* فأما الأمور الخارجية: فهي كل ما يصل سمعنا، أو يظهر أمام أبصارنا فيلهينا ويفرق ما تجمع من فكرنا، ويجمع ما تشتت من همومنا، الراجع لضعفنا وسرعة انجرارنا، وعلاج ذلك يكون بقطع الأسباب إلى ذلك من قبيل غض البصر والاقتراب من حائط و الابتعاد من موضع منقوش أو فرش مزخرف والنظر في موضع السجود، حتى لا تتسع دائرة النظر ويتسع معها الانشغال والاهتمام بكل شاردة عوض الانشغال بما نحن مقبلون عليه.
أخرج ابن المبارك رحمه الله في مؤلفه : "الزهد" حديثا مرسلا بإسناد صحيح يثبت ما حدث للرسول صلى الله عليه وسلم إذ أمر بتجد يد شراك نعله، ثم نظر إليه في صلاته إذ كان جديدا، فأمر أن ينزع منها ويرد الشراك الخلق.
وأخرج الإمام النسائي من حديث لابن عباس بإسناد صحيح، أنه صلى الله عليه وسلم كان له خاتم في يده وكان على المنبر فرماه وقال:"شغلني هذا نظرة إليه ونظرة إليكم"
* وأما الأمور الذاتية الباطنة: فلا يغني معها غض بصر أو لزوم حائط، بل يلزمها استعداد قبل تكبيرة الإحرام بالتفكير بما هو أجل وأعظم ألا وهو الإقبال على الله عز وجل والوقوف بين يديه وحلاوة مناجاته واستمطار رحمته.
فالخواطر والشهوات الجاذبة للفكر والقلب لا تنفع معها المهادنة، بل لا بد من المجاهدة ورد القلب إلى حيث كان، إلى الصلاة حتى نظفر من صلاتنا بشطرها أوكلها ولم لا الظفر بالكينونة مع ربنا، فيكون معنا ويكتبنا مع المفلحين الذين قال عنهم الله عز وجل:***64831; قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون***64830; [2]
فصلاة هؤلاء المؤمنين المفلحين مقرونة بالخشوع. ثم زاد الله عز وجل أن جعل سبيل الفلاح في الحفاظ عليها إذ يقول سبحانه: ***64831; والذين هم على صلواتهم يحافظون***64830; [3]
فالفلاح الأكبر هو وراثة الفردوس والخلود فيها هو ثمرة الحفاظ على الصلاة والخشوع فيها، قال تعالى:***64831; أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون***64830; [4]
، ويؤكد هذا المعنى الأستاذ عبد السلام ياسين إذ يقول :"روح الصلاة الخشوع فيها، وهذا لا يأتي إلا بصحبة الخاشعين، وبالكلمة الطيبة حين تخالط بشاشتها القلوب…. يحمل كل امرئ نفسه على الحضور في كل صلاته ما أمكن، فانه لا يكتب له من صلاته إلا ما حضر فيه بقلبه ونيته مع الله عز وجل، والغفلات من طبيعتنا، فأدنى ما علينا وأقصى ما نستطيع أن نجتهد لنذكر الله كلما نسينا" [5]
ما ينبغي أن يحضر في القلب
لا تجب الغفلة عن التنبيهات في شروط الصلاة وأركانها، فإذا سمعت المؤذن فأحضر في قلبك هول النداء يوم القيامة وشمر بظاهرك و باطنك للإجابة والمسارعة.
* فأما الطهارة فإذا بدأت بمكانك وثيابك وبشرتك، فلا تغفل عن لبك وقلبك فطهره بالتوبة والندم على التفريط.
* وأما ستر العورة فمعناه تغطية مقابح بدنك عن أبصار الخلق، فلا تنس عورات باطنك وفضائح سرائرك التي لا يطلع عليها إلا ربك عز وجل.
* وأما استقبال القبلة فاصرف وجهك جهة البيت وقلبك إلى الله عز وجل.
* وأما الاعتدال قائما فإنما هو مثول بالشخص والقلب بين يدي الله عز وجل.
* وأما النية فاعزم على إجابة الله عز وجل في امتثال أمره بالصلاة وإتمامها وإخلاص كل ذلك لوجه الله سبحانه رجاء لثوابه وخوفا من عقابه وطلبا للقرب منه.
* وأما التكبير فإذا نطق به لسانك فينبغي ألا يكذبه قلبك، فإن كان في قلبك شيء هو أكبر من الله سبحانه فالله يشهد إنك لكاذب.
* وأما دعاء الاستفتاح فأول كلماته قولك: "وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض…" وليس المراد بالوجه الوجه الظاهر، فإنك إنما وجهته إلى جهة القبلة، وإنما وجه القلب هو الذي تتوجه به إلى فاطر السماوات والأرض، فانظر إليه، أمتوجه هو إلى أمانيه في السوق والبيت أم مقبل على فاطر السماوات ؟
* وأما القراءة فإذا تلوت الفاتحة فكن من الذين قال فيهم الله عز وجل فيما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، نصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل يقول العبد: الحمد لله رب العالمين فيقول الله عز وجل: حمدني عبدي "
* وأما الركوع والسجود فينبغي أن تجدد عندهما ذكر كبرياء الله سبحانه وترفع يديك مستجيرا بعفو الله عز وجل من عقابه، وعندما تهوي إلى السجود وأعلى درجات الاستكانة فتمكن أعز أعضائك وهو الوجه من أذل الأشياء وهو التراب فإنك تكون قد وضعت نفسك موضع الذل، فاعلم أنك وضعتها موضعها ورددت الفرع إلى أصله.
* وأما التشهد فإذا جلست له فاجلس متأدبا وصرح بأن جميع ما تدلي به من الصلوات والتحيات لله وأحضر في قلبك النبي صلى الله عليه وسلم وشخصه الكريم وجميع عباده الصالحين.
* وأما السلام فاقصد فيه السلام على الملائكة الحاضرين وانو ختم الصلاة به، واستشعر شكر الله سبحانه على توفيقه لإتمام هذه الطاعة وتوهم أنك مودع لصلاتك وأنك ربما لا تعيش لمثلها.
وفقنا الله جميعا لإقامة الصلاة حق الإقامة وأعاننا على أدائها ظاهرا وباطنا وجعلنا جميعا من المفلحين الذين هم في صلاتهم خاشعون والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
[1] "الكشاف " ج1/ص11 [2] المؤمنون، الآيتان 1-2. [3] المؤمنون، الآية 9. [4] المؤمنون، الآيتان 10-11 [5] "المنهاج النبوي" ص156-157
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا علي الموضوع اكثر من رائع