يجدر بنا أن نشير إلى أن قول الله {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} المائدة5
كلمة عامة تشمل كل طعام لهم : ذبائحهم وحبوبهم وغيرها فكل ذلك حلال لنا ما لم يكن محرّما لعينه كالميتة والدم والمسفوح ولحم الخنزير فهذه لا يجوز أكلها بالإجماع سواء أكانت طعام كتابي أو مسلم
وقد ذهب الدكتور/ يوسف القرضاوى إلى قاعدة عظيمة في هذا الأمر فقال {قاعدة : ما غاب عنا لا نسأل عنه وليس على المسلم أن يسأل عما غاب عنه : كيف كانت تذكيته؟ وهل استوفت الشروط أم لا؟ وهل ذكر اسم الله على الذبيحة أم لم يذكر؟ بل كل ما غاب عنّا مما ذكّاه مسلم ولو جاهلا أو فاسقا أو كتابي فحلال أكله
وقد ذكر من قبل حديث البخاري عن عائشة رضي الله عنها: أن قوما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا {إِنَّ قوماً يَأتونَنا باللحمِ لا نَدْري أذَكَروا اسمَ الله عليهِ أم لا؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : سَمُّوا الله عليهِ وكُلوهُ}
وقال العلماء في هذا الحديث هذا دليل على أن الأفعال والتصرفات تحمل على حال الصحة والسلامة حتى يقوم دليل على الفساد والبطلان}[1]
حكم المضطر
للمضطر أن يأكل من الميتة ولحم الخنزير وما لا يحلّ من الحيوانات التي لا تؤكل وغيرها مما حرّمه الله محافظة على الحياة وصيانة للنفس من الموت والمقصود بالإباحة هنا وجوب الأكل لقوله تعالى {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} النساء29
وحدّ الضرورة أن يبقى يوما وليلة لا يجد فيهما ما يأكل أو يشرب ولو كان مملوكا للغير فإن كان مضطرا ووجد طعاما مملوكا للغير فله أن يأكل منه ولو لم يأذن صاحبه به غير أن المضطر لا يتناول من الميتة إلا القدر الذي يحفظ به حياته ويقيم أوده
أكل الحيات والأفاعي والحشرات
يحكى صاحب الفقه الواضح عن مالك وابن أبى ليلى والأوزاعى جواز أكل الحيات والأفاعي والعقارب والفأر والقنفذ والضفدع إذا ذكّيت وحجتهم في ذلك قول ابن عباس وأبى الدرداء {مَا أحَلَّ فَهُوَ حَلاَلٌ وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ وقالت عائشة في الفأرة: ما هي بحرام وقرأت {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} الأنعام145[2]
وإن كان الشافعي وأبو حنيفة وابن شهاب وعروة من علماء المدينة لا يجيزون أكل كل شيء من خشاش الأرض وهوامّها مثل الحيّات والأوزاغ والفأر وما أشبهه وكل ما يجوز قتله فلا يجوز عند هؤلاء أكله ولا تعمل الذكاة عندهم فيه} ويستندون إلى قوله صلى الله عليه وسلم {خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَواسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الحِلِّ وَالحَرَمِ: العَقْرَبُ وَالحِدَأَةُ وَالغُرَابُ وَالفَأْرَةُ وَالكَلْبُ العَقُورُ}[3]
أكل الطيور
ما أنواع الطيور التي يحلّ أكلها؟ والتي لا يحل أكلها؟
الطيور التي يجوز أكلها كثيرة: كالحمام والدجاج والبط والأوز والسمان والقنبر والزرزور والقطا والكركى والكروان والبلبل وما إلى ذلك ويحرم أكل كل ذي ظفر يصطاد به كالصقر والنسر والعقاب والباز والشاهين ونحو ذلك وذلك لما روى عن ابن عباس قال {نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عنْ أكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السَّبُعِ وَعنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ}[4]
المحلل والمحرم من البهائم
يجوز أكل جميع أنواع البهائم كالإبل والبقر والجواميس والضأن والماعز والظبي وبقر الوحش والأرنب وما إلى ذلك كالحمر الوحشية وغيرها ويحرم أكل كل ذي ناب يسطو به على غيره من سباع البهائم كالأسد والنمر والذئب والدب والفيل والفهد والنمس والكلب والهر {القط} وذلك لما يرويه مالك في الموطّأ عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم {أَكْلُ كُلِّ ذي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ حَرَامٌ}[5]
وكذلك يحرم أكل الحمر الأهلية والبغال لما ورد عن جابر رضي الله عنه قال
{فَنَهَانَا رسولُ الله يومَ خَيْبَرَ عن البغالِ والحميرِ ولم يَنْهَنَا عن الخيلِ}[6]
حكم الجلاّلة
والجلاّلة هي التي تأكل العذرة من الإبل والبقر والغنم والدجاج والأوز وغيره حتى يتغير ريحها وقد ورد النهى عن ركوبها وأكل لحمها وشرب لبنها وتناول بيضها إذا تغيّر ريحها لما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال {نَهَى رسولُ الله عن الجَلاَّلَةِ أَنْ يُؤْكَلَ لَحْمُهَا ويُشْرَبَ لَبَنُهَا ولا يُحْمَلَ عَلَيْهَا} وفى رواية {نهى عن ركوب الجلاّلة}[7]
وذلك إلا حبست بعيدة عن العذرة وعلفت طاهرا فطاب لحمها وتزول الكراهة بحبسها أربعين يوما في الإبل وثلاثين يوما في البقر وسبع في الشّياه وثلاثة في الدجاج
حكم الأكل والشرب ماشيا وقائما
يباح للمسلم أن يأكل ويشرب قاعدا وقائما وماشيا ويكره له أن يأكل متكأ أو مضجعا أو مستلقيا على ظهره أو على بطنه إلا إذا كان مضطرا إلى ذلك كأن يكون مريضا أو نحوه وذلك لما ورد في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما {أَنَّ النَّبِيَّ شَرِبَ مِنْ زَمْزَمَ مِنْ دَلْوٍ مِنْهَا وَهُوَ قَائِمٌ}
وفى البخاري عن علىّ أنه {ثُمَّ أُتِىَ بِمَاءٍ فَشَرِبَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَذَكَرَ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ ثُمَّ قَامَ فَشَرِبَ فَضْلَهُ وَهْوَ قَائِمٌ ثُمَّ قَالَ إِنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ الشُّرْبَ قَائِمًا وَإِنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُ}
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال {رأيْتُ رَسولَ الله يَشْرَبُ قَائِماً وقاعداً}[8]
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال {كُنَّا نَأَكُلُ على عَهْدِ رَسُولِ الله وَنَحْنُ نَمْشِي وَنَشْرَبُ وَنَحْنُ قِيَامٌ}[9]
[1] الحلال والحرام صـ64 [2] الفقه الواضح (الجزء الثاني) صـ396 [3] رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن عائشة رضي الله عنها [4] سنن أبى داوود عن ابن عباس رضي الله عنهما [5] صحيح ابن حبان عن أبي هريرة [6] مسند الإمام أحمد عن جابر رضي الله عنه [7] الأول رواه الخمسة إلا ابن ماجه والحديث الثاني رواه أبو داود [8] رواه الترمذي [9] رواه أحمد وابن ماجه والترمذي
أحسنتم إختيار هذا الموضوع المفيد
بارك الله لكم