فازارلي
مبتكر الحركة البصرية اللونية
ابتكر في مجال الفن المعماري أسلوبا جماليا جديدا يتوازى مع ابتكاراته اللونية في مجال الرسم والزخرفة، وجمع هذا وذاك في إطار مذهب إبداعي مستحدث سماه "الفن الحركي" وهو فن يعتمد في بعض خصائصه على الخداع البصري، باستخدام الوان لامعه وتشكيلات لا يراها المرء في البيئة الطبيعية. فيخيل للمشاهد أن تلك الإبداعات والأعمال الفنية والمعمارية تنبض بالحياة، وتتحرك، وتتموج. وفي سنوات السبعينات والثمانيات انتشرت في باريس وغيرها من المدن الفرنسية وخارج فرنسا نحوالف بناية تحمل على واجهاتها أو بجوانبها تصميمات زخرفية ولونية أنيقة دقيقة من صنع هذا الفنان المجري الأصل : "فيكتور دى فازارلي" يقول:" يجب أن يندمج الفن الجمالي في البناء المعماري. لم يَعُد الفنان قادرا اليوم على محاكاة الطبيعية وجمالياتها أو التوافق العملي معها،
بعد أن أعجزته عن ذلك حضارة المدن السرطانية المتضخمة وشبكات الطُرق السريعة.
فأصبح محتما أن يبحث ويخترع محسنات
مبهرة تَوَقَف العالم المعاصر عن إمداد المرء وإشباعه بها".
إن فازارلي فنان كبير رائد في فن التشكيل
أكثر منه في فن التصوير (الرسم).
وهو يسمى أعماله وتصميماته المتعلقة بالفن المعماري: "التوافقات" أو "التكاملات"، "المُدمَجات". فهي ليست أعمالا زخرفية (ديكورية) تزيينية مُضافة أو ثانوية،
وغالبا هي أعمال أساسية جمالية تغير المنظر المعماري (خارجيا وداخليا) كُلية.
وقد بدأ في تنفيذ هذه الرؤية الجديدة عمليا
في أوائل الخمسينيات، وأطلق عليها صحافي أمريكي تعبيرا صار شائعا هو "أُوب-آرت
: Op Art"، أو الفن البصري Optique Art. إنه أسلوب فني حمالي أراد به مبتكرُه أن يصطنع منه توازنا، وتوافقا، وانسجاما (هارمونية)
يَسُر العين، ويستثير الخيال، ويَصرف الذهن
عن مظاهر كثيرة للقُبح والاضطراب في مُدن حديثة وأحياء شوهَها زعم خاطئ بالتقدم والتحضُر.
إن الطبيعة التي أبدعها الخالق سبحانه وتعالى تقدم لنا طواعية وعلانية الجمال الفطري
في كل شئ من مكوناتها وعناصرها.
فلماذا إذن نحاول تكراره وتشويهه؟
سؤال يطرحه فازارلي، ثم أجاب :
" أولى بنا أن نستولد التشكيل الملائم الصحيح الذي هو من مبتكرات الإنسان بدلا من محاكاة الطبيعة ومناظرها المكتملة إبداعا وجمالا وجاذبية".
ولهذا يفضل فازارلي ان يُسميه الناس
فنانا "تشكيليا" وليس رساما مصورا.
إنه لا يتحدى الطبيعة، وانما يقاوم بتشكيلاته ويتصدى بخطوطه وألوانه لأولئك الذين فرضوا ويفرضون أحيانا على البيئة اعمالا تتسم
بالمسخ والتشويه المروع. إن المدينة الحديثة وكذلك المدينة المعاصرة يمكن أن تكون حقا جميلة، متناسقة، وملائمة للمعيشة الهانئة،
حيث يتضافر الجمال مع الحسن في التصميم والإبداع، ثم يندمجان معا في الحياة اليومية
عن طريق الذوق والحب.
وهو يؤكد دائما ويوضح مقصده بقوله:
" إثبات أنه من المستطاع بسهولة
أن تصبح كل المنشآت المعمارية في العالم كله، ضخمه أو خاصه أو شعبية،
بنايات "إنسانية"، إذا ما اندمج في إنشائها العنصر الجمالي بحساسية وإتقان وذوق".
• بداية دخوله في عالم الفن
كانت أحوال المجر الاقتصادية ضعيفة،
فكان على فيكتور أن يبحث عن عمل يكتسب منه، وعلم يؤمن مستقبله. فقضى سنوات متعثرا في دراسة الطب، ثم التحق بمختبر للعقاقير والصيدلية، فعُهِد إليه بكتابة البحوث والتقارير. وتشاء المصادفة السعيدة أن يحتاج المختبر ذات يوم إلى تصميم إعلان، وسمع فيكتور بتلك الرغبة، فأسرع من تلقاء نفسه برسم الإعلان،
فأدهش الجميع بجماله وحسن ذوقه،
فطلبوا منه بعد ذلك غيره ثم أكثروا.
وهكذا دخل فيكتور فازارلي عالم الإعلان والدعاية المربح، وغاص منقِبا في أعماقه لمدة عشرين سنة أو تزيد. فصار عَلَما في هذا المجال
واكتسب خبرة عظيمة وشهرة في بودابست (عاصمة المجر). ثم رحل إلى باريس سنة 1930 وأقام بها، فسحره بيكاسو وماتيس بأعمالهما الفنية، والتقطته وكالة "هافاس" الإعلامية للأنباء ثم وكالة دراجير التي أحسنت استقباله وذودته بطلبات لتصميمات إعلانية كثيرة متلاحقة. فأصبحت المعيشة رغدة، والحياة مترفة،
والمال بالمكيال. فاقتنى السيارات الفارهة، والمكشوفة الفاخرة، وتنقل بين مجالس السمر
في المقاهي والمنتديات الرفيعة المستوى،
خاصة في حي "مونبارناس" ملتقى كبار وصعاليك الأدباء والفنانين، وكان لديه من الوقت متسع لدراسة سر فن الجرافيك.
امتدت هذه الحياة الهنيئة المثمرة إلى سنة 1945، لكنها لم تخل من بعض المتاعب والمنغصات، وبعد سنين عديدة التقى بدنيس رنيه التي ارتبط بها، واتفقا معا على أداء قفزة جريئة بعد أن عَلِمت أنه لم يبع في حياته سوى لوحة واحدة من رسمه كفنان مصور، اتفقا على أن تفتح دنيس رينه متجرا لبيع لوحاته (ورسوم آخرين)،
وأن يترك هو نهائيا مجال الإعلان والدعاية
ليتفرغ للرسم فقط. واتجه في البداية
إلى رسم اللوحات السريالية، ثم سئم من هذا الأسلوب فتحول إلى الفن التجريدي،
ومالبث أن مله فتركه.
merciiiiiiiiiiiiii