لعبة كرة القدم
أولا: منشأ هذه اللعبة كما يقال كان في بلاد الصين في القرنين الرابع والثالث قبل الميلاد، وأول ما لعبت في أوربا في ايطاليا سنة 1410م تحت اسم "كالسيو"، وكانت أولى الإشارات الواضحة لممارسة كرة القدم في إنجلترا، ففي عام 1863م تأسست في بريطانيا جمعية كرة القدم البريطانية، ثم طوّر الانجليز هذه اللعبة، وانتقلت خلال قرن من قارة إلى أخرى، ومع ذلك ظلّ الإنجليز زهاء 70 عاما حتى عام 1930م هم سادة هذه اللعبة.
واليوم هناك أكثر من 130 دولة أعضاء في الاتحاد العالمي لفرق كرة القدم الذي تأسس في باريس عام 1904م، وبرعايته وإشرافه أنشئت مباريات كأس العالم الذي كان أولها بالأرغواي في 13 تـموز 1930م.
ثانيا: أصبح من المسلمات ومن المعلوم عند الجميع بل ومما ينشر علنًا أن اليهود هم وراء إلهاء الشعوب بشكل عام والشعوب الإسلامية بشكل خاص عن التفكير في قضاياهم المصيرية الكبرى، فقد نصّوا فيما يسمى ببروتوكولات حكماء صهيون بقولهم: "ولكي تبقى الجماهير في ضلال لا تدري ما وراءها وما أمامها ولا ما يراد بها فإننا سنعمل على زيادة صرف أذهانهم بإنشاء وسائل المباهج والمسليات والألعاب الفكهة وضروب أشكال الرياضة واللهو وما به الغذاء لملذات وشهواتها والإكثار من القصور المزوّقة والمباني المزركشة، ثم نجعل الصحف تدعو إلى مباريات فنية ورياضية".
ثالثا: الأصل في الألعاب الإباحة ما لم ينص الشرع على تحريم لعبة معينة، كالنرد والشطرنج، أو ما كان مباحا يترجح ضرره ومفاسده، فعندئذ يُحرّم من هذا الباب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ولعب الكرة إذا كان قصد صاحبه المنفعة للخيل والرجال بحيث يستعان بها على الكر والفر والدخول والخروج ونحوه في الجهاد وغرضه الاستعانة على الجهاد الذي أمر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم فهو حسن وإن كان في ذلك مضرة بالخيل والرجال فإنه ينهى عنه ". وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير».
رابعا: تعلقت قلوب وعقول الشعوب الإسلامية بلعبة كرة القدم منذ زمن، وانطلى عليهم حيل اليهود كغيرهم، وأصبح هذا الهوس الكرويّ متسلطا على عقول الأجيال في العصر الحاضر إلاّ من رحم الله. وحصل بسبب مباريات كرة القدم تطليق للزوجات وتقطيع لأواصر القربات، فما أن يعلن عن إقامة مباراة بين فريقين إلا وتستعد لها الرايات وتنبري لها الإذاعات وتهيئ لها الشاشات ويعدّ المشجعون لها الطبول والمزامير. وما أن تنتهي المباراة حتى تنتقل من ساحة الملعب ليكون ميدانها في البيوت والمدارس والدواوين ومكاتب الموظفين، ويستمر النقاش لساعات وأيام، فتعطل بسببها المصالح وتؤخر المعاملات وتترك الواجبات، وما أن تهدأ حدتها وتنجلي غمرتها حتى يعلن عن إقامة مباراة أخرى وهلم جرا.
وإذا رفعت صوت المنطق لتناقش أعقل هؤلاء المصابين بالهوس الكروي لرد عليك بملء فمه: "إنني رياضي".
خامسا: بعض أضرار كرة القدم وليس كلها، وبحكم أننا مسلمون فإننا نناقش مثل هذا الموضوع من خلال منطلقاتنا الشرعية، ولا ننظر لمثل هذه القضية نظرة مادية أو حتى علمانية.
