الحضارة الإسلامية هي جزء من دين ملؤه الرقي و السمو و طبعا يكون بالأخلاق الفاضلة و العادات والتقاليد المحترمة و العلوم المزدهر ة , وهذا المفهوم عرفته الشعوب الإسلامية الأولى و طبقة دعوى الإسلام فحققت الازدهار و التطور في مختلف مجالات الحياة فأمنت للعالم الإسلامي عظمة و هيبة جعلته الرائد بلا منازع , و فتحت المجال أمام الأسماء الإسلامية بأن تبرز و تخرج لتعرف بالعقل المسلم ولترفع عنه الاتهامات , فحقق عباقرتها انجازات خدمت البشرية مدى الدهر ، و جعلت الاعترافات تقربها , فاكتشف العلماء و اخترعوا و ألفوا وبلغت أوجها في العهد العباسي , و لكن كأية حضارة في الوجود لابد لها من الزوال عساها تفتح المجال أمام حضارة أخرى , و طبعا بعد انتشار الغرور , و الضياع اللهو و الفساد , و الابتعاد عن المبادئ المرسومة و التي يعرفها الكل , و لكن قبل أن نغوص في خرابها و دمارها و كشف أخطائها , لما لا نتكلم عن فضائلها و محاسنها و لنفخر كثيرا بأصلنا .
استمرت الخلافة العباسية في المشرق من سنة 132 إلى 656 للهجرة أي لمدة 524 سنة، و بقي للعباسيين بعد ذلك الخلافة بمصر إلى سنة 923 للهجرة.
و تعد الدولة العباسية كما يقول ابن طباطبا كثيرة المحاسن، جمة المكارم، أسواق العلوم فيها قائمة، و بضائع الآداب فيها نافقة، و شعائر الدين فيها معظمة، و الخيرات فيها دائرة، و الدنيا عامرة، و الحرمات مرعية، و الثغور محصنة، و مازالت على ذلك حتى أواخر أيامها، فأنتشر الشر، و اضطرب الأمر.
فقد شهدت الحركة العلمية في العصر العباسي ازدهارا كبيرا في شتى الميادين، يعود سببه إلى ظهور الكثير من العلماء والمفكرين في مختلف العلوم وانتشار حركة الترجمة واهتمام الخلفاء بها، إضافة إلى التوسع في التعليم العام وبناء المدارس والمؤسسات الثقافية مثل دور العلم والربط فضلا عن المساجد. ومن العلماء البارزين في اللغة والادب والشعر الخليل بن أحمد الفراهيدي في علم النحو والعروض (نظم الشعر) والجاحظ في الادب والبلاغة والاصمعي في الادب واللغة, كما تميز الامام بن ثابت الكوفي المعروف بابي حنيفة والقاضي ابي يوسف في علم الفقه. أما شعراء هذا العصر فمن أبرزهم أبو العتاهية وعباس بن الأحنف وابو تمام الطائي والبحتري والمتنبي والشريف الرضي وأبو العلاء المعري وأبو نواس ومن المؤرخين البارزين محمد بن جرير الطبري واليعقوبي وبرز في الجغرافية المسعودي أما في الرياضيات والفيزياء فقد برز أبو الحسن بن الهيثم وفي علم الجبر محمد بن موسى الخوارزمي وفي الكيمياء جابر بن حيان وغيرهم كثيرون ممن ترجمت مؤلفاتهم إلى اللغات الاوربية واستفيد منها في النهضة الاوربية الحديثة. وقد اهتم الخلفاء بالعلم والعلماء فقربوهم وشجعوهم فكان لذلك أثره الكبير على الرقي الفكري في هذا العصر، وأبرزهم الخليفة هارون الرشيد الذي اشتهر بتقريبه العلماء والفقهاء والادباء والشعراء والكتاب وتشجيعهم على البحث والتأليف وتوفير كل ما يحتاجون اليه في بحوثهم ودراساتهم
مظاهر ازدهار الحركة العلمية
1- أصبحت المساجد ساحات علمية ومجالس للدرس والمناظرة والتثقيف .
