التصنيفات
العقيدة الإسلامية و الإيمان

جامعة الرجال

جامعة الرجال


الونشريس

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الإصلاح كما كان قديماً يكون حديثاً لا يكون إلا بتربية الأفراد المسلمين على القيم القرآنية التي جاءت من عند الله وطبَّقها رسول الله صلي الله عليه وسلم على نفسه ثم طبَّقها على مجتمع المؤمنين التربية الإسلامية على كتاب الله وعلى سُنَّة رسول الله صلي الله عليه وسلم قد نجد كثيراً من المتسلقين يتظاهرون بالدين ويعلنون شعارات دينية ويطبعون برامج دينية لكن ما حالهم عند الصراعات مع إخوانهم في الدين والعقيدة؟ هذا هو الشأن هل تنشأ الصراعات على الأُخُوة الإيمانية التي يقول فيها الله {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} هل يشتركون في العمل بقول الله {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}

كان ولا يزال مبدأهم {إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ} إن جاء على يدي فبها ونعمت وإن جاء على يد غيري فأنا أعاونه على الإصلاح وليس شرطاً أن أكون زعيماً أو قائداً أو ذا شأن المهم أن ينصلح شأن العباد والبلاد لتسود في بلادنا شريعة السماء ونور الله وضياء الله في كل الأرجاء أما أن نتناحر ونتقاتل ونتصارع على المناصب ونتكالب على الكراسي هل هذا في دين الله؟ أبهذا أمر الدين؟ هل على هذا النهج كان أصحاب سيد الأولين والآخرين رضي الله عنهم ؟

حتى أنه عندما اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة بعد انتقال رسول الله صلي الله عليه وسلم وعلم المهاجرون فذهب سيدنا عمر وسيدنا وأبو بكر وسيدنا أبو عبيدة رضي الله عنهم كان كل رجل منهم يُقدم صاحبه ويريد أن تكون البيعة له ويرفض أن تكون البيعة لنفسه لماذا؟ هكذا علَّمهم سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}

لا يعبأ الرجل منهم إن خرج إلى الميدان إن كان جندياً أو قائداً أن يؤم المصلين أو يكون رجلاً من عامة المصلين والنبي صلي الله عليه وسلم علَّمهم أن يكون الدين لله وأن تكون الكفاءة في تولي المناصب بحسب الخبرات في هذه الحياة قد يكون متدّيِّناً وهو الغاية في الإيمان لكن هناك من هو أكفأ منه في هذا المنصب مَن الذي يساوي إيمانه إيمان أبي بكر رضي الله عنه؟

لكن رسول الله صلي الله عليه وسلم يُرسل جيشاً ومن جنده سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر رضي الله عنهم ويأتي قائداً حديث العهد بالإيمان ولكن له خبرته القتالية وهو عمرو بن العاص رضي الله عنه – انظر إلى بُعد نظر الحبيب صلي الله عليه وسلم لتفهم نهجه ولو اتبعنا نهجه سنصيب ونطيب إن شاء الله – جعل عمرو بن العاص قائداً للجيش وتحت إمرته أبو بكر وعمر ليس لأنه أفضل منهما – حاشا لله – ولكن ليقيم المنهج النبوي أنه أكفأ في هذا الباب وهذا باب يحتاج إلى خداع ودهاء

وكان عمرو داهية العرب في هذا الأمر وثبتت فراسة النبي صلي الله عليه وسلم كان هناك قائد روماني في فلسطين بعد ذلك بمراحل في فتح الشام وكان اسمه الأرطبون ولا يستطيع المسلمون كسر شوكته ولا التغلب عليه فأراد عمرو بن العاص أن يعرف حقيقة وجلية أمره وقواته فأرسل إليه يطلب منه أن يأذن لعمرو أن يرسل رسولاً إليه ليحادثه وهو يريد أن يذهب الرسول – بالمعنى العصري – ليتجسس على جيشه ليعرف قوته مَن الرسول الذي أرسله عمرو؟ ذهب عمرو بنفسه في صورة رسول ودخل وقابل الأرطبون وتعرَّف على الجيش ولم يفطن الأرطبون إليه إلا عند خروجه فقال: إنه عمرو اقتلوه ففرَّ عمرو فوصل الخبر إلى سيدنا عمر بن الخطاب فقال (رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب) وكان الأرطبون مشهوراً بالدهاء والمكر

فكان صلي الله عليه وسلم يجعل الكفاءات ولذلك وزَّع الاختصاصات ولم يجمعها في يد واحد أو عدة أشخاص فقال صلي الله عليه وسلم لأصحابه { أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيٌّ بْنُ كَعْبٍ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ}[1] والتزموا بهذه التخصصات

رأى سيدنا عمر رضي الله عنه – وكان حافظاً للقرآن وكان حسن الصوت بتلاوته – المسلمين مفرقين في صلاة التراويح في رمضان فجمعهم على الذي أشار إليه النبي وهو أُبَىْ بن كعب رضي الله عنه لم يقرأ هو القرآن ويصلي بهم مع أنه جدير بذلك لكنه احترم الكفاءات والتخصصات التي وضع أساسها لتمشي عليه الأُمة إلى يوم الدين سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم

