قد يتأثر استقلاب الأدوية بالطعام والحالة الغذائية للشخص ، ذلك أن نشاط الانزيمات المسؤولة عن الاستقلاب الدوائي تتأثر بتناول الغذاء البروتيني ، والسكري ، والدهني . فمثلا ، المرضى الذين يوضع لهم برنامج غذائي عالي في محتواه البروتيني وقليل المحتوى السكري يقل لديهم نصف عمر كل من دواء ثيوفلين ( theophylline ) ودواء انتيبايرين ( antipyrine ) . مثل هذه الأدوية يتم استقلابها في الكبد بسرعة عند تناول الأغذية البروتينية قليلة المحتوى السكري ، وهذا التأثير يحدث حتى عندما يعطى الشخص سكريات أو بروتينات اضافية الى غذائه . كما لوحظ بأن الأطفال الذين يعانون من نوبات الربو القصبي ( asthma ) ويعالجون بدواء ثيوفيلين يكون لديهم عدد قليل من النوبات إذا كان غذائهم ذو محتوى عالي من السكاكر وقليل في محتواه البروتيني مقارنة بالأطفال الذين يكون طعامهم قليل في محتواه السكري وعالي في محتواه البروتيني . بشكل عام يمكن القول بأن زيادة البروتينات تنشط عملية الاستقلاب الدوائي ( وخصوصا طرق أكسدة الأدوية ) وأن زيادة الدهون و/أو السكريات في غياب البروتينات تقلل من عملية الاستقلاب . دلت التجارب التي أجريت على حيوانات المختبر على أن نقص بعض العناصر الحيوية في الجسم تقلل من استقلاب الجسم للأدوية ، ومن هذه العناصر : الكالسيوم ، النحاس ، الماغنسيوم ، والزنك . كما أن نقص بعض الفيتامينات مثل : فيتامين C ، وفيتامين E ، تقلل من استقلاب الأدوية .
تحفز المركبات الهيدروكربونية العطرية عديدة الحلقات ( polycyclic aromatic hydrocarbons ) كأحد الملوثات البيئية ، نشاط الانزيمات المسؤولة عن تحطيم الأدوية وخصوصا تلك المسؤولة عن عمليات الأكسدة . تناول اللحم المشوي على الفحم ( charcoal – broiled meat ) ينتج عنه مثل هذه المركبات مما يسرع في استقلاب بعض الأدوية أثناء أكل هذا النوع من اللحم . بعض الخضروات مثل القرنبيط ( cauliflower ) والملفوف ( cabbage ) تحتوي مواد لها القدرة على تحفيز نشاط الانزيمات المسؤولة عن عملية الاستقلاب . لقد وجد بأن هذه الخضروات تحتوي على مركبات تنتمي الى مجموعة الاندول ( indoles ) والتي لها تأثير بيولوجي ولها القدرة على التدخل في استقلاب الأدوية ، فدواء باراسيتامول يستقلب بدرجة أعلى بتناول مثل هذه الخضروات ، وكذلك دواء وارفارين، وأن التوافر الحيوي لدواء فيناسيتين ( phenacetin ) يقل بنسبة 50 % مقارنة بتناول طعام خالي من الخضروات التي لا تحتوي على مركبات الاندول .الخضروات والحمضيات التي تحتوي مركبات فلافونويدية ( flavonoids ) ، مثل ليمون الجنة ( الليمون الهندي ) ( grapefruit ) والذي يحتوي على مواد فلافونويدية – نارينجين – تعمل على زيادة كمية بعض الأدوية في الدم عن طريق تقليل استقلاب الأدوية المبكر ( first – pass metabolism ) . فشرب عصير ليمون الجنة مع دواء فيلوديبين ( felodipine ) يرتفع توافره الحيوي بنسبة 206 و 284 % عند مقارنته عندما يؤخذ مع الماء ، وكذا دواء نيفيديبين ( nifedipine ) الذي يرتفع توافره الحيوي الى أكثر من الضعف عند أخذه مع هذا العصير . عصير ليمون الجنة يزيد من التوافر الحيوي للأدوية التالية : ميدازولام ( midazolam ) ، ترايازولام ( triazolam ) ، تيرفينادين ( terfenadine ) ، سيمفاستاتين ( simvastatin ) ، ودواء ميثيل بريدنيزول ( methylprednisolone ) . أشارت الدراسات إلى أن الجرعات القليلة من شراب عصير ليمون الجنة في بادئ الأمر يثبط نشاط أنزيمات الأمعاء ، ولهذا تكون الزيادة في التوافر الحيوي لمثل هذه الأدوية قليلة . بينما الجرعات المتكررة تعمل على تثبيط أنزيمات الكبد المسؤولة عن استقلاب مثل هذه الأدوية ، ولهذا فان زيادة التوافر الحيوي تكون ملحوظة بشكل كبير . وأن الأنزيمات التي يثبطها عصير ليمون الجنة تتبع لنظام أنزيمي متعدد يطلق عليه سايتوكروم ب450 ( cytochrom P 450 ).
