ظهرت في السنوات الأخيرة العديد من الأدوية الجديدة والتي ساهمت بشكل فعال في معالجة الكثير من الحالات المرضية . ومع ذلك فقد ترافق مع حسنات استخدام هذه الأدوية زيادة في الآثار السيئة المتعلقة بالدواء ، والتي يمكن التنبؤ ببعضها في حين أن البعض الآخر من هذه الآثار السيئة قد تظهر بشكل غير متوقع ومن الاستحالة بمكان التنبؤ بها . التداخلات الدوائية تعتبر أحد هذه الآثار الجانبية المرافقة عند استخدام الأدوية والتي يمكن تعريفها على أنها الحالة التي يتم فيها إخلال أو تدخل في مفعول دواء بسبب دواء آخر أعطي قبله أو في نفس الوقت . التداخلات الدوائية قد تكون مرغوبة وغير مرغوبة ، وقد تكون مفيدة وقد تكون ضارة . وأن هناك اهتماما بالغا تم تركيزه على هذا الموضوع حيث تم رصد العديد من التداخلات الدوائية وتخصيص مجلات علمية متخصصة تبحث بآلية حدوث التداخلات الدوائية وتحذر من التداخلات غير المرغوبة و المشاكل المترتبة على ظهورها وتنبه إلى طرق الوقاية لمنعها أو تقليلها. وأن مفهوم التداخلات الدوائية لم يعد محصورا بين الأدوية وحدها ، بل هناك تداخلات بين الدواء والغذاء ( drug – nutrient interactions ) – وهو ما سنتحدث عنه في الفصل الثاني من هذا الكتاب -إن شاء الله – وتداخلات دوائية مخبرية ( drug – laboratory test interactions ) – أي أن النتائج المخبرية قد تتاثر سلبا أو إيجابا بأخذ المريض دواء أثناء فترة عمل الفحوصات المخبرية . وأخيرا فان الدواء قد يحدث آثارا سيئة غير مرغوبة بسبب وجود مرض معين ، وهذا ما يطلق عليه بالتداخلات الدوائية – المرضية ( drug – disease interactions ) .
العوامل التي تساهم في ظهور التداخلات الدوائية تشمل ما يلي :
1- التأثيرات الدوائية المتعددة : معظم الأدوية المستخدمة في علاج الأمراض لا تمتلك فعالية واحدة فقط ، بل قد تؤثر على عدة أنظمة فسيولوجية داخل جسم الإنسان . وبالتالي فان هناك زيادة في احتمالية تعرض نظام فسيولوجي أو أكثر في الجسم نتيجة إعطاء أكثر من دواء في آن واحد ، فمثلا عند إعطاء دواء (chlorpromazine)من مجموعة الأدوية المضادة للذهان مع دواء( amitriptyline ) الذي ينتمي لأدوية مضادات الاكتئاب ، مع دواء ( trihexyphenidyl ) المستخدم لعلاج داء باركنسون ، في آن واحد ، فسوف تظهر على المريض بشكل واضح أعراض معاكسة استيل كولين( anticholinergic effects )) . لأن هذه الأدوية وان كان لكل منها فعالية دوائية خاصة به، إلا أنها تشترك جميعا في تأثيرها المضاد لفعل استيل كولين مثل جفاف الفم وتشويش في الرؤية وغيرها. وقد يكون هذا التأثير لكل دواء لوحده ضعيفا ، إلا أن اجتماع هذه الأدوية يعطي تأثيرا متآزرا وواضحا .
2- تردد المريض على أكثر من طبيب : وفي هذه الحالة قد يوصف للمريض أكثر من دواء ، فمثلا طبيب يصف دواء مضاد للهستامين ، وطبيب آخر يصف لنفس المريض دواء مضاد للقلق ، مما يؤدي إلى زيادة تثبيط الجهاز العصبي . ومثل هذه الأخطار يمكن تجنبها أو على الأقل الحد منها عن طريق دراسة السجل الطبي للمريض من قبل الطبيب والصيدلاني .