2-امتزاج الثقافة العربية بثقافات الأمم السابقة .
3-ترجمة كتب العلوم المختلفة إلى العربية والإضافة إليها.
4-ظهور علم الكلام للرد على الملا حدة والزنادقة .
5-ازدهار الثقافة الدينية تفسير القران جمع الأحاديث نشأة الفقه
6- ازدهار العلوم اللغوية بظهور مذهب الكوفيين والبصريين في دراسات النحوية
7-الاهتمام بالتأليف البلاغي والنقدي ورواية الشعر والنوادي والأخبار
8- ظهور مذهب المحدثين في الشعر وتعدد اتجاهات الشعراء وأغراضهم .
9- تجدد أساليب النثر وتنوع فنونه مثل الخطابة و الكتابة والتأليف .
اثر الحركة العلمية في الحياة الفكرية في عصر العباسي
شهد العصر العباسي نهضة حضارية عظيمة وحركة فكرية رائدة امتدت لتشمل العديد من المجالات، وكان لوعي الخلفاء والحكام ورعايتهم للعلم والفن والثقافة والأدب أكبر الأثر في تشجيع العلماء والأدباء والفقهاء والشعراء على الإجادة والإبداع، وإشعال الرغبة في الإجادة والتميز في نفوسهم حيث حظي العلماء والنابهون من الأدباء والفقهاء والشعراء بمكانة متميزة، ليس في بلاط الخلافة فحسب وإنما صارت لهم منزلة مرموقة في المجتمع كله
وقد أدى هذا الاهتمام من جانب الخلفاء والحكام بالعلم والعلماء إلى ظهور عدد كبير من العلماء الأفذاذ الذين حملوا على عاتقهم تلك النهضة الحضارية الواعدة،
وقادوا مسيرة العلم والتقدم، ودفعوا عجلة الحضارة الإسلامية تلك الدفعة القوية التي ظلت أصداؤها تتردد في ظلام أوربا لعدة قرون
كان تطور الفكر العربي في العصر العباسي نتيجة لما مر عليه من أحداث سياسية و اجتماعية, و من مظاهر تطور الفكر في العصر العباسي
أصبحت الترجمة عملا رسميا بعدما كان في العصر الأموي عملا فرديا يقوم به بعض الراغبين فيه, و هذا ما أدى إلى اكتساب كثيرا من العلوم و الآداب من البلاد المترجم عنها بفضل الرحلات و البعثات العلمية و أول من عني بالترجمة من الخلفاء العباسيين أبو جعفر المنصور ثم نشطت الترجمة في عهد هارون الرشيد و خاصة في عهد المأمون
تطورت الحياة الفكرية من بعد 50 سنة فقط من بداية دراسة العرب لثقافات الأمم الأخرى عن طريق الترجمة فقد اهتم العباسيون بالعلوم و الفنون المختلفة, و أول العلوم اهتموا بها هي علو التفسير و الفقه و النحو, المنطق و الأدب و من ذلك انتقلوا إلى الاهتمام و العناية بالعلوم الكونية من الفلك , طب , رياضيات الفيزياء
فمن أهم الشخصيات العلمية من العصر العباسي التي أسهمت في إثراء الفكر الإنساني نجد: ابن سينا, أبو بكر الكرخي, محمد الكاشني ,أبو الريحان البيروني, محمد أبو الوفا البوزجاني , أبي سهل عيسى النصراني و ابوعباس المأمون و اعد ريحان البيروني و أبو بكر الرازي.
د . تأثير الحضارات الأخرى في الحضارة الإسلامي
أ- التأثير الفارسي:
كان التأثير الفارسي في الحضارة الإسلامية أقوى في مجال الأدب حيث كان الأدب الفارسي الشرقي اقرب إلى ذوق العرب و أحاسيسهم من الأدب اليوناني.
