الهندسة المدنية والقرآن الكريم
د. زيد غزّاوي
يبين هذا الموضوع كيفية تعلم الهندسة المدنية من كتاب الله عز و جل عن طريق التفكر في آيات الكتاب و في خلق المولى عز و جل. حيث يقول الحق في الكلمات الأواخر من آية 282 في سورة البقرة (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، أي كونوا مؤمنين والله يعلمكم من لدنه علماً ولن يجعلكم متلقيين أذلاء للغريب عن الدين.
كيفية تعلم الهندسة المدنية من كتاب الله سبحانه و تعالىمن أهم ما تعنى به الهندسة المدنية هو إيجاد المواصفات المثالية للمنشآت، حيث يمكن إن نلخص المواصفات المثالية لمنشأ يحمل وزنا بأنه يجب أن يكون خفيف الوزن، متزنا، قويا، و قاسيا. و نلاحظ أن الإنسان المسلم يلجأ لاجتهادات و نظريات مختلفة في هذا المجال و يدخل في دائرة من التجربة و الخطأ و التي من الممكن أن تأخذ سنوات و نتيجتها جهد ضائع بدون نتيجة.
يريد الله عز و جل للإنسان المؤمن أن يكون المعلم للآخرين و ليس المتلقي الذليل و لتحقيق ذلك فإن المولى أعطى المؤمنين كتاب ما إن تمسكوا فيه و فهموه فلن يحتاجوا إلى أي كتاب آخر. فالله عز و جل يعلمنا منهاج متكامل في الهندسة المدنية عن طريق التدبر في آية 68 من سورة النحل (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ). حيث أن المولى يلفت نظرنا إلى مخلوقات من صنعه عن طريق ذكرها بالاسم في القرآن الكريم و من ضمنها هنا النحل.
حيث أن الله عز وجل يعظنا أن نتفكر في هذه المخلوقات بحيث أن كل مخلوق من هذه المخلوقات عبارة عن مدرسة في التصميم الهندسي، حيث نجد مدرسة متكاملة في الهندسة المدنية من التفكر في تصميم بيوت النحل، حيث أن بيوت النحل تتميز بأنها خفيفة بدليل أنها تتعلق بأغصان الشجر، متزنة بدليل أن آلاف النحل تقطن البيت و لا ينهار، قاسي حيث أنه لا توجد إزاحات كبيرة في البيت من وزن النحل عليه، وقوي بحيث أنه لا ينكسر من وزن آلاف النحل.
فإذا تفكر الإنسان في كيف أن الله عز و جل صمم بيوت النحل بتلك الموصفات المثالية فإنه بذلك يكون قد تعلم من الله كيفية تصميم منشأ يحمل وزنا بمواصفات مثالية كما هو مبين فيما يلي:
• خفة الوزن للمنشأ:
نجد أن الله عز وجل جعل بيوت النحل خفيفة الوزن عن طريق ترتيب الجدران التي تحمل وزن النحل بترتيب سداسي، والترتيب السداسي يضمن تغطية أكبر حجم بأقل كمية من المادة و بالتالي هذا يضمن خفة الوزن للمنشأ أي إنشائه بأقل كمية من المادة. فيعلمنا الله عز و جل أن نصمم المنشآت والأساسات بترتيب سداسي للجدران التي تحمل وزنا فيها وليس الترتيب المسمط المتبع حاليا في الهندسة المدنية. ومن فوائد خفة الوزن للمنشأ تقليل التحميل الذاتي له حيث أن المادة المكونة للمنشأ لا تضع جهد على جدران المنشأ نفسه وهذا يزيل خطر انهيار المنشأ من أثر وزنه.
صورة لجزء من خلية نحل طبيعية لاحظ البيوت السداسية (1)
• اتزان المنشأ:
ضمن الله عز وجل اتزان بيوت النحل عن طريق الترتيب السداسي لجدران البيت، وهذا الترتيب يضمن اتزان المنشأ عن طريق أنه كل ثلاثة جدران في الترتيب السداسي يشد بعضها البعض، بحيث أنه إذا أصبحت هناك إزاحات كبيرة في أحد هذه الجدران فإن الجدارين الآخرين يدعموا هذا الجدار ويقللوا من إزاحته وبالتالي يكون المنشأ متزنا.
• قوة و قساوة المنشأ:
استخدام الله عز وجل مادة قاسية وهي الشمع لبناء الجدران السداسية لبيوت النحل بالإضافة إلى الترتيب السداسي للجدران والذي يضمن أن كل جدار يشد الآخر، و كل هذا يضمن قوة و قساوة المنشأ و قدرته على تحمل وزن النحل.
يعلمنا الله عز وجل من التفكر في بيوت النحل ليس فقط أفكار تصميم هذه المنشآت المثالية ولكن أيضا الأبعاد التي يجب على المؤمن أن يستخدمها في التصميم من ارتفاع، عرض، وزوايا الجدران المستخدمة في التصميم عن طريق دراسة المؤمن لبيوت النحل وحساب النسب التي استخدمها المولى من نسبة سماكة الجدار إلى ارتفاعه على سبيل المثال وتكبير هذه الأبعاد على تصميم بحجم أكبر مثل بيت أو مصنع مع إبقاء النسب الموجودة في بيوت النحل.
تصميم منشأ يتحمل الزلازل
هناك في الوقت الحالي دراسات كثيرة في كيفية تصميم منشأ يتحمل الزلازل وهناك حاجة لذلك أيضا في الدول الإسلامية، والأولى بالمسلمين أن يلجئوا إلى الله عز وجل في المقام الأول ونجد بأن المولى يعلم المسلمين كيفية تصميم منشأ يتحمل الزلازل من التفكر في بيوت النحل.
حيث نجد بأن اهتزاز أجنحة آلاف النحل الذين يقطنوا بيتهم يولد اهتزازات كبيرة جدا أكبر بكثير من أعلى مقياس للزلازل يعرفه البشر وبالرغم من ذلك نجد بأن بيت النحل يبقى متزناً و معلقاً على غصن شجرة. فإذا صمم الإنسان المؤمن المنشآت بنفس تصميم بيوت النحل فأنه بذلك يضمن منشأ يتحمل أي زلزال على أعلى مقياس يعرفه البشر.
كلمة إلى المسلمين
ارجعوا إلى القرآن الكريم و تفكروا في آياته و ستجدون فيه عزتكم، رفعتكم، و تقدمكم. وهذه المعارف العلمية والهندسية التي يتعلمها الإنسان المؤمن من القرآن الكريم تقربه إلى الله أكثر و أكثر وتقرب الإنسان الغريب عن الدين إذا ما بين المؤمن له هذه البحور من المعرفة إلى كتاب الله لأن لغة العلم عالمية و غير مرتبطة بحدود لغة معينة (أي استخدام هذا الإعجاز المعرفي في القرآن الكريم لهداية الناس جميعا إلى صراط الله المستقيم لأن المولى عز و جل يريد الهداية و الرحمة للناس و ليس عذابهم).
أستاذ الهندسة الطبية في الجامعة الهاشمية