التصنيفات
طب الصيدلة Pharmaco

الدواء والاطفال – المقال الثاني

الدواء والاطفال – المقال الثاني


الونشريس

1 ) الامتصاص Absorption
يعني الامتصاص في المفهوم الدوائي العملية التي من خلالها يدخل الدواء الى الدم من مكان إعطائه ( عن طريق الفم، الشرج، الجلد، العضل ، الرئتين) . وكلمة Absorption مشتقة من اللغة اليونانية ( Ab وتعني بعيد من، و Sorbere تعني شفط ) .

وعملية الامتصاص – كأحد معايير الحركة الدوائية – تعتبر من العوامل المهمة في تحديد كمية الدواء التي تصل الى الدم، وأن امتصاص الأدوية يتغير ويختلف باختلاف الموضع المعطى من خلاله الدواء، وأن هناك عوامل مختلفة تؤثر على مدى وسرعة امتصاص الدواء، وسوف نتكلم عن امتصاص الدواء الذي يتم عن طريق الجهاز الهضمي، الشرج، العضل، والجلد ونركز الاهتمام كما قلنا على الأطفال.

أ ) امتصاص الدواء عن طريق الجهاز الهضمي
امتصاص الدواء من الجهاز الهضمي يعتمد على عدة عوامل منها ما يتعلق بالدواء نفسه ( خصائصه الفيزيوكيميائية ) التي تم شرحها سابقاً، وعوامل تتعلق بالطفل مثل مساحة السطح المتوفرة لامتصاص الدواء، درجة حموضة المعدة والاثنى عشر، الأملاح الصفراوية ( Bile Salts ) ، معدل النمو البكتيري في أمعاء الطفل، اضافة الى الأمراض التي قد تصيب الطفل. وسوف نناقش العوامل المتعلقة بحموضة المعدة، معدل تفريغ المعدة للطعام ( Gastric Emptying ) والحركة الدودية للجهاز الهضمي والتي تؤثر على امتصاص الدواء .

1) حموضة المعدة ( Gastric Acidity )
تؤثر حموضة المعدة ( والاثنى عشر ) على ذائبية وتأين الدواء كما أن لها تأثيراً على الحركة الدودية للأمعاء. وكما هو معلوم فأن الأدوية الحامضية يكون امتصاصها أسرع عندما يكون الوسط حامضياً لأنه في هذه الحالة يكون الدواء على شكله غير المتأين، ولهذا فانه يكون أكثر ذوباناً في الدهون والبروتينات وأسرع امتصاصاً. والعكس صحيح فيما يتعلق بالأدوية قاعدية التفاعل ( Basic Drugs ) .

العالم ( Hess ) عام 1913 أول من وصف وجود حامض المعدة (حمض الهيدروليك Hydrochloric acid HCL ) في معدة أطفال حديثي الولادة خلال الساعات الأولى من الولادة . ان هذه الملاحظات تبعها دراسات كثيرة من قبل العديد من الباحثين لتاكيدها. فلقد لوحظ أن درجة حموضة المعدة (PH) عند الوضع تكون عادة ما بين 6-8 لكنها تهبط بشكل سريع لتصل الى 1.5-3 خلال عدة ساعات بعد الوضع، هذا الانخفاض في الهبوط لدرجة حموضة المعدة كما دلت عليها الدراسات غير مرتبط بوزن الجسم أو العمر الحملي للطفل ( Gestational age ) . وان الحامض نادر وجوده في معدة الجنين وهو في بطن أمه قبل 32 أسبوعاً و من جهة أخرى فان الأطفال المولودين قبل أوانهم (Premature infants ) لديهم درجة قليلة جداً من الحامض المعدي مقارنة بالأطفال حديثي الولادة الطبيعية (Term infants).(7,4)

التأثيرات السريرية ( Clinical Effects ) لظاهرة قلة انتاج الحامض في معدة الأطفال حديثي الولادة على امتصاص الأدوية لم تدرس بشكل واضح ولكنها تعتبر باب مفتوحاً للبحث والدراسة، ومع هذا فقد لوحظ بأن امتصاص مشتقات مجموعة البنسلين يكون بشكل أفضل خلال فترة حديثي الولادة لقلة انتاج المعدة للحامض بشكل ملحوظ لأنه وكما هو معلوم فان هذه المجموعة من الأدوية تتحطم بوجود الحامض في المعدة .

2) التفريغ المعدي ( Gastric Emptying )
من المعروف أن امتصاص معظم الأدوية المتناولة عن طريق الفم يمتص من خلال الأمعاء الدقيقة للجهاز الهضمي، وعليه فان معدل التفريغ المعدي لمحتوياتها تعتبر من العوامل الرئيسية التي تحدد وتتحكم في مدى ومعدل امتصاص الأدوية، ولهذا فاذا كان معدل تفريغ المعدة بطيء لأي سبب من الأسباب فان هذا يعنى أن الدواء يمكث فترة أطول في المعدة مما يؤخر وصوله الى الأمعاء وبالتالي يؤخر من أو يقلل امتصاصه . هذا من جهة ، ومن جهة أخرى في حالة كون التفريغ المعدي سريعاً فمن الممكن ان يقلل من امتصاص الأمعاء للدواء عن طريق تقليل وقت التصاق الدواء بجدران الأمعاء المسؤولة عن عملية الامتصاص. على فرض أن حركة الأمعاء الدودية لم تتغير .