في العصر العباسي قام من يجيدون اللغتين الفارسية و العربية بترجمة الكتب الفارسية و من هؤلاء :
– عبدالله بن المقفع – أبناء خالد – الحسن بن سهل
و نخص بالذكر المقفع حيث ترجم تاريخ الفرس و قيمهم و عاداتهم و سير ملوكهم فضلا عن كتب أدبية منها:
– كليلة و دمنة – الأدب الكبير – الأدب الصغير – كتاب اليتيمة
لم تكن حضارة الفرس في مجال الأدب فقط فقد امتلكوا تراثا في العلوم الأخرى كالهندسة و الفلك و الجغرافيا، لكن تأثير اليونان في العلوم العقلية كان أقوى من تأثير الفرس.
ب-التأثير اليوناني:
التأثير اليوناني في الأدب كان محدودا و لا يزيد عن نقل بعض الكلمات مثل:
– القنطار – الدرهم – القسطاس – الفردوس – بالإضافة إلى بعض الحكم
كانت الحضارة اليونانية ذات تأثير قوي في العلوم العقلية و هذا نتج عن معتقدات اليونان أنفسهم و اهتمامهم بالعقل و ارتفاع شانه على حساب الأعمال اليدوية أو المجال الأدبي، فنقل العرب عنهم في مجال الفلسفة عن أفلاطون و أرسطو و في مجال الطب عن جالينوس و ابقراط.
لبرز مظاهر التأثير اليوناني كانت خلال العصر الهلينستي حيث امتزجت حضارة اليونان بالقسم الشرقي و اخذ المسلمون منهم ما يتوافق مع الإسلام و نبذوا ما يتعارض معه.
ت- التأثير الهندي:
حركة الفتوح الإسلامية امتدت إلى الهند في أواخر القرن الأول الهجري، أي في خلافة الوليد بن عبدالملك( 86 -96 ه) و استؤنفت في منتصف القرن الثاني الهجري في عهد أبي جعفر المنصور ( 136- 158 ه) و نشطت مرة أخرى في القرن الخامس الهجري، و ذكر في ذلك بعض المؤرخين:
– الجاحظ:" اشتهر الهند بالحساب و علم النجوم و أسرار الطب".
– الاصفهاني: " الهند لهم معرفة بالحساب و الخط الهندي و أسرار الطب و علاج فاحش الداء….".
جزء كبير من ثقافة الهند و علومهم انتقل إلى فارس بحكم العلاقات التجارية بين الطرفين قبل الإسلام و من ذلك أن كسرى انوشروان أرسل طبيبه برزويه إلى الهند لاستحضار كتب و مؤلفات في الطب فعاد بالكثير منها و يقال أن قصة كليلة و دمنة انتقلت من الهند ضمن ما نقله برزويه من كتب بالإضافة إلى لعبة الشطرنج.
عندما عكف المسلمون على ترجمة كتب الفرس إلى العربية نقلوا بين ثناياها أجزاء من ثقافة الهنود و علومهم و أحيانا قام بعض المترجمين بنقل السنسكريتية و هي اللغة الهندية إلى العربية مباشرة و منهم:
– منكة الهندي – ابن دهن الهندي
و من العلوم التي اخذ فيها المسلمون عن الهنود: الرياضيات و الفلك والطب
أ- الرياضيات:
– الأرقام الحسابية المستخدمة في العالم حاليا عرفها المسلمون عن الهنود و عن المسلمين نقلت إلى الغرب، و قد عرف المسلمون هذه الأرقام باسم راشيكات الهند.
– نقل عن الهنود الكثير من المصطلحات الرياضية مثل مصطلح الجيب في حساب المثلثات.
و استفاد العالم الرياضي أبا جعفر بن موسى الخوارزمي من معارف الهنود في الرياضيات.
