و لكن : هل يمكن أن يسير حوالي 40 ألف جندي فرنسي من طولون -احدى الموانئ الفرنسية جنوبا- لتأديب الداي و ديوانه؟ هل يعقل أن نبرر تواجد الاحتلال الفرنسي بالجزائر لمدة قرن و أزيد بمهمةاعادة شرف فرنسا و هيبتها ؟
تعود الجدور التاريخية لحادثة المروحة في الأساس الى أزمة الديون التي نشبت بين الايالة الجزائرية -العهد العثماني – و الحكومة الفرنسية ,اد دعمت الايالة فرنسا بالحبوب خاصة بعد العزلة التي فرضت عليها أروبيا بسبب اعلانها لمبادئ الثورة الفرنسية و حقوق الانسان ,و محاولتها الضرب بيد من حديد على الأنظمة الملكية الرجعية,فكانت بدلك الايالة خير صديق و حليف لفرنسا باعتراف حكامها انفسهم ,و حدث أن توسطت شركة يهودية يتزعمها الاخوة بكري عمليات دلك التبادل ,و قد كانوا أدكياء في خلق أزمة سياسية بين الايالة الجزائرية و الحكومة الفرنسية ,و قد ساعدهم في دلك المخطط قنصل فرنسا بالجزائر ’’دوفال ’’ الدي تطاول على أعلى مرتبة قيادية بالايالة انداك ,’’الداي حسين’’ , عند استفساره عن سبب تأخر الحكومة الفرنسية في الرد على رسائله و برقياته ,فرد عليه القنصل قائلا ان حكومتي لا تتنازل لاجابة رجل مثلكم ).
و قد شكل رد القنصل الفرنسي بتلك الطريقة اهانة و استفزازا صريحا للداي و ديوانه ,مما جعله يطرده من مجلسه ,ملوحا له بمروحيته .
لم يرق للادارة الفرنسية سلوك الداي, طالبة منه الاعتدار في أجل 24 ساعة و رفع الراية الفرنسية على الحصون الجزائرية و شروطا أخرى اعتبرها الداي بمثابة اهانة له و للايالة حتى عنه سخر من ذلك ,فيما معناه ,(لم يبق لفرنسا الا أن تطلب زوجتي )…..
الا أن المتمعن في هذه الحادثة و التي اقترنت في تاريخ الجزائر كتوطئة لدراسة الاحتلال الفرنسي لهدا البلد, و الدارس للجذور التاريخية لعلاقات فرنسا مع الايالة الجزائرية ,يكاد يجزم أنه لا يمكن أن يكون هدا السبب هو الدافع الحقيقي لاقدام فرنسا على احتلال الايالة -حتى أنه وجد من الباحثين من نفى حادثة المروحة- لأنه وببساطة حدثت قبلها مراويح أعظم و أشد كما عبر عن دلك الباحث ’’مولود قاسم نايت بلقاسم ’’ في كتابه( شخصية الجزائر الدولية و هيبتها العالمية) , فقد سبق لداي الجزائر أن طرد قنصل فرنسا في ملكية لويس الخامس عشر ,بل أكثر من دلك أن مبعوث هنري الرابع الخاص كاد أن يقتل في الجزائر ,دون أن تتحرك الادارة الفرنسية ساكنة ,و الأشد من دلك محاصرة السفينة الجزائرية للميناء الفرنسي سان طروبي بالقرب من طولون عام 1802 , و استيلائها على الكثير من العتاد و الأجهزة الفرنسية حتى استشاط نابليون غضبا , قائلا انها لفضيحة للجمهورية ).
بعد كل تلك الأفعال و هجومات الايالة الجزائرية بغض النظر عن شرعيتها أو لا (أطلق الأروبيون على هجمات الايالات العثمانية بعمليات القرصنة , فيما رأى المسلمون أنها جهاد بحري ),لم تتحرك الادراة الفرنسية للقيام برد فعل عنيف و تسير حملة لاعادة اعتبارها,بل بقيت ردود أفعالها مقتصرة على الأقوال و التنديد فقط,على الرغم من أن كل تلك الحوادث السالفة الدكر ,و التي تعتبر أكثر حدة من التلويح بالمروحة _في رأيي_ و تعد و مساس بسيادة فرنسا ,فلمادا صمتت قبل 1827 ؟و رفعت صوتها بعد دلك التاريخ متحركة برد فعل عسكري ؟.
كانت الادارة الفرنسية تدرك حقيقة موقع الايالة الجزائرية و الثروات التي تزخر بها , خاصة تلك الموجودة بخزينة الايالة, و قد تأتى لها دلك بعد نجاحها في اعداد تقارير و اقدامها بمشاريع تجسسية ,أحدثها حملة ’’بوتان’’ عام 1808 ,هدا فضلا عن دوافعها الاخرى التي لا يمكن اغفالها من محاولة لتنصير الشمال الافريقي و ادخال ما اصطلحت عليه فيما بعد بينابيع الحضارة و التقدم الى البلاد البربرية !
و يبدو أن دوافها الحقيقية هده لم تكن غائبة من قبل , بل كان الستار فقط مسدولا عليها ,وفي الوقت الدي ضعفت فيه الايالة و الأم التي كانت تحتضنها ,و التي أصبحت تعرف بالرجل المريض ,سنحت الفرصة للادارة الفرنسية أن تزيح دلك الستار ,متخدة من حادثة المروحة مقدمة لتحقيق غاياتها و أهدافها في ظل الهون الدي باتت تحياه الايالة الجزائرية و حكامها .
وفي الختام نستخلص أنه لا يمكن أن تكون الحملة الفرنسية المجهزة يوم الخامس من يوليو 1830 بأربعين ألف جندي والعدة و العتاد الدي تدعمت به فيما بعد ,دافعها حادثة المروحة لأن المشاريع و حملات الجوسسة كانت أسبق زمنيابقرون و سنوات عن الحادثة ,اد يرجع أقدمها الى القرن الرابع عشر و أحدثها الى 1808 ,كما أن الحوادث التي تعرض لها قناصلة فرنسا و حتى أراضيها كانت أدعى للتحرك قبل تاريخ الخامس من يوليو 1830 من أجل اعادة الاعتبار و الكرامة ,الا أن كل دلك لم يحدث لأن الادارة الفرنسية انتظرت اللحظة المناسبة لتنفيد مخططاتها ,و كلفت نفسها عناء القرن و النصف لاعادة اعتبارها ,و تحضير الجزائريين و تمدينهم بالمفهوم الغربي للحضارة .فهل وفقت في ذلك ؟