وعَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يَكْرَهَ الْعَبْدُ أَنْ يَرْجِعَ عَنِ الإِسْلاَمِ ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ، وَأَنْ يُحِبَّ الْعَبْدُ الْعَبْدَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ ِللهِ ، عَزَّ وَجَلَّ. أخرجه أحمد 3/174(12814) و"مسلم" 76.
ذكروا أن زوجاً غاضباً على زوجته ، قال لها متوعداً : والله لأشُقِينَّك .فقالت الزوجة: إنك لا تستطيع أن تشقيني كما أنك لا تملك أن تسعدني . فقال لها : وكيف لا أستطيع ؟ فقالت: لو كانت السعاة في مال ٍ لقطعته عني ، أو في زينة أو حلي لأخذته مني ، ولكنها في شيءٍ لا تملكه أنت ، ولا الناس أجمعون . فقال لها في دهشة : وما هو ؟ فقالت : إني أجد سعادتي في إيماني ، وإيماني في قلبي ، وقلبي لا سلطان له عليه غير ربي ! .
قال الشاعر:
وليت الذي بيني وبينك عامر * * * وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين * * * وكل الذي فوق التراب تراب
كان مجمع التيمي – رحمه الله – يصوم في الصيف حتى يسقط. وكانت بعض الصالحات تتوخى أشد الأيام حرا فتصومه فيقــال لها في ذلك ، فتقول : إن السعر إذا رخص اشتراه كل أحد. في إشارة إلى إنها لا تؤثر إلا العمل الذي لا يقدر عليه إلا قليل من الناس لشدته عليهم، وهذا من علو الهمة0
وقد كان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: صوموا يوما شديدا حره لحر يوم النشور، وصلوا ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور0
وعن ابن سيرين قال: خرجت أمّ أيمن مهاجرة إلى الله ورسوله وهي صائمة ليس معها زاد، ولا حمولة، ولا سقاء، في شدّة حرّ تهامة، وقد كادت تموت من الجوع والعطش ، حتى إذا كان الحين الذي يفطر فيه الصائم سمعت حفيفا على رأسها، فرفعت رأسها فإذا دلْوٌ معلّق برشاء أبيض، قالت : فأخذته بيدي فشربت منه حتى رويت، فما عطشتُ بعد، فكانت تصوم وتطوف لكي تعطش في صومها فما قدرت على أن تعطش حتى ماتت" 0مصنف عبد الرزاق 4/309.
وهو الحلاوة وتلك اللذة يستشعرها المؤمن حينما يهل عليه هلال رمضان فيدعو ويقول : " اللهمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالإِيمَانِ وَالسَّلاَمَةِ وَالإِسْلاَمِ رَبِّى وَرَبُّكَ الله.
ثم يعايشها حينما يصوم شهر رمضان , وينقضي اليوم ويأتي موعد الإفطار فيفرح ويحس بحلاوة الإيمان ويشكر الله على أن وفقه لصيام ذلك اليوم , وهكذا تتجدد الفرحة وحلاوتها كل يوم إلى أن يفرح الفرح الأكبر يوم أن يلقى ربه , قال تعالى : " قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58) سورة يونس , وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ ، إِلاَّ الصِّيَامَ ، فَإِنَّهُ لِي ، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ ، فَلاَ يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَصْخَبْ ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ ، فَلْيَقُلْ : إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ ، مَرَّتَيْنِ ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا : إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، فَرِحَ بِصِيَامِهِ) «رواه البخاري ومسلم » 0
ثم يحس بحلاوة الإيمان حينما يعايش كتاب الله تعالى في رمضان تلاوة وحفظا وفهما وعملا , قال الله عز وجل: " إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) سورة فاطر.
عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِى رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِى كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. أخرجه أحمد 1/230(2042) و"البُخَارِي" 1/4(6) و4/229(3554) و"مسلم" 7/73(6075).
ثم يحس حلاوة الإيمان حينما يقف بين يدي الواحد الديان يدعوه ويناجيه ويتقرب إليه بالنوافل , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِى وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِى بِشَىْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِى يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِى يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِى يَمْشِى بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِى لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِى لأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَىْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِى عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ.أخرجه البخاري 8/131(6502).