ب- الفلك:
– أمر أبو جعفر المنصور سنة 154 ه بترجمة كتاب في الفلك ألفه احد علماء الهند و هو برهمكبت و قد كان باللغة السنسكريتية، كما أمر باستخراج زيجا من ازيجة هذا الكتاب يستخدمه العرب لدراسة حركة الكواكب، و قد قام بترجمة هذا الكتاب الفزاري و أنجز الزيج المشهور الذي ينسب إليه. كما اخذ المسلمون عن الهنود كتاب "السند هند" في الفلك.
ت- الطب
– من الكتب التي ترجمت إلى العربية عن الهندية في مجال الطب :
كتاب " السيرك" و قد ترجم أولا إلى الفارسية ثم من الفارسية إلى العربية عن طريق عبدالله بن علي.
كتاب " سسرد" نقله منكة عن الفارسية ليحيى بن خالد البرمكي.
كتاب "أسماء عقاقير الهند" نقله منكة عن اسحق بن سليمان.
كتاب " استنكر الجامع" نقله ابن دهن الهندي.
– من المعروف أن أطباء الهند نبغوا في استخدام الأعشاب الطبية في مداواة الكثير من العلل و قد نقل المسلمين الكثير عن فوائد الأعشاب عن الهنود، و بعض هذه الأعشاب لم يعرفها اليونان حيث لا تنبت إلا في أقاليم الهند و شرق آسيا، و يقال أن خالد بن يحيى البرمكي جلب بعض أطباء الهند مثل: – منكة – قلبرقل – سندباد
– و كان الاتصال بالحضارة الهندية مصحوبا بتعريب كثير من المصطلحات و الأسماء مثل: – زنجبيل – كافور – خيرزان – فلفل
فضلا عن ترجمة بعض القصص مثل كليلة و دمنة و السندباد كما سبقت الإشارة.
و إذا كان المسلمون اخذوا عن الحضارات السابقة فان هذا لا يقلل من شانها لان الترجمة كانت مرحلة من مراحل الابتكار العلمي الإسلامي و هذه المراحل هي:
1 . النقل و الترجمة. 2. الشرح و التفسير.
3 . النقد و التصحيح. 4. الإضافة و الابتكار.
ج. تطور حركة الترجمة و ازدهارها:
حركة الترجمة إلى العربية أخذت تتسع و تزداد قوة في العصر العباسي بفضل:
1. تشجيع الخلفاء العباسيين و رعايتهم لهم و قد فتحوا بغداد أمام العلماء و اجزلوا لهم العطاء و أضفوا عليهم ضروب التشريف و التشجيع بصرف النظر عن مللهم و عقائدهم. في حين أن حركة الترجمة في العصر الأموي كانت محاولات فردية لا يلبث أن تذبل بزوال الأفراد.
2. غدت ركنا من أركان سياسة الدولة فلم يعد جهد فردي سرعان ما يزول بزوال الأفراد سواء حكام أو غير ذلك بل أصبح أمرا من أمور الدولة و ركنا من أركانها.
و في حين أن الترجمة في العصر الأموي اقتصرت على الكيمياء و الفلك و الطب، نجد انه في العصر العباسي صارت أوسع نطاقا بحيث شملت الفلسفة و المنطق و العلوم التجريبية و الكتب الأدبية.
من أمثلة اهتمام الخلفاء العباسيين بالعلماء و المترجمين:
1. الخليفة أبا جعفر المنصور( 136- 158 ه) : و قد عني بترجمة الكتب إلى العربية سواء من اليونانية أو الفارسية، و في تلك المرحلة نقل حنين بن إسحاق بعض كتب ابقراط و جالينوس في الطب و نقل ابن المقفع كتاب "كليلة و دمنة" من الفهلوية.
2. هارون الرشيد (170 -194 ه): عندما كثر أعداد العلماء في بغداد انشأ لهم دار الحكمة لتكون بمثابة أكاديمية علمية يجتمع في رحابها المعلمون و المتعلمون و حرص على تزويدها بالكتب التي نقلت من آسيا الصغرى و القسطنطينية.