التفريغ المعدي متباين ويختلف أثناء فترة حديثي الولادة ويتأثر بعدة عوامل، نذكر منها النضوج الحملي للطفل ( Gestational Maturity ) ، العمر بعد الولادة (Postnatal age ) ونوع الرضعات الصناعية التي يتغذى عليها الطفل بالاضافة الى الأمراض التي قد تصيب الطفل الخلقية والعارضة . (4)

وعندما نتحدث عن التفريغ المعدي وعلاقته بالعمر الحملي والرضعات المتناولة فاننا نجد أن هناك علاقة عكسية ما بين التفريغ المعدي والعمر الحملي لطفل حديث الولادة كان يقدم له رضعات من محلول السكر المائي بنسبة (5%) وكان هناك حبس معدي ( Gastric retention ) لمدة 30 دقيقة بعد تناول هذا المحلول . وفي حالى الطفل الذي يرضع من حليب أمه لوحظ طوران للتفريغ المعدي ( وهذا ينطبق على حديثي الولادة قبل أوانهم) الطور الأول يتميز بسرعة معدل التفريغ المعدي يتبعه بالطور الثاني البطيء المطول للتفريغ المعدي . في حين أنه تم ملاحظة طور واحد بمعدل ثابت للتفريغ المعدي أثناء تناول الطفل الرضيع الحليب الاصطناعي . (4)

أيضاً لوحظ أن معدل التفريغ المعدي يتأثر بمكونات الوجبات الغذائية، فكلما كانت الوجبة تحتوي على سعرات حرارية أكثر كان هناك بطء في وقت التفريغ المعدي. وأن هذه الملاحظة لوحظت عند اعطاء الأطفال حديثي الولادة محاليل سكرية مختلفة التركيز 10% مقارنة بـ 5% محاليل تحتوي على الجلوكوز . (4)

لقد لوحظ بان نوع الأحماض الدهنية الموجودة في الرضعات الاصطناعية تؤثر على معدل التفريغ المعدي . فلقد تبين أن الأحماض الدهنية طويلة السلاسل (Long-Chain Fatty Acids) تقلل من معدل تفريغ المعدة لمحتوياتها مقارنة بالأحماض الدهنية متوسطة السلاسل. وهذه نقطة مهمة حيث وأن مستحضرات الحليب الصناعية تختلف بمحتواها من الأحماض الدهنية . (4)

التغيرات التي تحصل لجلسات االطفل ( نوم الطفل على جنبه الأيمن أو الأيسر، على ظهره …. ) خلال أو بعد الرضاعة لم تظهر تبايناً أو اختلافاً في معدل التفريغ المعدي . (4)

معدل التفريغ المعدي أثناء فترة الأطفال حديثي الولادة يكون أطول مقارنة بالبالغين، وأن بعض العلماء وجدوا بأن الوقت اللازم لتفريغ نصف محتوى المعدة كان 87 دقيقة في 28 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 1-10 أسابيع عند اخذهم وجبة كاملة من الحليب البقري مقارنة بـ 65 دقيقة عند البالغين . ان الحد العمري الذي يصل اليه الطفل والذي عنده يتساوى معدل التفريغ المعدي كما في البالغين لا يزال غير معروف تماماً، الا أن بعض الباحثين يرون أن المرحلة الانتقالية لتساوي التفريغ المعدي عند الأطفال والبالغين تحدث خلال 6-8 شهور من حياة الطفل . (4)

من العوامل الأخرى التي تتعلق بالجهاز الهضمي ومدى تأثيرها على امتصاص الأدوية، هي معدل تصنيع وحجم الأملاح الصفراوية ( Bile acids ) حيث تكون قليلة في الأطفال حديثي الولادة مقارنة بالكبار. قلة انتاج الأملاح الصفراوية يؤدي الى تقليل معدل ومدى امتصاص الأدوية الذوابة في الدهون (Lipid-Soluble Drugs ) وكذلك العناصر الغذائية الذوابة في الدهون مثل فيتامين ( E, D ) . عوامل أخرى نذكرها هي نمو البكتيريا الطبيعية ( Normal Flora ) في أمعاء الطفل ودرجة النمو هذه تعتمد على العمر الحملي (Gestational Stage ) ونوع الطعام الذي يتناوله الطفل . (7,4)

أوضحت الدراسات أن التغيرات الحاصلة في البكتيريا المعوية الطبيعية خلال فترة حديثي الولادة يمكن أن يكون لها أهمية في تحلل الدواء المرتبط (Drug Conjugates ) بعد عملية الاستقلاب والمطروحة مع الأملاح الصفراوية الى الأمعاء.(4) الا أن الأهمية السريرية لهذه المتغيرات الفسيولوجية لازالت غير واضحة تماماً .

