الموضوع منقول من كتاب ، للسيد فضل الله حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
إبليس في القرآن
لقد تحدث القرآن عن إبليس، كقوة مادية مخلوقة من النار، وصوره لنا ككائن متمرد، يعيش في داخله زهو العظمة بالعنصر الذي خلق منه، بإزاء الإنسان الذي ينتمي إلى عنصر التراب. فإن النار تفني التراب وتحرقه، ولذا فإنها أعظم منه، مما يجعل لما يتولد منها سر العظمة بالنسبة لما يتولد من الآخر.وهذا ما دفعه إلى التمرد على الله في موضوع الجو التكريمي الذي أحاط الله خلق آدم، ودوره في الأرض عندما أمر الملائكة بالسجود له- وكان إبليس ماحقاً بالجو الملائكي في ما يوحيه لنا القرآن – وتتتالى الصور القرآنية في أسلوب الحوار ، لتجسد لنا العقدة المرضية التي عاشها هذا الكائن ضد الإنسان . فقد أراد من الله أن يمنحه الخلود في الدنيا ، ليتفرغ للإنسان ،ليهبط به عن الدرجة العليا التي وضعه الله فيها ، و ليثير في داخله الصراع بين الخير و الشر ويحبب له الشر في أسلوب شيطانية دقيق خادع ، ليلبي في داخله العقيدة الحاقدة التي تريد أن تحطم في الإنسان روحه و موقعه من الله .
ويصور لنا القرآن الكريم – من خلال الحوار – ان، الله أعطاه هذا الطلب لحكمة يعلمها- سبحانه- ولكنه شرح له و لنا أن سلطته لا تتعدى دور الوسوسة التي تزين للإنسان المعصية و تحسن له الجريمة. أما السلطة المباشرة التي تمثل الإكراه و القهر و الإلجاء، فهذا ما لم يجعله الله له، ولكن الإنسان الكافر و الفاسق الذي لا يستثير إيمانه ولا يعيش الإحساس بعداوة الشيطان، هو الذي يسلطه على نفسه ويعطيه، نظرا زمام قيادته. أما الإنسان المؤمن، فلا يعطي الشيطان فرصة السيطرة عليه، نظراً للقوة الروحية التي تهز كيانه و تثير فيه روح الصراع الحق، ولذا فإن الشيطان لا يملك أمر ليصور لنا الملاح العامة لإبليس في إطار ذلك كله.
إبليس في قصة خلق آدم
لقد خلق الله سبحانه آدم، وكرمه وفضله على الكثير ممن خلقه. وكانت بداية التكريم الإلهي لهن أن أمر الله ملائكته و إبليس معهم أن يسجدوا له في جو احتفالي عظيم ، كتدليل على عظمة هذا المخلوق الجديد لخصائصه الذاتية ، و للدور الكبير الذي أعد له في خلافة الله في الأرض ،ولتسخير المخلوقات الطبيعية العظيمة له، ليستطيع القيام بدوره أعظم قيام.
وقد حدثنا الله سبحانه في القرآن الكريم في أكثرمن أية عن ذلك ، وأفاض في حديثه عن الملامح الذاتية لإبليس التي يبدو فيها شخصاً تافهاً لا ينسجم في المواقف الكبيرة ، مع إرادة الله، بل ينحدر في مشاعر الكبرياء العنصرية التي تربط قيمة الكائن ودوره بالعنصر الذي يتكون منه ، ولا تلتفت إلى الخصائص الروحية و الفكرية و العملية التي تتميز فيها الموجودات وتحرك حياتها من أجل الوصول إلى أسمى المراتب وأرفع الدرجات ، حيث تتحول الحياة إلى صراع في سبيل بلوغ الغد الأفضل والفكر الأفضل و العمل الأفضل. وتتنوع الآيات القرآنية الكريمة لتسجد لنا الصورة في أجواء نابضة بالحياة، المليئة بالحركة في أسلوب زاخر بالحيوية و الشعور، يستهدف تعميق الهوة بين الشيطان و الإنسان من جهة ، وتركيز الإحساس بفظاعة الكبر و التفكير العنصري و مدى تأثيره على المصير الحياتي والأبدي للكائن الحي ، كما حدث لإبليس.
وهذه بعض الآيات القرآنية التي توضح لنا الصورة:
***64831;وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ***64830;
(البقرة؛ 34)
***64831;وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ***64830; (الأعراف؛11-13)
***64831;وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا
قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً***64830;
(الإسراء؛ 61-62)
و هناك آيات أخرى تشبه هذا الموضوع .
