف، بسبب تناقض التعاقد مع العنف، ما دام التعاقد هو في الأصل بديل للعنف. من هذا المنطلق، من الأفيد للتلميذ الاشتغال على رهان السؤال، لاستجلاء ما يرومه ويسعى إلى التفكير فيه. لكن المذكرة رقم 159 ستجعل البحث عن الرهان أمرا أكثر صعوبة، لأنها تنص على أن تكون صيغة السؤال المفتوح( وحتى القولة والنص) ، تنفتح على مفهوم أو أكثر، أو مجزوءة واحدة أو أكثر، مثال. *- هل معرفة التاريخ تجعلنا أكثر حرية؟ *- هل الحرية حاجة أم حق إنساني؟ بالنسبة للسؤال الأول، المفهوم الأساسي في السؤال هو مفهوم التاريخ، لأنه منطلق تأسيس المشكل. ولكنه يتعالق مع مفهوم الحرية. هنا تتضايف مجزوءة الوضع البشري مع مجزوءة الأخلاق. ويصبح البحث عن الرهان متعلق بطريقة تركيب مفاهيم السؤال. مع العلم أن مشكلة الحرية وردت كقضية في مفهوم الشخص، (الشخص بين الضرورة والحرية) وكذلك وردت في مفهوم التاريخ نفسه، من خلال مشكلة من يصنع التاريخ؟ وهل الناس أحرار في صنعه( سارتر، ميرلوبونتي) أم أنه هو من يصنعهم بمكره أو ببنياثه الاقتصادية التحتية ( هيجل، ماركس)، وكذلك سيتكرر نفس المشكل في مفهوم الحرية ضمن مجزوءة الأخلاق (حرية الإرادة..) لكن المفهوم الناظم للسؤال هو مفهوم المعرفة . بمعنى أن الرهان هو تحقيق حرية أكثر، لكن بشرط معرفة التاريخ. هنا تكمن المشكلة: يتعالق مفهوم التاريخ مع الحرية بواسطة المعرفة. فشرط تححق الحرية رهين بمعرف التاريخ.لكن هذا يستدعي مشكلة سنتحدث عنها بالتفصيل في لحظة المسكوت عنه، وهي هل معرفة التاريخ ممكنة؟ وعن أية معرفة نتحدث؟ مع العلم أن التاريخ علم إنساني، وسبق لنا في مجزوءة المعرفة تلمس مدى صعوبة تحقيق معرفة موضوعية بالعلوم الإنسانية. المهم في المذكرة 159 هو تحرير الإنشاء الفلسفي من الأحادية والنمطية، وإعطاء التلميذ فرصة الانفتاح على الأشكلة الممكنة، من خلال تعدد مسارات الكتابة الفلسفية، الأمر الذي يجعل التلميذ أمام خيارات متعددة تجنبه السقوط في ما يصطلح عليه " الخروج عن الموضوع" ، وبالتالي إحساسه بالحرية في التفكير والاستدلال بدل التقيد النمطي بنموذج مفترض على أنه ما يشكل حقيقة المطلوب. المهم الثاني في المذكرة أعلاه أنها تسمح بتشكيل السؤال انطلاقا من البحث عن حل لمشكلة، وهذا سيحُدّ من "تعسّف" بعض المصححين في تصيد" الأخطاء المعرفية" للتلميذ، ومعاقبتهم لأنهم لم يكونوا في مستوى ديكارت أو هيجل أو فوكو… وكأن المطلوب ليس هو تتبع مسار تفكير التلميذ في حل مشكلة بل في استعراض معارف فلسفية لذاتها. 2- لحظة تحديد مبررات طرح السؤال: إن المفاهيم المكونة للسؤال المفتوح لا قيمة لها في ذاتها( كما يقول هنري بينا رويز في مقال له étude d’une question ، وإنما في الطريقة التي تتشكل بها تلك المفاهيم، و التي تؤثر على نوع المقاربة للإشكالية المطروحة والتي يروم السؤال دفع المترشح إلى التفكير فيها. من هذا المنطلق يجب أن نتساءل عن ما الذي يستدعي ويبرر طرح السؤال كما هو مطروح؟ فبدون مبرر لا معنى لوجود السؤال، لأن البحث عن المبرر يؤسس لمصداقية السؤال الفلسفية، وفي غياب المبرر يصبح السؤال مجرد استفهام نستفهم به عن مضمون الجملة.