3. المأمون ( 198-218 ه) : ازداد اهتماما ببيت الحكمة، فوسع من نشاطها و ضاعف العطاء للمترجمين و قام بإرسال البعوث إلى القسطنطينية لاستحضار ما يمكن الحصول عليه من مؤلفات يونانية في شتى ألوان المعرفة، فاخرج المأمون لذلك جماعة منهم الحجاج بن مطر، و ابن البطريق فاخذوا مما اختاروا و قد ذكر ابن النديم انه كان بين المأمون و إمبراطور القسطنطينية مراسلات بهذا الشأن.
في العلوم الإسلامية : أبو حنيفة , مالك,الشافعي , حنبل,و من البصريين عيسى بن عمر الثقفي و أبو عمرو بن العلاء والكوفيين أبو جعفر الكراسي و الكسائي و الفراء, محمد بن عمر الواقدي .
في الأدب : و هم كثيرون :
في الشعر: ابن العتاهية العراقي صاحب الزهديات ,و أبو نواس البصري منشد الخمريات ,و أبو تمام السوري صاحب الحماسة ,و تلميذه البحتري السوري , و امتنبي الكوفي أمير الشعراء, و شاعر الفلاسفة أبي العلاء المعري ,و غيرهم كثار.
في النثر : و ظهر المترجمون :ابن المقفع الفارسي الأصل مترجم كليلة و دمنة ,و الطبيب جورجيس بن بختيشوع و الحجاج بن يوسف بن مطر , و المبدعون أمثال الجاحظ صاحب البخلاء و بديع الزمان الهمذاني سيد المقامات ,و سهل بن هارون و غيرهم .
في الرياضيات :و نظرا للتطور المبهر لهذا المجال فلابد من عباقرة قادوا هذا الازدهار أمثال أبو عبد الله محمد بن موسى الخوارزمي و كذا أبناء شاكر
في الطب : أبو بكر الرازي جالينوس العرب صاحب أكبر كتاب في الطب ٌ الحاوي ٌ , ابن النفيس , ابن سينا,ابن البيطار , و الصيادلة :أبو القاسم الزهراوي ،الطبري , ابن زهر , موسى بن العازر,أبو قريش عيسى الصيدلاني , ابن الوافد , الإدريسي ,البغدادي و غيرهم ….
في الفيزياء و الفلك :ابن الهيثم ,الخازني , و الخوارزمي و الكندي البغدادي وغيرهم
حواضر العالم الإسلامي
كان للحضارة الإسلامية و النهضة العلمية في العصر العباسي وقع على الحياة سواء العلمية أم الاجتماعية أو السياسية , و طبعا لكل حضارة عواصمها , أما الإسلامية فقد كان ترابها كطله علوما لكن لابد أن تبرز إحداها عن الأخرى , فالرائدة فيلا هذا العهد كانت بغداد,عند حكم الخليفة الثاني أبو جعفر المنصور أسس مدينة بغداد، وهي كلمة فارسية الأصل ومعناها "عطية الله" وقد بدئ العمل بإنشائها سنة 541هـ ، وانتقل إليها المنصور في العام التالي وأسماها دار السلام ، ولكنها ظلت تعرف باسمها الفارسي
في العصر العباسي الأول ازدهرت البصرة وذاعت شهرتها وقصدها طلاب العلم والأدب واللغة وبرز فيها أعلام كان لهم دور بارز في علوم اللغة والفقه والأدب وكذا الكوفة
و من حواضر الأدب كقرطبة وأشبيلية وتونس والقيروان، و فاس، وبجاية وتلمسان بالإضافة للرياضيات ، وبرقة، والقاهرة والإسكندرية للفقه ، ونجد والحجاز، وبيت المقدس، وبيروت، وطرابلس الشام، ودمشق وحلب آلتان انتزعت منهما الريادة ، والموصل، ومنبج وأنطاكية، وصنعاء وعُمان، وشيراز وأصفهان، وخوارزم والري ونيسابور..إلخ
الأسباب التي أدت إلى نهضة الأدب في العصر العباسي الأول :
على الرغم من الانحلال السياسي الذي أصاب الدولة العباسية في العصر العباسي الثاني إلا أن الأدب شعرا ونثرا ظل مزدهرا وذلك لوجود عدة عوامل منها حرص الخلفاء على نقل العلوم عن الحضارات الأخرى كالفارسية والهندية واليونانية تشجيع الترجمة ودراسة هذه الآثار وتحليلها والإضافة عليها ، ولم يكن العرب مجرد ناقلين .