وقد لا نحتاج إلى جهد كبير، لنعرف شخصية إبليس من خلال هذه الصورة القرآنية، فهي شخصية متكبر يعتز بعنصره فيتحدى إرادة الله، عند تعارضها مع نزعة ذاته. وتتعاظم العقدة في نفسه، إلى درجة أن يكون مستعداً لمواجهة أسوأ النتائج، في قضية مصيره، للمحافظة على كبرياء الذاتي.
مأساة إبليس قضية وهمية
وقد حاول بعض المتفلسفين، منح موقف إبليس وجه المأساة في قضية إيمانه، فصوروه بصورة الموحد الخالص في توحيده، المؤمن العميق في إيمانه الذي رفض السجود لآدم انطلاقاً من رغبته في توحيد العبادة لله ، فلا يشرك أحداً في السجود لله- حتى إذا كان ذلك بأمر منه – فهو مستعد لتقبل عذاب الله في سبيل الإخلاص لمحبته له و إيمانه به، ولكن هذه المحاولة لاتخضع لأي أساس ديني أو منطقي لأمرين:
إن فكرة إبليس كموجود حي، ليست من الأفكار التي تخضع للتجربة لنملك أمر التصرف في تفاصيلها من خلال تجاربنا الذاتية ،بل هي من الغيب الذي عرفنا الله إياه، في ماعرفه لأنبيائه من أمور الغيب. وفي هذا الإطار لابد لنا من أن نأخذ ملامحها وتفاصيلها من النصوص الدينية عبر ما أوحاه الله في الكتب السماوية. وقد رأينا في هذه الآيات التي قدمناها مع هذا الحديث، أن امتناع إبليس من السجود لآدم كان بفعل الكبرياء لا بفعل التوحيد و المحبة لله و سنجد في ما يأتي من الحديث- في شخصيته صفة الحاقد الذي يدفعه حقده إلى أن يمارس كل ما يستطيع من الأعمال في سبيل تحطيم هذا الكائن في ذاته وفي ذريته، كسبيل من سبل التنفيس عن حقده المكبوت في أعماقه. ولذا فإنه يطلب الخلود من أجل تحقيق هذه الغاية الشريرة في نفسه وإذا كانت الصورة القرآنية هي هذه الصورة، فمن أين أتى لنا بصورة الموحد المحب لله الفاني في ذاته، الذي يريد أن يحرق نفسه في سبيل الاحتفاظ بصفاء حبه وإيمانه؟ هل نستطيع أن نضع ذلك في غير أجواء الخيال الشعري، يعيشه الشعراء الحالمون، الذين يحاولون إضفاء جو المأساة على المجرمين، انطلاقا من الاستغراق الذاتي في مشاعر المجرم أمام مصيرهن بعيدا عن دوافع الجريمة ونتائجها الشريرة في تأثيرها على البلاد والعباد؟ تماما، ككثير ممن يشجبون قانون القصاص للقاتل،على أساس المشاعر العاطفية الساذجة، بعيدا عن التخطيط الواعي للتشريع في حياة الإنسان . وقد نجد في بعض الأحاديث المأثورة عن أئمة أهل البيت –عليهم السلام- بعضا من الملامح التفصيلية للصورة ولكن في اتجاه أخر.
فقد ورد في البحار، عن قصص الأنبياء، عن (الإمام جعفر) الصادق – عليه السلام – قال: أمر إبليس بالسجود لآدم فقال: يا رب وعزتك إن أعفيتني من السجود لأدم لأ عبدنك عبادة ما عبدك أحد قط مثلها، قال الله جل جلاله: إني أحب أن أطاع من حيث أريد.
فقد نجد في هذا الحديث بعضاً من ملامح الفكرة التي نقلناها، ولكنها لا تسير في الاتجاه الذي يحاوله هذا البعض بل تسير في جو المساومة الساذج الذي يريد إبليس أن يرضي كبرياءه بالامتناع عن السجود لآدم ، وذلك بالطلب إلى الله أن يقبل تعويضاً عنه بعبادة لم يعبده مثلها أحد ، ولكن الواجب يضع القضية في إطارها الصحيح لأن موضوع عبادة الله ليس عملية شكلية تتمثل في أوضاع معينة من أعمال الإنسان بل هي الخضوع لله في كل مايريده بالطريقة التي يريدها بعيداً عن كل النوازع النفس ودوافعها الذاتية. ولعل من أوضح مظاهر ذلك أن يكبت الإنسان رغباته الشخصية أمام إدارة الله.