مثال: – هل تم استدعاء الآباء للاجتماع؟ – هل انهزم الفريق الوطني لكرة القدم في مباراته؟ – هل محطة البنزين مقفلة اليوم؟ هذه مجرد أسئلة استفهامية، وليست أسئلة إشكالية، وبالتالي لا تحتاج لحظة الإجابة عنها إلا بنعم أو لا، من دون تبرير الإجابة، لأن المجيب يصف معطى واقعيا هو في أساس وجوده الزيادة في التأكّد من الشيء ، لا في تحويله إلى قضية للتفكير ، هنا يختلف السؤال المفتوح الإشكالي عن السؤال الاستفهامي اليومي. فالسؤال الإشكالي يُبنى من خلال وجود مشكلة يصعب الحسم فيها بدون إخضاعها للفحص والتحليل والمناقشة واستدعاء مختلف المنظورات والأطروحات… في أفق إيجاد حل ممكن للمشكل المطروح.من هنا يستمد السؤال المفتوح مبرر طرحه، أي دعوته للتفكير وإعمال العقل في مشكل يفترضه السؤال المفتوح. مثال: من أين تستمد نظرية علمية ما صلاحيتها ؟ إن مبرر طرح السؤال، نابع من كيفية بناء النظرية العلمية، بمعنى هل يكفي بناؤها عقليا أم ينبغي إثباتها؟ إذا كان البناء عقليا فما هو دور التجربة؟ وإن وجب إثباتها فبأية وسيلة؟ وبالتالي هل هذه الصلاحية تستمد من العقل أم من التجربة؟ بالمحصلة يتعالق مبرر طرح السؤال بهويته الإشكالية، وبدونها لا يعتبر سؤالا إشكاليا. لهذا فالبحث عن المبرر، هو في الحقيقة لحظة أولية من البحث عن الإشكالات الممكنة أو المحتملة في السؤال. بل في بغض الأحيان على المترشح أن يعمل هو نفسه على أشكلة السؤال، من خلال البحث عن مبررات طرح السؤال، مثال: هل يمكن معرفة الغير؟ يبدو من ظاهر السؤال أنه مباشر، وكأنه من شاكلة: هل تعرف فلانا؟ لكن الحقيقة غير ذلك، لأن معرفة الغير من المشكلات الفلسفية المعقدة، بمعنى قبل إثبات معرفته، يجب إثبات وجوده ، ومعرفته تقتضي الدخول معه في علاقة ، حتى لا تتم معرفته على شاكلة الأشياء Objets، ومن ثمة تشييئه.ثم إن نمط المعرفة ليس واحدا ، بل هناك أشكال متعددة للمعرفة يتعدد المواقف والمنظورات ( السوليبسيزمية،البينذاتية، العلاقة الصراعية في أفق بناء الغيرية، المعية في الوجود، التشارك الوجداني…إلخ) 3- لحظة المسكوت عنه في السؤال: هناك قاعدة لسانية تقول: كلّ قول يُصرّح بشيء، ويسكت عن أشياء. Non dit. فالسؤال الإشكالي المفتوح هو أيضا يُصرّح في ظاهره بشيء ويسكت عن أشياء، على المترشح أن يستجليها من خلال قراءة تشخيصية لطريقة انبناء مفاهيم السؤال، وذلك من خلال الاستعانة بما توصل إليه في اللحظتين السابقتين: الرهان والمبررات. تتجلى لحظة المسكوت عنه في بعدين: 1- البحت وراء الصيغة الاستفهامية للسؤال المفتوح، عن الإشكالات المتضمنة في المطلوب، وتعريف الحمولة الحقيقة للسؤال والمتعلقة بالإشكالات التي يطرحها. 2- تحديد الأطروحات المفترضة ، باعتبارها ما يشكل عناصر المناقشة للإشكالات المتضمنة في السؤال. مثال: هل المعرفة الموضوعية للظاهرة الإنسانية ممكنة؟ المسكوت عنه في السؤال هو الخلاف بين موقفين متعارضين، لا يصرّح بهما السؤال.