ازدهار الثقافة الدينية والاهتمام بالتفسير وعلوم الحديث .
ازدهار العلوم اللغوية وظهور مدرستي البصرة والكوفة في النحو والاهتمام بالنقد الأدبي – ظهور تيار جديد في الشعر العربي، يسمى مذهب المحدثين ،أحدث نوعاً من التجديد في منهج بناء القصيدة العربية ،وأكثر من البديع
سمات الأدب في هذا العصر
النضج العقلي والعلمي
اهتمام الحكام بالعلم والثقافة والفن والأدب
تعدد الحواضر الأدبية من مثل القاهرة ودمشق وحلب وقرطبة – التنافس الشديد بين الدويلات ومنافستها بعضها البعض فى جذب الشعراء والعلماء والأدباء والفنانين
التنافس الشديد بين الشعراء وذلك ليحظوا بالمكانة المرموقة
ظهور فلتات في الشعر والأدب كالمتنبي وأبى العلاء المعرى
الامتزاج بين أبناء الأمة العربية وغيرهم من الأجناس الأخرى ونشأة جيل جديد من المولدين يحمل الخصائص العربية والأجنبية ( مثل بشار بن برد وابن الرومي
انتشار التطور الحضاري المادي مثل بناء القصور والحدائق والتماثيل والنافورات ووصف الشعراء لكل هذه المظاهر مما أثرى الدرس الأدبي .
الرقي الثقافي الذي اتسعت آفاقه عن طريق التأليف والترجمة ومجالس العلم والثقافة .
الشعر في العصر العباسي
العصر العباسي ، عصر الترف والبذخ والتأنق ، فقد رقَّت فيه طباع الشعراء و ارتقَت أذواقهم بالمخالَطَة ، فظهر ذلك في أشعارهم ، فعمدوا إلى وصف الخمر ومجالس الأنس وحدائق القصور .
ودَرَّس علماء المسلمين الشعر ، فحَصَر الخليل بن أحمد أوزان الشعر في 15 بحراً ، ثم زاد عليها الأخفش بحراً واحداً وسمّاه الخبَب ، فأصبحت 16 وهو ما عُرِف بعلم العروض .
وظهرت الصالونات الأدبية ، وكانت المساجلات الشعرية ، والمناظرات الدينية والمناقشات الأدبية تَجري في معظم الأحيان في حضرة الخلفاء العباسيين الذين كان بعضهم شعراء ، وأغدَقوا الأموال على الشعراء ، فتزاحموا على أبوابهم .
نبغ عدد كبير من الشعراء في العصر العباسي ، من أشهرهم " أبو نواس " وهو ممن أذاع القول في الخمر والغزل والصيد ، و" أبو العتاهية " الذي برَع في فنون الشعر واشتهر بالغزل الرقيق والحكمة والموعظة .
وأيضاَ " أبو تمام " ، الذي اشتهر بنزعته العقلية والفلسفية في الشعر وتلميذه " البحتري " ، الذي ضُرب فيه المثل ، ويُقال أن كلامه يجمع
الجزالة والحلاوة والفصاحة والسلاسة ، ويُقالُ أيضاً ان شعره كتابة معقودَة بالقوافي .