وجاء سيدنا عمر رضي الله عنه – وكان مثالاً للحاكم العادل – أقام للناس صلاة التراويح جماعة ولا يصليها معهم ماذا يفعل؟ هم يصلون التراويح وهو يمشي في طرقات المدينة يتفقد أحوال أهلها لا ينبغي لمن يتولى أمر المسلمين أن يكون عابداً طوال الليل يتلو القرآن ويركع ويسجد أولى بذلك أن يتحسس أحوال المسلمين ويقضي حاجاتهم وينظر في مصالحهم لا ينبغي لقائد المسلمين أن يمسك مسبحة في يده ويظل ليله نهاره يسبح الله بلسانه ويترك أمور المسلمين

كان سيدنا عمر لا ينام نهاراً ولا ليلاً إلا غفوة في وقت الضحى فقيل له في ذلك فقال (إذا نمت نهاراً ضيعت رعيتي وإذا نمت ليلاً ضيعت نفسي فجعلت النهار لرعيتي وجعلت الليل لربي ) وكان هذا في بداية توليته للحكم ثم بعد ذلك كان الليل والنهار بعد الفرائض لرعيته لأنه حمل همَّ الأمة على كتفه وعنقه وجعل نفسه مسئولاً مسئولية كاملة عن أحوال رعيته فكان يقوم بالفرائض والنوافل في النظر في مصالح الخلق وقضاء حوائج العباد قيامه الليل في حراسة المدينة

[color="o****"]فيرى مَرة امرأة وصبيانها يبكون وقدر لها موقد على النار فقال: يا أمة الله لِمَ يبكي هؤلاء الصغار؟ قالت: من الجوع قال: ولِمَ لا تطعمينهم وهذا الطعام على النار؟ قالت: هذا قدر فيه ماء أوهمهم بأن فيه طعام حتى يناموا وسأشكو عمر إلى الله قال: ومن أدرى عمر بشأنك؟ قالت: لا ينبغي لمن يكون في مثل مقامه ألا يعرف حالة أحد من المسلمين فزادت همَّه فذهب مسرعاً وكان معه عبد الرحمن بن عوف وفتحا بيت المال وحمل الدقيق على ظهره قال له عبد الرحمن: أحمل عنك قال: وهل تحمل عني أوزاري يوم القيامة؟ وحمل الدقيق على ظهره والسمن في يده وذهب وقال: يا أمة الله ضعي الدقيق وقلبيه وأنا أنفخ لك النار فأخذ ينفخ النار والدخان يخرج على وجهه فيُسود لحيته ويسود وجهه حتى نضج الطعام وأفرغت للصغار فسُرُّوا وضحكوا بعدما أكلوا فقال: يا أمة الله هل تتنازلين بعد ذلك عن مظلمتك في شأن عمر التي ستقدمينها لله ؟ وإذا بعبد الرحمن يناديه بيا أمير المؤمنين فأحسَّت بأنه أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه [/color]

فكانوا يحترمون التخصصات ويجعلون الكفاءات هي التي تتولى المناصب لتحقيق المرادات ولا غرو في ذلك فأنتم تعلمون أن النبي الذي يأتيه الوحي من الله كان يشاور أصحابه وأخذ برأي الخباب بن المنذر في غزوة بدر مع أنه رجل عادي وأخذ بفكرة سلمان الفارسي في القتال في غزوة الأحزاب وما أكثر الأمور التي أخذ فيها بمشورة أصحابه ليعلن لنا أن الأمور في الدنيا ينبغي أن تكون لأهل الكفاءة ما داموا يخشون الله ويعملون بكتاب الله وليس في عملهم الذي يقومون به ما يخالف شرع الله جلَّ في علاه وهذا هو بيت القصيد لكن هل ينبغي أن نجعل الوزراء والمحافظين وكل المسئولين خريجي كلية أصول الدين؟ لا يصح ذلك كيف يكون مدير الإدارة الهندسية أو الطبية خريج كلية أصول الدين؟ لا بد من الكفاءة ما دامت الكفاءة صاحبها متمسكاً بهَدْى الله ويخشى الله، ولا يفعل شيئاً يخالف شرع الله جلَّ في علاه

[1] سنن الترمذي وابن ماجة ومسند الإمام أحمد عن أنس رضي الله عنه




رد: جامعة الرجال

انتقيت فارتقيت بارك الله فيك وجعلها في ميزان حسناتك
جهل الناس بانهم ميسرون كل لما خلق له جعلهم يتكالبون ويتهاتفون على ماليس لهم … وغياب القوة والامانة جعل الناس يقبلون بماهم ليسوا اهلا له … فال الحال بنا الى مانحن عليه …عظم الله اجرنا
اشكرك ثانية على حسن الانتقاء




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.