"الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ واجبةٌ على كلِّ مسلمٍ ومسلمة، خاصَّةً مع قلَّة العاملين بالدعوة؛ فيتحتَّم على كلِّ إنسانٍ عَلِم بوجوب تغيير المنكر أن يعمل على دعوة غيره.
وقد كان هذا هو طريق السلف الصالح؛ فلم يمنع بعضهم عن القيام بواجب الدعوة إلى الله قلَّة علمهم؛ لأنَّهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بلِّغوا عنِّي ولو آية"رواه البخاري، كما سمعوا قوله صلى الله عليه وسلم: "من دعا إلى هدىً كان له من الأجر مثل من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا"رواه مسلم.
فيجب على من أراد أن يدعو إلى الله تعالى أن يكون حرصه على الدعوة موازياً لحرصه على إصلاح النفس مصداقاً لقوله تعالى: "ومن أحسن قولاً ممَّن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنَّني من المسلمين".
فليس الداعي هو الذي يُحسن الخطابة، ويُحصِّل العلوم الشرعيَّة؛ بل الدعوة أبسط من ذلك، ويمكن أن يؤدِّيها أيُّ إنسان، ليس في المسجد فقط، وإنَّما في العمل والمدرسة والمواصلات والبيت.
والدعوة تكون بالتحلِّي بأخلاق الإسلام: بأن يحافظ الدعاة على مواعيدهم، ويتحلَّوا بالصدق والأمانة والتعاون والبشاشة، والتآلف والتحابِّ مع الآخرين، وزيارتهم والتودُّد إليهم، بمشاركتهم مناسباتهم السعيدة ومواساتهم في الأحزان، وخدمتهم وإفادتهم بأيَّة موهبةٍ استفادوا منها كتبادل الكتب، أو تعليم الأشغال اليدويَّة، أو الأكلات الجديدة، وتقديم الهدايا لهم في المناسبات المختلفة، وتعريفهم بقضايا أمَّتهم ودورهم تجاهها؛ بحثِّهم على المشاركة في خدمة الحيِّ الذي يعيشون فيه، وجمع الصدقات للمنكوبين، ومساعدة الفقراء والمساكين والأيتام… إلخ.
المهمُّ أن يكونوا قدوةً ملتزمين بأخلاق الإسلام في كلِّ معاملاتهم مع الناس، فقد نشر المسلمون الأوائل الإسلام في العالم بحسن خلقهم، وحتى الآن يدخل الكثير في الغرب والعالم كلِّه الإسلام نتيجةً لاحتكاكهم بأفرادٍ تحلَّوا بأخلاق الإسلام؛ فأحسَنوا الدعوة إليه.
ولا يُشترط أن تكون الدعوة مباشرة، بل الأولى أن تكون بطريقةٍ غير مباشرة؛ كتبادل أشرطة الفيديو والكاسيت والكتيِّبات البسيطة التي تحمل موضوعاتٍ واقعيَّةً تهمُّ الناس وترتبط بحياتهم.
أمَّا عن وجوب الدعوة في ظل إعلامٍ مفتوح، فهي واجبةٌ طبعا؛ لأنَّ الإعلام المفتوح وإن كان من وسائل الدعوة، إلا أنَّ تعدُّد الوسائل مطلوب؛ فالبعض يتأثَّر بالإعلام، والبعض يتأثَّر بالدعوة الشخصيَّة، أو بحضور الدروس وسماع الخطب في المساجد، والبعض يحتاج الصحبة الطيِّبة، والإعلام المفتوح مرحلةٌ من مراحل الدعوة إذا أدَّت بالمسلم إلى الالتزام بتعاليم دينه، فإنَّه يحتاج بعد ذلك إلى المتابعة والأخذ بيده على طريق الالتزام حتى يسير على طريق الحقِّ بخطىً ثابتة، وهذا يحتاج إلى وسائل أخرى غير الإعلام المفتوح، كما أنَّ هناك من الناس من لا يحاولون الاطِّلاع على ما يُقدَّم من خلال الإعلام المفتوح من مادَّةٍ دعويَّة نظراً لعدم جاذبيَّتها.
أمَّا الذين لا تتوافر لهم مجالس العلم في المساجد، فيمكنهم الالتقاء مع جيرانهم أو أقاربهم أو أصدقائهم على قراءة القرآن، أو قراءة كتبٍ لعلماءٍ موثوقٍ بهم تعالج قضايا عصريَّة، أو الحصول على ما يشاءون من معلوماتٍ في الفقه أو السيرة… إلخ، أو مشاهدة البرامج الإسلاميَّة على شاشات التليفزيون، أو سماع أشرطة الكاسيت، أو مشاهدة أشرطة الفيديو، أو حضور محاضراتٍ وندواتٍ عامَّةٍ وخطبة الجمعة، وعموماً فالإسلام كما أنَّه دين الجماعة فهو دين الفرد، ولا يتوقَّف عند شكلٍ أو هيئةٍ محدَّدة، فحيثما يستطيع المسلم أن ينهل من العلم فلينهل، وأينما كان المسلم أو أيًّا كانت حصيلته من العلم، فيمكنه الدعوة إلى الله تعالى برفقٍ ولينٍ وبساطة.
وأمَّا صغار السنِّ من 15 سنة، فلا داعي لتحميلهم هذا الهمَّ وهذه المسؤوليَّة، وإنَّما يكفي أن نحسن تربيتهم، فيحسنوا التصرُّف، ويتخلَّقوا بأخلاق الإسلام، ويكونوا قدوةً حسنةً في تفوُّقهم في دراستهم، أو في مساعدتهم زملاءهم على فهم دروسهم، أو التزامهم بطهر اللسان والقلب، وهكذا يمكن لصغار السنِّ تسخير كلِّ طاقاتهم في الدعوة إلى الله، فإذا التزم هؤلاء الصغار بأخلاق الإسلام وبالتفوُّق، فلن تقتصر دعوتهم على أصدقائهم، بل ستتعدَّى إلى كلِّ معارفهم وأقاربهم وأصحابهم وجيرانهم في كلِّ مكان.