3- استخدام أدوية تصرف بدون وصفة طبية مع أخرى يتم وصفها عن طريق الطبيب المعالج : التقارير التي ترصد التداخلات الدوائية أظهرت أن من بين الأسباب التي تؤدي إلى ظهور تداخلات دوائية هو استخدام أدوية لا تصرف بوصفة طبية ( مثل أدوية مسكنة للألم ، مضادات الحموضة ، أدوية السعال ، …. ) مع أدوية تصرف بوصفة طبية . حتى أن كثيرا من المرضى عندما يتم سؤالهم من قبل الطبيب عن الأدوية التي يستخدمونها لا يعيرون اهتماما بالأدوية التي لا تصرف بوصفة طبية ، ولا يقومون بذكرها أمام الطبيب . إضافة إلى ذلك فان بعض الأشخاص يستخدمون مستحضرات تحتوي فيتامينات ومعادن بشكل اعتيادي ولا تعد بنظرهم من الأدوية .
4- تعاون المريض مع طبيبه ومدى التزامه بتناول الأدوية : الكثير من المرضى لا يتناولون أدويتهم حسب الإرشادات المرفقة ، وهذا راجع إلى عدة أسباب منها عدم تقديم معلومات كافية من قبل الطبيب أو الصيدلاني حول كيفية ووقت أخذ الدواء ومقدار الجرعة. وفي مواضع أخرى وخصوصا إذا كان المريض متقدما في السن ويأخذ أكثر من دواء ، فانه يحصل نوع من التشويش والخلط في تعليمات أخذ الدواء ، بالرغم من فهمه المسبق للتعليمات ولكن قد يحصل نسيان أخذ جرعة من أحد أدويته . أو أن عدم التزام المريض يؤدي الى عدم تناوله الجرعة الموصوفة من الدواء زيادة أو نقصا،. إن عدم التزام المريض بأخذ الدواء لأي سبب كان ، يؤدي إلى زيادة احتمال حدوث التداخلات الدوائية.
5- إساءة استخدام الأدوية : يعتبر الإدمان على بعض الأدوية سببا في حدوث التداخلات الدوائية ، ولعل أهم الأدوية هي مجموعة أمفيتامين ، باربيتيوريت ، المسكنات المخدرة ، المارغوانا ، والتدخين . ولقد أكدت الدراسات أن دواء ثيوفلين يطرح من الجسم بسرعة كبيرة عند الأشخاص المدخنين والذين يتعاطون المارغوانا ، لأن مثل هذه المواد تسرع استقلاب دواء ثيوفلين وكثير من الأدوية الأخرى . كما أن تعاطي الأدوية التي تؤثر على الجهاز العصبي بشكل عام ، يشكل عائقا في تحديد جرعات أدوية التخدير العام لإجراء العمليات الجراحية .
6- عوامل تتعلق بالمريض تهيئ ظهور التداخلات الدوائية : كثير من العوامل المتعلقة بالمريض تؤثر سلبا أو إيجابا على فعالية الأدوية ، وأن هناك تقارير ودراسات توضح و تبين كيف أن هذه العوامل تساعد وتهيئ ظهور الآثار الجانبية للأدوية كالتي تنتج من التداخلات الدوائية . من هذه العوامل ما يلي :
q العمر : يعتبر عامل العمر ( Age ) من العوامل المهمة عند الحديث عن المشاكل المتعلقة بالأدوية ، وخلصت الدراسات الى أن الفئات العمرية الأكثر تعرضا لمساوئ الأدوية والتي منها المساوئ الناتجة عن التداخلات الدوائية هم الصغار وكبار السن . ففي الأطفال حديثي الولادة يكون الحاجز البيولوجي الذي يفصل الدم عن الدماغ ( blood – brain barrier ) أكثر نفاذية لمادة البليروبين مقارنة بالأطفال والكبار ، فزيادة هذه المادة بشكلها الحر في الدم تحت ظروف معينة مثل إزاحتها من مناطق ارتباطها بالبروتين بسبب أخذ أدوية تحل محل البليروبين (مثل : اسبرين ، أدوية سلفا )سوف يزيد من عبور هذه المادة الى الدماغ عبر الحاجز الدموي الدماغي الأمر الذي قد يتسبب في حدوث اليرقان النووي * ( kernicterus ) .
