حمل المبادىء الإدارية من سورة الإسراء – الكهف – مريم حوالي 80 صفحة قلم / هناء عبد الرحيم يماني
الحمد له الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله , والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أرسله الله بالهدى ودين الحق وعلى آله وصحبه وسلم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . وبعد .
لقد اقتضت حاجة الإنسان المشاركة مع أخيه الإنسان في العمل سوية لسد حاجاتهم المختلفة , كما اقتضت ضرورة التنسيق بين جهودهم للوصول إلى الأهداف التي يرومون لتحقيقها , ويرى ( زويلف : 17 ) بأنه يمكن القول " أن الإدارة أمر حتمي في أي مجتمع إنساني ولكل أنواع التنظيمات والجماعات مهما اختلفت أشكالها . فالجهد الجماعي لا يتم إلا بها ولا يتحقق التعاون الكامل بين الأفراد إلا من خلالها , ولا يتم تلبية حاجات الأفراد إلا بواسطتها " .
لقد كثرت وتعددت تعريفات الإدارة , ويعرفها ( مصطفى والنابة : 9 ) على أنها " عملية تنظيم تتكامل فيها الجهود لتنظيم الموارد البشرية والمادية نحو هدف معين أو هدف مشترك " , ويذكر ( سالم وآخرون : 15 ) تعريف آخر للإدارة عرفه كيمبول على النحو التالي " تشتمل الإدارة على جميع الواجبات والوظائف ذات العلاقة بإنشاء المشروع وتمويله وسياساته الرئيسية وتوفير كل المعدات اللازمة ووضع الإطار التنظيمي العام الذي سيعمل ضمنه واختيار موظفيه الرئيسيين " . فالإدارة وفقا لهذا التعريف تشمل خمس عناصر مهمة هي ( التمويل ورسم السياسات والتنظيم وتوفير المعدات واختيار الأفراد ) .
إن الإسلام منهج متكامل ونظام شامل للحياة الإنسانية دينيا ودنيويا , فهو دين الله تعالى الذي أوحى بتعاليمه السمحاء إلى الرسول محمد –صلى الله عليه وسلم- وكلفه بتبليغه للناس كافة ودعوتهم إليه من خلال القرآن الكريم .
إن المنهج الإسلامي يقدم مفهوما للإدارة يتصف بالشمولية والإطلاق بعيدا عن الانحصار المعرفي في إزاء التعامل مع المفهوم المجرد للإدارة , إن كلمة الفكر الإداري الإسلامي كما عرفها د. حمدي عبد الهادي تعني " الآراء و المبادىء والنظريات التي سادت حقل الإدارة , ودراسة وممارسة عب العصور والأزمنة , ويعتب فكرا إسلاميا ما يصدر من هذه الآراء والمبادىء والنظريات وذلك بالاستناد إلى توجيهات القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة " ( الضحيان : 59 ) .
ومما سبق نستطيع تعريف النظرية الإسلامية على أنها " مجموعة من التصورات والمفاهيم والأفكار والأحكام والقيم والأهداف ذات الحد الأقصى من التجريد والعمومية المرتبطة بإعداد الإنسان المسلم حسب الأصول الإسلامية وتسويغها وتقويمها اعتبارا من أسسها ومناهجها وأساليب تحقيقها وتنفيذها " (الشلعوط : 73 ) .
ومن ثم نجد أن النظرية اإسلامية ترتكز على النقاط التالية : ( الشلعوط : 74 )
1.مستمدة في أساسها من القرآن الكريم والسنة .
2.تتصف بالشمولية .
3.تشتمل على نظرية المنهج والمعرفة والأساليب والوسائل والإدارة وهي بهذا تختلف عن النظريات الوضعية الأخرى .
4.تعمل على توجيه السلوك الإنساني وقيمه .
5.تعتمد على التفاعل ما بين النظرية والممارسة العملية فالإسلام دين عمل وجهاد .
ونجد أن مصادر الفكر الإداري في الإسلام مستمدة من عدة مصادر وهي ( القرآن الكريم , السنة النبوية الشريفة , الإجماع , القياس ) .