ولا يفوتنا أن نذكر " ابن الرومي " الذي يقول عنه ابن خلِّكان ، أنه يغوص بحثاً عن المعاني النادرة فيستخرجها من مكانها ، ويُبرزها
في أحسن صورة .
ولما استلم زمام الأمر العنصر العَجَمي في الدولة العباسية ، ضعف أمر الشعر ، حتى إذا قامَت دولة بني حمدان وهم عربٌ ، عاد الشعر إلى مكانته ورونقه ، ورعاه سيف الدولة الحمداني ، وقد كان شاعراً وأديباً ، وكان يرى أن إعطاء الشعراء من فروض الامراء .
واشتهر في عصره عدد كبير من الشعراء كأبي فراس الحمداني ، وأبي الطيب المتنبي الذي كان نادرة الفلك وواسطة عقَد الدهر في صناعة الشعر ، ثم هو شاعر سيف الدولة الذي رفع من قدره وألقى عليه شعاع سعادته حتى سار ذكره مسير الشمس والقمر ، وسافر كلامه في البدو والحضر ، فهو الذي قال :
وما الدهر إلا من رواة قصائدي ….. إذا قلتُ شعراً أصبح الدهرُ مُنشِدا
فسارَ به مَن لا يسيرُ مُشَمِّرا …… وغنّى به مَن لا يُغَنّي مُغَرّدا
اثر الحركة العلمية في الشعر:
في العصر العباسي تطورت المعاني الشعرية عمقاً وكثافة ودقة في التصوير، فجاءت شاملة للحقائق الانسانية وقد انصرف الشعراء عن المعاني القديمة إلى معان جديدة، يساعد على ذلك ما كسبه العقل العباسي من الفلسفة وعلم الكلام والمنطق، وما وصلوا إليه من أساليب فنية قوامها المحسنات اللفظية والمعنوية ومثال ذلك أن أبا تمام يجمع في قصيدة "فتح عمورية" بين العملية الفكرية والعملية الفنية، فأخرج من القصيدة شعراً جديداً راقياً، فيه من القديم مسحة ومن الجديد أخرج معاني وصوراً طريفة وكثرت في الشعر العباسي الأمثال والحكم (المتنبي والمعري)، وبرز فيه المنطق والأقيسة العقلية، وترتيب الأفكار (أبو تمام، وابن الرومي، المتنبي). كما ظهر الإبداع في التصوير والاعراب في الخيال، ومجاراة الحياة والفنون في الزخرفة والنقش، والاهتمام بالألوان (ابن الرومي، والبحتري).
امتاز الشعر العباسي بدقة العبارة وحسن الجرس والايقاع، وذلك بتأثير الحضارة ورفاه العيش كما امتاز بخروجه على المنهجية القديمة في بناء القصيدة وترتيب أجزائها. وكثيراً ما ثار الشعراء على الأساليب القديمة، وفي ذلك ذلك يقول المتنبي:
إذا كان شعر فالنسيب المقدم … أكل بليغ قال شعراً متيم وتمتاز القصيدة العباسية بوحدة البناء، وفيها صناعة وهندسة، مع استخدام الصور البيانية، فضلاً عن التجديد في الألفاظ المستعملة والموحية.