قيل لبعض الصالحين لما أكثر الخلوة: ألا تستوحش؟ قال: وهل يستوحش مع الله أحد؟!!.
روي عن السري بن مغلس السقطي أن لصاً دخل بيت مالك بن دينار فما وجد شيئاً فجاء ليخرج فناداه مالك: سلام عليكم، فقال: وعليك السلام، قال: ما حصل لكم شيء من الدنيا فترغب في شيء من الآخرة – قال: نعم، قال: توضأ من هذا المركن وصل ركعتين، ففعل ثم قال: يا سيدي أجلس إلى الصبح، قال: فلما خرج مالك إلى المسجد قال أصحابه: من هذا معك – قال: جاء يسرقنا فسرقناه. تاريخ الإسلام للذهبي 2/144.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ. أخرجه النسائي 3/201 و4/156 و8/117 . الألباني :صحيح ( 2192 ).
عَنْ عَائشةَ رَضيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: قُلتُ: «يا رَسولَ الله، أَرأَيتَ إنْ عَلِمْتُ أيَّ ليلَةٍ ليلَةَ القدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: قولي: اللَّهُمَّ إنَّك عَفُوٌّ كَريمٌ تُحبُّ العَفوَ فَاعْفُ عنِّي» رَوَاهُ التِرمِذيُّ وقَالَ: هَذا حَديثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ رواه الترمذي (3513) وابن ماجه (3850) والنسائي في الكبرى (10708) وأحمد (6/171) وصححه الحاكم وقَالَ: على شرط الشيخين (1/712).
ثم يعاين تلك الحلاوة يوم القيامة حينما يأخذ الصوم بيديه ويشفع له عند ربه , ويدخله من باب الريان , قال تعالى : " قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58) سورة يونس .
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، يَقُولُ الصِّيَامُ : أَيْ رَبِّ ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ : مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ . قَالَ : فَيُشَفَّعَانِ.أخرجه أحمد 2/174(6626) .
وعن سِهْلِ بنِ سَعْدٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «في الجنَّةِ ثَمَانِيَةُ أبْوَابٍ فيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانُ لا يَدْخُلُهُ إِلاّ الصَّائِمُونَ» رَوَاهُ الشَّيخَان رواه البخاري (3084) ومسلم (1155) والترمذي (765) والنسائي (4/168) وابن ماجه (1640) وأحمد (5/335).
ومع أول قدم يضعها الصائم في الجنة تتلاشي كل المتاعب والنوائب التي عاشها في الدنيا , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا ، مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ ، وَاللهِ ، يَا رَبِّ ، وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا ، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَيُصْبَغُ فِي الْجَنَّةِ صَبْغَةً ، فَيُقَالُ لَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ ، وَاللهِ ، يَا رَبِّ ، مَا مَرَّ بِي بُؤُسٌ قَطُّ ، وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ. . أخرجه أحمد 3/203(13143) و"مسلم" 8/135(7190).
وحينما يرى غرف الصائمين تتجدد حلاوة الإيمان , عنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرْفَةً ، يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا ، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا ، أَعَدَّهَا اللهُ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَأَلاَنَ الْكَلاَمَ ، وَتَابَعَ الصِّيَامَ ، وَصَلَّى وَالنَّاسُ نِيَامٌ. , وفي رواية :" إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا ، يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنَهَا ، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا ، أَعَدَّهَا اللهُ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَأَفْشَى السَّلاَمَ ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ. أخرجه أحمد 5/343 (23293) وابن خزيمة (2137) قال الشيخ الألباني : ( حسن ) انظر حديث رقم : 2123 في صحيح الجامع.
قال الشاعر :
وهاتيك دار الأمن والعز والتقى * * * ورحمة رب الناس والجود والكرم
قال الشاعر :
ونظرة منك يا سؤلي ويا أملي * * * أشهى إلي من الدنيا وما فيها
وليس للنفس آمال تؤملها * * * سوى رضاك فذا أقصى أمانيها
منقول