وهذا العمل سوف يتخصص في إبراز الجوانب الإدارية التي تضمنتها بعض أجزاء القرآن الكريم , وهذا يوجب علي إعطاء فكرة عن القرآن الكريم , القرآن الكريم كما يرى ( الشلعوط : 81 ) هو كلام الله سبحانه وتعالى أوحى به إلى سيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم- وآياته دستور شامل لتنظيم حياة البشر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية , وقد تكفل الله سبحانه وتعالى بحفظه يقول تعالى { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } (الحجر : 9) , ويرى ابن عباس رضي الله عنهما بأن القرآن الكريم هو الكتاب المنزل على محمد – صلى الله عليه وسلم – فصار له كالعلم ويرى الزركشي بأن القرآن الكريم هو الوحي المنزل على محمد للبيان والإعجاز ( العبدلي : 16 ) .
لقد ذكر ( العلي : 112 ) في كتابه ( الإدارة في الإسلام ) أهم خصائص الإدارة كما تستند إلى منهجية القرآن الكريم , وهي :-
1.إدارة ذات كفاءة وجدارة وأخلاق .
2.إدارة شورية .
3.إدارة تهتم بالحاجات النفسية والروحية والمادية للإنسان .
4.إدارة ذات مسئولية رعوية وسلطة مطاعة .
5.إدارة ذات رقابة ذاتية .
لقد نزل القرآن الكريم على النبي – صلى الله عليه وسلم – وتلقاه عنه الناس جيلا بعد جيل وزمانا عقب زمان إلى أن وصل إلينا كما نزل متواترا لا شك فيه ولا اختلاف , وكان لبعض آياته أسباب دعت إلى نزولها وهو ما يطلق عليه ( سبب النزول ) , وحيث أن هذا العمل سوف يتناول أسباب النزول للأجزاء المطلوبة كان لزاما علي أن أبين للقارىء تعريف ( سبب النزول ) , كما ذكر ( البلوط : 9 – 10 ) في تعريفه لسبب النول بأن السبب في اللغة : كل شيء يتوصل به إلى غيره فكل شيء يتوصل به إلى غيره هو سبب , وفي الاصطلاح : وقوع حادثة في زمن النبي – صلى الله عليه وسلم – أو توجيه سؤال إليه وإنزال الله آية أو آيات بيانا لتلك الحادثة أو جوابا عن ذلك السؤال , وعلى هذا التعريف يكون سبب نزول القرآن الكريم مشتملا على أمرين , هما:-
1.حدوث حادثة فينزل القرآن الكريم بشأنها .
2.أن يُسأل النبي – صلى الله عليه وسلم – عن شيء فينزل القرآن الكريم لبيان ما سئل عنه .
وهذا العمل سوف يهدف إلى إبراز الجوانب الإدارية في القسم الأول من الجزء الخامس عشر 15 ويشمل ( سورة الإسراء : 1 – 96 ) والقسم الأول من الجزء السادس عشر 16 ويشمل ( سورة الكهف : 75 – 110 ) و ( سورة مريم : 1 – 95 ) , عن طريق إبراز الجوانب التالية :-
1.أسباب نزول آيات الجزء – إن وجدت – .
2.الهدف من الآيات .
3.استخراج الوظائف الإدارية التي تضمنتها الآيات .
4.استخراج المبادىء الإدارية التي تضمنتها الآيات .
5.استخراج الوثائق المذكورة في الآيات .
6.اكتشاف المدارس الفكرية التي ذكرتها الآيات .
7.اكتشاف النظريات الإدارية التي ذكرتها الآيات .
8.اكتشاف أنواع العلاقة بين الرئيس والمرؤوس الموجود في الآيات .
9.استنباط المبادىء والقيم الإسلامية بشكل عام وما تضمنته النظرية الإسلامية بشكل خاص .
هذا بالإضافة إلى بعض المتفرقات الإدارية التي يمكن استنباطها من الآيات .
وما سبق يدعونا قبل الشروع في بدء العمل أن نأخذ فكرة مبسطة عن السور التي بين أيدينا وهي سورة ( الإسراء / الكهف / مريم ) على النحو التالي :-