2- إن قضية السجود لآدم لا تمثل شكلاً من أشكال عبادة آدم، ليتعارض مع الإيمان بالله وتوحيده وعبادته، وكيف يأمر الله عباده بالإشراك به، وهو لا يغفر أن يشرك به؟ ولكنها تحية و تكرمة لآدم من جهة كما حدث من يعقوب لولده يوسف في قوله تعالى:
***64831;وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ***64830;
(يوسف؛ 100)
وهي من جهة أخرى طاعة لله في امتثال أمره وفي تعظيم خلقه كمظهر من مظاهر عظمته.
و هناك نقطة أساسية في هذا المجال، وهي أن اعتبار أي عمل من أعمال الإنسان عبادة لأي شخص، يخضع للنية الدافعة له نحو العمل. فإذا كان السجود خضوعاً للإنسان أو للصنم كان عبادة لهما. وأما إذا كان خضوعاً لله كما لو كان بأمر الله، فهو عبادة الله وإن كان موجهاً لإنسان أو لشيء آخر.وبهذا لا يعتبر تقبيل الحجر الأسود عبادة له لأن ذلك لايتصل بالعظمة الذاتية له بل للأمر الإلهي الذي اعتبره رمزاً من رموز القداسة و شعيرة من شعائر العبادة. إنه أسلوب من أساليب عبادة الله التي حدد لنا شعائرها التي لا نملك أمر تغييرها و لكنها مهما اختلفت فهي موجهة إليه وحده.
وقد أكدت هذا المعنى بعض الأحاديث المأثورة عن أئمة أهل البيت- عليهم السلام –
فقد ورد في تحف العقول عن الصادق (ع): عن السجود من الملائكة لآدم، إنما كان ذلك طاعة لله و محبة منهم لآدم.
وفي قصص الأنبياء عب أبي بصير قال لأبي عبدالله (جعفر الصادق(ع ): سجدت الملائكة ووضعوا جباههم على الأرض قال: نعم تكرمة لله تعالى.
وفي حديث الاحتجاج عن الإمام علي(ع) ضمن حوار مع أحد اليهود: إن سجودهم لم يكن سجود طاعة، إنهم عبدوا آدم من دون الله عزوجل ولكن اعترافاً لآدم بالفضيلة و رحمة له.
إبليس في دوره مع الإنسان
ما هو دور إبليس أمام الإنسان؟
هل يمثل القوة الطاغية التي تشل إرادة الإنسان و تحيط به من بين يديه ومن خلفه، حتى لا تترك له مجالاً للسير في خط الطاعة والانسجام مع إرادة الإنسان..؟
و إذا كان الأمر كذلك، فكيف نفهم تسليط الله له على الإنسان، وكيف ينسجم ذلك مع عدالة الله الذي يتوعد الإنسان على الإنسان على المعصية بالعذاب في الوقت الذي يسلط عليه الشيطان الذي يجبره على المعصية..؟
قد تكون هذه الصورة المألوفة لدى الكثير من أفراد الطبقات الشعبية التي تحاول في كثير من أوضاعها المنحرف إلقاء المسؤولية على الشيطان وتبريء نفسها من مسؤولية الانحراف باعتبار خضوعها الطبيعي لأساليب الشيطان و خطواته، ولكن الصورة القرآنية هي غير ذلك، فليس للشيطان إلا أن يحاول الإضلال بالوسوسة تارة و بإثارة الوعود الكاذبة و التمنيات المعسولة و خلق الأجواء المغرية أخرى.
أما الإنسان فإنه يملك أمام ذلك ، العقل الواعي الذي يميز بين الخير و الشر و الصلاح و الفساد ، و الرسالات السماوية التي تفتح للإنسان سبل معرفة ما يسلكه من طرق تؤدي إلى الله ،وإرادة القوية التي تساعده على تحديد المواقف واستقامة الخطى على الصراط المستقيم. وهذا ما يجعل الصراع بين الإنسان و الشيطان صراعاً متكافئاً يملك فيه الإنسان الاختيار بين أن يريد أو لا يريد ،فيلتقي فيه بكل النوازع الشريرة وبكل الأجواء المغرية و بكل الوسوسات الشيطانية…. فيصارعها بعقله وإيمانه وإرادته، ليقف منها موقف القوي القادر الذي لا يستسلم و لا ينهار أمام كل عوامل الضعف و الانهيار.
وقد أثار القرآن أمامنا – في تصويره لشخصية الشيطان ودوره في إضلال الإنسان – الشعور بقوة الإنسان المؤمن على مواجهة كل قوى في عملية الصراع. أما الذين يخضعون له فليس بسبب ضعف ذاتي بل بسبب تجميد القوى التي يملكونه وتعطيلها عن الحركة و الامتداد و مواجهتهم له دون سلاح، فيقعون صرعى أحابيله و مخططاته.