موقف يرى إمكانية الموضعة( دوركايم، أوكست كونت…) وآخر يرى صعوبة تحققها( بياجي، جون مونرو ) لكن الرهان هو أنها غير ممكنة، فلو كانت ممكنة لما طُرح السؤال، وسيكون طرحه من باب تحصيل الحاصل ما دامت ممكنة، وليس من باب التفكير في ما تخلقه الموضعة من مشاكل ، كصعوبة الفصل بين الذات والموضوع، ومشكلة تشييئ الإنسان، وهذا هو ما يراهن عليه السؤال. أما مبرر طرح السؤال فهو أن الموضعة ممكنة في العلوم الطبيعية المادية، ولكن حين يتعلق الأمر بالإنسان – باعتباره ذاتا Sujet وليس موضوعا Objet – فالمشكل مطروح بإلحاح ويجب البحث عن حقيقة الظاهرة الإنسانية خارج النموذج العلمي التجريبي، أي البحث عن حل لا يفقد الظاهرة الإنسانية خصوصيتها ، المختلفة حتما عن خصوصية المادة. أولا : الفهم (5ن) لحظة التأطير الإشكالي. أ- التأطير: تحديد المجال التداولي للسؤال، وقد يشمل مفهوما واحدا أو أكثر، كما قد يحيل على مجزوءة أو أكثر . مثال : هل ما تسمح به الأخلاق تمنعه السياسة؟ هل الحرية حاجة أم حق إنساني؟ في السؤال الأول، تتداخل مجزوءة الأخلاق مع مجزوءة السياسة، باعتبار الأخلاق التزاما يجد أفقه في الواجب، ومن ثمة ، فالخير الأسمى الذي من أجله يبحث الإنسان إنما هو إسعاد النفس ، كما أن الحرية مطلب إنساني ضد كل أنواع القهر والاستبداد. أما السياسة فهي تدبير للسلطة من قبل الدولة، والتدبير فعل تنظيمي للمواطنين، وبالتالي لا وجود للواجب والسعادة والحرية إلا في دولة الحق والقانون. ولهذا ليس هناك من مبرر للقول بأن ما تسمح به الأخلاق (الفضيلة والكرامة والاحترام) تمنعه السياسة، فواجب السياسي- حسب فلاسفة السياسة والأخلاق – هو احترام كرامة المواطنين باحترام حريتهم بالقانون .هذا هو ما يجب أن يكون. لكن هذا لا يمنع من استحضار موقف السياسة الواقعية- البرجماتية، التي قد تفصل بين السياسة والأخلاق من أجل تحقيق مصلحة الدولة كدولة، ولا يهم إن تعسفت على مواطنيها، باستعمال القوة أو العنف.في هذه الحالة، حين تتعارض الأخلاق مع السياسة، يحصل المنع. إذن المجال التداولي للسؤال هو طبيعة العلاقة بين السياسة والأخلاق، أين يلتقيان وأين يفترقان. أما في السؤال الثاني، فهو ينفتح على مفهومين: الحق( وهو من مجزوءة السياسة) والحرية (وهي من مجزوءة الأخلاق).إذن فالمجال التداولي للسؤال ( وهو من نوع السؤال التناوبي )هو مدى رقي الحرية إلى مستوى الحق. لكن المشكل متعلق بالحرية كمفهوم مركزي في السؤال، والرهان هل هي مجرد حاجة أم حق؟ وبالتالي وجب التمييز بين الحاجة والحق. ب- الأشكلة: في هذه اللحظة يجب الاشتغال على العمل التمهيدي(الرهان، المبررات، المسكوت عنه) في أفق استجلاء الإشكالية المتضمنة في السؤال، وتحويلها إلى حقل استفهامي، غايته تحديد مسار النقاش، ورصد الأطروحات الممكن استحضارهما . بمعنى أن الأشكلة قضية استفهامية تتضمن أطروحتين أو أكثر توجد بينهما مفارقة أو اختلاف أو تعارض، وتقتضي الإجابة عنها استدعاء أطروحة أو أكثر. مثال : بخصوص السؤال الأول: لبناء الحقل الاستفهامي، ُيستحسن أن تتم ُمساءلة ما هذا الذي تسمح به الأخلاق حتى تمنعه السياسة ؟ ومن أية زاوية تتعالق الأخلاق مع السياسة حتى تتدخل السياسة في ما تؤسس له الأخلاق.هنا تظهر مشكلة حقيقة الأخلاق، بمعنى إذا كانت الأخلاق التزام ذاتي بما هو خيّر كقيمة تحدد العلاقة مع الآخر، فالسياسة لا دخل لها في حرية الشخص بما يمليه عليه ضميره الأخلاقي. لكن إذا كانت الأخلاق قيما اجتماعية تتأسس بفعل مصدر خارجي، هنا يمكن أن تتدخل السياسة في توجيه والتحكم في الأخلاق، باعتبارها ما يؤسس لقيم مشتركة داخل مجتمع سياسي تعاقدي.بمعنى آخر لا دخل للسياسة فيما هو واجب أخلاقي مصدره الضمير الأخلاقي كالتزام شخصي، وحق من حقوقه الشخصية.لكن إذا نظرنا للأخلاق كاستجابة لقيم المجتمع، هنا يمكن للسياسة أن تتدخل وتمنع ما تراه يخرج عن قاعدة التعاقد الاجتماعي، بحيث يصبح ما يعتبره الشخص أخلاقا تعتبره السياسة تهديدا لها بسبب مخالفته لما سائد أو متوافق عله. من هذه الاعتبارات تُبنى الإشكالية. إن الخطأ الشائع يكمن في الاعتقاد أن السؤال نفسه مشكلة،لكن الواقع أن السؤال معطى، ويجب أشكلته من خلال التفكير في رهاناته الممكنة. فلو افترضنا أن السؤال نفسه مشكلة، سيقوم التلميذ بالإجابة عنه مباشرة، وبالتالي لا حاجة له بالاشتغال عليه وتجلية ما يرومه وما يراهن عليه وما يفترضه. يجب أن يكون السؤال المفتوح فضاء للتفلسف، وليس للإجابة المباشرة والفورية عن صيغته المعطاة. فليس السؤال المفتوح من قبيل الأسئلة التعرّفية مثل: من بنى مدينة مراكش؟ بل السؤال المفتوح دعوة لممارسة التفكير. لحظة التحليل: *-لحظة تحليل مفاهيم السؤال 1- في هذه اللحظة بالذات يختلف السؤال عن القولة والنص. بمعنى إذا كنا في القولة سنحلل لحظة التحليل أطروحة القولة المعطاة، وفي النص سنشتغل على الأفكار الأساسية في أفق استخراج أطروحة النص، ففي السؤال المفتوح لا توجد لا أطروحة معطاة كما في القولة، ولا أفكار أساسية كما في النص، يبقى إذن الاشتغال على المفاهيم المؤسسة لوجود السؤال كرهان إشكالي مفتوح على ممكنات متعددة. هذه القيمة هي التي تعطي للسؤال بعده الفلسفي بامتياز، ولهذا السبب يتم الرهان على السؤال المفتوح في امتحانات الفلسفة بفرنسا إلى جانب النص. 2- الاشتغال على مفاهيم السؤال ، لا يعني البحث عن دلالاتها المعجمية، بل بالعكس البحث عن حمولتها الإشكالية من خلال طبيعة تعالقها بالعلاقة مع صيغ الاستفهام. فالهدف من تحليل مفاهيم السؤال، هو تحديد القضية موضوع السؤال، ومن ثمة الانفتاح على الأطروحات الممكنة، التي فكرت في تلك القضية . 3- أ- هل: حرف استفهام، يُستفهم به عن مضمون الجملة. فيكون الجواب بنعم في حال الإثبات، وبلا في حال النفي. السؤال ما الذي يقع عليه الاستفهام؟ يتعلق الاستفهام بالسماح والمنع. ماهذا الذي تسمح به الأخلاق وتمنعه السياسة؟ فهل متعلقة بفعلين متناقضين ، لسلطتين متناظرتين: الأخلاق والسياسة. ففي حالة اختيار نعم، ما الذي يبرر هذا الاختيار، الذي سيؤسس للصراع بين الأخلاق والسياسة؟ ومن من المفكرين يدافع عن هذا الطرح، وما هي مبرراتهم وحججهم؟ ونطرح نفس الأسئلة في حالة الاقتناع باختيار مسار لا، بمعنى أن ما تسمح به الأخلاق لا تمنعه السياسة، هنا تتكامل الأخلاق مع السياسة. إذن من من المفكرين يدافع عن هذا الطرح وما هي حججهم……إلخ. 4- (ما تسمح به) ( تمنعه) من المستحسن تحليل الفعلين في تقابلهما التضادي.ما هذا الذي يعتبر مشروعا بالنسبة للأخلاق، ومن ثمة فهو مسموح به في نظرها، لكن بالنسبة للسياسة تراه لا مشروعا فترفضه.( نترك للتلميذ حرية اختيار ما يتناسب مع السماح والمنع حتى لا نصادر على حقه في التفكير، وحسبنا هنا نقدم منهجية للتفكير ليس إلا.) 5- الأخلاق. أحد المفاهيم المركزية في السؤال المفتوح. لكن يجب مقاربة هذا المفهوم من خلال سياقه ووضعيته الإشكالية داخل السؤال. فوضعه يتحدد من خلال وجود إيجابي يسمح: هذا الفعل يحيل إلى ما يمكن أن تقدمه الأخلاق للشخص، من منطلق أن الأخلاق بعد من أبعاد الوضع البشري، والمتمثل في البعد القيمي، من حيث أن الشخص في علاقته مع الآخر محكوم في سلوكه بضوابط أخلاقية.على التلميذ في هذه اللحظة أن يُعرّف طبيعة الأخلاق( من حيث أنها في إحدى تجلياتها هي حرية الاختيار بين الأفعال الممكنة، والقدرة على تقييم السلوك، وعلى النية في العمل الأخلاقي، وأخيرا على الغاية من هذا العمل. عن محمد عابد الجابري.دروس في الفلسفة.1967) من حيث هي النهاية قدرة الفاعل الأخلاقي على التصرف وفق ما ينبغي فعله استنادا إلى الضمير الأخلاقي، وما لهذا الأخير من تأثير على السلوك. فهل هذا حق للفاعل الأخلاقي، باعتبار ما يسلكه واجبا، سواء كان نتيجة إلزام أو رغبة؟ 6- السياسة: ثاني مفهوم مركزي في السؤال، ويتعالق معه مفهوم المنع. من المطلوب والمستحسن من التلميذ طرح السؤال التالي: لماذا ارتبط مفهوم الأخلاق بالحرية ( السماح) بينما مفهوم السياسة ارتبط بالمنع؟ يظهر جليا أن من يستطيع المنع لابد أن تكون له سلطة. فهل تأخذ دلالة السياسة هنا مفهوم الدولة؟ من منطلق أن السياسة أحد آليات تدبير الدولة لسلطتها. السؤال ما هذا الذي في الأخلاق من المحتمل أن تمنعه سلطة الدولة؟ هل جملة الصفات والسجايا الأخلاقية التي يتميز بها سلوك الشخص داخل مجال الدولة، أم المنع يستهدف العادات الأخلاقية الخاصة بكل فئة اجتماعية داخل الدولة؟ من بين الأسئلة المُثارة أيضا، هل يمكن أن تتصادم الدولة مع نظم من الأخلاق قد لا ترتضيها الدولة؟ أليس في منعها لأخلاق الآخر، دليل على إرادة فرض أخلاقها هي، وبالتالي فالأخلاق الممنوعة هي الأخلاق التي لا تتماشى مع أخلاق الدولة؟ لنجد أنفسنا أمام صراع بين منظورين أخلاقيين، أحدهما يجد مبرر وجوده خارج مرجعية سياسة الدولة، وهذه الأخيرة لا تقبل أخلاقا غير أخلاقها هي. هنا نفهم قولة ماركس الشهيرة: الثقافة السائدة للطبقة السائدة. ويمكن أن نقيسها على الأخلاق،مادامت في النهاية مجرد منظور للحياة تحكمه عوامل ذاتية وتاريخية. لحظة المناقشة: 1- يمكن للتلميذ أن يناقش الرهان الذي اختاره: إما نعم أو لا. وذلك باستحضار المواقف الفلسفية المدعمة والمعارضة، في أفق بناء تصور الموضوع والإجابة عن المشكل المطروح. 