العنوان: الأشكـال السردية المعتمدة في الخطاب السردي والتي تضمنتها النصوص السردية في كتاب السنة الثالثة (جميع الشعب) :
1- ضمير الغائب:
يرى الدكتور عبد المالك مرتاض في كتابه" تحليل الخطاب السردي" أن هذا الضمير يكاد يكون سيد الضمائر الثلاث واكثرها تداولاً بين السراد وأيسرها استقبالا لدى المتلقين،وأدناها للفهم لأنه يعد وسيلة ناجحة ليمرر الكاتب أفكاره من خلاله دون أن يظهر في الواجهة ولا يتدخل ولا يتعرى أمام القارئ،إذ يتعامل مع الأحداث على أنه مجرد راو لهاولاصلة له بالحديث أو لالعمل السردي،كما يتجنب المؤلف – من خلال استعمال ضمير الغائب- الوقوع في الذاتية أو في فخ الأنا مما يجعل من عمله السردي مجرد سيرة ذاتية رغم صعوبة الفصل بين "أنا" السردي و"أنا"المؤلف، ويسمح ضمير الغائب بالتمييز بين زمن الخطاب وزمن الحكاية.ظاهريا،إذ يرتبط ضمير الغائب"هو" بالفعل الماضي "كان" فيبدو زمن الحكاية سابقاعلى زمن الكتابة وهو مايسمى "بالخدعة السردية " كما في قصة "الطريق إلى قرية الطوب"لمحمد شنوفي، في الفقرة الأولى من النص" في غارة خاطفة…." ترجم عنه الوقاف"وفي قصة " من رواية الامير" للأعرج واسيني يظهر ضمير الغائب غالبا على النص السردي " توغل الامير وخيالته في عمق منحدرات مخروطة وعميقة، تشبه المدافن الفرعونية القديمة…وشعر بان الحرب قد تغيرت نهائيا ولم تعد تكتفي بالاستلاء على المواقع.."كما يظهر ضمير الغائب في رواية "الجرح والأمل "لزليخة السعودي" "وانتظرت طيلة عامين عودة احمد دون جدوى…كبر خلالها الطفل والطفلة فأدخلتهما الكتاب لأن أحمد كان يرسل لها في كل شهر حوالة تعيش بها حياة مترفة…".
فضمير الغائب يجعل من السارد مجرد حاكي يحكي الاحداث ولا شأن له بهما مما يحميه من" إثم الكذب" بحكم أنه مجرد وسيط بين ما سمعه والقارئ كما يسمح له (أي السارد) باتخاذ موقع مختلف خلف الحدث الذي يرويه على اعتبار أنه يعرف كل شيء عن شخصيته.كما يجعل المتلقي يعتقد بأن ما يحكيه السارد قد وقع فعلاً،وبأن المؤلف مجرد وسيط بينه وبين ماوقع. وقد مثلها الدكثور مرتاض كالآتي: الأحدوثة(1) ــــــــ السارد (2) ـــــــ المتلقي(3)
2- ضمير المتكلم:
إن كان ضمير المتكلم يساعد على الفصل بين زمن الخطاب وزمن الحكاية،فإن ضمير المتكلم غايته وضع فاصل زمني بين الزمن الحقيقي للسارد(أي اللحظة التي تسرد فيها الأحداث) وبين الحكاية أي زمن وقوع الحدث وهو بهذا ينطلق من الماضي إلى الحاضر(1)
لقد علق "ميشال بوتور" على أهمية ضمير المتكلم معتبراً أن الأمر" يتعلق أولاً بشيء من التقدم في الواقعية وذالك بإدخال وجهة نظر معينة فعندما يروي كل شيء بصيغة الغائب يبدو المراقب غير مكترث كان الامر لا يعنيه .."(2)
3- ضمير المخاطب:
إن هذا الشكل من السرد يعد من أحدث الأشكال عهداً ويعلل"ميشال بوتور" سبب توظيفه لهذا الشكل الجديد في روايته"التحويل" قائلاً" لما كان الأمر يتعلق باستعادة الوعي فإنه كان على الشخصية الروائية ألا تقول:"je" وكان علي إذن أن اعمد إلى اصطناع مناجاة تكون أدنى من الشخصية نفسها في شكل يقع وسطا بين ضمير المتكلم وضمير الغائب، إن الأنت (le vous) يتيح لي توصيف وضع الشخصية، من وجهة ورصد الكيفية التي تولد بها اللغة في نفسها من وجهة أخرى"(3)
وضمير المخاطب يمكن ان يحل محل ضمير الغائب"هو" وضمير المتكلم"أنا" بجعل الرؤية السردية تنشطر إلى شطرين،مما يمكن المؤلف من وصف الأشياء الخارجية دون انقطاع تيار الوعي،فضمير المخاطب من منظور"بوتور" هو أكمل الأشياء السردية وأحدثها في مجال السرد والسرديةعلى اعتبار أن ضميرالمخاطب يقوم مقام الغائب والمتكلم.(4) ويظهر ضمير المخاطب في بعض المقاطع من قصة (الطريق إلى قرية الطوب) " كن شجاعا وتقدم إلى هنا!لا تخف يقول لك الضابط ستلبى حاجتك إن كانت لك حاجة!…" "قولوا آمين،أم أنتم مكممون؟…" " ادفع أولا ثم اصنع ماشئت…"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
(1) ينظر، د. مرتاض ،تحليل الخطاب السردي، ص:196
(2)ميشال بوتور،بحوث في الرواية الجديدة، تر/ فريد أنطونيوس، منشورات عويدات بيروت- باريس،ط2/1982،ص: 64
(3) د. مرتاض، تحليل الخطاب السردي،ص :197
(4)ينظر المرجع نفسه،ص:198