وهناك العديد من العوامل التي تساعد في طهور التداخلات الدوائية فيما يخص الكبار . فمن المعلوم بأن معظم كبار السن لديهم أكثر من مرض ( ارتفاع التوتر الشرياني _ ضغط الدم _ وداء السكري ) ، وهذا يعكس أو يتطلب صرف أكثر من دواء في آن واحد . إضافة إلى تردي في وظائف الكلى والكبد والجهاز الهضمي والتي تكون عادة مرتبطة بتقدم العمر والتي قد تؤثر على معايير الحركة الدوائية ( الأمتصاص ، التوزيع ، الاستقلاب ، والاطراح ) وبالتالي ينعكس تأثيرها على الاستجابة الدوائية .
q العوامل الوراثية ( Genetic factors ) :
العوامل الوراثية قد تكون وراء ظهور آثارا جانبية لبعض الأدوية عند مرضى معينين . لقد لوحظ بأن معدل استقلاب دواء آيزونيازيد ( isoniazid ) واقع تحت سيطرة العوامل الوراثية . يكون معدل الاستقلاب لدى بعض الأشخاص سريعا في حين أن أشخاصا آخرين يكون معدل استقلابهم لهذا الدواء بطيئا . وعليه فان نظام اعطاء الجرعات لدى المرضى الذين يكون معدل استقلابهم لهذا الدواء سريعا قد يكون ساما لدى المرضى الذين يكون معدل استقلابهم لهذا الدواء بطيئا . ولقد لوحظ أيضا بأن دواء آيزونيازيد يثبط استقلاب دواء فينايتون ، الأمر الذي قد ينتج عنه ظهور علامات سامة لدواء فينايتون مثل رأرأة العين ( nystagmus ) ، ترنّح(ataxia ) ، دوار غير طبيعي (lethargy ) . وفي حقيقة الأمر تبين بأن مثل هؤلاء المرضى الذين تظهر عليهم الآثار السيئة لدواء فينايتون عند أخذهم لدواء آيزونيازيد كان معدل استقلابهم لدواء آيزونيازيد بطيئا .
q الحالات المرضية ( Disease states ) : قد تؤثر العديد من الحالات المرضية على استجابة الدواء . فأمراض الكبد قد تطيل معدل استقلاب الدواء ، وقد يكون هناك نقص في تصنيع بروتينات الدم وخصوصا الألبيومين مما يزيد من كمية الدواء الحر عن القيمة المطلوبة ، وأن أمراض الكلى أيضا تؤثر بشكل كبير على فاعلية الدواء وخصوصا إذا كان طرح الدواء من الجسم يعتمد بدرجة كبيرة على الكلى .
q الادمان الكحول ( Alcoholism ) : لقد بينت كثير من الدراسات أن مدمني الكحول يكون لديهم تسارع في استقلاب الأدوية مثل : وارفارين ، وفينايتون ، وتولبيوتامايد ، نتيجة زيادة النشاط الانزيمي بسبب الأدمان على شرب الكحول . وعلى عكس ذلك فان شرب الكحول بشكل غير مدمن قد يثبط النشاط الانزيمي . إضافة إلى أن تعاطي الكحول مع الأدوية المثبطة للجهاز العصبي يؤدي إلى مزيد من التأثير المهدئ والمثبط للجهاز العصبي .
q التدخين ( Smoking ) : لقد لوحظ بان التدخين يزيد من نشاط الانزيمات المسؤولة عن استقلاب الأدوية وخصوصا تلك الموجودة في الكبد .
q الغذاء ( Diet ) : الأنواع المتعدد من الأطعمة وما تحويه تؤثر على معايير الحركة الدوائية . فالغذاء قد يبطل أو يؤخر عملية امتصاص الأدوية ، كما أنه قد يسرع أو يبطئ عملية الاستقلاب ، وقد ينقص أو يرفع من قيمة درجة حموضة البول . ان كل هذه الأمور تؤثر على الاستجابة الدوائية . وفي الفصل الثاني من هذا الكتاب هنالك شرحا مفصلا .
q العوامل البيئية ( Environmental factors ) : المركبات العطرية العضوية متعددة الحلقات كمبيدات الحشرات والأعشاب ومخلفات المصانع والحافلات تزيد من استقلاب الأدوية عن طريق التحفيز الانزيمي . وعليه فان توخي الحذر مطلوب في حالة إعطاء أدوية لمرضى يتطلب عملهم التعرض لمثل هذه المركبات الكيميائية .
q الفروقات الشخصية ( Individual variation ) : لقد لوحظ أن هناك فروقات بين الأشخاص في مدى استجابتهم للأدوية الأمر الذي عادة يصعب تفسيره .
الصيدلاني راتب الحنيطي
الحنيطي،راتب : كتاب التداخلات الدوائية