الإيمان بالتراث
تراثُ أيِّ أمَّة هو تاريخُها وكيانها، وأمَّة بلا ماضٍ أُمَّة بلا حاضر، وبلا مستقبل، والحِفاظُ على التراث وعلى التاريخ هو الحِفاظ على الكيان والهُويَّة، على الخُصوصيَّة التي منحتْنا وجودَنا بوصْفِنا أمَّة، هو الحفاظ على السبيل الذي يضمن استمرارَنا ونهضتَنا مِن غفوتنا.
"وكما أنَّ الوطن هو المهد الأوَّل – بعد التوحيد – للإنسان، يحنُّ إليه كلَّما بَعُدَ به المطافُ في بلاد الله، ويَشعُر في قرارة نفسِه بحبِّه وتفديته، ويَدين له أبدًا بالإعزاز مهما أغرتْه المغريات، وباعدتْ بينه وبين أرضِه ضروراتُ العَيْش، كذلك يُعدُّ التراث الفكريُّ هو المهدَ الأوَّل لتفكيره ولنفسه، وأيُّ انفكاك بين المرْءِ ودِينه أو وطنه، أو بين المرء وتُراثه – يخلق منه امرأً تتجاذبه أطرافُ الضياع، وفقدان النفس، وضياعُ النفس مدعاةٌ إلى التفكُّك والتخلخل، والشُّعورِ بالبؤس والمذلة اللَّتَيْن لا تطيب معهما الحياة"[15].
كيف تنهض الأمم؟
مِن المعلوم والثابت أنَّ نهضاتِ الأمم إنَّما تقوم على أساسين:
الأول: النظر فيما سَلَف لها مِن تراث، وإحياؤه.
والثاني: الإفادة من منابِعِ الفِكْر الخارجي، واستصفاء ما يتناسب مع فِكْرِها وتاريخها"[16].
ويصف الدكتور محمود الطناحي – رحمه الله – جيلَ البعث والإحياء، فيقول: "هذا الجيلُ الذي قام بعبءٍ ضَخْم، واحتمل عناءً باهظًا، وسَلَك ضروبًا مُضنية، حيث تصدَّى رجالُه لهذا التراث المخطوط، فاستنقذوه من عوادي الناس والأيَّام، ثم أحسنوا قرائتَه، وعاشوا في عصور تأليفه وتمثَّلوه، ثم تحمَّلوا أمانةَ أدائه وإضائته وفهرسته، فقدَّموا بذلك مادَّة مُحَرَّرَة، قامتْ عليها دراساتُ الدارسين، فلا دِراسةَ صحيحة مع غياب النَّص الصحيح المُحَرَّر، وكم رأيْنا مِن دراسات انتهتْ إلى نتائجَ غير صحيحة؛ لأنَّها اتكأتْ على نصوص مُحَرَّفة ومُزالة عن جِهتها…"[17].
ثم يقول: "وقد فَطِنَ لهذا المستشرِقون الذين اتَّجهوا إلى دراسةِ فِكْرنا وأدبنا، فهُم لم يتَّجهوا إلى تلك الدِّراسات إلاَّ بعد أن أعدُّوا مادَّتها، وهي النُّصوص، وقد بَذَلوا في ذلك جُهودًا مُضنيَة"[18].
ــــــــــــــــــــ
[1] انظر: "التراث العربي"؛ لعبدالسلام هارون، (ص: 3 – 5)، و"مناهج تحقيق التراث"؛ د. رمضان عبدالتواب، (ص: 8).
[2] "التراث العربي" (ص: 7).
[3] "نحو علم مخطوطات عربي"؛ د. عبد الستار الحلوجي، (ص: 9)، وانظر: مقال "ما المخطوط؟ " د. أحمد شوقي بنبين.
[4] "نحو علم مخطوطات عربي"؛ للحلوجي: عرض ومناقشة، محمود محمد زكي، (ص: 134).
[5] "لسان العرب"؛ لابن منظور، (حقق) (11/333).
[6] "التعريفات"؛ لعلي بن محمد الجرجاني، (ص: 75).
[7] "مناهج تحقيق التراث"؛ للدكتور رمضان عبد التواب، (ص: 5).
[8] "تحقيق نصوص التراث"؛ للغرياني، (ص: 7)، نقلاً عن: "قواعد تحقيق المخطوطات"؛ إياد خالد الطباع، (ص: 403)، وانظر: "محاضرات في تحقيق النصوص"؛ د. أحمد محمد الخراط، (ص: 9)، و"منهج البحث وتحقيق النصوص"؛ د.يحيى وهيب الجبّوري، (ص: 127).
[9] "دار العلوم ومكانها في البعث والإحياء"؛ د.محمود محمد الطناحي، ضمن (اللغة والأدب.. دراسات وبحوث)، دار الغرب الإسلامي: 2/825.
[10] باختصار عن: "التراث العربي" (ص: 10 – 11).
[11] السابق بتصرف، (ص: 12 – 13".
[12] السابق: (ص: 9).
[13] السابق (ص: 8 – 9) بتصرف، ومقال: "من التراث اللغوي.. معجم مقاييس اللغة"، ضمن (قطوف أدبية) لعبدالسلام هارون، (ص: 201).
[14] السابق (ص: 9 – 10) بتصرف.
[15] "التراث العربي" (ص: 14) بتصرف وزيادة.
[16] "دار العلوم ومكانها في البعث والإحياء"؛ (ص: 825).
[17] السابق نفسه.
[18] السابق (ص: 826).
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Literature_Lan…#ixzz2QzapIZrS