ويمكن أن نلخص حديثنا بأن امتصاص الدواء عند الأطفال حديثي الولادة عادة يكون بطيئاً مقارنة بالأطفال وأن هذا يعكس بطء معدل تفريغ المعدة مع عدم انتظام الحركة الدودية للأمعاء لديهم ، ومن الأمثلة على الأدوية التي تمتص ببطء عند حديثي الولادة هي الفينايتون ( Phenytoin ) ، الفنيوباربيتال (Phenobarbital ) ، والباراسيتامول (Paracetamole ) . لكن مدى الامتصاص ( Extent of Absorption ) عادة لا يطرأ عليه تغير، ما عدا الأدوية التي تتفكك أو تتحلل عن طريق حامض المعدة . (3)

2) امتصاص الأدوية التي تعطى عن طريق العضل
Absorption of Drugs Given Intramuscularly .
يلجأ عادة الى أخذ الدواء بالحقن العضلي عندما تكون هناك عقبات تمنع من اعطائه عن طريق الفم، مثل وجود بعض الأمراض، أو أن يكون امتصاص الدواء عن عن طريق الجهاز الهضمي ضعيفاً .

العوامل التي تؤثر على امتصاص الدواء عن طريق الحقن العضلي كثيرة نذكر منها ما يلي :-

1) الخصائص الفيزيوكيميائية للدواء .
2) معدل وصول الدم الى موضع الحقن ومعدل رجوعه من موضع الحقن الى الدورة الدموية اضافة الى توفر المساحة السطحية للعضلة موضع الحقن .
3) نشاط العضلة والذي يؤثر على امتصاص الدواء ، فالأطفال المرضى أو قليلوا الحركة أو الأطفال الذين يتلقون مهدئات يكون معدل ومدى امتصاص الدواء عندهم ضعيفاً .

فالعضلات لدى حديثي الولادة تكون قليلة الكتلة وجريان الدم الواصل اليها محدود، وأن امتصاص الدواء في بعض الحالات المرضية يكون غير منتظم وغير متوقع، وأن زيادة جريان الدم المفاجئ الواصل للعضلة قد يؤدي الى امتصاص عال للدواء وبالتالي تعرض الطفل الى الجرعة السامة . (3)

3) امتصاص الدواء عن طريق الجلد "Percutaneous Absorption"
جلد الصغار وخصوصاً المولودين قبل أوانهم يكون أكثر امتصاصاً للأدوية ، وأن استخدام الأدوية والمواد الكيماوية عن طريق الجلد قد يتسبب في حدوث سمية تلك الأدوية أو المواد الكيماوية. وهناك العديد من التقارير التي تحدثت عن حدوث سمية هذه المواد عند اعطاءها عن طريق الجلد، مثل المواد والمنظفات التالية:Hexachalorophene (وهذه المادة عبارة عن مطهر للجلد موقف للبكتيريا، كما أنها تدخل في مكونات الصابون المطهر للجلد ) . والمنظفات الفينولينية المحتوية على مركبات مثل (فوسفات الصوديوم، وصوديوم الكاربونات أو صوديوم السيليكيت ) والتي يطلق عليها مركبات لاندري(Laundry Compounds ) والتي تخفف من عسر الماء . كما تحدثت التقارير عن دراسات أجريت على مركبات الكورتيزون ، والمحاليل المعقمة (Disinfectant Solutions ) ، ولهذا يجب أخذ الحذر في استعمال العلاجات الموضوعية في الأطفال . (7,4,3)

امتصاص الأدوية والمواد الكيماوية عن طريق الجلد يعتمد على سماكة الطبقة الخشنة المتقرنة ( Stratum Corneum ) ، وان العلاقة بين امتصاص الأدوية وهذه الطبقة هي علاقة عكسية، بمعنى أنه كلما كانت الطبقة سميكة قل امتصاص الأدوية . هذا من جهة، ومن جهة أخرى فان هناك علاقة طردية تربط امتصاص الأدوية ودرجة رطوبة الجلد ( Skin Hydration ) بمعنى أن الامتصاص يزيد في المناطق الرطبة. ولقد افترض على ان سماكة جلد الأطفال بشكل عام أقل سماكة مقارنة بالبالغين، وأن نسبة المساحة السطحية للجلد الى الوزن عند الأطفال حديثي الولادة ( ولادة طبيعية ) تكون أكبر بكثير منها عند البالغين ، وبناءً علية فمن الناحية النظرية اذا أعطي طفل حديث الولادة جرعة دوائية عن طريق الجلد وأعطيت نفس الجرعة (عن طريق الجلد) للبالغين، فان مقدار مايصل الى الدورة الدموية بالنسبة الى الوزن في الأطفال حديثي الولادة تكون القيمة عندهم حوالي 2.7 ضعفاً أكثر من البالغين كما أكدتها الدراسات. (4)

وفي المقابل فان الدراسات التي أجريت على الأطفال حديثي الولادة قبل أوانهم (Premature Infants ) بينت أن وظيفة الجلد كحاجز أو مانع لامتصاص المواد الغربية ليست مكتملة مقارنة بالأطفال مكتملي الولادة . (3)

المرجع : الحنيطي، راتب : كتاب الادوية والرضاعة الطبيعية – الطبعة الاولى 1997م




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.