النثر العباسي :
خطا النثر العباسي خطوات كبيرة، فواكب نهضة العصر وأصبح قادراً على استيعاب المظاهر العلمية والفلسفية والفنية كما أن الموضوعات النثرية تنوعت فشملت مختلف مناحي الحياة .. فالكتابة الفنية توزعت على ديوان الرسائل والتوقيعات وغيرها .. وكان المسؤولون يختارون خيرة الكتاب لغة وبلاغة وعلماً لتسلم الدواوين، ولاسيما ديوان الرسائل الذي كان يقتضي أكثر من غيره اتقان البلاغة والتفنن ، و مستوى رفيع من الثقافة فضلاً عن ذلك النثر الفني القصص و المقامات و النقد الأدبي ، و النوادر ، و الأمثال و الحكم ، و التدوين ، و الرحلات ، و التاريخ ، و العلوم. وظهرت الرسائل الأدبية التي تضمنت الحكم و جوامع الكلم و الأمثال و الفكاهات و كانت موضوعات الرسائل تتراوح بين الأخبار و الأخوانيات ، والاعتذار وغير ذلك وراجت الرسائل الطويلة في العصر العباسي فتناولت السياسة والأخلاق والإجتماع، كرسالة الصاحبة لابن المقفع، ورسالة القيان ورسالة التربيع والدوير للجاحظ، ورسالة الغفران لأبي العلاء المعري. وعظم شأن القصص في العصر العباسي، فاتسع نطاقه وأصبح مادة أدبية غزيرة، وتنوعت المؤلفات القصصية فأقبل الناس على مطالعتها وتناقلها ومنها ما اهتم بالحقل الديني ككتاب قصص الأنبياء المسنى بالعرائس للثعلبي، وقصص الأنبياء للكسائي، وقصة يوسف الصديق، وقصة أهل الكهف، وقصة الإسراء والمعراج ومنها القصص الاجتماعية والغرامية والبطولية ككتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني، وقصص العذريين، وسيرة عنتر، وحمزة البلوان، وسواها ومنها القصص التاريخية التي تناولت سير الخلفاء والملوك والأمراء كما عرف العصر العباسي القصص الدخيلة المنقولة، نذكر منها كليلة ودمنة، وكتاب مزدك، وكتاب لسندباد، وبعضاً من ألف ليلة وليلة، وأكثره خيالي خرافي يدور بعضه على ألسنة الحيوان.
وإلى جانب القصة ازدهر أدب الأقصوصة، وكتاب البخلاء للجاحظ خير مثال على هذا النوع من الأدب وقد امتاز الأدب القصصي العباسي بدقة الوصف والتصوير وبراعة الحوار، والقدرة على استنباط الحقائق وتصوير مرافق الحياة، وتسقط العجائب والغرائب، والكشف عن العقليات والعادات والتقاليد. وفي العصر العباسي ظهر فن المقامة، وضعه بديع الزمان الهمذاني، ولقي كثيراً من الرواج في العصر العباسي وما بعده .. وهو سرد قصصي يتناول الأخلاق والعادات والأدب واللغة، ويمتاز ألأسلوبه السجع وأغراقه في الصناعة وكثرة الزخارف والمحسنات المتنوعة .. وفضلاً عما ذكرنا اهتم النثر العباسي بتدوين العلوم على أنواعها وهذه العلوم كانت إما عربية إسلامية كعلوم الشريعة والفقه والتفسير والحديث والقراءات والكلام والنحو والصرف والبيان وغير ذلك، وإما أجنبية التأثير كالمنطق والفلسفة والرياضيات والطب والكيمياء والفلك وعلم النبات والحيوان وغير ذلك. بهذا حاولنا أن نلقي نظرة على الأدب العباسي، شعره ونثره، وأن توضح أهم ما تناوله من موضوعات وما امتاز به من خصائص عامة.
مال الشعراء إلى تسهيل الألفاظ و تليينها بل عمدوا إلى تزيينها و توشيتها فأكثروا من الاستعارات و التشبيهات و التزامها كما افتنوا في انواع البديع و تعمده بعضهم كمسلم بن الوليد و ابي تمام . والحياة العباسية كانت تدعو الى هذا الوشي و التنميق من جميع نواحيها لذلك غلب التصنع على الشعر العباسي . كما نشأ عن الحركة العلمية اتساق الافكار و حسن التخلص في بناء القصيدة . أما أوزان الشعر وقوافيه فلم تتجدد تجددا يذكر ، لكن الشعراء اخذوا يعنون بالنظم على الاوزان الخفيفة الرشيقة التي تصلح للغناء . والجديد الذي يذكر للشعر العباسي هو ترك المقدمة الطللية واستبدالها بوصف الخمر و القصور ..
شكرااااااااااااااا