2- قد يكون الرهان نعم، وفي هذه الحالة نعطي للأخلاق طابع النسبية، باعتبارها مجرد منظور تحكمه مرجعيات فكرية أو دينية أو سياسية… وبالتالي ما دام لكل جماعة أو طبقة أو حزب… أخلاقه، فلا بد أن تتصارع الأخلاق بتصارع المصالح. فتغير الأخلاق بتغير المصالح، يعطي للدولة مبرر منع أخلاق ترى فيها نقيضا لوجودها. 3- يتحدد منع الدولة لنوع من الأخلاق بواسطة القانون، أو المحاسبة القانونية، وبالتالي لم يعد يُنظر إلى الأخلاق باعتبار بعدها المعياري المتمثل في تحديد القيم العليا الموجهة للفعل الإنساني. فهذه الأحكام ليست بريئة، ويجب التفكير في بعدها المثالي ، فالقيم العليا والفضيلة والواجب… لا معنى لهما إلا في فضاء التعاقد والتشارك بهدف العيش المشترك تحت ظل القانون، وعلى الأخلاق- في بعدها المعياري والقيمي- أن تخضع للمراقبة والنقاش والتفكير. الخلاصة إن المنع مشروع. 4- أما إذا كان الرهان لا، فالموضوع سيأخذ منحى مخالفا، وبالضبط منحى كانطيا، باعتبار Kant يدافع عن أخلاق العقل، التي تتخذ من الواجب كغاية في ذاته موضوعا لها. النتيجة يجب إطاعة الواجب لأنه واجب، وهذا مطلوب من الشخص والدولة، أي طاعة الواجب لذاته. هنا تنتفي قضية المنع بسبب أن العقل العملي ينص على ضرورة الأوامر الأخلاقية القطعية. الأخلاق بهذا المنظور لا يمكن أن تسمح إلا بما يتماشى مع العقل الأخلاقي من حيث أنه متعال على الطبيعة البشرية( الرغبة والمصلحة والسعادة واللذة والمنفعة) من هذا المنطلق يظهر أن التعارض بين الأخلاق والدولة غير منطقي، باعتبار الخلفية الميتافيزيقية للأخلاق الكانطية: تعالي وثبات الأخلاق. فما هذا الذي ستمنعه السياسة إذا ما سمحت به الأخلاق، والأخلاق في أساسها أوامر قطعية مطلقة صادرة من العقل العملي. الخلاصة المنع غير مشروع، ما دامت الأخلاق قائمة على العقل والعقل كوني وأحكامه ضرورية. 5- لحظة تقييم الرهانين مع تبرير اختيار أحد الرهانين بالحجج. من بين ما يمكن مناقشته، طرح السؤال التالي: هل يمكن التنسيق بين الأخلاق والسياسة، تجنبا للوقوع في : أ- الفوضوية anarchisme، وبالتالي رفض الدولة ( في حالة ما إذا ربطنا بين السياسة والدولة، واستبعدنا السياسة بمعناها العامي) والتشكيك في وجودها ومدى قدرتها على ضمان الأمن والسلم لمواطنيها.. ب- ال***ية Cynisme أي احتقار الأعراف والتقاليد والأخلاق الشائعة… ويمكن استحضار المواقف التي ترى في الدولة كفكرة، حقيقة تجسيد النظام والسلام والأمن ( هوبز ، اسبينوزا ، هيجل ..) كبديل للفوضى والعيش وفق الرغبة التي أدت إلى حرب الكل ضد الكل. فهل التعاقد الاجتماعي في حد ذاته مطلب سياسي وأخلاقي، وكلاهما يراهنان على تحقيق المصلحة العليا للمواطنين داخل الدولة حيث تتضايف فيه الأخلاق مع السياسة ؟ لحظة التركيب: يتم فيه استخلاص نتائج التحليل والمناقشة. ومن الأفيد أن يكون مفتوحا، بمعنى أن ينتهي بطرح مشكل برز من خلال المناقشة، في أفق التفكير فيه.