وعلى ضوء ذلك كله، نعرف كف يكون خلود الشيطان مع الإنسان – الذي يملك كل الأسلحة القوية في الصراع – علامة على الثقة بالإنسان؟ ليختار مصيره على أساس من إرادته وقدرته، لا على أساس من الجبرية ولقهر الذي يجعله ريشة، تتقاذفها الأقدار مع الرياح، إلى مكان سحيق. إنه الفرق بين ينفعل بالأحداث ويخضع لها، وبين الذي يصنع قدره ويخضع الأحداث لإدارته واختياره.
ونقف مع هذه النماذج القرآنية التي توحي لنا بهذا الدور المميز للإنسان مع الشيطان في أكثر ن صورة:
***64831; إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا***64830;
(النساء؛ 117-120)
***64831; قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُورًا وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً***64830;
(الإسراء؛ 62-65)
***64831; قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ***64830; (الحجر؛36-42)
***64831;قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شمائلهم وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ***64830; (الأعراف؛16-18)
***64831;وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ***64830;
(إبرهيم؛22)
حدود السلطة الشيطانية
إننا نلاحظ من خلال هذه الآيات في حوار الشيطان مع الله، أنه يعلن عن عزمه الانحراف بهم عن الخط المستقيم، وذلك بالإحاطة بهم من كل جانب، وتمنيتهم بالوعود المعسولة الكاذبة، في ما ينتظرهم م خير إذا انحرفوا عن الله،. ويمنحه الله ما يريد ن ذلك، ولكنه يحذره من الاستغراق في أوهامه وأحلامه، فهو يملك السلطة المباشرة على الإضلال، فلا يستطيع إضلال من يريد الهدى و يعمل في سبيله ولا يقدر على إغواء من يريد الرشد و يسير على هداه ، بل كل ما يستطيعه أن يمني و يغري و يضغط و يوسوس فيتبعه كل من للأماني والإغراءات وينحني أمام الضغوط المتنوعة من دون مقاومة. وهذا ما يعترف به الشيطان أمام الناس الذين ضلوا بسببه، عندما يقف في يوم القيامة ليواجه حساب المسؤولية، فيتخلص مما يريدون أن يحملوه منها بالإعلان لهم بأن دوره هو الإيحاء و الدعوة و الوسوسة دون يكون له سبيل إلى الإرادة التي تصنع الأعمال بشكل المباشر. و بهذا نعرف كيف تبتعد القضية عن أن تكون انحرافاً عن خط العدالة في تكوين الإنسان وتحريكه وتبقى في إطارها الطبيعي الذي أراده الله، وهي أن تكون سبيلاً من سبل إثارة الصراع داخل الإنسان ، ليختار طريقه من موقع الإرادة، لا من موقع القهر و الإجبار. وهذا ما توحي به الآية الكريمة في قوله تعالى:
***64831;وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ***64830;
(سبأ؛ 20-21)
ولعل الصورة تتضح أكثر إذا تابعنا الآيات الكثيرة التي تعمل على إثارة الإنسان و دعوته إلى أن يتخذ من الشيطان موقف العداوة،الذي لا مهادنة منه و لا مجاملة و توجيهه إلى امتلاك تقرير مصيره بعيداً عن تسويلات الشيطان و تهويلاته.
***64831;فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ***64830; (النحل؛ 98-100)
***64831;إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ***64830;
(فاطر؛ 6)
***64831;وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ***64830; ( الأعراف؛ 200-202)
وقد لاحظنا – و نحن نتابع أجواء الحوار الذي نقله لنا القرآن، في حوار الشيطان مع الله كيف يقف هذا المخلوق من الإنسان موقف الحاقد الذي يريد أن ينتقم و يدمر الإنسان و يعمل على الإساءة إلى المكانة الرفيعة التي وضعه الله فيها، كرد فعل على إبعاد الله له عن ساحة رحمته؛مما يجعلنا لا نجد أي ظل للفكرة المزعومة التي تتحدث عن عنصر المأساة في ذاته الموحدة ، التي لا ترضى بديلاً عن عبادة الله بل نجد مكانها صورة الكائن الذي يخضع لأنانيته المرضية سواء في رفضه لأوامر الله ، أو مواقفه الخاضعة لردود الفعل الذاتية ، دون نظر إلى نتائجها السيئة على مصيره في الدنيا و الآخرة.
اللهمَّ أنكَ سلطتَ علينا عدُواً عليماً بعيوبنا يرانا هو وقبيلهِ من حيثُ لا نراهم .. اللهمَّ أيسهُ منا كما أيستهُ من رحمتكَ وأقنطه منا كما أقنطتهُ من عفوكَ وباعد بيننا وبينهِ كما باعدتَ بينهِ وبين رحمتكَ وجنتك .
***اميييييييييييييييييييييييين