فمن أضرارها المشاهدة والتي لا ينكرها عاقل أنها أصبحت وسيلة لتفريق الأمة وإشاعة العداوة والبغضاء بين أفرادها، حيث أوجدت التعصب المقيت للفرق الرياضية المختلفة، بل إن أهل البيت الواحد ينقسمون على أنفسهم، فهذا يتبع فريقا وذاك يتبع فريقا آخر، وهذه النتائج عكس ما يدعو إليه الإسلام من وجوب التسامح والتآلف والتآخي وتطهير النفوس والضمائر من الأحقاد والضغائن. ومن هذا فهي تنمي في اللاعبين والمشاهدين الأحقاد وتثير بينهم الفتن بل قد يتجاوز أمر تحيّز بعض المشاهدين لبعض اللاعبين إلى الاعتداء والقتل وشواهد هذا كثيرة معلومة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ومن أضرارها أن كرة القدم اليوم فيها صد للمتفرجين عن ذكر الله وعن الصلاة، وهذا أمر معروف عن الناس خاصتهم وعامتهم، وباتفاق العلماء أن كل ما يصد عن ذكر الله وعن الصلاة فهو حرام، فكم سمعنا عن أناس ممن يتابعون مباريات كأس العالم أنهم يستيقظون في النصف الأخير من الليل والغالب أنهم يواصلون، وهم أنفسهم لا يحضرون صلاة الفجر في المساجد، وكم من المصلين تفوته صلاة الجماعة بسبب جلوسه أمام الشاشة، بل هناك من يسافر من قُطر إلى قطر لحضور مباراة ، وتصادف وقت صلاة الجمعة ويناديهم منادي السماء وهم جلوس على المدرجات، ولكن أنى لهم أن يستجيبوا وقد تعطلت عقولهم وماتت أحاسيسهم، عن ابن عباس رضي الله عنهما: من ترك الجمعة ثلاث جمع متواليات فقد نبذ الإسلام وراء ظهره. [رواه أبو يعلى موقوفا بإسناد صحيح، صحيح الترغيب والترهيب: 733]
وقال صلى الله عليه وسلم: من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه. [صحيح الترغيب والترهيب: 727.]
ومن أضرارها أن مسابقات كرة القدم أصبحت معاولَ هدم استخدمها أعداء الأمة وخصوم الملة، وشجعوا عليها للقضاء على معاني العزة والكرامة في الأمة، حيث بدّدت الأمة أموالا طائلة وأضاعت أوقاتا طويلة، لو استغلتها الأمة فيما ينفعها لتحسن حال كثير من شوارعها ومدارسها ومستشفياتها.
أما إذا أردت أن تعرف حجم عمر الأمة الضائع فطريقة حسابها أن تضرب عدد المشاهدين في مدة المباراة فيظهر لك الساعات المهدرة من عمر الأمة، وهذه الساعات هي ساعات حياة المسلمين، وهي بالضبط ساعات تأخرهم وتقهقرهم، وساعات تأخر نصر الله عنهم، ومن ذلك ما يصاحب اللعب بها من الأخطار على أبدان اللاعبين نتيجة التصادم والتلاكم، فربما سقط أحدهم فتخلعت أعضاءه وربما انكسرت رجل أحدهم أو يده أو بعض أضلاعه وربما حصل فيه شجاج في وجهه أو رأسه وربما سقط أحدهم فغُشي عليه ساعة أو أكثر بل ربما آل الأمر ببعضهم إلى الهلاك وربما تعاطى بعضهم المخدرات أو المنشطات لتحسين أداء لعبه، وهذا قد شاع وذاع في الآونة الأخيرة.
ومن أضرارها كشف العورات، إذ فيها كشف الأفخاذ ونظر الناس إليها ونظر بعضهم أفخاذ بعض، روى الإمام أحمد وأبو داود والحاكم عن جرهد الأسلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وهو كاشف عن فخذه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "غط فخذك فإنها من العورة."
وقد تهون هذه المصيبة في مقابل ما إذا كان اللاعبون والرياضيون من النساء الكافرات في بعض الألعاب والمشاهدون من المسلمين المصلين.