ومن الأفضل أن يبدأ الإنشاء الفلسفي بسؤال وينتهي بسؤال، تجسيدا للفلسفة باعتبارها محبة الحكمة. ( مع تحيين المذكرة 159 بالمذكرة 37 أصبح مسموح للمترشه أن يُدلي برأيه صراحة لحظة التركيب.) القولة المرفق بالسؤال لدى شعبة البكالوريا أدب ولغات، ولدى البكالوريا علوم إنسانية. إذ الفرق في السؤال المرفق بالقولة حسب المذكرة 159. الأمر الذي يجعل مقاربة القولة لدى الشعبتين يختلف منهجيا كما سنرى فيما بعد. صيغة المفهوم الواحد صيغة أكثر من مفهوم " حينما تنجح العلوم الإنسانية في إنجاز عمل علمي حقيقي يتقلص لديها التمييز بين ما هو إنساني وما هو طبيعي." "حينما تتأسس الدولة على العنف يفقد الأشخاص كرامتهم" ملحوظة: بخصوص السؤال المرفق للقولة، نجد في المذكرة رقم 159 ص 9 : 1- مسلك الآداب: اعتماد سؤال مركب من مطلبين، من قبيل: أوضح مضمون القول ثم بين أبعاده، أو سؤال إشكالي مفتوح. 2- مسلك العلوم الإنسانية: تذييل القولة بسؤال إشكالي مفتوح. إذن تتميز القولة بالنسبة لمسلك الآداب بانفتاحها على صيغتين للسؤال ممكنتين، إما تُرفق بسؤال مركّب من مطلبين، أو تُرفق بسؤال إشكالي مفتوح. في حين أن القولة بالنسبة لمسلك العلوم الإنسانية، لا تُرفق إلا بسؤال إشكالي مفتوح. على افتراض أن القولة مُرفقة بسؤال مُركب، يجب على التلميذ أن يفرّق بين شيئين: 1- المعطى: والمتمثل في القولة باعتبارها أطروحة شبه صريحة أو معطاة، تتضمن المشكل وما تراهن عليه… 2- المطلوب: والمتمثل في السؤال المًُرفق للقولة. ويجب على التلميذ الانتباه الجيد إلى نوع المطلوب الذي على أساسه سيتم تحليل ومناقشة القولة. وقد يأتي بصيغ مختلفة حسب مضمون القولة. ونقدم مختلف صيغ المطلوب التي وردت في امتحانات البكالوريا السابقة: *- حلل القول وبيّن قيمته الفلسفية. *- أوضح دلالة القول وبيّن مدى إمكان الاعتراض عليه. *- اشرح مضمون القول وبيّن أهمّيته. *- حلل القول وبيّن مدى صحته. *- اشرح القول وبيّن حدوده. *- حلل القول وبيّن إطاره الإشكالي. *- حلل القول وبيّن مداه. …………..إلخ. بناء عليه، المطلوب لحظة الاشتغال على القولة، استحضار معطيين هامّين يُجنبان التلميذ الخروج عن الموضوع الذي أصبح يُشكل رُعبا بالنسبة له، ومطيّة للمصحح الذي يريد التخلص من مشقة التصحيح الموضوعي والمتأني- وهنا أنا لا أُعمّم- وأتمنى أن نتجاوز كابوس الخروج عن الموضوع، أولا بتحديد ماهيته وتجلياته…. مثال: لا يحق للمترشّح استبدال سؤال القولة بسؤال من ابتكاره هو، أو الشروع في تحليل القولة بدون قراءة السؤال المرفق للقولة لأنه هو المطلوب ، ومن الواجب على المترشح احترام قراءة القولة وتحليلها انطلاقا من السؤال المرفق لها. ويجب أن يكون هذا تعاقدا بين المدرس والتلميذ، لحظة تمرينهم على الكتابة في القولة داخل الفصل ، ومن أخل بهذا التعاقد وهو مطلب إلزامي ومنطقي فقد أخل بواجب شروط الكتابة الإنشائية. لا يجوز تحليل المعطى بدون مطلوب، فهذا عبث مرفوض، بدليل أنه يمكن أن نعطي نفس القولة ولكن بأسئلة مختلفة، تجسد لإمكانية قراءة القولة من منظورات مختلفة. وبناء عليه ، وفي إطار تكافؤ الفرص، يجب على المترشحين الإجابة عن نفس السؤال المرفق للقولة بعد فهم جيد لمضمون القولة وما تتضمنه من أطرحة و إشكال، أو ما تُضمره من أطروحات وما تُحيل عليه من إشكالات.
ارجوا ان تستفيدوا مما نقلت لكم