تحدث بعض مكونات الغذاء خللا في تأثير بعض الأدوية ، وقد تكون مفيدة في تجنب أو زوال الآثار السيئة للأدوية عند التحكم بنوع وكمية الغذاء ، والأمثلة على ذلك كثيرة ، نذكر منها ما يلي 450:
1- فعالية دواء ليفو- دوبا المستخدم لعلاج داء باركنسون تخف أو تتوقف بأخذ أطعمة تحتوي على كميات عالية من فيتامين ب6 لأن هذا الفيتامين يسّرع من استقلاب ليفو – دوبا .
2- فيتامين ك يقلل من فعالية دواء وارفارين المانع لتخثر الدم بسبب منافسته الدخول إلى خلايا الكبد التي تنتج مادة بروثرومبين ( prothrombin ) .
3- اثنان من الكهارل ( electrolytes ) يؤثران على عضلة القلب وعلى فعالية دواء ديجوكسين ، هما : البوتاسيوم والكالسيوم . فالبوتاسيوم يقلل من قوة انقباض عضلة القلب ويزيد من فترة انبساطه ، بينما عنصر الكالسيوم يزيد من قوة الانقباض ويزيد كذلك من فترة الانبساط . ودواء ديجوكسين الذي يستخدم في حالة قصور عمل القلب يزيد من انقباض عضلة القلب ، وعليه فان البوتاسيوم من الناحية الفسيولوجية يعتبر مخالفا لعمل دواء ديجوكسين في حين أن الكالسيوم مشابها له . تظهر سمية دواء ديجوكسين عند هبوط مستوى البوتاسيوم في الدم ، ومن الأسباب التي تؤدي إلى هبوطه الإصابة بالاسهالات الشديدة والمتكررة ، واستخدام الملينات بشكل متكرر ، استخدام الأدوية المدرة للبول الطاردة للبوتاسيوم ، وغيرها . ولتعويض نقص البوتاسيوم ينصح بتناول الأغذية ذات المحتوى العالي من البوتاسيوم أثناء تعرض الشخص لمثل هذه الحالات التي تؤدي الى نقصانه في الدم .
4- الأدوية الخافضة لفرط التوتر الشرياني ( hypertension ) تتأثر جرعاتها بالأغذية التي ترفع مستوى الصوديوم في الدم ، فالإكثار من شرب عصير عرقسوس يؤدي الى رفع مستوى الصوديوم في الجسم ، بسبب احتوائه على مادة ستروئيدية هي كاربينوكسولون ( carbenoxolone ) التي تعمل على حبس الصوديوم والماء في الجسم وطرح البوتاسيوم.
5- المرضى الذين يأخذون أدوية مانعة للانزيم المؤكسد للمركبات أحادية الأمين ( MAOI ) يتعرضون لارتفاع حاد – وقد يكون خطير – للتوتر الشرياني ا إذا أكثروا من تناول أغذية تحتوي على مادة تايرامين ( tyramine ) مثل الجبن والشوكولاتة وبعض أنواع المشروبات الروحية . ذلك أن هذه المادة تستقلب عادة عن طريق الأمعاء لوجود الانزيم المؤكسد للمركبات أحدية الأمين ، فعند تثبيط هذا الانزيم فان كميات كبيرة من مادة تايرامين الموجودة في الطعام سوف تدخل الدورة الدموية مسببة تحرر مادة نور- أدرينالين من مناطق تخزينه في النهايات العصبية والنتيجة هي ارتفاع في التوتر الشرياني .
الحنيطي، راتب : كتاب التداخلات الدوائية الغذائية