ومن أضرارها أن كرة القدم اليوم أصبحت وسيلة لقلب الموازين، حيث إن البطل في هذا الوقت هو لاعب الكرة، لا العالم المدافع عن كرامة الأمة وعزتها، ونسيت أو أُنسيت أجيال الأمة الناشئة اليوم أبطالها الحقيقيين، أمثال رسولنا وصحابته الكرام الخلفاء الراشدين وخالد وسعد والمثنى والإمام مالك وأحمد والشافعي وشيخ الإسلام وغيرهم، وصار تعلّقهم بفلان وفلان، وإذا أردت صدق مقالتي فتتبع قَصّات الشَّعر عند بعض الشباب، تجدها قصات لاعبي كرة القدم، وتتبع ما يلبسونه من قمصان تجدها بأسماء هؤلاء اللاعبين.
الوقفة السادسة: ما هي خصائص هذه الأمة؟ إننا أيها الأحبة أمة علم أمة عبادة، أمة دعوة، أمة أمر بمعروف ونهي عن منكر، بهذا ميزنا، وبهذا فضلنا الله على غيرنا ، لسنا أمة لعب ولهو ورقص وغناء، لم يخلقنا الله لهذا ولم يوجدنا لهذا، بل أوجدنا الله لنكون شهداء على الناس. فعجبا لجيل يأبى إلا السفول، ولا يريد إلا الدنو، والأمرّ من هذا أن أراضينا مغصوبة وكرامتنا مهانة وعزتنا مفقودة وعقيدتنا وتصوراتنا ينخرها الخلل والضعف والقصور، ومع ذلك مازلنا نرقص ونغني ونتابع هذا الهوس الكروي، وكأن الأمر لا يعنينا، وكأننا قد أدّينا كل الحقوق والواجبات، والأعجب أنك ترى الرجل الرزين والعاقل فيما يبدو للناس وربما من حملة الشهادات العالية، لكن أمام مشاهدة المباراة أو عند لحظة دخول الكرة شباك الخصم، فلا تسأل وقتها عن العقل ولا عن الرزانة، بل ربما قام ورقص مع الراقصين وتمايل مع المتمايلين، وفي لحظتها يكون عقله في رجله لا في رأسه، ويشتد العجب حين ترى النساء السافرات العاريات يحرجن إلى الشوارع يتمايلن طربا ويرقصن مع الراقصين فرحا بفوز فريق في كرة القدم ثم لا تسأل أين يقضى بقية الليل الذي قد خرجوا فيه للفرح بالفوز.
وهذه بعض التوصيات حول اللعب بهذه اللعبة:
1- الالتزام بجعل أوقات هذه اللعبة في غير أوقات الصلاة.
2- عدم كشف العورة من فخذ وغيره فيها بالنسبة للرجال.
3- اتخاذ الروح الرياضية المنبعثة من المُثل الإسلامية نبراسا يسير عليه اللاعبون في هذه اللعبة وغيرها.
4- عدم استعمال القمار المتمثل في دفع المبالغ المالية والجوائز العينية المشتَرطة قبل اللعب للفائز.
5- أن لا تستوعب الكرة جميع أوقات اللاعبين بحيث تصرفهم عن واجباتهم في الحياة. وليتجنبوا فيها السب والشتم والكلام البذيء.
قال الشاعر
تحتل صدر حياتنا *** وحديثها في كل فم
وهي الطريق لمن يريد *** خميلة فوق القمم
أرأيت أشهر عندنا *** من لاعبي كرة القدم؟
أهم أشدّ توهجا *** أم نار برق في علَم؟
لهم الجِباية والعطا *** ء بلا حدود والكرم
لهم المزايا والهبات *** وما تجود به الهمم
الناس تسهر عندها *** مبهورة حتى الصباح
غطّ الجميع بنومهم *** فوز الفريق هو الفلاح
فوز الفريق هو السبيـ***ـل إلى الحضارة والفلاح
صارت أجلَّ أمورنا *** وحياتنا هذا الزمن
ما عاد يشغلنا سوا ***ها في الخفاء وفي العلن
أكلت عقول شبابنا *** ويهود تجتاح المدن
واللاعب المقدام تصـ***ـنع رجلُه مجد الوطن
عجبا لآلاف الشباب *** وإنهم أهلُ الشمم
صرفوا إلى الكرة الحقيـ***ـرة فاستبيح لهم غنم
دخل العدو بلادهم *** وضجيجها زرع الصمم
أيسجل التاريخ أنّا *** أمة مستهترة
شهدت سقوط بلادها *** وعيونها صوب الكرة